المرتقی الی الفقه الارقی: کتاب الحج المجلد 2

اشارة

سرشناسه : روحانی، سیدمحمدصادق، 1303 -

عنوان و نام پديدآور : المرتقی الی الفقه الارقی: کتاب الحج/ السید محمد الحسینی الروحانی، السید عبدالصاحب الحکیم.

مشخصات نشر : بیروت: دارالجلی، 1419ق.= -1377

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 1500 تومان : 964-5972-33-7

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

مندرجات : ج. 1. تقریر الابحاث.

موضوع : حج

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : حکیم، عبدالصاحب، 1319 - 1361.

رده بندی کنگره : BP188/8/ر85م4 1374

رده بندی دیویی : 297/357

شماره کتابشناسی ملی : 3015506

[تتمة الركن الأول في المقدمات]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[المقدمة الرابعة: فى المواقيت]

اشارة

المقدمة الرابعة: فى المواقيت و الكلام في أقسامها و أحكامها،

[أما أقسامها: المواقيت ستة]

اشارة

أما أقسامها: المواقيت ستة (152):

[لاهل العراق: العقيق]

لاهل العراق: العقيق (153).

______________________________

(152) و عدّها البعض خمسة و آخرون سبعة و غيرهم عشرة و خامس أحد عشر. و الاختلاف ناشئ من إختلاف الملحوظ فى العدّ، و لذلك كان الأمر سهلا.

و قد بيّن فى «الجواهر «1»» وجه تشعّب الاقوال في تعدادها، فراجع.

و المهمّ تحقيق حال كل ما ذكر جواز الاحرام منه و مشروعيته فيه.

(153) هذا فى الجملة مما لا إشكال فيه للنصوص «2» الكثيرة، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تجاوزها إلا و أنت محرم، فانه وقّت لأهل العراق و لم

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 102، الطبعة الاولى.

(2)- باب 1: من ابواب المواقيت و غيره من الأبواب.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 8

..........

يكن يومئذ «1» عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق، و وقّت لاهل اليمن يلملم، و وقّت لاهل الطائف قرن المنازل، و وقّت لاهل المغرب الجحفة و هي مهيعة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله «2»». و نحوها غيرها.

و إنما الكلام فيه في جهتين:

الاولى: في تحديد مبدأه و منتهاه، فقد قيل في مبدئه أنه المسلخ و قيل أنه دون المسلخ ستة أميال. كما اختلف في أن منتهاه ذات عرق أو غمرة. و الوجه في وقوع الاختلاف فيهما هو إختلاف النصوص.

و عليه، فمع عدم الاطمئنان بمبدئه و منتهاه فالاحتياط متعين، فلا بد من الاحرام من موضع يعلم أنه من العقيق.

الثانية: في أفضلية الاحرام

من أوله و هو أمر مسلم بين الاصحاب.

فقد قال فى «الجواهر «3»»: «و دليل الافضلية الاخبار و الاجماع»،

و التحقيق: أنه إن تم دليل معتبر فهو، و إلا بني الحكم بالاستحباب على قاعدة التسامح في أدلة السنن.

أما ما دل من الاخبار على الأفضلية، فهو مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السّلام:

«وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل العراق العقيق و أوّله المسلخ، و وسطه غمرة، و آخره ذات عرق و أوّله أفضل «4»». و نحوها رواية يونس بن يعقوب «5».

______________________________

(1)- توقف العامة في توقيت العقيق لاهل العراق لعدم اسلامهم في زمانه صلّى اللّه عليه و آله.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 1: من ابواب المواقيت، ح 2.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 104، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 3: من ابواب المواقيت، ح 4.

(5)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 9

و افضله المسلخ (154)، و يليه غمرة، و آخره ذات عرق.

[لأهل المدينة مسجد الشجرة]

و لأهل المدينة مسجد الشجرة (155)، و عند الضرورة الجحفة.

______________________________

(154) بالحاء المهملة بمعنى الموضع العالي، أو بالخاء المعجمة، بمعنى موضع النزع، فالتسمية على هذا متأخرة عن جعله ميقاتا.

ثم إنه وقع الكلام في الاكتفاء بالظن في تعيين العقيق، فذهب البعض الى الاكتفاء به و لعلّ مستندهم رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«يجزيك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس و الاعراب عن ذلك «1»». و لكن لا ظهور لهذه الرواية فى التعبد بقول الاعراب، بل من الممكن أن يكون لاجل أنه يفيد اليقين أو الاطمئنان، لان قولهم كذلك لعدم الداعي لهم على الكذب، نظير قول القائل: «إذا لم تعرف منزلي

فاسأل صاحب الدكان»، فالتفت.

(155) هذا ممّا لا إشكال فيه لدلالة النصوص الكثيرة عليه، ك:

رواية معاوية ابن عمار المتقدمة.

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «وقّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث الى غمرة، و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، و لأهل نجد قرن المنازل، و لأهل الشام الجحفة، و لأهل اليمن يلملم «2»».

و رواية على بن رئاب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الاوقات التي وقّتها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 5: من ابواب المواقيت، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 1: من ابواب المواقيت، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 10

..........

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للناس فقال: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقّت لاهل المدينة ذا الحليفة و هي الشجرة، و وقّت لأهل الشام الجحفة، و وقّت لأهل اليمن قرن المنازل، و لاهل نجد العقيق «1»»، و مثلها غيرها.

و بعض هذه النصوص و إن كانت ظاهرة في كون الميقات ذا الحليفة لا خصوص مسجد الشجرة، إلا أنها محكومة لما دلّ من النصوص على أن مسجد ذا الحليفة هو مسجد الشجرة، ك:

رواية على بن رئاب المتقدمة.

و رواية الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الاحرام من مواقيت خمسة- الى أن قال:- و وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصلي فيه و يفرض الحج ... «2»».

و رواية «الامالى»: «... و وقّت لاهل المدينة ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة «3»».

و مثلها رواية المقنع «4».

و عليه، فما فى المتن هو المتعين.

يبقى الكلام في جهتين:

إحداهما: فى الجنب

الذي لا يتمكن من الغسل و الحائض بعد الطهر و قبل الغسل مع عدم التمكن من التأخر إلى أن يرتفع العذر و إلا فلا تتأتّى فيه الطرق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 10: من ابواب المواقيت، ح 7.

(2)- المصدر/ باب 1: من ابواب المواقيت، ح 3.

(3)- الصدوق، محمد بن علي: الامالي، ص 518/ المجلس 93.

(4)- الصدوق، محمد بن علي: المقنع فى الفقه (سلسلة الينابيع الفقهية، ج 7: ص 20).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 11

..........

إلا بمجموعها. فقد وقع البحث في حكمه بالنسبة الى الاحرام.

فله طرق خمسة محتملة:

الأول: أن يحرم من الجحفة.

الثاني: أن يحرم حال الاجتياز.

الثالث: أن يحرم مما يحاذي الميقات.

الرابع: أن يحرم من المسجد بعد التيمم.

الخامس: أن يحرم مما قبل المسجد بالنذر.

و لو انسدت هذه الطرق الخمسة، فهل يسقط عنه الحج أو يحرم من غير المسجد؟

مقتضى القاعدة سقوط الحج عنه، لعدم استطاعته، لعدم دليل على مشروعية الاحرام من غير المسجد. و ليس في الالتزام بسقوطه عنه منافاة لاجماع أو ضرورة. و على كل حال فيقع الكلام في كل طريق من هذه الطرق.

أما الاحرام قبل المسجد بالنذر، فسيأتي الكلام فيه. هذا مع اجتماع شرائط صحة النذر، و أما مع فقد بعضها، فلا موضوع له فيما نحن فيه.

و أما التيمم و الدخول الى المسجد و الاحرام منه. فقد أدعي جوازه تمسكا بما دل على أن التراب أحد الطهورين، فانه بإطلاقه يدل على مشروعية التيمم في كل مورد لا يتمكن من الغسل فيه.

و لكن قد ناقشنا في محله في دلالة هذا النص على المدعى. و ذكرنا أن غاية ما يدل عليه تنزيل التراب منزلة الماء في مورد مشروعية التيمم لا غير، هذا مع الاشكال

في مشروعية الوضوء و غيره إذا كانت الغاية مما يتوقف جوازه على الطهارة من دون أن يكون في نفسه مطلوبا، كمس كتابة القرآن، و منها الدخول

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 12

..........

فى المسجد، إلا أن يلتزم باستحبابه.

نعم، يمكن التيمم لاجل الصلاة، فيجوز له أن يدخل المسجد و يمكث فيه إذا قلنا بان المتيمم لغاية يترتب عليه جميع آثار المتطهر.

و أما الاحرام من محاذي الميقات، فمع تمكنه منه لا بأس به بناء على جواز الاحرام من المحاذي لمن لم يتمكن من الاحرام من الميقات و سيأتي الكلام فيه.

و أما الاحرام في حال الاجتياز، فمع التمكن منه فهو يتوقف على وجود بابين له، إذ في صدق الاجتياز على الدخول و الخروج من باب واحد من دون توقف نظر.

و أما الاحرام من الجحفة، فهو يتوقف على أن تكون الجحفة ميقاتا اختياريا لأهل المدينة، إذ مع عدم كونه كذلك و كونه ميقاتا لهم في حال الضرورة لا يشرع له الاحرام منها، لعدم إطلاق للضرورة بحيث يشمل ما نحن فيه، بل هو يختص بالعليل و المريض و نحوهما.

و عليه، فيقع الكلام في أن الجحفة ميقات اختياري لأهل المدينة أو لا؟

و هي الجهة الثانية من الكلام، فنقول: وردت بعض النصوص الظاهرة في كون الجحفة ميقاتا اختياريا آخر لأهل المدينة، ك:

رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن إحرام أهل الكوفة و أهل خراسان و ما يليهم و أهل الشام و مصر من أين هو؟ فقال:

أما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق و أهل المدينة من ذي الحليفة و الجحفة ... «1»».

و رواية معاوية بن عمار: «أنه سأل

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل من أهل المدينة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 1: من ابواب المواقيت، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 13

..........

أحرم من الجحفة، فقال: لا بأس «1»».

و رواية الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلّا محرما «2»».

فان الظاهر من رواية علي بن جعفر أنها بيان للمواقيت بلحاظ العنوان الاولي، و لا وجه للتفكيك بين الجحفة و غيرها لوحدة السياق.

كما أن الظاهر من رواية معاوية بلحاظ الاطلاق أو ترك الاستفصال «3» هو شمول الحكم لمورد الاختيار.

و هكذا الحال في رواية الحلبي، فان مقتضى إطلاق المجاوزة شمولها بصورة الاختيار.

و دعوى أنها لا تدل إلا على كون الجحفة ميقاتا فى الجملة، فمن الجائز أن تكون ميقاتا حال الضرورة فقط.

لا وجه لها، فانها خلاف ظاهر النصوص على ما عرفت، مع أن أدلة المواقيت ليس إلّا هذه الروايات و نحوها مع أنه يتمسك بها في موارد الشك.

فالتفت.

نعم، قد يدعى رفع اليد عن ظهور هذه النصوص لروايتين «4»:

إحداهما: رواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «خصال عابها عليك أهل مكة قال: و ما هي؟ قلت: قالوا أحرم من الجحفة و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحرم من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 6: من ابواب المواقيت، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 6: من ابواب المواقيت، ح 3.

(3)- الترديد ينشأ من احتمال كون القضية حقيقية، فيتمسك بالإطلاق. و احتمال كونها شخصية، فيتمسك بترك الاستفصال اذ لا معنى للاطلاق فيها، كما لا يخفى. (المقرر)

(4)- وسائل الشيعة، ج 8/

باب 6: من ابواب المواقيت، ح 4 و 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 14

..........

الشجرة؟ قال: الجحفة أحد الوقتين فأخذت بادناهما و كنت عليلا».

و الأخرى: رواية أبي بكر الحضرمي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهلّ حتى أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا، فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون: لقيناه و عليه ثيابه و هم لا يعلمون و قد رخّص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة».

فانهما دالتان على تقييد الاحرام من الجحفة بحال الضرورة و يضم إليهما فتوى معظم الاصحاب.

و لكن الانصاف أن الرواية الاولى لا دلالة لها على التقييد، بل هي للدلالة على الاطلاق أقرب، فان قوله عليه السّلام: «الجحفة أحد الوقتين» ظاهر في أن لاهل المدينة ميقاتين.

نعم، قوله عليه السّلام: «و كنت عليلا» لا ينسجم مع قوله السابق، و لكن يمكن أن يكون دفعا للسؤال عن عدم إحرامه من المسجد لافضليته إما لبعده أو التأسي بالرسول صلّى اللّه عليه و آله فكأنه عليه السّلام صار في مقام دفع الايراد عليه من كلتا الجهتين عدم المشروعية و الافضلية.

و لو لم تكن ظاهرة فيما نقوله، فلا ظهور لها في كون الجحفة ميقاتا اضطراريا.

و قوله عليه السّلام: «و كنت عليلا» بيان لكونه مصداق الاضطرار، فتكون الرواية مجملة.

و أما الرواية الثانية، فهي ظاهرة فى المدعى لكنها ضعيفة السند.

و دعوى: انجباره بفتوى المشهور.

تندفع: بانه لم يعلم استناد المشهور إليها بعد وجود دعوى إجمال روايات التوقيت و الأخذ بالقدر المتيقن، و وجود الرواية الأولى مع الاشكال في أصل كبرى جابرية عمل المشهور لضعف السند. فتدبر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الحج، ج 2، ص: 15

..........

ثم إنه قد يدعى دلالة رواية معاوية بن عمار «1» على عدم جواز الاحرام من غير مسجد الشجرة و هي روايته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تجاوزها إلا و أنت محرم- الحديث». و مثلها غيرها. فراجع.

و لكن في دلالتها منع، إذ الظاهر من النهي فيها هو النهي الارشادي إلى عدم مشروعية الاحرام إلا من مسجد الشجرة- كما هو الحال في سائر النواهي الواردة فى المركبات الاعتبارية- و ليس المراد منها حرمة الاحرام من غير المسجد.

و عليه، فدلالتها على حد دلالة سائر الروايات الدالة على كون الميقات هو المسجد مقتصرة عليه، إذ هما تتفقان فى الدلالة على أن مبدأ الاحرام هو مسجد الشجرة و عدم مشروعية الاحرام مما قبله و بعده.

و قد عرفت أن الروايات الدالة على كون الجحفة ميقاتا اختياريا تقيّد تلك الروايات، و بها يرفع اليد عن الاطلاق الدال على التعيين. فالحال مع هذه الرواية كذلك لانها تدلّ بإطلاقها على عدم مشروعية الاحرام من الجحفة، فتقيد بما ظاهره مشروعية الاحرام منها.

و بالجملة: ليس لهذه الرواية مفاد آخر غير مفاد ما دلّ على توقيت مسجد الشجرة و قد عرفت كيفية الجمع بينها و بين نصوص توقيت الجحفة. فلاحظ.

ثم إن صاحب الجواهر «2» ذهب إلى أن الجحفة ميقات اختياري بطريق غير تلك الروايات- إذ هو التزم بالتصرف بتلك الروايات و تقييدها برواية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 16: من ابواب المواقيت، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 112، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الحج، ج 2، ص: 16

[لأهل الشام الجحفة]

و لأهل الشام الجحفة (156).

الحضرمي-، و هو: أن روايات المواقيت تدل على أن الميقات ميقات لاهله و لمن يمر عليه من غير أهله، فاذا فرض أن المدني جاوز مسجد الشجرة بلا إحرام اختيارا و وصل الى الجحفة صدق عليه أنه مرّ على الجحفة فجاز أن يحرم منه.

نعم، يحرم عليه- تكليفا- عدم الاحرام من مسجد الشجرة و الجواز عليه من دون إحرام لأجل رواية معاوية بن عمار.

و من الغريب منه أنه مع التزامه بذلك أخيرا كيف يذهب إلى التصرف في ظهور الروايات الدالة على توقيت الجحفة اختيارا لأجل رواية الحضرمي الضعيفة السند؟

و أما ما ذكره أخيرا، فمع الغض عما حققناه أولا، فصحته تبتني على شمول دليل المرور لكل أحد حتى من مرّ على ميقات قبله و هو أول الكلام، إذ لدعوى انصرافه عن من مرّ على ميقات قبله مجال واسع. مع أنه لو كان شاملا له يقيّد بما دل على عدم مشروعية الاحرام من غير مسجد الشجرة و هو رواية معاوية بن عمار التي عرفت ظهورها في نفي المشروعية لا إثبات الحرمة التكليفية، كما ذهب إليه قدّس سرّه. فلاحظ و تدبر.

ثم إنه لا يخفى أنه لا تشكيك في موقع مسجد الشجرة و الجحفة لعدم ظهور التشكيك فيه على مرّ الزمن مع توفّر الداعي إلى ظهوره لو كان مما يدل على أن موقعها هو المحل المعروف فعلا.

______________________________

(156) كما تدل عليه النصوص المتقدمة و غيرها. نعم، في بعضها أنه وقّت الجحفة لأهل المغرب، كرواية معاوية بن عمار المتقدمة. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 17

[لأهل اليمن يلملم]

و لأهل اليمن يلملم (157).

[لأهل الطائف قرن المنازل]

و لأهل الطائف قرن المنازل (158). ز ميقات من منزله أقرب من الميقات منزله (159).

______________________________

(157) كما تدل عليه النصوص السابقة، و قد اختلف في تحديده، فقيل إنه جبل، و قيل إنه الوادي. فمع عدم الوثوق باحد القولين يتعين الاحتياط.

(158) كما تدل عليه رواية معاوية بن عمار، و في بعضها أنه ميقات أهل نجد. و في بعضها أنه ميقات أهل اليمن. فلاحظ.

(159) هذا الحكم مما لا إشكال فيه لدلالة النصوص «1» الكثيرة عليه، كرواية معاوية بن عمار المتقدمة.

و روايته الاخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله».

و رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله» و نحوها غيرها.

و إنما الكلام في جهتين:

الأولى: في أن المراعى فى القرب مكة أو عرفات؟ و احتمل بعضهم التفصيل بين العمرة، فيراعى فيها القرب إلى مكة لانها المقصد. و الحج، فيراعى فيه القرب الى عرفات لانه المقصد.

و لا يخفى أنه لا وجه لهذا الاحتمال أو الترديد بعد تصريح النصوص بكون المراعى فى القرب مكة- كما رأيت- فانه اجتهاد في مقابل النص؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 17: من ابواب المواقيت، ح 3- 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 18

..........

هذا، مع أنه لا ظهور للنصوص في كون المناط هو القرب و البعد، بل هي ظاهرة في كون المناط عدم العبور على الميقات لان منزله دونه و وراءه في قبال ما كان منزله قبله و سابقا عليه و هذا لا ينافي كونه أبعد عن مكة كما لو كان منزله وراء الميقات

لكنه منحرف عن خطّه انحرافا يوجب أبعدية مسافته إلى مكة من مسافة الميقات.

الثانية: في حكم أهل مكة من حيث إحرامهم، و قد حكي عن ظاهر الاكثر أن إحرامهم من مكة.

و الانصاف أن هذه الروايات لا تشمل أهل مكة، لعدم صدق عنوان: «من كان منزله دون الوقت الى مكة» عليهم.

و قد ادعي دلالة بعض الروايات على الحكم المزبور، كالمرسل «1» سئل الصادق عليه السّلام عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال: «من منزله»، فانه بإطلاقه شامل لأهل مكة.

و لكن لا اعتبار بهذه الرواية لارسالها. و مثلها النبوي الذي ذكره فى «الجواهر «2»»: «فمن كان دونهن فمهلّه من أهله».

و قد يدعى أن إحرامهم من أدنى الحل لما ورد «3» فى المجاور من أنه يحرم من أدنى الحل بضميمة شمول الحكم للمجاور الذي ينتقل فرضه إلى فرض أهل مكة و هو من:

رواية أبي الفضل، قال: «كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من أين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 17: من ابواب المواقيت، ح 6.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 115، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 9: من ابواب اقسام الحج، ح 6 و 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 19

..........

أحرم بالحج؟ فقال: من حيث أحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من الجعرانة، أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح- الحديث».

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إني اريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فأحرم منها بالحج».

و لكن لا يمكن الاستدلال

بهما على المدعى لاختصاص موضوعهما بالمجاور و لم يعلم أن الحكم فيه لأجل كونه بمنزلة أهل مكة، بل يمكن أن يكون لخصوصية فيه. و صيرورته بمنزلة أهل مكة في عدم مشروعية التمتع له لا يقتضي اشتراكهما في سائر الاحكام.

و أما رواية حريز- عمن أخبره- عمن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي فاذا أراد أن يحج عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعد ما انصراف من عرفة فليس له أن يحرم من مكة و لكن يخرج الى الوقت و كلما حوّل رجع الى الوقت «1»».

فهي و إن كانت ظاهرة في لزوم إحرام المكي من الميقات لتفريعه عدم جواز الاحرام من مكة للمقيم على كونه مكّيا، لكن لا يصلح الاعتماد عليها لارسالها.

و جملة القول: هو أن النصوص الدالة على كون المنزل ميقاتا لا تشمل بظاهرها الأولي أهل مكة، إلا أن يدعى- كما في «المستند «2»»- دلالة رواية معاوية بن عمار المتقدمة: «و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله» على أن إحرام أهل مكة من منازلهم، لان معناها أن من كان منزله خلف

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 9: من ابواب المواقيت، ح 9.

(2)- النراقي، مولى أحمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 187، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 20

..........

هذه المواقيت من طرف مكة و لا شك أن أهل مكة كذلك.

بل ادعى فى المستند إمكان دعوى دلالة غيرها من النصوص على ذلك، بأن يفسر نحو قوله عليه السّلام: «من كان منزله دون الميقات إلى مكة» بان المراد من كان منزله في جميع ذلك

الموضع المبتدئ بدون الميقات المنتهي بمكة. و ذهب الى أن لفظ الأقربية إلى مكة لم يرد في كلام الاطياب عليهم السلام بل ورد في كلام الاصحاب.

فمن وافق «المستند» في استظهاره، فهو في راحة و قرار. و من لم يوافقه بدعوى أن عنوان من كان منزله خلف هذه المواقيت من طرف مكة لا يشمل أهل مكة كما هو واضح. كما أن ظاهر قوله «الى مكة» بيان جهة المنزل إذ دون الميقات له جهتان، فلا تشمل أهل مكة لا أنه بيان لشمول الحكم لأهل مكة فتكون إلى بمعنى حتى العاطفة. و- من لم يوافقه- على ذلك:

فان اعتمد على المرسلتين السابقتين اللتين أطلق فيهما التعبير بخلف المواقيت و توافقهما رواية رياح، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنا نروي بالكوفة أن عليّا صلوات اللّه عليه قال: إن من تمام الحج و العمرة أن يحرم الرجل من دويرة أهله، فهل قال هذا عليّ عليه السّلام؟ فقال: قد قال ذلك أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لمن كان منزله خلف المواقيت- الحديث «1»».

و إن لم يعتمد على هذه النصوص للتشكيك «2» في شمول «خلف المواقيت»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 11: من ابواب المواقيت، ح 4.

(2)- لم يرتض السيد الاستاذ دام ظله هذا التشكيك- و قد كنت اتخيّل انه ينبي عليه- بل ذهب الى ان ظاهر الرواية إرادة ما خلف المواقيت من جهة مكة لانها في مقام بيان حكم من لم يمر على المواقيت، فلا يمكن ان يريد بها خلف المواقيت من الجهة المعاكسة لمكة. و اذا كان المراد بها ما عرفت كان اطلاقها شاملا لاهل مكة. و عمدة المناقشة في هذه الروايات ضعف سند الاخيرة و ارسال الاولتين.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 21

..........

لاهل مكة بعد العلم بضرورة إضافة هذا التعبير الى مكان، فلعل المراد به «خلف المواقيت إلى مكة» فيكون مؤداها مؤدى غيرها، فلا بد من سلوك طريق الاحتياط فيخرج الى الجعرانة فيحرم منها و يجدد إحرامه في مكة جمعا بين الاحتمالين.

هذا، و يمكن استفادة أن كون إحرام أهل مكة من منازلهم أمر مفروغ عنه من رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة، حيث جاء فيها: «أن سفيان فقيهكم أتاني فقال: ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟

قلت له: هو وقت من مواقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال: و أي وقت من مواقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو؟ فقلت: أحرم منها حين قسّم غنائم حنين و مرجعه من الطائف. فقال: إنما هذا شي ء أخذته عن عبد اللّه بن عمر، كان إذا رأى الهلال صاح بالحج. فقلت: أ ليس قد كان عندكم مرضيا؟ فقال: بلى، و لكن أ ما علمت أن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحرموا من المسجد فقلت: إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء و أن هؤلاء قطنوا مكة فصاروا كأنهم من أهل مكة و أهل مكة لا متعة لهم، فأحببت أن يخرجوا من مكة إلى بعض المواقيت- الحديث». فان الذي يظهر من المحاجة بين الامام عليه السّلام و سفيان أن الإحرام من مكة للحج أمر مفروغ عنه و السؤال عن خصوصية المجاورين حتى يؤمرون بالاحرام من الجعرانة.

و الخلاصة: أن إحرام أهل مكة من مكة مما لم يقم عليه دليل قطعي يصح الاستناد إليه و جميع ما ذكر لا يفى بذلك و إن استلزم حصول

الظن. فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 22

و كل من حج على ميقات لزمه الاحرام منه. و لو حج على طريق لا يفضي الى احد المواقيت، قيل: يحرم اذا غلب على ظنّه محاذاة اقرب المواقيت الى مكة (160).

______________________________

(160) حمل صاحب المسالك «1» العبارة على إرادة بيان حكم من لم يمر على ميقات و لم يحاذ ميقاتا، و ان مثل هذا يحرم من مكان يبلغ ما بينه و بين مكة بقدر ما بين مكة و اقرب المواقيت. و حملها غيره على ما هو الظاهر منها من إرادة بيان حكم من لم يمرّ على ميقات فيحرم من محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة.

و لعل الوجه في حمل المسالك العبارة على خلاف ظاهرها أنه لا دليل على ما يتكفله ظاهرها من الحكم.

و أي المعنيين كان مقصود الماتن فهو لا يهم. و إنما المهم تحقيق كل منهما فلدينا فرعان:

الفرع الأول: ما ذهب إليه بعض «2» من: أنه لو لم يمرّ على الميقات أحرم من محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة و يستدل له بالأصل. فان أصل البراءة ينفي وجوب الاحرام مما قبل تلك المسافة لدوران الأمر بين الأقل و الأكثر.

و أما أصل المحاذاة، فيدل عليها النص و هو رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 216، ط مؤسسة المعارف.

(2)- و هو الماتن و الشهيد الثاني قدّس سرهما كما فى «مسالك الافهام» (ج 2: ص 216).

المرتقى إلى

الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 23

..........

فيكون حذاء الشجرة من البيداء «1»». و نحوها روايته الاخرى.

و يناقش هذا القول: بان الاصل المزبور لا مجال له هنا، بل المحكّم هو أصالة الاشتغال، سواء قلنا بان الاحرام أمر وضعي مسبب عن العمل الخاص، كالطهارة المسببة عن الوضوء، فيكون الشك شكا فى المحصّل. أو قلنا إنه عبارة عن الدخول في عمل الحج، فيشك في تحققه بعقد الاحرام من محاذي أقرب المواقيت و الأصل عدمه لانه أمر وجودي.

نعم، لو قلنا بان الاحرام عبارة عن نفس الدخول في عمل الحج و قلنا بان الدخول فيه ليس إلا الاتيان بأعماله أمكن إجراء البراءة من لزوم العقد من محاذاة أبعد المواقيت لانه شك في تكليف زائد، و تحقق الاحرام بالعقد من محاذاة أقرب المواقيت للشروع به في أعمال الحج و لكنه تقدير بعيد. و سيأتي إنشاء اللّه تعالى بيان حقيقة الاحرام، فانتظر.

و أما النص، فهو ظاهر في لزوم الاحرام من محاذاة أبعد المواقيت، إلا أن يلتزم بان ذكر محاذاة المسجد لعله من جهة عدم محاذاته لغيره فى الطريق المألوف في ذلك العهد. أو من جهة عدم خصوصية للمسجد بل من باب أنه ميقات بضميمة أن ميقات أهل المدينة أحد المحلّين من الجحفة و مسجد الشجرة، فله الاحرام من محاذي الجحفة.

ثم إن الرواية و إن كانت موضوعها محاذاة مسجد الشجرة، إلا أن التعدي منها لمطلق محاذاة الميقات من جهة العلم بعدم الخصوصية و أن الحكم لعنوان محاذاة الميقات بقول مطلق.

نعم، القدر المتيقن من النص أن الحكم ثابت لخصوص من يأتي من طريق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 7: من ابواب المواقيت، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2،

ص: 24

..........

أرض الميقات، لكنه ينحرف عنه إلى ما لا يمرّ على الميقات دون مطلق المحاذاة و لو كان قد جاء من غير طريق المدينة- مثلا-، لاختصاص موضوعها بالاول. و لا يمكننا دعوى العلم بعدم الخصوصية لاحتمال الخصوصية، إذ المرور بطريق أهل الميقات حيث إنه يعين الاحرام منه، فالاكتفاء بمحاذاته لا يلازم الاكتفاء بمحاذاته و لو مرّ بطريق غير أهل الميقات.

و بالجملة، فالنص قاصر عن شمول هذه الصورة.

الفرع الثاني: ما ذهب إليه بعض «1» من انه لو لم يمر على الميقات و لا ما يحاذيه أحرم من محل بينه و بين مكة ما بين الميقات و بين مكة و هو مرحلتان.

و وجّهه أن هذه المسافة لا يجوز قطعها بدون إحرام، و لزوم الاحرام مما قبلها ينفى بأصل البراءة، و لا يلزم الاحرام من الميقات لظهور أدلته في أن لزوم الاحرام منه لمن أتى عليه.

و فيه: ما عرفت من أن الاصل يقتضي الاشتغال إلا على تقدير بعيد. و عدم جواز قطعها بدون إحرام لا دليل عليه إذا لم يمرّ على ميقات أصلا.

و عليه، فمقتضى الاحتياط أن يحرم من الميقات أو ما يحاذيه بان يذهب إليهما.

و الاحرام من أدنى الحل- كما التزم به بعض «2»- لا دليل على مشروعيته.

و ينبغي التنبيه على أمور:

الأول: هل يصح الاحرام مما يحاذي الميقات لو مرّ على طريق يفضي الى الميقات؟

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 216، ط مؤسسة المعارف.

(2)- الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الاحكام، ج 1: ص 417، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 25

..........

الظاهر العدم، لظهور دليل المحاذاة في سلوك طريق غير طريق الميقات. و منه تعرف أنه

لا يصح بدليل المحاذاة إحرام الجنب و الحائض من حذاء مسجد الشجرة لو أتوا عليه. و قد مرّ الكلام فيه في أول بحث المواقيت.

الثاني: في الاكتفاء بالظن و تأثيره في الإجزاء.

فقد ذهب قسم من الفقهاء «1» الى الاكتفاء بالظن بدليل نفي العسر، لعسر تحصيل العلم و تمسكا بالاصل.

و لا يخفى أنه لو سلم صغرويا، فلا يقتضي دليل نفي العسر حجية الظن. و قد يدعى إجزاؤه عند انكشاف الخلاف. و هكذا الحال بالنسبة الى الأصل.

و تحقيق الكلام: أنه إما أن نقول باعتبار الظن من باب أنه طريق يكشف عن الواقع و حجة عليه، و الدليل عليه دليل الانسداد لانسداد باب العلم غالبا.

أو نقول باعتباره من باب ظهور دليل المحاذاة في إرادة المحاذاة الظنية فيكون الظن جزء الموضوع و وجهه عدم إحراز المحاذاة الدقية غالبا.

فعلى الأول: لا وجه لدعوى الاجزاء لو انكشف الخلاف سواء كان قبل الوصول إلى المحاذاة الواقعية أو بعدها، لما تقرر في محله من الاصول من عدم إجزاء الاوامر الظاهرية.

و عليه، فلا وجه لما ذهب إليه فى «الجواهر «2»» من الاجزاء باعتبار أنه مقتضى القاعدة.

و على الثاني: فلا معنى لانكشاف الخلاف لثبوت موضوع الحكم سابقا. و مقتضى الدليل عدم الفرق بين ارتفاع الظن و العلم بعدم المحاذاة قبل المحاذاة

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 216، ط مؤسسة المعارف.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 117، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 26

..........

الواقعية أو بعدها، إلا أن يدعى قصور الدليل عن اعتبار المحاذاة المظنونة إذا انكشف الخلاف قبل المحاذاة الواقعية.

هذا و لكنه لا دليل على اعتبار الظن باحد الوجهين، لعدم الدليل عليه

لامكان تحصيل العلم، فان حصل فهو المتّبع و إلا فيتعين الاحتياط.

الثالث: فيمن حج عن طريق الجوّ، فانه يقع البحث في أنه هل تحقق المحاذاة فى الجوّ أولا؟ و الظاهر أنه لا تتحقق المحاذاة إلا باحد وجهين:

الأول: أن نقول بان الميقات من تخوم الارض إلى عنان السماء، فاذا مرّ على المدينة مثلا فقد حاذى مسجد الشجرة.

و لكن هذا القول لا وجه له، إذ لم يثبت هذا المعنى إلا فى الكعبة الشريفة، أما غيره فلا يتبعه من الفضاء إلا ما يعد من حريمه أو ما يقبل الانتفاع به عرفا.

الثاني: أن يمرّ على الميقات نفسه بان يكون فوقه و نقول بصدق المحاذاة المعتبرة عليه.

و لكنه موضع تأمل، إذ من المحتمل قويا كون المحاذاة لا تصدق إلا إذا كان المحاذي عن يمين المحاذى أو شماله فلا تصدق فيما إذا كان تحته. كما أنك عرفت أن المتيقن من دليل المحاذاة هو المحاذاة الناشئة عن سلوك طريق أهل الميقات مع الانحراف عنه، و هو لا يشمل ما إذا كان فى الطائرة مع البعد الكبير بين الطائرة و الميقات. كما أنه لا يصدق الاتيان على الميقات بالمرور فوقه حتى يكون مشمولا لدليل الاحرام منه لمن أتى عليه.

و لو قلنا- تنزلا- بصدق المرور به، فالمجاوزة غير محرمة تكليفا، لما عرفت من أن النهي الوارد عن المجاوزة محمول على النهي الارشادي لانه الظاهر في باب المركبات و في خصوص المقام لتفريعه على قوله عليه السّلام: «من تمام الحج و العمرة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 27

و كذا من حج فى البحر. و الحج و العمرة متساويان [يتساويان، خ ل] في ذلك (161).

أن تحرم من المواقيت ... «1»». و مرجع

النهي الارشادي الى عدم صحة الاحرام من غير الميقات، و واضح إرادة طبيعي الميقات أو أحدها لا جميعها، فاذا جاوز أحدها و أحرم من الأخر صح إحرامه.

نعم، لو كان تحريميا كان دالا على حرمة مجاوزة كل ميقات لعدم امتناع إرادة العموم الاستغراقي.

و عليه، فلا إشكال فيمن مرّ على جوّ المدينة قاصدا جدة ثم مكة أن يحرم من الجحفة. خصوصا بعد ما عرفت أنها ميقات اختياري لأهل المدينة.

و جملة القول: أنه لا نجد فرقا بين ذهاب الحاج من جدة إلى مسجد الشجرة أو إلى الجحفة أو غيرهما.

نعم، لو ورد المدينة أمكن الذهاب إلى لزوم إحرامه من المسجد و عدم جواز ركوبه الطائرة منها إلى جدة و الاحرام من الجحفة لما ورد من النص «2» في ذلك، هذا بناء على ان الجحفة ليست ميقاتا اختياريا و إلا جاز الاحرام منها، و قد تقدم الكلام فيه، فراجع.

______________________________

(161) يعني في لزوم الاحرام من الميقات.

و قد ذهب الاصحاب إلى أن المفرد و القارن إذا أرادا الاعتمار بعد الحج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 16: من ابواب المواقيت، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 8: من ابواب المواقيت، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 28

و يجرّد [تجرّد، خ ل] الصبيان من فخّ (162).

لزمهما الخروج إلى أدنى الحل فيحرمان منه، و استدل له ببعض النصوص، و تحقيق ذلك نوكله إلى بحث العمرة، فانتظر.

______________________________

(162) اختلف في جواز الاحرام بالصبيان من فخ.

فذهب جمع إلى جوازه و منهم صاحب المدارك «1» و يستدل له برواية أيوب أخي أديم، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام من أين يجرّد الصبيان؟ قال: «كان أبي يجردهم من فخ «2»». و مثلها رواية علي بن

جعفر عليه السّلام. فان ظاهر التجريد هو الاحرام بهم على سبيل الاستعمال الكنائي.

و لكن استقرب فى «الجواهر «3»» عدم الجواز و جعله الاقوى، لاطلاق ما دلّ على لزوم الاحرام من الميقات، و احتمال أن يكون المراد بالتجريد معناه المطابقي بان يكون اللازم فى الصبيان الاحرام بهم من الميقات و لكن لا يجردون من ثيابهم إلا في فخ لغلبة الضعف فيهم المانع من تحملهم البرد و نحوه.

و يقرب «4» ذلك ما سيأتي فى الضعيف من ذلك. فانه يمنع من استقرار ظهور التجريد في معناه الكنائي، خصوصا بملاحظة أن «فخ» لا تكون على سائر الطرق الموصلة الى مكة.

و دعوى: إن حكم من يأتي على غير طريقها الاحرام من أدنى الحل

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 227، ط مؤسسة آل البيت عليه السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 18: من ابواب المواقيت، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 121، الطبعة الاولى.

(4)- سيأتى من سيدنا الاستاذ دام ظله خلافه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 29

[أما أحكامها ففيه مسائل]

اشارة

و أما أحكامها ففيه مسائل:

[الأولى: من أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد احرامه]

الاولى: من أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد احرامه (163)، إلا لناذر بشرط أن يقع احرام الحج في اشهره، أو لمن أراد العمرة المفردة في رجب و خشي تقضّيه (164).

لا شاهد عليها.

و بالجملة، فلا يمكننا الجزم بظهور النص في جواز تأخير الاحرام الى «فخ» بل إرادة جواز تأخير لبس المخيط منه قوية جدا.

______________________________

(163) لدلالة النصوص الكثيرة عليه، ك:

رواية ابن اذينة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «و من أحرم دون الوقت فلا إحرام له «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الاحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها ... «2»».

و رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: «و ليس لاحد أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فانما مثل ذلك مثل من صلّى فى السفر اربعا و ترك الثنتين «3»».

(164) أستثني من الاحرام قبل الميقات صورتان:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 9: من ابواب المواقيت، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 11: من ابواب المواقيت، ح 1.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 30

..........

الصورة الأولى: ما إذا نذر الاحرام قبل الميقات، فانه يشرع له ذلك لدلالة النصوص عليه، كرواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة؟ قال: «فليحرم من الكوفة و ليف للّه بما قال «1»».

و بعد ورود النصوص الدالة على المشروعية التي منها الصحيح، فلا مجال للتشكيك في ذلك أو منع ذلك

بانه يتنافى مع اشتراط رجحان متعلق النذر في انعقاده، فانه اجتهاد في قبال النص.

مع أنه لا إشكال من هذه الجهة، إذ قد تصدى الاعلام إلى نفيه، فراجع بعض مباحث العموم فى الاصول.

ثم إن ظاهر النصوص مشروعية الاحرام قبل الميقات بالنذر بمعنى القبلية المكانية دون الزمانية، إذ لا دليل على مشروعيته، فلا يصح إحرام عمرة التمتع قبل أشهر الحج.

و هل يلحق بالنذر العهد و اليمين؟ الظاهر عدم الالحاق لانه حكم على خلاف القاعدة الأولية. و القدر المتيقن من النص بل ظاهره أن موضوعه النذر دون غيره. فلا يثبت الحكم لغير. نعم، رواية أبي بصير مطلقة و لكنها ضعيفة السند. كما أن الظاهر من النصوص نذر الاحرام المتعارف التام دون الناقص، كنذر الاحرام بالطائرة قبل الميقات. فلاحظ.

و هل يشترط تعيين المكان أو لا، فيشرع الاحرام لو نذر قبل الميقات بقول مطلق؟

الظاهر الثاني لظهور عدم خصوصية لنذر الاحرام من المكان الخاص و إنما الموضوع الاحرام مما قبل الميقات. و هو محطّ السؤال و المنظور فيه. فلاحظ.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 13: من ابواب المواقيت، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 31

..........

الصورة الثانية: ما إذا أراد إدراك عمرة رجب و خاف فوت الشهر اذا لم يحرم قبل الميقات، فانه يشرع له الاحرام قبل الميقات لدلالة النص عليه، ك:

رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال «هلال شعبان» قبل ان يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أم يؤخر الاحرام الى العقيق و يجعلها لشعبان؟ قال: «يحرم قبل الوقت لرجب فان «فيكون» لرجب فضلا و هو الذي نوى «1»».

و رواية معاوية

بن عمار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلا أن يخاف فوت الشهر فى العمرة «2»».

و هذه الرواية و إن كانت ظاهرة في مطلق العمرة في كل شهر بلحاظ أن لكل شهر عمرة، و لكن ذكر صاحب الجواهر «3» أنه لم يجد عاملا بها، مع احتمال كون اللام للعهد و المعهود هو شهر رجب لتعارف العمرة فيه، مضافا الى التعليل الوارد في رواية إسحاق من أن لرجب فضلا الظاهر في اختصاص الحكم برجب دون غيره.

و بالجملة، من مجموع ذلك لا يحصل لنا الاطمئنان بإطلاق الرواية.

ثم إنه لا يتعين عليه تأخير الاحرام الى آخر الشهر لاطلاق النصّ فله الاحرام من أي موضع شاء إذا تحقق موضوعه و هو خوف عدم إدراك العمرة لو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 12: من ابواب المواقيت، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 124، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 32

[الثانية: اذا أحرم قبل الميقات لم ينعقد احرامه]

الثانية: اذا أحرم قبل الميقات لم ينعقد احرامه (165)، و لا يكفي مروره فيه ما لم يجدد الاحرام من رأس، و لو أخره عن الميقات لمانع ثم زال المانع عاد الى الميقات (166).

أخره الى الميقات.

______________________________

(165) لظهور ما تقدّم من النصوص في عدم مشروعيته، فراجع.

(166) لا يخفى أنه لا يشرع الاحرام من غير الميقات من الامكنة السابقة عليه و المتأخرة عنه لما دل من النصوص عليه.

و لو لم يتمكن من تجريد ثيابه أو غيره من محرمات الاحرام أو واجباته من الميقات لعلة، فالاقوال فيه ثلاثة:

الأول: أنه يحرم من محل زوال

العذر و لا يلزمه العود الى الميقات.

الثاني: ما عن ابن إدريس «1» و قوّاه فى «الجواهر «2»» من لزوم نيّة الاحرام و التلبية من الميقات ثم التجريد عند زوال العذر.

الثالث: ما فى المتن من أنه يعود الى الميقات مع الامكان، فان تعذّر أحرم من موضعه إن لم يكن دخل مكة و إلا خرج الى حدود الحرم إن أمكن.

و يستدل للأول بروايتين:

الأولى: رواية أبي شعيب المحاملي، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليه السّلام،

______________________________

(1)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 527، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 125، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 33

..........

قال: «إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه الى الحرم «1»» بضميمة استظهار أن تأخير إحرامه الى الحرم إذا استمر العذر، فالرواية تدل على أن العذر مسوّغ لتأخير الاحرام حتى يصل الى حدود الحرم.

و الثانية: رواية صفوان بن يحيى، عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام- في حديث-:

«... فكتب إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقّت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات إلا من علة «2»».

و يستدل للثاني بوجهين:

الأول: قاعدة الميسور، فانها تقتضي مشروعية الاحرام الناقص.

الثاني: رواية الحميري: «أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء، و يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخر إحرامه الى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز إلا أن يحرم من المسلخ؟ فكتب إليه فى الجواب:

يحرم

من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبّي في نفسه فاذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره «3»».

و يستدل للثالث بروايات، منها: رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ترك الاحرام حتى دخل الحرم، فقال: «يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فان خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 16: من ابواب المواقيت، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 15: من ابواب المواقيت، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 2: من ابواب المواقيت، ح 10.

(4)- المصدر/ باب 14: من ابواب المواقيت، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 34

..........

و يمكن مناقشة استدلال الوجه الأول:

أما رواية المحاملي، فلضعف سندها بالارسال و إن كانت دلالتها «1» لا بأس بها.

و أما رواية صفوان، فهي إنما تدل على جواز الاحرام من بعد الميقات لمن فيه علة، لما عرفت من حمل النهي فيها عن المجاوزة على الارشاد الى عدم صحة الاحرام من غير الميقات لا التحريم و مع التمكن من العود الى الميقات لا يصدق أنه ذو علة، فلا يكون الاحرام من غير الميقات لعلة.

كما أنه يمكن مناقشة استدلال القول الثاني:

أما قاعدة الميسور، فلأنه لو سلم تماميتها فهي إنما تجري في مورد يكون غير المتعذر معظم الاجزاء بحيث يعدّ ميسورا من المعسور، و مجرد النية و التلبية في الاحرام ليست كذلك كما لا يخفى جدا. مع أنه لو كان يتمكن من العود الى الميقات بعد ارتفاع عذره، لم تجر في حقه قاعدة الميسور، لتمكنه من الإحرام التام من الميقات.

و أما مكاتبة الحميري، فمع الغض عن سندها لا تدل على المدعى لوجهين:

الأول: أن موضوعها

مورد التقية و لا وجه للتعدي منه إلى غيره لاجل ثبوت أحكام ثانوية في باب التقية لا تثبت في غيرها من موارد الأعذار.

الثاني: أنها ظاهرة في تحقق افعال الاحرام كلها فى الميقات لان ذات عرق من العقيق كما تدل عليه كثير من النصوص. نعم، يتخلل بينها فصل و تقع بنحو التدريج، و هذا لا يرتبط بما نحن فيه اذ محل الخلاف فيما نحن فيه هو إتيان سائر

______________________________

(1)- دلالة رواية المحاملي مخدوشة لتعليقها الحكم على الخوف فمع تمكنه من الرجوع لا خوف فلاحظ.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 35

..........

أفعال الاحرام بعد تجاوز الميقات. فدلالة الرواية على جواز التفكيك و الفصل في نفس الميقات لا يدل على المدعى.

و أما القول الثالث، فهو المتعين للأخذ به لا لأجل ثبوت الحكم فى الناسي فيثبت لمطلق ذوي الاعذار- كما ذكره فى «المدارك «1»» و استشكل فيه فى «الجواهر «2»» بانه قياس-، بل لأجل المطلقات، كرواية الحلبي المتقدمة و نحوها رواية على بن جعفر، فان موضوعها مطلق التارك للاحرام، و إن لم تشمل العامد لا عن عذر انصرافا أو إجماعا، كما سيأتي الكلام فيه.

و لكن الإشكال في هذه المطلقات و غيرها مما ورد في خصوص الجاهل و الناسي: أن الحكم فيها بالاحرام من مكانه أو من الحرم مترتب على تعذر الرجوع إلى الميقات لأجل خوف فوت الحج و لأجل عدم الوقت لادراكه لو ذهب الى الميقات، فلا تشمل ما لو كان عذره غير ذلك من مرض أو منع حكومة أو خوف عدو و نحو ذلك مع توفر الوقت في نفسه.

و يمكن التخلص عن هذا الاشكال: بان المانع من الرجوع إذا كان عقليا أو شرعيا أمكنه البقاء

في مكانه حتى يضيق الوقت فيحرم منه لانطباق موضوع الحكم المذكور عليه.

و لا يرد أن الظاهر من مثل ذلك ما إذا كان الاضطرار و التضيق طبعيا لا اختياريا، إذ مع المانع العقلي من الرجوع أو الشرعي منه لا يعدّ الاضطرار اختياريا. و إن عدّ في مورد المنع الشرعي، فهو مما لا ينصرف عنه الدليل كما سيتضح.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 231، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 127، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 36

..........

نعم، قد يشكل الحال فيما كان المانع عرفيا كما لو كان الرجوع حرجيا، فان البقاء و عدم الذهاب الى الميقات حتى يضيق الوقت- في هذا الحال- يعدّ من الاضطرار الاختياري.

لكنه يندفع: بان موضوع الحكم فى الدليل أعم من الاضطرار الطبيعي و غيره و إنما اختص بالطبيعي بدعوى انصراف الدليل، و هو إنما ينصرف عن الاضطرار الاختياري إذا كان قادرا عرفا على عدم حصوله أما مع عدم القدرة العرفية كموارد العسر و الحرج فلا ينصرف عنها الدليل و إن كان الاضطرار بالاختيار.

و عليه، فعموم الدليل بالنسبة إليه محكم. فلاحظ و التفت فانه لا يخلو عن دقة.

و بالجملة: نستطيع إثبات الحكم لسائر موارد الاعذار بهذه المطلقات بهذا الاسلوب.

ثم إنه لو لم يتمكن من العود إلى الميقات و كان يتمكن من العود الى ما قبله لزمه العود إلى ما يمكنه، لرواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: «ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض، فتركوها حتى دخلت الحرم؛ فقال

عليه السّلام: إن كان عليها مهلة فترجع الى الوقت فلتحرم منه فان لم يكن عليها وقت «مهلة» فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها «1»». فانها تقيد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 14: من ابواب المواقيت، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 37

فإن تعذر، جدد الاحرام حيث زال. و لو دخل مكة خرج إلى الميقات. فإن تعذر، خرج إلى خارج الحرم. و لو تعذر أحرم من الروايات المطلقة الدالة على الاحرام من مكانه عند تعذر الرجوع إلى الميقات من دون تقييد بتعذّر العود إلى ما دونه. و هي و إن كان موضوعها صورة الجهل لكن يتعدى منها إلى غيرها للعلم بعدم الخصوصية. فلاحظ.

الحاق:

فى المغمى عليه عند الميقات، نقل صاحب المدارك «1» عن المحقق رحمه اللّه فى «المعتبر «2»» أنه ذهب إلى أن من زال عقله باغماء و شبهه سقط عنه الحج و لو أحرم عنه رجل جاز. و استحسنه فى «المدارك».

و لكن وقع الكلام في أن المشروع هو الاحرام به أو الاحرام عنه. ثم وقع الكلام في إجزاء حجه كذلك عن حجة الاسلام.

أقول: لا مجال لهذا البحث و شئونه بعد أن كان حكما على خلاف القواعد الاوليّة، فيحتاج كل شأن فيه إلى دليل خاص. و النص الوارد في شأن المغمى عليه روايتان مرسلتان لا يعتمد عليهما في مخالفة القاعدة و هما روايتا جميل بن دراج. فلاحظ.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 231، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 809، ط مؤسسة سيد الشهداء.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 38

مكة، و كذا لو ترك الاحرام ناسيا (167)،

______________________________

(167) لدلالة النصوص الخاصة عليه، كرواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم، قال: قال أبي: يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فان خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «1»».

ثم إنه أوقع البحث هنا فيما لو نسي إحرام الحج، فهل له الاحرام من المشعر لو ذكره هناك أو ليس له إلا الاحرام من عرفات؟ و هذا البحث ليس محله هاهنا و قد تقدم بعض الكلام فيه في مسألة الكافر لو أسلم في أثناء وقت الحج فراجع.

كما لا مجال للبحث هاهنا عمن نسي الاحرام حتى انقضى الحج بأعماله، فانه مورد دليل خاص و سيجي ء البحث فيه إن شاء اللّه تعالى في محله.

و أعلم أنه في حكم الناسي الجاهل لما ورد من النصوص فيه، كرواية عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف إن رجع الى الوقت أن يفوته الحج؛ فقال: «يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك «2»».

نعم، ظاهر رواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل ترك الاحرام حتى انتهى الى الحرم فأحرم قبل أن يدخله قال: إن كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضي فان ذلك يجزيه إن شاء اللّه، و إن رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فانه أفضل «3»» عدم وجوب الرجوع الى الميقات.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 14: من ابواب المواقيت، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر،

ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 39

أو لم يرد النسك (168).

و لكنها ضعيفة السند، فلا تدعو الى التصرف في ظهور نصوص الوجوب.

______________________________

(168) يعني: أنه إذا تجدد له إرادة النسك لزمه الاحرام من الميقات لو أمكنه و إلا فمن مكانه، فإن من لم يكن مريدا للنسك لا يجب عليه الإحرام من الميقات إذا مرّ عليه كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و استدل لكلتا الصورتين- أعني ما إذا تمكن من الاحرام من الميقات و ما إذا لم يتمكن- بإطلاق رواية الحلبي المتقدمة فيمن ترك الاحرام لعذر.

و تمكن المناقشة فى الاستدلال بها بان ظاهر قوله فى السؤال: «رجل ترك الاحرام ...» إرادة الترك في ظرف وجوب الاحرام عليه و ثبوته في حقه و لو بنحو الاقتضاء، أما من لم يكن عليه الاحرام واجبا لفقدان موضوعه و هو إرادة النسك، فلا يشمله السؤال. و لفظ «ترك» و إن كان عامّا في نفسه لكنه منصرف عن مثل هذه الصورة. و دعوى ذلك غير مجازفة.

و استدل للصورة الثانية- أعني ما إذا لم يتمكن من العود إلى الميقات- بفحوى ما دل على الحكم فى الناسي، إذ مثل هذا الشخص أولى بالتخفيف من الناسي لإمكان تحفظ الناسي، فجواز إحرام الناسي من موضعه يدل بالفحوى على جواز ذلك لهذا الشخص. و قد صرح بهذا الاستدلال في «المدارك «1»» و تبعه عليه فى «الجواهر «2»».

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 234، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 132، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 40

و كذا المقيم بمكة إذا كان فرضه التمتع (169)،

أما لو أخره عامدا لم يصح احرامه حتى يعود الى الميقات، و لو تعذر لم يصحّ احرامه (170).

و فيه: أن هذا إنما يتم لو علم أن ملاك الحكم فى الناسي هو التخفيف و الامتنان عليه فيقال إن هذا أولى بالعذر، و لكن لا دليل على ذلك، فلعل ثبوت الحكم فى الناسي لخصوصية لا ثبوت لها في محل الكلام. فالتفت.

______________________________

(169) قد تقدّم الكلام فيه مفصلا فراجع.

ثم اعلم أن ظاهر الروايات المطلقة و الواردة فى الناسي و الجاهل بل صريحها وجوب العود إلى ميقات أهل بلاده، لكن لا يلتزم بهذه الخصوصية للعلم بعدم كون المقصود تخصيص الحكم به و إنما ذكر لأنه الفرد الغالب و المتعارف لكل شخص، إذ الغالب في كل شخص الاحرام من ميقات بلاده و الحج على طريقها. فالتفت.

(170) لو لم يحرم من الميقات عمدا مع إرادة النسك، فان تمكن من الرجوع الى الميقات فهو، و إلا فهل يجوز له الاحرام من موضعه كمن أخر إحرامه لعذر أو لا يصح إحرامه إلا من الميقات؟

ذهب الاصحاب إلى الثاني، و الّذي يمكن به تصحيح احرامه من غير الميقات وجهان:

الأول: دعوى عدم شرطية الاحرام من الميقات لمن تعذر منه ذلك و لو كان التعذر عن اختيار.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 41

..........

و الجواب عنها واضح، لاطلاق دليل الشرطية فان قوله عليه السّلام: «ان من تمام الحج و العمرة ان يحرم ...» مطلق، بل حتى لو كان الدليل بلسان الأمر، فانه يشمل صورة التعذّر. و لا يصغى الى ما قيل من اختصاص الأمر بحال القدرة، لما بيّن في محله من ان مثل هذه الاوامر إرشاد لا يعتبر في صحته القدرة على متعلقه.

الثاني: اطلاق رواية

الحلبي المتقدمة فيمن ترك الاحرام حتى دخل الحرم، و لا مجال للتوقف عنها سوى دعوى انصراف السؤال عن التارك عمدا و هي دعوى بلا شاهد. فالصناعة تقضي بصحة احرامه و لم يستبعده فى «المدارك «1»».

فلاحظ.

ثم إن صاحب «المسالك «2»» ذهب: إلى انه مع تعذر رجوعه يبطل نسكه و وجب عليه قضاؤه و ان لم يكن مستطيعا للنسك، بل كان وجوبه بسبب إرادة دخول الحرم فان ذلك موجب للاحرام، فاذا لم يأت به وجب قضاؤه.

و أورد عليه: ان ذلك انما يتم لو جاء باعمال الحج بدون احرام لما دل على وجوب قضاء الحج الفاسد الظاهر في كون افساد الحج موضوعا لوجوب القضاء، أما لو لم يأت بأي عمل، فلزوم القضاء عليه يحتاج إلى دليل و ليس لدينا ما يدل عليه.

تنبيه: لا يخفى ان موضوع الروايات المتقدمة و المطلقة و الواردة فى الناسي و الجاهل الدالة على الحكم المزبور من دخل الحرم او مكة بغير احرام. فالحكم فيها بصحة الاحرام من موضعه لو تعذر عليه الرجوع لا يقتضي ثبوت الحكم

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 235، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 222، ط مؤسسة المعارف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 42

[الثالثة: لو نسي الاحرام و لم يذكر حتى اكمل مناسكه]

الثالثة: لو نسي الاحرام و لم يذكر حتى اكمل مناسكه، قيل:

يقضي ان كان واجبا، و قيل: يجزيه و هو المروي (171).

فيما لو لم يدخل الحرم بعد، و تعذر عليه الرجوع الى الميقات، فلا اقتضاء فيها لصحة الاحرام من موضعه كما عليه الفتوى. لاحتمال خصوصية لدخول الحرم.

و لو تنزلنا عن ذلك، فيحتمل ان تكون صحة الاحرام من موضعه خصوصية

فى الحرم لا مطلقا. فيحتمل ان يكون احرام مثل هذا الشخص من حدود الحرم لا من مكانه- كما قد يدعى ظهوره من صحة الاحرام من أدنى الحل من هذه النصوص-.

و بالجملة، فلا وجه للفتوى المزبورة لمن لم يصل الحرم بعد، فاما أن نقول بصحة احرامه من أدنى الحل لو دلّ دليل على صحة الاحرام منه بقول مطلق. أو نقول بعدم صحة حجه لعدم تمكنه من الاحرام الصحيح. فتدبر فان هذا المعنى مغفول عنه في كلمات الاصحاب.

______________________________

(171) مقتضى القواعد الأولية بطلان الحج بدون احرام، لان فقدان الشرط او الجزء موجب لبطلان العمل و عدم وقوعه صحيحا.

لكن ذهب جمع من الاصحاب رحمهم اللّه «1» الى الاجتزاء بالحج بدون احرام اذا كان عدم احرامه عن نسيان و استدل له بوجوه:

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 211، الطبعة الاولى؛ الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 314، الطبعة الاولى؛ المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: المعتبر، ج 2: ص 810، ط مؤسسة سيد الشهداء عليه السّلام؛ الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ص 46، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 43

..........

كقاعدة رفع الحرج بعد ان كان النسيان كالطبيعة الثانية للانسان.

و الاجماع على عدم فوات الحج بفوات شرطه او جزئه نسيانا إلا فى الموقفين، و لذا لا يبطل الحج بنسيان الطواف.

و رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده. قال: اذا قضى المناسك كلها فقدتم حجه «1»».

و مرسلة جميل بن دراج، عن أحدهما عليهما السّلام: «في

رجل نسي ان يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى قال: تجزيه نيته اذا كان قد نوى ذلك فقدتم حجه و ان لم يهل ... «2»».

و عمدة الوجوه رواية علي بن جعفر، إذ قاعدة رفع الحرج لا تثبت الاجزاء، بل تنفي وجوب القضاء ما دام حرجيا. ثم ان الحرج فى القضاء أول الكلام. كما ان كون النسيان طبيعة ثانية لا يلازم غلبة النسيان في الاحرام بل المقصود به الغلبة بنحو عام.

و أما الاجماع، فلم يثبت بل كل جزء و شرط له حكمه الخاص من دليله الخاص، كما سيتضح إن شاء اللّه تعالى.

و اما رواية جميل، فهي مرسلة ليست بحجة، و لم يثبت عمل المشهور بها- لو سلم أنه جابر لضعف السند-، لاحتمال استنادهم الى رواية ابن جعفر أو غيرها من الوجوه.

إذن، فالعمدة هو رواية علي بن جعفر عليه السّلام، فانها تامة السند لكن موضوعها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 20: من ابواب المواقيت، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 44

..........

الجاهل، فثبوت الحكم بها للناسي الذي هو محل الكلام يتوقف:

إما على ادراج الناسي فى الجاهل موضوعا بدعوى ان الجهل عبارة عن عدم العلم و الناسي ليس بعالم قطعا.

أو ادراجه فيه حكما بدعوى عدم خصوصية للجاهل.

و كلاهما محل نظر:

أما الأول: فلاحتمال ان يدعى ان الجاهل ظاهر- وضعا او انصرافا- في غير العالم مع الالتفات، فالتقابل بينهما تقابل العدم و الملكة، فلا يشمل الناسي لغفلته.

و أما الثاني: فدعوى عدم الخصوصية لا دليل عليها. فاثبات الحكم للناسي مشكل، فالمتيقن من الخروج عن القاعدة هو الجاهل.

ثم إن الاصحاب رحمهم اللّه أوقعوا الكلام في حقيقة الاحرام و

هل هو مجرد النية أو هي مع التلبية أو هما مع لبس الثوبين، أو هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة و التلبية هي الرابطة لهذا التوطين نسبتها إليه كنسبة التكبيرة الى الصلاة؟

وجوه و سيأتي تحقيق ذلك مع بيان ان الاحرام هل هو أمر وضعي أولا عن قريب إن شاء اللّه تعالى.

و قد نقل عن المحقق الثاني قدّس سرّه «1» انه التزم بان المنسي ان كان نية الاحرام لم يجز و ان كان المنسي التلبية أجزأ.

و قد يوجّه هذا الالتزام بان الحكم لما كان على خلاف القاعدة اقتصر فيه على القدر المتيقن و هو صورة ما اذا نسي غير النية فان القدر المتيقن من الفتوى.

______________________________

(1)- المحقق الثاني، علي بن الحسين: جامع المقاصد، ج 3: ص 162، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 45

..........

كما ان مقتضى مرسلة جميل ذلك كما لا يخفى.

و يشكل: بان من التزم بالحكم في صورة نسيان الاحرام يلتزم به في صورة نسيان النية لدخولها في الاحرام قطعا و الدليل مطلق كما لا يخفى.

و أما رواية جميل و علي بن جعفر عليه السّلام فظاهرهما ترك النية، لأن من كان يجهل الاحرام أو نساه فظاهر حاله انه لم يأت بالنية و لا التلبية و لا لبس الثوبين. و من الواضح انه اذا أجزأ العمل بترك الجميع فاجزاؤه بترك البعض أولى، و هذا المعنى ذكره فى «المدارك «1»» و تبعه فى «الجواهر «2»».

و رواية جميل و ان كانت ظاهرة فى التقييد بالاتيان بالنية، لكنها مرسلة و لم يثبت انجبار هذا الحكم فيها بعمل المشهور و ان كانت منجبرة من حيث أصل الحكم.

و بالجملة، ان التزمنا برواية

علي بن جعفر و شمولها للناسي فلا وجه لتفصيل المحقق الثاني رحمه اللّه و إلّا فلا ثبوت لأصل الحكم فى الناسي كما عرفت.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 239، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 135، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 47

[الرّكن الثّاني: في أفعال الحج]

اشارة

الرّكن الثّاني:

في أفعال الحج و الواجب اثنا عشر (172): الاحرام؛ و الوقوف بعرفات؛ و الوقوف بالمشعر؛ و نزول منى؛ و الرمي؛ و الذبح؛ و الحلق بها أو التقصير؛ و الطواف؛ و ركعتاه؛ و السعي؛ و طواف النساء؛ و ركعتاه.

و يستحب أمام التوجه (173): الصدقة؛ و صلاة ركعتين؛ و ان يقف

______________________________

(172) ستعرف حكم كل من هذه الأمور و غيرها كل على حدة، كما ستعرف ما هو ركن منها يبطل الحج بتركه سهوا و عمدا، و ما يبطل بتركه عمدا، و ما لا يبطل بتركه عمدا و سهوا، و قد عرفت حال الاحرام و انه مما يبطل الحج بتركه عمدا و نسيانا و لا يبطل بتركه جهلا.

(173) لا يهمنا كثيرا البحث فيما ذكره قدّس سرّه من مستحبات السفر لعدم شبهة الوجوب فيها، فمن اراد الاطلاع فليراجع المطوّلات.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 48

على باب داره؛ و يقرأ فاتحة الكتاب أمامه و عن يمينه و عن شماله و آية الكرسي كذلك؛ و أن يدعو بكلمات الفرج و بالادعية المأثورة؛ و أن يقول اذا جعل رجله بالركاب: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، بسم اللّه و باللّه و اللّه اكبر»؛ فاذا استوى على راحلته، دعا بالدعاء المأثور.

[القول فى الإحرام]

اشارة

القول فى الاحرام

[و النظر في مقدماته، و كيفيته، و أحكامه]

اشارة

و النظر في مقدماته، و كيفيته، و أحكامه

[أما مقدماته:]

أما مقدماته:

و المقدمات كلّها مستحبة، و هي: توفير شعر رأسه من أول ذى القعدة (174).

______________________________

(174) نسب إلى الشيخ قدّس سرّه فى «الجمل «1»» و ابن ادريس «2» رحمه اللّه و سائر المتأخرين القول بالاستحباب.

و استظهر من الشيخ قدّس سرّه فى «النهاية «3»» و «الاستبصار «4»» و المفيد قدّس سرّه فى «المقنعة «5»» القول بالوجوب.

______________________________

(1)- الطوسي، محمد بن الحسن: الجمل و العقود (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 227.

(2)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 522، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 171، الطبعة الاولى.

(4)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الاستبصار، ج 2: ص 161، الطبعة الاولى.

(5)- المفيد، محمد بن محمد النعمان: المقنعة، ص 67، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 49

..........

و تردد صاحب المدارك «1» فى المسألة بعد مناقشته لدليل الاستحباب.

و مما ظاهره الوجوب باعتبار ظهور الأمر فيه رواية ابن سنان (مسكان) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تأخذ من شعرك و انت تريد الحج في ذي القعدة و لا فى الشهر الذي تريد فيه الخروج الى العمرة» و غيرها كثير بألسنة مختلفة، راجع.

و لكن في قبال هذه المجموعة روايات «2» دالة على جواز أخذ الشعر، ك:

رواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الحجامة و حلق القفا في أشهر الحج؟ فقال: لا بأس به ...».

و رواية محمد بن خالد الخزّاز قال: «سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: أما أنا فآخذ من شعري حين اريد الخروج- يعنى إلى مكة- للاحرام».

و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى

بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل اذا همّ بالحج يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما لم يحرم؟ قال: لا بأس».

و قد نوقش في رواية سماعة سندا و دلالة، لعدم ظهور حلق القفا في حلق الرأس لو لم يكن ظاهرا في خلافه، و لكن في غيرها كفاية و بها يتصرف في ظهور الطائفة الاولى و يحمل على الاستحباب.

و قد اقتصر صاحب المدارك «3» على ذكر رواية سماعة و ناقشها و هو في غير محله بعد وجود غيرها.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 246، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 4: من ابواب الاحرام، ح 3 و 5 و 6.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 246، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 50

إذا اراد التمتع (175)، و بتأكد عند هلال ذى الحجة (176)، على الأشبه.

و أن ينظف جسده، و يقصّ أظفاره، و يأخذ من شاربه، و يزيل الشعر عن جسده و ابطيه مطليا (177)، و لو كان قد أطلى أجزأه، ما لم يمض خمسة عشر يوما.

و الغسل للاحرام (178)، و قيل: إن لم يجد ماء يتيمم له. و لو اغتسل و أكل أو لبس ما لا يجوز للمحرم اكله و لا لبسه، أعاد الغسل

______________________________

(175) لا تقييد بذلك فى النصوص بل موضوعها الحج.

(176) هذا مما لا أثر له فى النصوص.

(177) وردت في ذلك نصوص كثيرة و ظاهرها الوجوب لظهور الأمر فيه و لا معارض لها أصلا، و لكن لم يلتزم أحد به، بل التزم الكل بالاستحباب و هو يكفى في وهن ظهورها. فراجع.

(178)

لا اشكال في أصل مشروعية الغسل للاحرام، فانه مما تدل عليه النصوص الكثيرة و انما الخلاف في وجوبه و استحبابه.

فذهب أكثر الاصحاب إلى استحباب الغسل و عدّ من الاغسال المسنونة في بابها، و حكي عن ابن أبي عقيل «1» التزامه بالوجوب.

و الذي تدل عليه بعض النصوص هو الوجوب، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق- الى أن قال:-

______________________________

(1)- حكى عنه العلامة قدّس سرّه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 50).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 51

..........

ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك «1»»، فان ظاهر الأمر الوجوب. كما ان الوجوب ظاهر ما يأتي فيما لو احرم بدون غسل من الأمر باعادة الاحرام، فانتظر.

و الذي يرفع به عن ظاهر الأمر هو التسالم من الاصحاب على عدم وجوبه، يضاف إليه ان لو كان واجبا، لظهر و بان، لتوفّر الدواعي الى نقله و التنبيه عليه لكثرة الابتلاء به.

و بالجملة، ان حصل الجزم او الاطمئنان بذلك فهو و إلا فدعوى الوجوب غير مجازفة و لا أقل من عدم ترك الاحتياط بالاتيان به.

ثم إنه يقع الكلام في فروع:

الأول: في بدلية التيمم عنه مع عدم التمكن من الماء، و قد ذهب البعض «2» الى مشروعية التيمم بدعوى اطلاق دليل البدلية، كقوله عليه السّلام: «التراب أحد الطهورين «3»».

و فيه: ان هذا المضمون ظاهر في تنزيل التيمم منزلة الوضوء او الغسل في مورد يشرع فيه، فتترتب عليه جميع آثار الوضوء او الغسل لا انه يتكفل تشريع التيمم في كل مورد يشرع فيه الوضوء أو الغسل. إذن فلا دليل على مشروعية التيمم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 6: من

ابواب الاحرام، ح 4.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 314، الطبعة الاولى.

ابن البراج عبد العزيز. المهذب 1/ 219- طبعة مؤسسة النشر الاسلامي.

العلامة الحلي الحسن بن يوسف. منتهى المطلب 2/ 673- الطبعة الحجرية.

(3)- لم نعثر على الرواية بهذا المضمون و الرواية هكذا: «... إن التيمّم احد الطهورين» (وسائل الشيعة، ج 1/ باب 23: من ابواب التيمم، ح 5).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 52

..........

الثاني: لو أكل أو لبس بعد الغسل ما لا يجوز أكله او لبسه للمحرم هل عليه اعادة الغسل؟

ظاهر بعض النصوص ذلك، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا لبست ثوبا لا ينبغي لك لبسه أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل «1»».

و رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «اذا اغتسل الرجل و هو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل ان يلبّى فعليه الغسل «2»».

و لكن يعارضها رواية علي بن عبد العزيز، قال: «اغتسل أبو عبد اللّه عليه السّلام للاحرام بذي الحليفة؛ ثم قال لغلمانه: هاتوا ما عندكم من الصيد حتى نأكله فاتى بحجلتين فأكلهما قبل ان يحرم «3»». و هي و ان اختصت بالأكل لكنها ترفع ظهور رواية معاوية فى الوجوب بالنسبة إلى اللبس- أيضا- كي لا يلزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى. نعم، رواية محمد بن مسلم لا معارض لها، فتدبر.

الثالث: هل يجوز تقديم الغسل على الميقات، أو لا؟ لا اشكال في جوازه إذا خاف عوز الماء فى الميقات، لرواية هشام بن سالم قال: «ارسلنا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام و نحن جماعة و نحن بالمدينة انا نريد ان نودعك فارسل

إلينا ان اغتسلوا بالمدينة فاني اخاف ان يعزّ الماء عليكم بذي الحليفة، فاغتسلوا بالمدينة ... «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 13: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 11: من ابواب الاحرام، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 14: من ابواب الاحرام، ح 7.

(4)- المصدر/ باب 8: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 53

..........

و أما مع عدم الخوف، فظاهر بعض النصوص جوازه- أيضا-، كرواية الحلبي، انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يغتسل بالمدينة لاحرامه، فقال:

«يجزيه ذلك ... «1»». و نحوها روايته الاخرى و غيرها.

و لا مقيّد لهذه النصوص سوى إشعار في رواية هشام و هو لا يصلح للتقييد كما لا يخفى.

و يشهد له ما ورد في بعض النصوص من الاكتفاء بغسل اليوم لجميع اليوم و غسل الليلة لجميع الليلة مع ان الغالب عدم التأخر فى الميقات كثيرا، فانه يكشف عن عدم خصوصية للمكان و انما المنظور جهة الزمان. فتدبر.

الرابع: لو نام بعد الغسل، فظاهر بعض النصوص «2» لزوم الاعادة، كرواية النضر بن سويد عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يغتسل للاحرام ثم ينام قبل ان يحرم، قال: عليه إعادة الغسل». و نحوها رواية علي بن أبي حمزة.

لكن يشكل دلالتها على اللزوم بعد ورود ما دلّ على الاكتفاء بغسل الليل لليل جميعه، مع ان الغالب النوم في أثناء الليل، فلعل المقصود بها استحباب الاعادة لعدم كمال الغسل المتعقب بالنوم فيستحب اعادته تحصيلا للكامل.

هذا اذا قلنا باستحباب الغسل للاحرام. و ان قلنا بوجوبه، فيكون المقصود بها الاستحباب لا اللزوم، لصحته في نفسه مع النوم.

هذا، مع ورود ما دل على نفيه مع النوم، كرواية عيص

بن القاسم، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يغتسل للاحرام بالمدينة و يلبس ثوبين ثم ينام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 8: من ابواب الاحرام، ح 6.

(2)- المصدر/ باب 10: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 54

استحبابا، و يجوز له تقديمه على الميقات، اذا خاف عوز الماء فيه، و لو وجده استحب له الاعادة. و يجزي الغسل في أول النهار ليومه، و في أول الليل لليلته ما لم ينم. و لو أحرم بغير غسل أو صلاة ثم ذكر، تدارك ما تركه و أعاد الاحرام (179).

قبل ان يحرم، قال: «ليس عليه غسل «1»»، فانها إما لنفي لزوم الغسل- بناء على وجوبه- في نفسه فتحمل غيرها على الطلب الندبي، او لبيان تأدية المستحب بالغسل المتعقب بالنوم- بناء على استحبابه- فتحمل غيرها على الطلب تحصيلا للكامل من المستحب.

______________________________

(179) الأصل فيه رواية الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، قال: كتبت الى العبد الصالح، أبي الحسن عليه السّلام رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ما عليه في ذلك؟ و كيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب: «يعيده «2»».

و لا يخفى ان ظاهر هذه الرواية- كما أشرنا إليه فيما تقدم- وجوب الاعادة، و هو- أعني الاعادة- لا يتلاءم إلا مع شرطية الغسل للاحرام، إذ الاحرام مما لا يقبل الابطال حتى يعاد، لان الاحلال منه يتحقق بأمور معلومة و ليس بنقض النية و نحوها.

و من هنا يظهر انه لا وجه لتنظير المقام باستحباب استئناف الصلاة لو ذكر في اثنائها عدم اتيانه بالاقامة لقابلية الصلاة للابطال و الاعادة، فلا يتّجه الأمر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 10: من

ابواب الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 20: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 55

و أن يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها. و إن لم يتفق (180) صلى للاحرام ست ركعات، و أقله ركعتان. يقرأ في الاولى: «الحمد» و «قل يا أيها الكافرون» و فى الثانية: «الحمد» و «قل هو الله أحد»، و فيه رواية اخرى.

و يوقع نافلة الاحرام تبعا له- و لو كانت وقت فريضة- مقدّما للنافلة ما لم تتضيق الحاضرة.

باعادة الاحرام إلا اذا كان من اوّل الأمر باطلا.

كما أنه لا وجه لما ذكره فى «الجواهر «1»» من انه نظير إعادة الصلاة جماعة لو صلاها فرادى، إذ المفروض في باب الصلاة انه قد جاء بالصلاة أولا تامة، و ليس كذلك فيما نحن فيه.

و بالجملة، المسألة مثار البحث، و قد عرفت ان الاعادة لا تتلاءم إلا مع شرطية الغسل للاحرام، فتكون هذه الرواية دليلا على لزوم الغسل.

و لو ثبت بنحو قطعي عدم وجوب الغسل، فاما ان تطرح هذه الرواية أو تحمل على إرادة إعادة صورة الاحرام لا واقعه، لانه لا يقبل الابطال كي يعاد، فلاحظ.

______________________________

(180) لا يخفى أن مشروعية الصلاة للاحرام فى الجملة أمر لا يقبل الانكار، لتظافر النصوص فيه بمختلف ألسنتها، بل ظاهر بعضها لزوم كون الاحرام بعد

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 187، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 56

..........

الصلاة، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا أردت الاحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصّل ركعتين ثم أحرم في دبرها «1»».

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى -

كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 56

و روايته الاخرى عنه عليه السّلام، قال: «لا يكون الاحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فان كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم و ان كانت نافلة صليت ركعتين و احرمت في دبرهما ... «2»».

و رواية الحسن بن سعيد المتقدمة فى الغسل بالتقريب المتقدم.

و لكن ظاهر بعض النصوص الاجتزاء بالاحرام عقيب الفريضة وحدها، فالفتوى المذكورة في صلاة ست ركعات قبل الفريضة، ثم اتيان الفريضة، ثم الاحرام لا دليل عليه معتبر، بل ظاهر رواية معاوية خلافه، لان ظاهرها لزوم كون الاحرام عقيب النافلة او الفريضة بلا فصل بينهما.

و بالجملة، فظاهر هذه النصوص و غيرها كون الاحرام دبر صلاة إما نافلة أو فريضة. أما الجمع بينهما بالنحو المزبور فى المتن و غيره من كتب الفقه، فلا دليل عليه سوى رواية مروية في «فقه الرضا» لا يعتمد «3» عليها.

ثم إنه هل تشرع نافلة الاحرام في وقت الفريضة، أو لا؟ بمعنى أنه هل هناك ما يدل على مشروعية صلاة الاحرام في وقت الفريضة أو ان دليلها يختص بغير وقت الفريضة لانه القدر المتيقن منه؟

الحق انه لا دليل على ذلك، إذ ما يتوهم دلالته من النصوص على ذلك هو:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب الاحرام، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 16: من ابواب الاحرام، ح 1.

(3)- فقه الرضا [المنسوب الى الامام الرضا عليه السّلام] (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 57

..........

رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام-

في حديث- قال: «و أعلم انه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار «1»».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تصلي للاحرام ست ركعات تحرم في دبرها «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا اردت الاحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها «3»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «خمس صلوات لا تترك على حال، اذا طفت بالبيت، و اذا أردت ان تحرم ... «4»».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «خمس صلوات تصليها في كل وقت منها صلاة الاحرام «5»».

و رواية ادريس بن عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال: «يقيم الى المغرب. قلت: فان أبى جمّاله ان يقيم عليه؟ قال: ليس له ان يخالف السنّة. قلت: أله ان يتطوع بعد العصر؟ قال: لا بأس به و لكني أكرهه للشهرة و تأخير ذلك أحب إلي قلت: كم أصلي اذا تطوعت؟ قال: أربع ركعات «6»».

و رواية ابن فضّال، عن أبي الحسن عليه السّلام في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- المصدر/ باب 19: من ابواب الاحرام، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 58

..........

الاوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة قال: «لا ينتظر حتى تكون الساعة التي تصلي فيها «1»» و انما قال:

«ذلك مخافة الشهرة «2»».

و لكن في دلالة الجميع على المدعى نظر بل منع.

أما رواية عمر بن يزيد، فغاية ما تدل عليه الوسعة في كون الاحرام عقيب الفريضة أو النافلة، أما ظرف مشروعية النافلة فلا تتكفل بيانه، بل يمكن دعوى أنها لا تدل على مشروعية النافلة للاحرام، إذ يمكن أن يراد من النافلة فيها الصلاة المستحبة بالعناوين المختلفة، و لو بعنوان نفس الصلاة، فلا تدل على استحباب صلاة بعنوان الاحرام.

و أما رواية ابي بصير الأولى، فاطلاقها لا بأس به يشمل وقت الفريضة، إلا انها ضعيفة السند.

و أما رواية معاوية بن عمار، فموضوعها غير وقت الفريضة، بل يمكن دعوى دلالتها على نفي المشروعية في وقت الفريضة تمسكا بمفهوم الشرط، و إن ادعى صاحب الجواهر «3» ان مقتضى مفهومها الجمع بين الفريضة و صلاة ركعتين لكنه واضح المنع.

و أما روايته الاخرى، فهي تنافي رواية عمر بن يزيد و غيرها مما دل على جواز الاحرام عقيب الفريضة، فتحمل- خلافا لظاهرها و وحدة السياق- على كون المقصود بيان لزوم كون الاحرام عقيب الصلاة أيّ صلاة كانت، فيرتفع التنافي بينهما، و عليه فلا تدل على المدعى كما لا يخفى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 19: من ابواب الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 194، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 59

..........

و منه يظهر الحال في رواية أبي بصير الثانية.

و أما رواية إدريس، فهى انما تدل على المدعى لو كان المشار إليه بقوله عليه السّلام:

«و تأخير ذلك أحب إليّ» هو التطوع بالصلاة كما استقربه صاحب الجواهر «1».

و لكن في ظهورها تأمل، إذ من المحتمل قويّا كون المشار إليه

هو الاحرام، فلا دلالة لها على المدعى حينئذ، لان محبوبية تأخير الاحرام لأجل عدم الشهرة و هو كما يلازم عدم مشروعية التطوّع في وقت الفريضة يلازم مشروعيته أيضا، فلا دليل على أحدهما.

و أما رواية ابن فضّال، فهي تحتمل وجهين: أحدهما: النهي عن الانتظار الى وقت الفريضة و هو لا يتلاءم مع قول الراوي او الصدوق، لان فيه الشهرة لا في تركه. الآخر: النهي عن الاحرام عصرا و الأمر بالانتظار، فيكون قوله:

«ينتظر حتى ...» جملة مستأنفة لا مدخول لا. و على كلا الوجهين فهي أجنبية عن المدعى.

و اذا ظهر عدم الدليل على مشروعية صلاة الاحرام وقت الفريضة، فلا يتّجه ما جاء فى المتن و غيره من جواز صلاة الاحرام في وقت الفريضة و اتيان الفريضة بعدها.

مع انه يتنافي مع ما يظهر من النصوص، من كون الاحرام عقيب الفريضة او النافلة كما لا تصل النوبة الى دعوى عدم مشروعية التطوع في وقت الفريضة، و ان أدلته حاكمة على دليل المشروعية المطلق الشامل بإطلاقه وقت الفريضة، كي يقال في مقام دفعها ان دليل نفي مشروعية التطوع ناظر الى النوافل المبتدأة لا ذوات الاسباب كنافلة الاحرام. فانه لا موضوع الى جميع ذلك. نعم، لا بأس

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 195، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 60

[أما كيفيته:]
اشارة

و أما كيفيته:

فتشتمل على واجب، و مندوب (181).

بالاتيان رجاء بركعتين بعد الفريضة فان كانت مشروعة فهو و إلا فلا يضر الفصل بها بين الاحرام و الفريضة. و قد التزم بذلك في «كشف اللثام «1»».

و خلاصة الكلام: ان المستفاد من بعض ما ذكرنا من النصوص و غيرها لزوم كون الاحرام عقيب الصلاة،

كما يظهر منها انه مما عليه السيرة و العمل و انه أمر مفروغ عنه، فلا وجه للتشكيك حينئذ بواسطة اعراض الاصحاب و نحوه فتدبر.

و أما استحباب كونه عقيب صلاة الظهر، فلما ورد من احرام الرسول صلّى اللّه عليه و آله عقيبها، كما ورد بيان أفضليته في بعض النصوص، كرواية عبيد اللّه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار، إلا ان أفضل ذلك عند زوال الشمس «2»».

و من هذه الرواية و غيرها مما دلّ على جواز الاحرام في كل وقت لا يبقى مجال توهم لزوم كون الاحرام عقيب صلاة الظهر و لا يظن توهمه من أحد.

______________________________

(181) قبل التعرض لفروع الاحرام ينبغي ذكر حقيقة الاحرام و معرفتها. و الاحتمالات الموجّهة فيه أربعة:

الأول: انه مجرد التلبية، لاطلاق الاحرام عليها في بعض النصوص.

______________________________

(1)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 253، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 15: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 61

..........

الثاني: انه ليس له حقيقة منحازة عن اعمال الحج، بل يتحقق بالدخول فى الحج و لكنه ليس هو الحج، بل هو أمر انتزاعي عن ثبوت النواهي المعهودة.

فاحرام الحج كاحرام الصلاة ليس شيئا غير الصلاة، بل هو مما ينتزع عن محرمات الصلاة، و شأن التلبية شأن التكبير، فكما ان احرام الصلاة يتحقق بالتكبير كذلك احرام الحج يتحقق بالتلبية. فالاحرام للحج ينتزع عن موضوعية الشخص للتحريم بالدخول فى الحج و عند التلبية، فهو نظير ما يقال فى الملكية من انها منتزعة عن الاحكام التكليفية.

و قد اختار هذا الرأي صاحب الجواهر «1» ناسبا له إلى بعض الافاضل و

مدعيا ظهور النصوص فيه.

الثالث: انه أثر وضعي للاعمال المخصوصة، كالطهارة المسببة عن الوضوء.

و لعل الوجه فيه ما ورد من التعبير فى النصوص بعدم التحلل إلا بالتقصير، و ما دلّ على عدم انتقاضة، فانه ظاهر في أنه أمر استمراري ثابت.

الرابع:- و هو المختار- انه عبارة عن البناء و الالتزام النفسي بترك المنهيات- كالالتزام النذري- المستتبع لاعتبار الشارع كونه كذلك و عدم تمكنه من التحلل.

و يدفع الاول: بإطلاق الاحرام على ما قبل التلبية فى النصوص، كرواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الاحرام و لم يلبّ؟ قال: «ليس عليه شي ء «2»». و غيرها كثير، فراجع.

و بما ورد من التعبير بنقض الاحرام، فانه ظاهر في أنه معنى استمراري،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 199، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 62

..........

كرواية النضر بن سويد، عن بعض أصحابه، قال: «كتبت إلى أبي ابراهيم عليه السّلام:

رجل دخل مسجد الشجرة فصلى و أحرم و خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء أله ذلك؟ فكتب: نعم، أو لا بأس به «1»».

و يدفع الثاني: بذلك.

و بأخذ الاحرام في موضوع النواهي المعهودة، كما لا يخفى على من راجع النصوص، و هو يتنافي مع كونه منتزعا عنها، و بنظير ذلك ينفى كون الملكية منتزعة عن الاحكام التكليفية، إذ هي مأخوذة في موضوعها.

و بالتعبير بنسيان الاحرام و الجهل به مع فرض دخوله فى الحج فانه لا معنى له على هذا الوجه، بل الظاهر من استقصاء النصوص أنّ الاحرام

غير الحج قطعا. فالتفت.

و يدفع الثالث: بإطلاق الاحرام على ما قبل التلبية بضميمة ما يظهر من النصوص من عدم ثبوت أي أمر شرعي قبلها، و تمكنه من العدول و النقض و اتيان ما لا يحل للمحرم قبلها.

و بإطلاق الاحرام في مورد بطلانه كالاحرام قبل الميقات.

و الأثر الوضعي كالطهارة غير قابل للصحة و الفساد بل للوجود و العدم لبساطته.

فيتعين الوجه الرابع، و هو الموافق لظهور النصوص في كونه عملا اختياريا مباشريا و كونه من اعمال الشخص نفسه، لا من مجعولات الشارع، فانه ظاهر اسناد الاحرام للشخص نفسه و ليس هو إلا الالتزام النفسي، و هو يتحقق قبل التلبية، فيصدق تحقق الاحرام قبلها. كما انه يقبل النقض و يتصف بالصحة و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب الاحرام، ح 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 63

[أ- فالواجبات ثلاثة:]
اشارة

أ- فالواجبات ثلاثة:

[الأول: النيّة]

الاول: النيّة و هو أن يقصد بقلبه الى امور أربعة (182): ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقربا، و نوعه من تمتع او قران او افراد، و صفته من وجوب أو ندب، و ما يحرم له من حجة الاسلام أو غيرها.

الفساد بلحاظ ترتّب الاحكام الشرعية عليه، كما يصح أخذه في موضوع الاحكام و يتعلق به النسيان و الجهل.

و بضميمة ما دل على عدم ترتّب الاحكام قبل التلبية نستكشف أنه بالتلبية يلزم احرامه و لا يكون له نقضه بعد ما كان له ذلك قبلها.

كما انه نستكشف مما دل على عدم قابليته بعد التلبية للنقض و التحلل إلا بمحلل خاص أنه أمر استمراري غير اختياري، فليس هو إلّا أن يقال: ان هذا الالتزام يصير موضوعا عند التلبية لاعتبار الشارع الالتزام بنحو الاستمرار و إلزام المكلّف به بحيث لا يمكنه التخلف عنه.

و بالجملة، ما ذكرناه لا ينافي ظاهر النصوص. و أما اطلاق الاحرام على التلبية في بعض النصوص فهو مسامحة باعتبار انها سبب تحقق الاعتبار المستمر و هو كثير، كما يطلق الطهارة على الوضوء و الوضوء على الطهارة.

______________________________

(182) لا اشكال في اعتبار اصل النية في الاحرام، فانه كما عرفت هو الالتزام و القصد، فبدون النية لا إحرام.

و أما اعتبار قصد القربة فيه، فهو من المسلّمات التي لا خلاف فيها، و يظهر

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 64

..........

من بعض النصوص، كما ورد في رواية ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا اردت الاحرام و التمتع فقل: ... أحرم لك شعري و بشري من النساء و الطيب ... «1»».

و أما اعتبار قصد الصفة، فهو مما لا اشكال في عدمه

كما حقق أخيرا في الأصول.

و أما اعتبار قصد النوع من حج أو عمرة، و من تمتع أو قران أو إفراد، و من حج اسلام أو غيره، فالتحقيق فيه: ان الاحرام إن كان شرطا فلا وجه لاعتباره لعدم تأتي الوجهين الآتيين فيه، بل يكون حاله حال الوضوء يجوز له الاتيان به بأيّ غاية او بنحو الاستحباب- بناء على ما حققناه فى الاصول «2» فى المقدمات العبادية من انها متعلقة للأمر الاستحبابى-. ثم يجوز له الاتيان بغاية اخرى لحصول شرطها كما لا يخفى.

نعم، لو كان الاحرام اثرا وضعيا كان مجرد التشكيك في اعتبار قصد النوع في صحته كافيا في لزومه لكون الشك في المحصّل، و هو مجرى الاحتياط.

و لكن عرفت بطلان هذا الاحتمال. هذا، و لكن الشرطية ممنوعة لوجهين:

الأول: إطلاق الاهلال بالحج الّذي معناه الشروع فيه على الاحرام و هو لا يصح إلا اذا كان جزء للحج.

الثاني: ما ورد في بعض النصوص من السؤال عن كيفية دخوله الى مكة متمتعا أم مفردا، و هو لا معنى له إذا لم يكن الاحرام جزء، إذ لم يبدأ في اعمال الحج قبل الدخول الى مكة فلم يتلبس به بعد كي يسأل عن نحو ما تلبس به.

و عليه، فيتعين ان يكون جزء. و إذا كان جزء فالوجه في اعتبار قصد النوع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 16: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الاصول، ج 2: ص 244، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 65

..........

أحد أمرين:

الأمر الأول: ان هذه الاعمال أمور قصدية تتقوم بالقصد نظير الظهر و العصر. و يستدل على ذلك بوجوه ثلاثة:

أولها: ما ورد من صحة العدول من بعضها

الى الآخر، كالعدول من الافراد الى التمتع و بالعكس، فان ذلك ظاهر في تباين العملين لتقوّم العدول بالاثنينية و هو لا يتحقق الا بالقصد. و من مثل ذلك استفيد مباينة صلاة الظهر لصلاة العصر.

ثانيها: ما ورد من استحباب اشتراط الاحلال و صيرورتها عمرة ان لم تكن حجة، فانه ظاهر في مباينة العملين.

ثالثها: ما ورد من الأمر بنية المتعة، كرواية احمد بن محمد، قال: قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام: «كيف أصنع اذا أردت ان أتمتع؟ فقال: لبّ بالحج و انو المتعة ... «1»».

و لكن شيئا من هذه الوجوه لا تفي بالدعوى:

أما روايات العدول، فلانها إنما تدل على المدعى لو لم يكن هناك فرق ظاهري بين الاعمال، كما هو الحال بالنسبة إلى صلاة الظهر و العصر، فيكشف عن وجود خصوصية قصدية تكون منشأ الفرق. و لكن الحال فيما نحن فيه ليس كذلك لاختلاف هذه الاعمال بالاجزاء و الشرائط، فاعمال التمتع ليست كاعمال الافراد و القران و العمرة المفردة.

و منه يظهر الاشكال فى الوجه الثاني.

و أما ما ورد من الأمر بنية المتعة، فلا ظهور له فى المدعى، إذ من المحتمل قويّا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 22: من ابواب الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 66

..........

كون المراد به الارشاد إلى أولوية الاضمار لأجل التقية فقد ورد بيان محبوبية الاضمار و عدم اظهار المتعة.

الأمر الثاني:- مما استدل به على اعتبار قصد النوع- ان الاعمال اذا كانت متعددة و الاوامر كذلك لم يكن طريق إلى تعيين أحدها في مقام الامتثال إلا بقصد النوع و إلا لم يتعين الاحرام امتثالا لأحدها لانه ترجيح بلا مرجح.

و هذا الوجه يبدو من كلام

صاحب الجواهر «1» أولا و أخيرا، و قد تعرض الى الوجه الأول في ضمن كلامه.

و هو لا ينهض على المدعى، فانه لا يتأتى في صورة وحدة الأمر لتعين أحد الافراد عليه، كما لو تعين عليه حج التمتع حجة الاسلام، فانه لا تعدد للأمر كي يتردد العمل في مقام الامتثال بين الأوامر.

كما انه في صورة تعدد الأمر يمكن للمكلّف أن لا يقصد أحد الانواع حال احرامه، بل يقصد باحرامه امتثال الأمر الذي سيختار امتثاله عند وصوله الى مكة مثلا، فانه اذا عيّن بعد ذلك عمله وقع الاحرام امتثالا لذلك الأمر لتعيّنه في علمه تعالى.

و النتيجة: انه لا دليل على اعتبار قصد النوع، فيجوز الاتيان بالاحرام بداعي الأمر الذي سيختار امتثاله بعد ذلك و له صرفه إلى إيها شاء.

و قد نسب ذلك إلى العلامة قدّس سرّه فى «التذكرة «2»» و «المنتهى «3»» و ذهب إليه

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 202، الطبعة الاولى.

(2)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 233، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 675، الطبعة الحجرية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 67

و لو نوى نوعا و نطق بغيره عمل على نيته (183)، و لو أخلّ بالنيّة عمدا أو سهوا لم يصح احرامه (184).

فى «المدارك «1»» و نسبه فى «الجواهر «2»» إلى بعض الاكابر.

______________________________

(183) لا دليل على اعتبار اللفظ و ان ورد به الأمر لكنه ظاهر في بيان مشروعيته بقرينة ما ورد من جواز النية، كرواية حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: قلت له: «إني أريد أن اتمتع بالعمرة

إلى الحج فكيف أقول؟ قال:

تقول: اللهم إني اريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك. و ان شئت أضمرت الذي تريد «3»». بل ورد ما يدل على استحباب الاضمار، كرواية اسحاق بن عمار انه سأل أبا الحسن موسى عليه السّلام، قال: «اصحاب الإضمار أحب إليّ فلبّ و لا تسم شيئا «4»».

و عليه، فالمدار على النية لا على اللفظ سواء وافق النية أم خالفها.

(184) المراد بالنية:

إن كان هو الالتزام و القصد المقوّم للاحرام، فبطلانه بتركها عمدا أو سهوا لا كلام فيه لعدم الاتيان بالاحرام بدونها.

و إن اريد بها نية التقرب، فبطلانه واضح مع تركها لكونه عباديا.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 258، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 205، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 17: من ابواب الاحرام، ح 1.

(4)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 68

و لو أحرم بالحج و العمرة و كان في اشهر الحج (185)، كان مخيّرا بين الحج و العمرة، اذا لم يتعين عليه احدهما. و ان كان في غير اشهر الحج تعين للعمرة. و لو قيل بالبطلان في الاول و لزوم تجديد النيّة، و أما اذا أريد من النية نية النوع، فان قلنا بانه يعتبر قصد النوع لاجل أنه عمل قصدي كان العمل باطلا لعدم اتيانه بالاحرام المطلوب. و إن كان اعتباره لاجل لزوم التعيين في مقام الامتثال، فبناء على ما ذكرناه في تقريب عدم لزوم القصد لا موجب للالتزام ببطلانه، لانه يتعين قهرا إذا كان ما بذمته معينا لتمامية اركان الامتثال.

و إن كان ما بذمته متعددا صح

أيضا، لتعينه إذا تعقّبه اعمال أحد الانواع، لانه قصد به امتثال الأمر الواقعي و هو مع تعقبه باعمال الحج التمتعي- مثلا- لا تعدد له، إذ الاحرام المتعقّب بعمل حج التمتع مأمور بأمر واحد واقعا. فلاحظ جيدا و تدبر.

______________________________

(185) إذا كان المقصود امتثال الأمر المتعلق بالاحرام للحج و العمرة- بنحو الوحدة- كان احرامه باطلا لعدم ثبوت الأمر بذلك. و عليه، فلا وجه لما جاء فى المتن لان ما قصد لا ثبوت له واقعا و ما له ثبوت واقعا لم يقصد.

و ان كان قصده امتثال الأمر الواقعي و نوى ذلك من جهة الاشتباه فى التطبيق صح.

و أما ما ورد فى النصوص من قصد الحج و العمرة و قصة الامام عليه السّلام مع عثمان فهو ناظر الى حج التمتع في قبال غيره لا ناظر الى الحج و العمرة باحرام واحد.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 69

كان اشبه. و لو قال: كاحرام فلان، و كان عالما بما ذا احرم صحّ، و إن كان جاهلا، قيل: يتمتع احتياطا (186).

______________________________

(186) لا يخفى أنه ينبغي ايقاع الكلام في صورة الجهل دون صورة العلم، إذ مع العلم يتعلق القصد بالنوع بلا ريب، و لا يكون التلفظ إلا تعبيرا عن متعلق القصد لا أنّ القصد يتعلق بواقع اللفظ على ما هو عليه- كما هو الحال في صورة الجهل-.

و عليه، فنقول بناء على ما عرفت من عدم لزوم قصد النوع و كفاية التعين الواقعي يصح إحرامه لتعينه واقعا.

و قد استدل عليه بما ورد «1» عن الامام امير المؤمنين عليه السّلام حين قدم من اليمن من أنه أحرم كاحرام الرسول صلّى اللّه عليه و آله مع عدم علمه عليه السّلام باحرامه صلّى

اللّه عليه و آله.

و ناقشه فى «الجواهر «2»»: بانه معارض بما ورد من أنه كان عالما بكيفية احرام الرسول صلّى اللّه عليه و آله و انه ساق من الهدي أربعا و ثلاثين. و لو سلّم عدم علمه، فهو حكم وارد في خصوص الامام عليه السّلام، فلعله من مختصاته عليه السّلام، فالتعدي منه الى غيره مشكل، و يؤمي إليه افتخاره عليه السّلام بانه ذبح هديه الرسول صلّى اللّه عليه و آله إذ لو لا اختصاصه لما اتّجه افتخاره.

و يؤيّده عدم سياقه عليه السّلام الهدي حال إحرامه مع أنه يشترط في حج القران ذلك.

و أنت بعد أن عرفت صحة الاحرام بحسب القواعد الأولية، فلا يهمنا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 3: من ابواب اقسام الحج، ح 32.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 211، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 70

..........

التعرض الى تحقيق الحال في هذه الواقعة.

هذا إذا انكشف له حال من علّق إحرامه على إحرامه أما لو لم ينكشف له الحال لموت أو غيبة.

فنسب الى الشيخ قدّس سرّه «1» أنه يتمتّع احتياطا، لانه ان كان متمتعا فقد وافق و إن كان غيره، فالعدول عنه جائز.

و ناقشة فى «الجواهر «2»»:

أولا: بان العدول من حج الإفراد انما صح بحسب دليله و هو القدر الثابت منه صورة علمه بانه حج افراد، لظهور النص في ذلك، فانه قضية السؤال بقوله:

«رجل لبّى بالحج مفردا ...».

و ثانيا: بأنه إنما يصح العدول مع عدم تعيّنه عليه. و قد يستشكل فيه ...

ثالثا: بانه يحتمل ان يكون الشخص المفقود أحرم بالعمرة المفردة و لا دليل على جواز العدول منها الى الحج.

و فيه: أن دليل جواز العدول

ظاهر في كون موضوعه حج الافراد من دون تقييد له بصورة العلم.

و أما دعوى عدم صحة العدول مع التعيّن، فهى و ان كانت تامة لكنه لا يتلاءم مع الفرض الذي نحن فيه، إذ من المستبعد جدا ان ينوي غيره مع تعينه عليه، فنفس ترديده كاشف عن عدم تعينه.

و أما العمرة المفردة، فقد تقدمت الاشارة إلى أنها لا تختلف حقيقة و أمرا عن عمرة التمتع و الفرق بالتسمية بلحاظ تعقّب العمرة بالحج.

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 317، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 212، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 71

و لو نسي بما ذا أحرم، كان مخيّرا بين الحج و العمرة، اذا لم يلزمه أحدهما (187).

نعم، يبقى احتمال ان المفقود نوى القران، و لكنه حيث لم يسق الهدي معه- لعدم فرضه- يستكشف انه خارج عن موضوع الترديد، إلا أن يكون المحرم قد احتمل ذلك، فساق الهدي رجاء، ففي مثل ذلك يشكل الأمر.

______________________________

(187) التحقيق في باب العدول أن نقول: إن افراد الحج إن كانت مختلفة بالقصد كاختلاف الظهر و العصر لم يصح العدول من أحدها الى الآخر إلا بدليل خاص، و ان كانت مختلفة بالذات و الكيفية- كما هو الصحيح- من دون دليل على الاختلاف بالقصد ...

فتارة: يقصد المكلف باحرامه امتثال الأمر الواقعي من حيث انه أمر واقعي من دون لحاظ خصوصية. ففي مثل ذلك يصح عدوله من عمل إلى آخر، لانه اذا عقّب احرامه بما يوجب تعيين الأمر الواقعي المقصود و رفع الابهام واقعا لم يكن وجه لعدم الصحة، لتعين الأمر الواقعي المقصود امتثاله بالاحرام، فان الأمر المتعلق بالاحرام المتعقب

باعمال حج الافراد- مثلا- واحد متعين.

و أخرى: يقصد المكلف امتثال الأمر المعين ثم يبدو له العدول.

فان التزمنا بما التزم به الفقيه الهمداني «1» و غيره من عدم توقف الامتثال على اضافة العمل من طريق الامر الذي يقصد امتثاله، بل تكفي اضافته الى المولى من أي طريق يكون مع كونه حسنا، صح العدول من الافراد الى التمتع و بالعكس، لانه جاء بالاحرام مضافا الى المولى، فيصح إحرامه.

______________________________

(1)- الهمداني، الفقيه آغا رضا: مصباح الفقيه، ج 2: ص 155، الطبعة الجديدة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 72

..........

و ان لم نلتزم بذلك، بل قلنا كما يظهر من صاحب العروة «1» بتوقف الامتثال على قصد الأمر الذي يراد امتثاله و اسقاطه لم يصح العدول فيما نحن فيه.

و من هنا يظهر الحال في صورة النسيان، فان الغالب فى المكلّفين قصد الامر الواقعي بما هو أمر واقعي و ان قصد الاتيان بالعمل الخاص لكن المقصود امتثال الأمر الواقعي.

فمع تعين احد الافراد عليه لزمه قصده فعلا، فان كان هو المقصود أولا فلا اشكال و إلا فقد عرفت انه يصح العدول من فرد إلى آخر.

و إن لم يتعين عليه أحدها كان مخيرا بين الأفراد، لصحة اتيانه بكل منها و امكان عدوله من أحدها الى الآخر. و قد عرفت ان الاتيان بجميع اعمال أحد الافراد يعين الأمر الواقعي الذي يقصد امتثاله بالاحرام.

و أما اذا كان العدول على خلاف القاعدة، فان كان عليه فرض معيّن لا يصح غيره كان مقتضى قاعدة التجاوز الحكم بثبوته. و لا يقاس المورد بباب الصلاة حيث يحكم ببطلانها مع الشك فى المقصود بها، لان النية معتبرة في باب الصلاة بالنسبة الى جميع افعالها فاحراز تحققها سابقا لا

ينفع في احراز ما هو شرط اللاحق، بخلاف باب الحج فان النية معتبرة في حال الحدوث فقط، و لذا لو نوى العكس لاحقا لم يبطل احرامه. و لو كان يصح منه المتعدد كان مخيرا لا من جهة أنه كان كذلك قبل الشروع، لأن التخيير قبل الشروع لا يلازم التخيير استمرارا و بعده لاختلاف الموضوع و اعتبار التحلل عنه من الاحرام بالعمل الذي أحرم له، بل من جهة عدم تمكّنه من الاحتياط و الجمع بين الاعمال، بضميمة العلم بعدم كون حكمه البقاء محرما الى الأبد، فتكون وظيفته التخيير

______________________________

(1)- اليزدي، الفقيه السيد كاظم: العروة الوثقى/ فصل في شرائط الوضوء: المسألة 28.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 73

[الثاني: التلبيات الأربع]

الثاني: التلبيات الاربع (188)

بحكم العقل.

هذا تحقيق الكلام في صورة النسيان و به تظهر المناقشة لكلمات الاعلام فى المقام.

______________________________

(188) الكلام فى التلبية من جهات:

الأول: فى وجوبها، و هو مسلّم بين الاصحاب لا يعرف فيه مخالف أو مشكك.

و لا ظهور للنصوص فيه، فإن ظاهرها مشروعيتها لا اكثر و ان كان بعضها بلسان الامر، فان مثل قوله عليه السّلام: «لبّ بالحج و إنو المتعة «1»» لا يدل على الوجوب، لانه في مقام بيان كيفية التلبية المشروعة. و هكذا مثل قوله عليه السّلام- في رواية الحلبي- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء فاذا استوت بك فلبّه «2»»، فانه محمول على الاستحباب للتسالم على عدم لزوم التلبية فى البيداء و دلالة النصوص عليه.

نعم، رواية معاوية بن عمار «3» المفصّلة ظاهرة في لزوم التلبية فانه عليه السّلام بعد ان بيّن صورة التلبية قال فيها: «... و اعلم أنه لا بد من

التلبيات الأربع التي كنّ في أول الكلام و هي الفريضة و هي التوحيد ...»، فيمكن الاعتماد عليها فى الفتوى بالوجوب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 22: من ابواب الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 35: من ابواب الاحرام، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 40: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 74

..........

و يتأيد بارتكاز وجوبها و الاتيان بها بهذا العنوان بين المسلمين جميعا.

الثانية: في عدم انعقاد الاحرام إلا بها، فانّه مسلم، فيجوز الاتيان بمحرمات الاحرام قبل التلبية من دون أي بأس، لدلالة النصوص الكثيرة عليه، ك:

رواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الاحرام و لم يلبّ، قال: «ليس عليه شي ء «1»».

و روايته الاخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه صلى ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الاحرام ثم خرج فأتى بخبيص فيه زعفران فأكل منه «2»».

و بهذه النصوص يرفع اليد عن ظاهر رواية احمد بن محمد، قال: سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيأ للاحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهلّ بالاحرام، قال: «عليه دم «3»» لصراحتها و تظافرها فان امكن الجمع فهو و إلا فتطرح.

و لكن وقع الكلام في انه هل يحتاج إلى تجديد الاحرام، أو لا؟

ذهب السيد المرتضى قدّس سرّه «4» إلى لزوم تجديده، و هو الصحيح، لما ورد في بعض النصوص من التعبير بالانتقاض الظاهر فى البطلان، كرواية زياد بن مروان قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: «ما تقول في رجل تهيأ للاحرام و فرغ من كل شي ء إلا الصلاة و جميع الشروط إلا انه لم يلب أله أن ينقض ذلك و

يواقع النساء فقال: نعم، «5»».

و لان الاحرام كما عرفت هو الالتزام النفسي بترك المنهيات، ففعلها ينافي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 14.

(4)- علم الهدى، السيد المرتضى: الانتصار (سلسلة ينابيع الفقهيّة)، ج 7: ص 119.

(5)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب الاحرام، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 75

..........

الالتزام. و انما دلّ الدليل على عدم قابليته للنقض بعد التلبية الذي يستكشف منه اعتبار الشارع استمرار الالتزام كما تقدم لا قبلها.

و من هنا يظهر ما فى «الجواهر «1»» من أن الاتيان بالمنافي لا يقتضي الابطال كما هو الحال فيما لو أتى به بعد التلبية.

و أما ما ذكره فى «المدارك «2»» و تبعه فى «الجواهر «3»» من أن متعلق الالتزام هو ترك المنهيات بعد التلبية.

ففيه: ان الالتزام بالترك المستقبل لا يصحح صدق الاحرام فعلا فانه منتزع عن تحريم هذه الافعال على نفسه، و هو فعلا لم يحرمها عليه، بل حرّمها فى المستقبل، مع ان المفروض صدق الاحرام قبل التلبية.

ثم إنه يظهر أثر ذلك في ما لو نذر الاحرام قبل الميقات و قلنا بان مكان التلبية هو الميقات و ما بعده لا ما قبله، فانه اذا فعل ما ينافي الاحرام في طريقه قبل التلبية كان عليه العود إلى مكان النذر و الاحرام منه على المختار، و لم يكن عليه العود على مختار الجواهر.

هذا و لكن الذي يظهر من بعض النصوص مشروعية التلبية في مكان الاحرام أيّا كان، فله التلبية قبل الميقات اذا نذر الاحرام منه و ينعقد احرامه بها.

و مما ذكرنا يظهر ان التزام المسلمين بالتلبية لا يكشف عن لزومها

بتقريب انها لو لم تكن لازمة لم يكن داع لتحريم المحرمات على أنفسهم و تقيّدهم بتركها.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 232، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 273، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 232، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 76

..........

فان هذا التقريب يندفع: بان التزامهم يمكن ان يكون لأجل عقد احرامهم بحيث لا ينتقض بفعل المحرم كي يحتاجون الى العود الى الميقات لتجديد احرامهم. فتدبر.

الثالثة: هل الواجب التلبيات الأربع أم الخمس أم الست؟ الصحيح هو الأول لصراحة رواية معاوية بن عمار في ذلك. و عليه فما يظهر منه وجوب الخمس من النصوص يحمل على الاستحباب جمعا، و أما احتمال وجوب الست فلا شاهد عليه.

الرابعة: في صورة التلبية، فان فيها احتمالات متعددة:

منها: ما فى المتن من أنها: «لبّيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبّيك».

و منها: هذه الصورة باضافة «أن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك».

و منها: جعل هذه الاضافة بين التلبيتين الثالثة و الرابعة.

و الصحيح هو ما فى المتن لظاهر رواية معاوية ابن عمار حيث جاء فيها:

«التلبية ان تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبّيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك [لبيك، خ ل] ذا المعارج لبيك ...، ثم قال عليه السّلام: و اعلم انه لا بد من التلبيات الأربع «1»» فانه ظاهر في ما ذكرناه،

هذا، مع دلالة رواية عمر بن يزيد على عدم اعتبار هذه الاضافة فقد جاء فيها: «تقول: لبيك اللهم لبّيك لبيك لا شريك لك لبيك. لبيك

ذا المعارج لبيك لبيك بحجة تمامها عليك «2»».

فما يظهر من رواية عاصم بن حميد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 40: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 77

..........

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما انتهى الى البيداء حيث الميل قربت له ناقة فركبها فلما انبعثت به لبّى بالاربع فقال: لبيك اللهم لبّيك [اللهم لبيك، خ ل] لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمد و النعمة لك و الملك لك لا شريك لك [لبيك خ ل] ... «1»» يحمل على الاستحباب مع انه لا ظهور له ان جميع ذلك هو التلبيات الاربع بل غاية ما يدل على انه لبى بها، فتدبر.

و بذلك يلغو أثر البحث في ان لفظ «لك» مقدم على لفظ «الملك» أو مؤخر أو انه مكرر قبله و بعده.

الخامسة: في أن المعتبر فيها خصوص هذه الصيغة؟ أو يجوز ما يؤدي معناها و لو بلفظ غير عربي؟

الظاهر من النصوص وجود خصوصية لهذا اللفظ و اعتبار خصوص هذه الصيغة. و منه يظهر ثبوت خصوصية للتلفظ، فلا يجزى عقد القلب بمؤداها.

ثم إنه هل يعتبر مضافا إلى التلفظ قصد المعنى او يكفي قراءتها و لو مع عدم فهم المعنى؟

الظاهر من الأمر بالتلبية بلفظ «لبّ» و نحوه اعتبار قصد المعنى لان الظاهر كون المطلوب واقع التلبية.

و لكن يضعفه انه من المحتمل قويا ان يراد بالتلبية هذه الصيغة للتعبير بها عنها، فيكون المطلوب التلفظ بهذه الالفاظ. و قد عرفت انه لا دليل صريح على وجوبها كي يعرف الظاهر منه. فيتعين الاحتياط بقصد المعنى، و مع عدم التمكن من فهم

المعنى يأتي بالتلبية لفظا و يستنيب من يستطيع قصد المعنى.

السادسة: في حكم الأخرس. و قد جاء في رواية السكوني، عن أبي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 36: من ابواب الاحرام، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 78

..........

عبد اللّه عليه السّلام: «ان عليّا عليه السّلام قال: تلبية الأخرس و تشهده و قراءة القرآن فى الصلاة تحريك لسانه و اشارته باصبعه «1»».

و فيها مضافا الى عدم تصور الاشارة الى بعض المعاني إلا بنحو مضحك أنها ضعيفة السند.

و قد ورد في رواية زرارة: «ان رجلا قدم حاجا لا يحسن ان يلبي فاستفتى له أبو عبد اللّه عليه السّلام فأمر له ان يلبّى عنه «2»». و لكنها ضعيفة السند أيضا.

فالمتعين إما سقوط التلبية عنه لقصور دليل وجوبها أولا و عدم التمكن منها ثانيا، أو الاحتياط بالاشارة بما يمكن و الاستنابة.

هذا، اذا لم يقم دليل عام على لزوم الاستنابة في جميع اعمال الحج غير المقدورة و إلا تعيّنت الاستنابة.

السابعة: في مقارنة التلبية النية، فقد ادّعاه بعض «3». و لعلّ الوجه فيه هو: ان الظاهر لزوم الاحرام من الميقات و كون المقصود الاحرام بجميع شئونه، فلا بد من اتيان التلبية مع النيّة.

و فيه: ان صريح كثير من النصوص جواز تأخير التلبية عن الميقات بل استحبابه فى الجملة. فلاحظ «4».

و قد اطال صاحب الجواهر قدّس سرّه «5» في بيان ذلك و اعترف أخيرا بعدم الاثر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 39: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 536، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

الشهيد الاول محمد بن علي اللمعة الدمشقية 2/ 229، ط النجف الاشرف.

(4)- وسائل

الشيعة/ باب 34: من أبواب الاحرام.

(5)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 222، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 79

..........

فيه بناء على ان المعتبر فى النية هو الداعي لا الاخطار.

الثامنة: في لزوم تاخير التلبية عن الميقات.

ظاهر بعض النصوص ذلك، كرواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا صليت عند الشجرة فلا تلّب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش «1»».

و ظاهر بعضها التفصيل بين الراكب و الماشي، كرواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ان كنت ماشيا فاجهر باهلالك و تلبيتك من المسجد و ان كنت راكبا فاذا علت بك راحلتك البيداء «2»».

و ظاهر بعضها جواز التلبية فى المسجد للراكب، كرواية اسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «قلت له اذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أ يلبي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة قال: أي ذلك شاء صنع «3»».

فالمتعين حمل الأمر الوارد بالتأخير بالخصوص على الاستحباب خصوصا بقرينة ما ورد «4» من أن الرسول صلّى اللّه عليه و آله إنما لبى فى البيداء لاجل تعليم الناس كيفية التلبية الظاهر في انه غير لازم مع أنه كان راكبا.

و ظهور رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امش هينهة [هنيئة] فاذا استوت بك الارض ماشيا كنت او راكبا فلبّ «5»» في تساوي الراكب و الماشي فى الحكم، بضميمة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 34: من ابواب الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 35: من ابواب الاحرام، ح

4.

(4)- المصدر، ح 2.

(5)- المصدر/ باب 34: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 80

فلا ينعقد الاحرام لمتمتع و لا لمفرد الا بها، و بالاشارة للأخرس مع عقد قلبه بها. و القارن بالخيار (189). إن شاء عقد احرامه بها، و ان شاء قلّد أو اشعر، على الاظهر. و بأيهما بدأ كان الآخر مستحبا.

و صورتها أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. و قيل يضيف الى ذلك، ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك، و قيل:

بل يقول: لبيك، اللهم لبيك، لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك، و الاول أظهر.

و لو عقد نيّة الاحرام، و لبس ثوبيه ثم لم يلبّ، و فعل ما لا يحل للمحرم فعله، لم يلزمه بذلك كفارة اذا كان متمتعا أو مفردا. و كذا لو كان قارنا و لم يشعر و لم يقلّد.

عدم لزوم التأخير للماشي للنص. فلاحظ جيدا.

______________________________

(189) لا اشكال في كون كل واحد من الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية في عقد الاحرام به، ل:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يوجب الاحرام ثلاثة اشياء التلبية و الاشعار و التقليد فاذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم «1»».

و روايته الاخرى عنه عليه السّلام، قال: «يقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 12: من ابواب اقسام الحج، ح 20.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 81

..........

الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية «1»».

و غيرهما من النصوص «2».

و قد وقع الكلام في لزوم التلبية بعدهما تكليفا، و مقتضى اطلاق دليل وجوبها- لو تمّ-

ذلك، و عليه السيرة كما هو ظاهر فعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله لانه لبّى و لا بدّ أن يكون قد أشعر لانه مستحب.

و لا منافي له سوى ما يحتمل من ان تنزيل الاشعار و التقليد منزلة التلبية ظاهر في انهما كالتلبية وضعا و تكليفا.

و لكنه يندفع بان ظاهر التنزيل هو التنزيل بلحاظ الحكم الوضعي لا التكليفى، إذ لو كان الاشعار واجبا بنحو التخيير لكان الأنسب التعبير بانه بدل التلبية لا بمنزلته، هذا مع ظهور ذلك في رواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا كانت البدن كثيرة قام فيما بين ثنتين ثم اشعر اليمنى ثم اليسرى و لا يشعر ابدا حتى يتهيأ للاحرام لانه اذا أشعر و قلّد و جلّل وجب عليه الاحرام و هي بمنزلة التلبية «3»»، فان ظاهره ان المنظور فى التنزيل هو جهة انعقاد الاحرام به، فلاحظ.

و بالجملة، فمقتضى دليل وجوب التلبية وجوبها مطلقا، كما ان النص صريح في مشروعيتها بعد الاشعار و هو رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إني قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة- إلى أن قال:- ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الايمن من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 12: من ابواب اقسام الحج، ح 11.

(2)- المصدر، ح 1 و 2 و 3 و 4.

(3)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 82

[الثالث: لبس ثوبي الإحرام]
اشارة

الثالث: لبس ثوبي الاحرام و هما واجبان (190).

سنامها ثم قل: بسم اللّه اللهم منك و لك اللهم تقبل مني، ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه «1»».

و أما الاشعار بعد التلبية، فلا دليل

على استحبابه، إذ لا دليل على استحبابه بقول مطلق، فالقدر المتيقن من دليله ما قبل التلبية.

نعم، التقليد بعد الاشعار مستحب، لظاهر رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «البدن تشعر فى الجانب الايمن و يقوم الرجل فى الجانب الايسر ثم يقلّدها بنعل خلق قد صلى فيها «2»».

و اما الاشعار بعد التقليد، فلا دليل على استحبابه أيضا، فتدبر.

______________________________

(190) لا خلاف في أصل وجوب لبس الثوبين و لكن لا مستند له من النصوص سوى رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق- الى ان قال:- ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك «3»».

و لكن يوهن ظهورها فى الوجوب عطف اللبس على ما لا يجب قطعا، كالسواك و طلي العانة و قص الاظفار.

و على كل حال، فلا يسعنا التشكيك في وجوبه بعد كونه امرا مرتكزا و عليه العمل، و ان كان يضعف ذلك ان ارتكازه من باب تعارف لبسهما بعد نزع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 12: من ابواب اقسام الحج، ح 2.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ج 9/ باب 6: من ابواب الحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 83

فلا يجوز الاحرام فيما لا يجوز لبسه فى الصلاة (191).

المخيط و عدم البقاء عاريا. و لاجل ذلك توقف في «كشف اللثام «1»» عن الحكم بوجوبهما ما لم يقم اجماع عليه لعدم المستند فيه غيره.

و لو تم وجوبه، فهو ظاهر في كونه وجوبا شرطيا كما هو الظاهر في مطلق الأوامر في باب المركبات فبدون اللبس لا يصح الاحرام، فلا وجه لما فى «الجواهر «2»» من انه واجب نفسي فلا

يضر تركه في صحة الاحرام.

ثم إن الظاهر لزوم لبس ثوبين احدهما يكون ازارا و الآخر رداء لانه مورد السيرة العملية، كما هو ظاهر ما دل «3» على جواز لبس القباء مقلوبا لو لم يكن لديه رداء و ظاهر السؤال عن جواز التردي «4» بثوبين فان ظاهرهما لزوم الرداء في حد ذاته.

و بالجملة، لزوم التعدّد لا اشكال فيه.

______________________________

(191) مقتضى ذلك عدم جواز الاحرام فى الحرير للرجل و الذهب له- أيضا- و الميتة و المغضوب و ما لا يؤكل لحمه و النجس و الحاكي للعورة.

و التحقيق: ان عدم جواز الاحرام في مثل الحرير مما دل دليل عام على حرمة لبسه على القاعدة، إذ حرمته تقيد أدلة الشرطية، كما هو الحال في باب الصلاة، فلا نحتاج فيها الى دليل خاص.

______________________________

(1)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 273، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 234، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 44: من ابواب تروك الاحرام.

(4)- المصدر/ باب 30: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 84

..........

و منه يعلم الحال فى الميتة لو دل دليل على حرمة استعماله مطلقا.

و أما النجس، فيدل على عدم جواز الاحرام فيه ...

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها التي أحرم فيها قال: لا بأس بذلك اذا كانت طاهرة «1»».

و روايته الاخرى عنه عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال:

لا يلبسه حتى يغسله و احرامه تام «2»». و المراد من تمامية احرامه عدم انتقاضه بنزع الثوب حتى يغسله لا

انه لا ينتقض اذا عصى و لبسه نجسا و لم يغسله، كما استظهره فى «الجواهر «3»»، فانه خلاف الظاهر لانه ليس محط النظر فى السؤال.

و قد شكك فى «المدارك «4»» في دلالة هذه الرواية بان مقتضاها عدم جواز لبس النجس في مطلق حال الاحرام و هو بعيد للاتفاق على عدم وجوب تطهير البدن و التفكيك بينهما مستبعد.

أقول: لم يثبت لدينا ظهور الملازمة بين وجوب تطهير الثوب و تطهير البدن لدى الاصحاب كي يكشف اتفاقهم على عدم وجوب تطهير البدن عن اعراضهم عن العمل بهذه الرواية، بل لعل البعض منهم لا يرى ذلك.

و عليه، فان لم تثبت الملازمة فلا اشكال. و ان ثبتت كانت هذه الرواية دليلا على وجوب تطهير البدن، و لا ينافيه الاتفاق لما عرفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 30: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 241، الطبعة الاولى.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 275، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 85

..........

كما انه لا مجال للتشكيك في دلالة هذه الرواية بانها واردة مورد توهم المنع لاجل تخيل ان النجاسة كالوسخ تكره ازالته، إذ التعبير ظاهر في الالزام كما لا يخفى.

و عليه، فلا اشكال في لزوم طهارة ثوبي الاحرام و هو- أيضا- مقتضى مفهوم «1» رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه «2»». كما سيظهر.

و أما الاحرام فيما لا يؤكل لحمه و فى الحاكي، فلا دليل على عدم جوازه سوى رواية حريز بمفهومها.

و تحقيق الحال فيها: انها تحتمل وجوها

ثلاثة:

الأول: ان يكون المراد من قوله: «كل ثوب تصلي فيه» الثوب الذي تجب الصلاة فيه، فيختص موضوعها بالساتر لانه الّذي تجب الصلاة فيه فقط.

و عليه، فتكون دالة على جواز الاحرام بالساتر فقط، فتعارض ما دل على لزوم الرداء.

الثاني: ان يكون المراد منه الثوب الذي تشرع الصلاة فيه، فتكون دالة على اعتبار جميع شرائط اللباس الوجودية و العدمية، و منها عدم كونه من غير مأكول اللحم و عدم كونه نجسا.

الثالث: ان يكون المراد منه الثوب الذي تشرع الصلاة فيه بما انه ثوب، فلا تدل إلا على اعتبار الطهارة لأنها هي المعتبرة فى الثوب بعنوانه و إلا فغيرها غير معتبر فى الثوب بما انه ثوب، و لذا لا تجوز الصلاة في شعر غير المأكول لو كان

______________________________

(1)- ثبوت المفهوم للرواية بلحاظ «الفاء» الظاهر فى الترتيب و التعليق.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 27: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 86

و هل يجوز الاحرام فى الحرير للنساء (192)؟ قيل: نعم، لجواز لبسهن له فى الصلاة، و قيل: لا، و هو أحوط.

على الثياب.

و الظاهر منها هو الثالث، لأخذ الثوب فى الموضوع الظاهر في دخله فى الحكم. فلا يبقى هناك دليل على اعتبار عدم كونه من مأكول اللحم. و أما الاحتمال الاول فضعيف جدا. فتدبر.

______________________________

(192) ما يدل على جواز لبس الحرير للنساء:

رواية حريز المتقدمة بناء على الاحتمال الثاني.

و رواية يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج فقال نعم، لا بأس به و تلبس الخلخالين و المسك «1»».

و رواية النضر بن سويد، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:

«سألته عن المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين «2»».

و في قبال هذه النصوص نصوص أخرى تدل على المنع عن لبس الحرير بقول مطلق أو اذا كان خالصا، ك:

رواية عيص بن القاسم قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام المرأة المحرمة تلبس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 87

..........

ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين «1»».

و رواية اسماعيل بن الفضيل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة هل يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة؟ قال: «لا و لها ان تلبسه في غير احرامها «2»».

و رواية ابي عيينة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته ما يحل للمرأة ان تلبس و هى محرمة فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير قلت: أ تلبس الخز قال: نعم، قلت: فان سداه إبريسم و هو حرير. قال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس «3»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس ان تحرم المرأة فى الذهب و الخز و ليس يكره الا الحرير المحض «4»».

و رواية سماعة، انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرمة تلبس الحرير فقال: «لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه فاما الخز و العلم فى الثوب فلا بأس ان تلبسه و هي محرمة و ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس و

تلبس الخز، أما إنهم يقولون: أن فى الخز حريرا و انما يكره المبهم «5»».

و بهذه النصوص يقيد اطلاق رواية حريز مضافا الى ما تقدم من ظهورها في اعتبار الطهارة فقط. كما يخصص بها عموم رواية النضر مع أنها ضعيفة السند.

و أما رواية يعقوب فلا صراحة لها في كون موضوعها المرأة المحرمة، فيحتمل ان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام، ح 9.

(2)- المصدر، ح 10.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 88

..........

يكون السؤال عن جواز لبس الحرير للمرأة بقول مطلق.

نعم، قد يستظهر ذلك من السؤال عن زر القميص لانه يحتمل التحريم في حال الاحرام فقط، فاذا تمّ كانت الرواية ظاهرة فى الحلية حال الاحرام فتعارض بالمجموعة الكبيرة الدالة على المنع. و الترجيح لطائفة المنع للاطمئنان بصدورها.

و لا مجال للجمع الدلالي بينهما بدعوى أن رواية يعقوب نص فى الحلية و غيرها ظاهر فى التحريم، فيحمل على الكراهة.

إذ هي و ان كانت نصا فى الحلية في حد ذاتها لكنها بلحاظ حال الاحرام ليست كذلك، إذ استفادة ورودها في حال الاحرام من ظهور الأزرار فهى ظاهرة فى الحلية حال الاحرام، فلا يمكن الجمع، فتطرح.

هذا، مع انه لو سلمت دلالتها على المدعى و كانت نصا قيدت بما تكفل التفصيل بين الحرير المخلوط و الخالص، لانها مطلقة من هذه الجهة و به ترفع اليد عن اطلاقات المنع.

و عليه، فالحق «1» هو التفصيل بين الحرير المخلوط، فيجوز. و الخالص، فلا يجوز. هذا بالنسبة الى الانثى.

أما الخنثى المشكل، فحيث انها- مع غض النظر عن الحج- تعلم اجمالا بثبوت تكليف في حقها إما تكليف الرجل أو تكليف المرأة

كان عليها الاحتياط، فلا يجوز لها لبس الحرير احتياطا، لكن هذا لا ينفعنا في تحريم لبس الحرير عليها في حال الاحرام لو كانت استفادة مانعيته من باب أصل تحريمه كما تقدم، لعدم العلم بحرمته شرعا بل هو حرام عليها عقلا من باب الاحتياط. و يشكل

______________________________

(1)- هذا كله يبتنى علي القول بانقلاب النسبة فتأمل تعرف. (المقرر).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 89

و يجوز أن يلبس المحرم اكثر من ثوبين (193).

استفادة المانعية من تحريمه عقلا.

و عليه، فان قام لديها علم اجمالي بثبوت تكليف ما بلحاظ الحج إما تكليف الرجل او المرأة تعيّن عليها الامتناع عن لبس الحرير لانه طرف العلم الاجمالي و إلا فأصالة البراءة تنفيه. هذا اذا التزم بجواز لبس الحرير للمرأة و إلا فهو حرام على الخنثى بلا كلام. فلاحظ.

______________________________

(193) لا إشكال في هذا الحكم لدلالة النص عليه، ك:

رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يتردى بالثوبين، قال:

«نعم، و الثلاثة ان شاء يتقي بها البرد و الحر «1»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها التي أحرم فيها، قال: لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة «2»». و ظاهر هذه الرواية جواز لبس اكثر من ثوبين مطلقا و لو لم يكن مضطرا إليه. و لا تصلح الرواية الاولى لتقييدها لعدم ظهورها اما من جهة تقييد الحكم بالمشيئة أو لعدم ظهور تعلق المشيئة بقوله «يتقى ...»، بل تحتمل ان يكون قوله المزبور جملة مستأنفة بيانا لحكمة اللبس الزائد في تقييد الحكم بالضرورة كما لا يخفى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 30: من ابواب الاحرام،

ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 90

و أن يبدل ثياب احرامه (194)، فاذا اراد الطواف فالافضل أن يطوف فيهما. و اذا لم يكن مع الانسان ثوبا الاحرام، و كان معه قباء، جاز لبسه مقلوبا، بأن يجعل ذيله على كتفيه (195).

______________________________

(194) تدل على هذا الحكم النصوص، ك:

رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بان يغيّر المحرم ثيابه و لكن اذا دخل مكة لبس ثوبي احرامه اللذين احرم فيهما و كره ان يبيعهما «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و لا بأس ان يحول المحرم ثيابه «2»».

و الذي يظهر من رواية معاوية وجوب لبس الثوبين اللذين احرم فيهما اذا دخل مكة، فلا وجه لحملها على الاستحباب لعدم المعارض. و لم يثبت اعراض المشهور عنها لفتوى جماعة بالوجوب، مع ان المشهور التزموا بها من حيث السند و لذا أفتوا بالاستحباب لعدم دليل عليه ظاهرا غيره، ثم ان النص يدل على لبس الثوبين عند دخول مكة فتقييده بالطواف بلا وجه ظاهر.

(195) وقع الكلام فى المراد بالاضطرار و انه خصوص الاحتياج الى لبس القباء لاجل برد و نحوه او انه أعم من ذلك و من جهة فقد الرداء و الاحتياج إليه بدلا عن الرداء؟ كما وقع الكلام في كيفية اللبس و انه بنحو التنكيس فقط أو مع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 31: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 91

..........

قلب ظاهره باطنه أو يجوز كل منهما؟

و التحقيق: ان النصوص فى الباب على طائفتين:

إحداهما: ما هو ظاهر في لبس

القباء بدلا عن الرداء المعتبر لبسه في الاحرام فهي تتكفل حكم الاحتياج إليه من حيث الحكم التكليفى، ك:

رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يلبس المحرم الخفين اذا لم يجد نعلين، و ان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه [عاتقه، خ ل] او قباء بعد ان ينكسه «1»».

و رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام- في حديث- قال: «و يلبس المحرم القباء اذا لم يكن له رداء و يقلب ظهره لباطنه «2»».

و الأخرى: ما هو ظاهر في لبس القباء في حال الاضطرار الى لبسه لا من جهة عدم الرداء بل من جهة البرد، ك:

رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و ان اضطر الى قباء من برد و لا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء «3»».

و نحوها رواية علي بن أبي حمزة «4».

و عليهما يحمل ما ورد مما موضوعه الاضطرار بقول مطلق مع ظهوره فيه عرفا و ان احتمل إرادة الأعم منه و من الاضطرار من جهة الحكم التكليفي و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 44: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 7.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- المصدر ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 92

..........

البدلية عن الرداء، ك:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا اضطر المحرم الى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء «1»».

و رواية مثنّى الحنّاط، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من اضطر الى ثوب و هو محرم و ليس معه إلا قباء فلينكسه

و ليجعل أعلاه أسفله و يلبسه «2»».

و مع وجود هاتين الطائفتين تعرف ان الحكم بجواز لبس القباء ثابت في كلتا الصورتين أعني صورة فقد الرداء و صورة الاضطرار الى لبسه عرفا لبرد و نحوه.

أما كيفية اللبس، فقد وردت في هذه النصوص بنحوين: أحدهما لبسه منكسا و الآخر لبسه مقلوبا بجعل ظهره باطنه. و مقتضى القاعدة لزوم الجمع بينهما، إلا ان ظاهر بعض هذه النصوص جواز عدم النكس و الاكتفاء بجعل ظاهره باطنه فقط لظهور قوله عليه السّلام فيها: «و لا يدخل يديه في يدي القباء» في جواز عدم النكس.

و عليه، فنقول: ان كانت الطائفتان في مقام بيان الجواز لا اكثر فلا دلالة لهما على الجمع، بل كل منهما يدل على جواز احدى الصورتين. و ان كانتا في مقام بيان الالزام بالكيفية- كما هو الظاهر- حصل التنافي بينهما. و كان طريق الجمع بينهما هو رفع اليد عن خصوصية التعيين في كل منهما المستفادة من الاطلاق، فتكون النتيجة هي التخيير.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 44: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 93

[أما أحكامه:]
اشارة

و أما أحكامه:

فمسائل:

[الأولى: لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر، حتى يكمل أفعال ما أحرم له.]

الأولى: لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر، حتى يكمل أفعال ما أحرم له. فلو احرم متمتعا و دخل مكة، و أحرم بالحج قبل التقصير ناسيا، لم يكن عليه شي ء (196)، و قيل: عليه دم، و حمله على الاستحباب أظهر. و ان فعل ذلك عامدا، قيل: بطلت عمرته فصارت حجة مبتولة، و قيل: بقي على احرامه الاول، و كان الثاني باطلا، و الاول هو المروي.

هذا تحقيق الكلام فى المقام، كما انه ليس فى الطائفة الاولى من هذه الروايات تعرض لفقد الازار او كلا الثوبين بل موضوعها فقد الرداء فقط، فلاحظ.

______________________________

(196) لا اشكال في هذا الحكم بحسب القواعد الاولية لعدم الدليل على مشروعية الاحرام في اثناء احرام آخر و قبل إكماله.

و أما موضوع البحث الآخر و هو ما اذا أحرم بالحج قبل التقصير الموجب للاحلال من احرام العمرة المتمتع بها فله صور ثلاث:

الأولى: ما اذا كان احرامه بالحج عن نسيان للتقصير.

و الثانية: ما اذا كان احرامه عن ترك عمدي للتقصير.

الثالثة: ما اذا كان عن جهل بالتقصير.

و مقتضى القاعدة الاولية بطلان الاحرام بالحج لعدم مشروعيته في جميع هذه الصور لكن الحكم بلحاظ النص الخاص يختلف فيها.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 94

..........

أما صورة النسيان: فقد ورد النص بصحة احرامه و عمرته و عدم ثبوت شي ء عليه، ك:

رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل متمتع نسي ان يقصر حتى أحرم بالحج، قال: «يستغفر اللّه عز و جل «1»».

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج فدخل مكة فطاف و سعى و لبس ثيابه و

أحل و نسي ان يقصّر حتى خرج الى عرفات، قال: «لا بأس به يبني على العمرة و طوافها و طواف الحج على إثره «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سالته عن رجل اهل بالعمرة و نسي أن يقصر حتى دخل فى الحج قال يستغفر اللّه و لا شي ء، عليه و قد تمت عمرته «3»».

نعم، في رواية اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: «الرجل يتمتع فينسى ان يقصر حتى يهل بالحج فقال عليه دم يهريقه «4»». و لكنها محمولة على الاستحباب لصراحة رواية معاوية في عدم ثبوت شي ء عليه.

و أما صورة العمد، فظاهر بعض النصوص بطلان المتعة و صحة الحج، ك:

رواية العلاء بن الفضيل، قال: «سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج قبل ان يقصر قال بطلت متعته هي حجة مبتولة «5»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 54: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 6.

(5)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 95

..........

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المتمتع اذا طاف و سعى ثم لبّى بالحج قبل ان يقصر فليس له ان يقصّر و ليس عليه متعة «1»».

و قد ذهب البعض «2» الى بطلان الاحرام الثاني و البقاء على الأول عملا بمقتضى القاعدة الأولية، كما حملت النصوص المزبورة على صورة المتمتع الذي عدل من الافراد ثم لبّى بعد السعي فلا ترتبط بما نحن فيه.

و لكنه لا يخفى انه لا مجال للأخذ بالقاعدة بعد ورود النص على خلافها، كما ان الحمل المزبور لا شاهد له اصلا فهو تحكم في مدلول

الرواية.

ثم إنه لا يتجه إيقاع البحث في ان التقصير جزء العمرة او محلل لاحرامها، لان قيام الاجماع على عدم جواز ادخال الحج على العمرة مرجعه الى عدم مشروعية إنشاء احرام في اثناء احرام آخر، فما دام الشخص لم يتحلل من احرامه الاول قبل التقصير لم يشرع له إنشاء احرام آخر سواء كان التقصير جزءا أو محللا فانه لا اثر له اصلا. فتدبر.

و أما صورة الجهل، فلا بد من رفع اليد عن مقتضى القاعدة فيه بمقتضى هاتين الروايتين لاطلاق موضوعهما و شموله للجاهل، و لم يخرج عنه بالنص سوى الناسي و لا وجه لالحاق الجاهل به فانه قياس.

ثم إنه يقع الكلام في جهتين:

الأولى: في لزوم تجديد الاحرام، فقد ادعاه بعض «3». و لا وجه له، إذ لا دليل على انقلاب وظيفته مع بطلان احرامه بل ظاهر النص صحة احرامه و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 54: من ابواب الاحرام، ح 5.

(2)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 581، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- السبزواري، محمد باقر: ذخيرة المعاد/ كتاب الحج، ص 582، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 96

[الثانية: لو نرى الافراد، ثم دخل مكة]

الثانية: لو نرى الافراد (197)، ثم دخل مكة، جاز أن يطوف و يسعى و يقصر و يجعلها عمرة يتمتع بها ما لم يلبّ. فان لبّى انعقد احرامه. و قيل: لا اعتبار بالتلبية، و انما هو بالقصد (198).

حجه فعلا و ان بطلت متعته.

الثانية: في إجزائه عن الحج الذي بذمته. و هو المتجه لظهور كون السؤال فى النص عن وظيفته الفعلية بلحاظ ما يروم تأديته، فاجاب عليه السّلام بالصحة فلا تتجه دعوى عدم الاجزاء بعدم الدليل عليه

و منافاته للاعتبار في صورة العمد. كما لا تصل النوبة إلى التمسك بالإطلاق المقامي في اثبات الاجزاء كي يستشكل فيه بان السكوت قد يكون اعتمادا على ما هو مقتضى القاعدة من عدم الاجزاء.

______________________________

(197) قد تقدم جواز العدول من حج الافراد الى التمتع و بيان المورد الذي يصح فيه العدول. فراجع.

(198) و مما يدل على انعقاد الاحرام بالتلبية و عدم صحة العدول بعد التلبية رواية اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ثم يبدو له ان يجعلها عمرة، قال: ان كان لبّى بعد ما سعى قبل ان يقصر فلا متعة له «1»». و القول الآخر ينسب لابن ادريس «2».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 19: من ابواب اقسام الحج، ح 1.

(2)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 536، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 97

[الثالثة: اذا احرم الولي بالصبي]

الثالثة: اذا احرم الولي بالصبي، جرّده من فخ (199)، و فعل به ما يجب على المحرم و جنّبه ما يجتنبه (200). و لو فعل الصبي ما يجب به الكفارة، لزم ذلك الولي في ماله (201).

______________________________

(199) تقدم الكلام في ميقات الصبى، فراجع.

(200) لرواية زرارة، عن احدهما عليهما السّلام، قال: «اذا حج الرجل بابنه و هو صغير فانه يأمره أن يلبي و يفرض الحج، فان لم يحسن أن يلبي لبوا عنه و يطاف به و يصلى عنه. قلت: ليس لهم ما يذبحون. قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار، و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و ان قتل صيدا فعلى ابيه «1»».

و يستفاد الحكم

المزبور من غيرها فراجع وسائل الشيعة باب: 17 من ابواب اقسام الحج.

(201) الكلام في مقامين:

الأول: في انه لو فعل الصبي لما يوجب الكفارة كانت الكفارة من مال الولي.

الثاني: في بيان ان فعل الصبي هل يوجب الكفارة حتى يتحقق موضوع البحث الأول أولا يوجب، فلا موضوع له؟

أما المقام الأول، فقد مرّ تحقيق الكلام فيه في اوائل الكتاب، فراجع.

و أما المقام الثاني، فالحق فيه هو التفصيل بين ما يوجب الكفارة لو صدر عمدا و سهوا، كالصيد. و ما يوجبها لو صدر عمدا فقط. فتثبت الكفارة على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 17: من ابواب اقسام الحج، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 98

و كل ما يعجز عنه الصبي يتولاه الولي من تلبية و طواف و سعي و غير ذلك (202)، و يجب على الولي الهدي من ماله- أيضا- (203)، و روي: اذا كان الصبي مميّزا جاز امره بالصيام عن الهدي، و لو لم يقدر على الصيام صام الولي عنه مع العجز عن الهدي.

الصبي في الأول دون الثاني و ذلك لان اختصاص الكفارة بما لو صدر عن عمد يحتمل معه ان يكون ثبوتها لاجل حرمة العمل تكليفا و هي غير ثابتة على الصبي. بخلاف مورد عدم الاختصاص بحال العمل، فانه لا مجال لاحتمال كون السبب في ثبوت الكفارة هو الحرمة التكليفية بل مجرد تحقق العمل هو السبب، و معه لا يختلف الحال بين الصبي و غيره، فتثبت الكفارة على الصبي و بثبوتها عليه فتلزم الولي من ماله كما تقدم في رواية زرارة. و أما تسرية الحكم من الصيد الى نظائره مما يجب فيه الكفارة مطلقا فهو بالاجماع المركب.

و الى ما اخترناه ذهب

صاحب المدارك «1» و لعل الوجه فيه ما عرفت.

فتدبر.

______________________________

(202) كما تدل عليه رواية زرارة المتقدمة و غيرها، فراجع.

(203) الذي يظهر من المتن هو كون الهدي على الولي سواء كان الصبي قادرا عليه أو لم يكن قادرا، و مع العجز عنه يتعين الصيام.

و التحقيق: ان مقتضى القواعد ان الصبي اذا كان ذا مال ثبت الهدي عليه و

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 286، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 99

..........

يرجع به على الولي، لما تقدم فى الكفارة. و أما اذا لم يكن الصبي واجدا للهدي و كان وليّه متمكنا عليه، فلا وجه لثبوت الهدي عليه لعدم ثبوته على الصبي، فله الانتقال الى بدل الهدي و هو الصيام.

هذا بحسب القاعدة الاولية و أما بحسب النص الخاص فلم يرد ماله ظهور فيما ذكره فى المتن، بل لا دلالة للنصوص الخاصة على اكثر مما هو مقتضى القواعد، بل هي:

ما بين ما هو ظاهر في جواز الصوم عنه عند عدم وجدان الصبي الهدي، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه «1»».

و رواية عبد الرحمن بن أعين، قال: «تمتعنا فاحرمنا و معنا صبيان فاحرموا و لبّوا كما لبّينا و لم يقدروا على الغنم قال: فليصم عن كل صبى وليّه «2»».

و بين ما لا ظهور له في احد النحوين، بل موضوعه عدم وجدان الهدي المحتمل رجوع الضمير فيه الى الصبي او الى الولي. ك:

رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يصوم عن الصبي وليّه اذا لم يجد له

هديا و كان متمتعا «3»».

و رواية عبد الرحمن بن أعين، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «الصبي يصوم عنه وليّه اذا لم يجد هديا «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 3: من ابواب الذبح. ح 1.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 100

[الرابعة: اذا اشترط في احرامه أن يحله حيث حبسه ثم أحصر]

الرابعة: اذا اشترط في احرامه أن يحله حيث حبسه ثم أحصر، و قد استدل برواية زرارة المتقدمة على التفصيل بين المميز و غيره، فيصوم الاول و يذبح على الثاني و لعلها هي الرواية المقصودة بقول الماتن: «و روى اذا كان الصبي مميزا ...». و الحق ان قوله عليه السّلام (يصوم الكبار) لا ظهور له في إرادة المميز من الصبيان. بل الظاهر من الرواية عدم وجود غنم يكفي للكل لا عدم وجود مال، فكان الجواب: ان الصبي يذبح عنه و الكبير يصوم، و لم يفرض فى السؤال وجود صبيان مميزين و غيرهم. فالمقصود بالكبار البالغون لا المميزون من الصبيان.

و بالجملة، لا ظهور للرواية فيما أفاده فى المتن من لزوم الهدي على الولي مع عدم تمكن الصبي منه، اذ موضوعها ليس عدم وجدان الهدي للصبي بل عدم وجدان الهدي الكافي للمجموع من الكبار و الصغار مع غض النظر عن وجود مال للصبي و عدمه، فمرجع الضمير في قوله عليه السّلام: «ليس لهم ما يذبحون» ليس خصوص الصغار بل مجموع الصغار و الكبار.

و بهذا المضمون الذي ذكرناه وردت رواية عبد الرحمن بن أعين، قال:

«حججنا سنة و معنا صبيان فعزت الأضاحي فاصبنا شاة بعد شاة فذبحنا لأنفسنا و تركنا صبياننا، فأتى بكير أبا عبد اللّه عليه السّلام فسأله فقال: انما كان ينبغي أن تذبحوا

عن الصبيان و تصوموا أنتم عن أنفسكم فاذا لم تفعلوا فليصم عن كل صبي منكم وليه «1»». فتدبر جيدا و اللّه الموفق و هو حسبنا و نعم الوكيل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 3: من ابواب الذبح، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 101

تحلل، و هل يسقط الهدي؟ قيل: نعم، و قيل: لا، و هو الاشبه. و فائدة الاشتراط جواز التحلل عند الاحصار، و قيل: يجوز التحلل من غير شرط، و الاول أظهر (204).

______________________________

(204) لا اشكال في استحباب الاشتراط لدلالة النصوص عليه، ك:

رواية فضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه، و مفرد الحج يشترط على ربه ان لم تكن حجة فعمرة «1»».

و رواية حنان بن سدير، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «اذا أتيت مسجد الشجرة فافرض قلت: و أي شي ء الفرض؟ قال: تصلي ركعتين ثم تقول: اللهم إني أريد ان أتمتع بالعمرة إلى الحج، فان أصابنى قدرك فحلنى حيث حبستنى بقدرك، فاذا اتيت الميل فلبّه «2»».

و تدل عليه- أيضا- روايتا «3» معاوية بن عمار و عبد اللّه بن سنان، فلاحظهما.

و قد وقع الكلام في فائدة هذا الشرط فذهب البعض «4» الى أن فائدته سقوط الهدي و التحلل بدونه بمجرد الاحصار.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 23: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 16: من ابواب الاحرام، ح 1 و 2.

(4)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 533، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

علم الهدى السيد مرتضى. الانتصار/ سلسلة ينابيع الفقهية 7/ 128.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2،

ص: 102

..........

بيان ذلك: ان ما تفيده الآية الكريمة: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «1» انه لا يجوز لمن أحصر التحلل من احرامه إلا بالهدي، ففائدة الاشتراط صحة التحلل بدون الهدي، بل له ان يتحلل بمجرد الاحصار، و يستدل له بوجوه:

الأول: الاجماع، فقد ذكر فى «المدارك «2»» نقل السيد المرتضى و ابن ادريس اجماع الفرقة.

الثاني: انه معنى الشرط بضميمة امضاء الشارع لهذا الشرط كما يقتضيه دليل مشروعيته و الأمر به.

الثالث: النص و هو: رواية ذريح المحاربي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل متمتع بالعمرة الى الحج و أحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال: فقال: «أو ما اشترط على ربه قبل ان يحرم أن يحله من احرامه عند عارض عرض له من أمر اللّه؟ فقلت: بلى قد اشترط ذلك، قال: فليرجع الى أهله حلّا لا إحرام عليه ان اللّه أحق من و في بما اشترط عليه. قال: فقلت: أ فعليه الحج من قابل؟ قال:

لا، «3»».

و رواية البزنطي، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء يكون حاله؟ و أي شي ء عليه؟ قال: «هو حلال من كل شي ء، فقلت: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال: نعم، من جميع ما يحرم على المحرم. ثم قال: أما

______________________________

(1)- سورة البقرة، 2: 196.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 102

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 289، ط مؤسسة آل البيت

عليهم السّلام.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 24: من ابواب الاحرام، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 103

..........

بلغك قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ ... «1»»

و هذه الوجوه كلها قابلة للمناقشة:

أما الاجماع، فهو غير محصل كما انه ليس تعبديا.

و أما انه معنى الشرط، فغير مسلم، إذ الشرط لا يقتضي ذلك، بل مقتضاه صحة الاحلال عند الاحصار و عدم لزوم البقاء محرما الى ارتفاع العذر و اداء الاعمال، أما ان الاحصار سبب تام للاحلال فهو أجنبي عن مفاد الشرط. و لذا ورد هذا التعبير فى الروايات في مورد عدم الاشتراط، كقوله عليه السّلام في رواية زرارة: «هو حل اذا حبسه اشترط أم لم يشترط «2»».

و أما رواية البزنطي، فلا دلالة لها على المدعى لاطلاق صدرها، و أما ذيلها فلا يدل على ان موضوع الحكم هو صورة الشرط، إذ لعل المقصود بالاستفهام بيان معقولية هذا الأمر في نفسه- أعني: الاحلال عند الاحصار- و انه مما يطلب من اللّه تعالى، لا انه أمر غير ممكن التحقيق. فالرواية على عدم هذه الفائدة أدل و ظاهرة في عدم الهدي مطلقا، فلاحظ.

و أما رواية ذريح المحاربي، فوجه دلالتها على المدعى حكم الامام عليه السّلام بالاحلال مع سكوته عن لزوم الهدي الكاشف عن عدم لزومه و إلا لبيّنه.

و لكن يمكن ان يقال: انه عليه السّلام ليس في مقام بيان الوظيفة الفعلية بجميع خصائصها، بل الظاهر من الجواب ان السؤال كان عن جواز الاحلال عند الاحصار او لزوم التوقف و البقاء الى زمان ارتفاع العذر، فكان جوابه عليه السّلام بالاحلال فعلا و عدم الانتظار الى زوال العذر، فهو ليس في

مقام البيان إلا من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 8: من ابواب الاحصار و الصد، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 25: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 104

..........

هذه الجهة. أما شرائط التحلل فهو ليس في مقام بيانها كي يكون سكوته عن لزوم الهدي كاشفا عن عدم لزومه.

و لو فرض انه كانت في مقام البيان من هذه الجهة أيضا، فسكوته لا يكشف عن عدم لزوم الهدي، إذ لعله عليه السّلام اعتمد على ظهور الحكم من الآية الكريمة فلا يحتاج الى بيانه.

و لعله لأجل هذه المناقشات ذهب البعض «1» الى عدم سقوط الهدي تمسكا بإطلاق الآية و بما ورد عن الامام الحسين عليه السّلام من احلاله- عند احصاره- بالهدي «2».

و لكن دلالة ما ورد عنه عليه السّلام تتوقف على تمامية أمور كلها محل توقف و اشكال:

أحدها: ان لا يكون عليه السّلام قد ساق الهدي، كما هو ظاهر رواية أخرى، إذ مع سياقه لا اشكال في توقف الاحلال على ذبحه و كلامنا في غير السائق.

الثاني: ان يكون قد اشترط، و لم يثبت ذلك. و لا دليل على انه يلزمه الاتيان بجميع المستحبات قبل إمامته، و لو سلم فلم يثبت عدم المانع من اتيانه هذا المستحب.

الثالث: ان يكون هديه بنحو اللزوم بدعوى عدم الفصل بين المشروعية و الوجوب، و لكنه لم يثبت ذلك فقد يكون ذلك بنحو الاستحباب.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 261، الطبعة الاولى.

الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف 1/ 445، المسألة: 324.

العلامة الحلي الحسن بن يوسف. مختلف الشيعة 4/ 344، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- لاحظ رواية معاوية بن عمار باب 1: من ابواب الاحصار

و الصد، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 105

..........

الرابع: عدم الفرق بين احرام العمرة و غيره.

ثم إن ظاهر الرواية الذبح في محل الاحصار و هو خلاف ظاهر الآية الشريفة.

و أما اطلاق الآية الكريمة، فلا بأس بالتمسك به إذا لم يقم دليل على التقييد و قد عرفت المناقشة فيه.

هذا، و لكن الانصاف دلالة رواية المحاربي على سقوط الهدي لظهورها فى الحكم بالاحلال فعلا و عدم أي شي ء عليه خصوصا بملاحظة انه عليه السّلام سأل عن الاشتراط، و لو وجب عليه الهدي لم يكن فرق بين الاشتراط و عدمه للاحلال بعد الهدي فى الحالين، فلا وجه للسؤال و تذييله بان اللّه أحق من وفى بما اشترط عليه.

و قد التزم صاحب الجواهر «1» بان فائدة الاشتراط تعجيل التحلل لا سقوط الهدي، فالهدى واجب في كلا الحالين لكنه يتحلل قبله في صورة الاشتراط و ليس له ذلك في صورة عدم الاشتراط.

و الوجه فيه: هو الالتزام بظهور رواية ذريح فى التعجيل و عدم ظهورها في سقوط الهدي، و لا مانع من التفكيك، فيرجع في لزوم الهدي الى اطلاق دليله.

و يشكل ان ذلك انما يتم لو فرض ان وجوب الهدي و التحلل به حكمان لا يرتبط احدهما بالآخر.

فيدعى: ان الرواية ظاهرة فى التحلل الفعلي. أما عدم وجوب الهدي فلا ظهور لها فيه و ليس المقام مقام بيانه، فيرجع فيه الى دليله.

و لكن الأمر ليس كذلك، فان ظاهر الآية و النصوص ان وجوب الهدي

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 263، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 106

..........

شرطي و ليس له وجوب نفسي مستقل عن وجوبه الشرطي، فاذا

فرض ظهور الرواية في تحقق الاحلال بدون الهدي كان ذلك مقتضيا لعدم وجوب الهدي و سقوطه بالاشتراط.

و بالجملة، فالالتزام بظهور الرواية فى التحلل بدون الهدي يقتضي الالتزام بسقوط الهدي. فتدبر جيدا.

ثم انه قد أشرنا الى وجود ما يدل على تحقق التحلل اشترط أم لم يشترط، كرواية زرارة المتقدمة و رواية حمزة بن حمران، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذي يقول: حلني حيث حبستني، قال: «هو حل حيث حبسه قال أم لم يقل «1»».

و المقصود بهذه النصوص:

تارة: يكون تحقق الاحلال الفعلي الفوري بمجرد الحبس.

و أخرى: يكون تحقق الاحلال بنحو الاجمال و عدم البقاء محرما الى وقت ارتفاع العذر.

و لا بد ان تحمل على الثاني لانها على الأول تصادم صريح القرآن الدال على اشتراط بلوغ الهدي محله. و حملها على المعنى الثاني لا يتنافي مع فورية التحلل عند الاشتراط اذا دلّ عليه الدليل كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في الاشتراط و أثره، يبقى الكلام في بعض خصوصياته نوكله الى محله في مبحث الاحصار و الصد. فانتظر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 25: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 107

[الخامسة: اذا تحلل المحصور لا يسقط الحج عنه فى القابل إن كان واجبا]

الخامسة: اذا تحلل المحصور لا يسقط الحج عنه فى القابل إن كان واجبا، و يسقط إن كان ندبا (205).

[ب: و المندوبات]

ب: و المندوبات 1- رفع الصوت بالتلبية للرجال (206).

______________________________

(205) ما ذكره فى المتن حكم على طبق القاعدة، اذ لا وجه لتوهم لزوم الحج من قابل بمجرد الاحلال بالحصر. و قد وردت النصوص مختلفة:

فمنها: ما ظاهره وجوب الحج، كرواية أبي بصير (يعنى ليث بن البختري) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشترط فى الحج أن يحلّه حيث حبسه أ عليه الحج من قابل؟ قال: «نعم، «1»». و يدل عليه غيرها.

و منها: ما ظاهره عدم وجوب الحج، كرواية ذريح المحاربي المتقدمة.

و منها: ما ظاهر التفصيل بين الحج المندوب، فلا يجب. و حجة الاسلام فيجب عليه الحج فى القابل و هو مرسلة المفيد قدّس سرّه «2» في «المقنعة».

(206) كما ورد به النص، كرواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إن كنت ماشيا فاجهر باهلالك و تلبيتك من المسجد و ان كنت راكبا فاذا علت بك راحلتك البيداء «3»». و يستفاد ذلك من غيرها.

و قد يتوهم: ظهور النص فى الوجوب لظهور الأمر فيه و لا ينافي ذلك الامر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 8: من ابواب الاحصار و الصد. ح 4.

(2)- المصدر/ باب 1 الاحصار و الصد، ح 6.

(3)- المصدر/ باب 34: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 108

2- و تكرارها عند نومه و استيقاظه (207)، و عند علوّ الآكام و نزول الاهضام؛ فان كان حاجا فالى يوم عرفة عند الزوال، و ان كان معتمرا بمتعة فاذا شاهد بيوت مكة (208)، و إن كان

بعمرة مفردة، قيل:

كان مخيّرا في قطع التلبية عند دخول الحرم، أو مشاهدة الكعبة، و به فى التلبية المستحبة، إذ لا يتنافى الوجوب الشرطي مع الاستحباب.

و يندفع: بانه ورد في بعض النصوص إنشاء الأمر الاستحبابي بالتلبية بالأمر بالجهر بها، كرواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا أحرمت من مسجد الشجرة فان كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد تقول: لبيك- الى ان قال:- و اجهر بها كلما ركبت و كلما نزلت و كلما هبطت واديا او علوت أكمة او لقيت راكبا و بالاسحار «1»»، فانه لا أمر بالتلبية في مجموع هذه الموارد بغير هذه الصيغة- أعني: قوله «و اجهر بها»-.

و من الواضح ان الاستحباب مولوي، فلا بد ان يكون الأمر بالجهر مولويا لا شرطيا، و إذا كان مولويا كان استحبابيا لوروده في مورد الاستحباب.

______________________________

(207) يدل على بعضه رواية عمر بن يزيد المتقدمة. و على غيره النصوص الاخرى.

(208) الروايات «2» الواردة في مكان قطع التلبية للمعتمر بمتعة مختلفة التعبير، فورد:

في بعضها القطع عند مشاهدة بيوت مكة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 40: من ابواب الاحرام، ح 3.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 43: من ابواب الاحرام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 109

قيل: ان كان ممن خرج من مكة للاحرام، فاذا شاهد الكعبة، و إن كان ممن احرم من خارج، فاذا دخل الحرم، و الكل جائز.

3- و يرفع صوته بالتلبية، اذا حج على طريق المدينة، اذا علت راحلته البيداء، فان كان راجلا فحيث يحرم. و يستحب التلفظ بما يعزم عليه، و الاشتراط ان يحله حيث حبسه؛ و ان لم يكن حجة فعمرة. و ان يحرم فى الثياب القطن، و

أفضله البيض. و اذا حرم بالحج من مكة، رفع صوته بالتلبية، اذا اشرف على الأبطح.

[تروك الاحرام: و هي محرمات و مكروهات.]

اشارة

و يلحق بذلك:

تروك الاحرام:

و هي محرمات و مكروهات.

[أ- فالمحرمات:]
اشارة

أ- فالمحرمات:

و في بعضها القطع عند عروش مكة و هي ذي طوي.

و في بعضها اذا نظر إلى ذي طوي.

و في بعضها حين يدخل الحرم.

و في بعضها تحديد البيوت بعقبة المدنيين.

و هي ان كانت متحدة المئال، فلا اشكال و ان كانت مختلفة فى البعد و القرب كان طريق الجمع هو الحمل على تعدد المراتب في عدم المشروعية، فلاحظ «1».

______________________________

(1)- ثم ان سيدنا الاستاذ دام ظله أهمل الكلام عن باقي المستحبات لسهولة الخطب فيها، فلا حاجة للاطالة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 110

عشرون شيئا:

[1- فصيد البرّ اصطيادا، أو أكلا]

1- فصيد البرّ اصطيادا، أو أكلا؛ و لو صاده محل، و اشارة و دلالة، و إغلاقا و ذبحا (209).

______________________________

(209) لا اشكال في حرمة الصيد بمعناه المصدري.

و فى ا «المدارك «1»»: «هذا الحكم مجمع عليه بين الاصحاب». و تدل عليه الآية الكريمة: وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «2» و لا اشكال في حرمة ذبحه و قتله للآية الكريمة: و لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «3»، كما لا اشكال في عدم اختصاص التحريم بنفس الاصطياد بل يحرم الاشارة إليه و الدلالة عليه و كل ما يؤدي الى الاصطياد.

و قد وجّه ذلك باعتبار دلالة الآية عليه فان الظاهر منها بدوا و ان كان هو الأكل، كما هو مقتضى حذف المتعلق و اضافة الحكم الى العين، لكن بضميمة فتوى الكل على تحريم هذه الشئون يعلم ان المراد بالآية الأعم.

أقول: لا يحتاج الى هذا التوجيه، إذ في دلالة النصوص على العموم كفاية، ك:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تستحلن شيئا من الصيد و انت حرام و لا و انت حلال فى الحرم و لا تدلن عليه

محلا و لا محرما فيصطاده. و لا تشر إليه فيستحل من اجلك فان فيه فداء لمن تعمده «4»»، فان قوله عليه السّلام:

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 304، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- سورة المائدة، 5: 96.

(3)- سورة المائدة، 5: 95.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 1: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 111

و لو كان ذبحه كان ميتة حراما، على المحل و المحرم (210).

«فيستحل من اجلك» ظاهر في تحريم كل ما كان مؤديا إلى استحلال الصيد من جهته.

و رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المحرم لا يدل على الصيد فان دل عليه فقتل فعليه الفداء «1»».

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «و اجتنب في احرامك صيد البر كله و لا تأكل مما صاده غيرك و لا تشر إليه فيصيده «2»».

و عليه، فسواء كان المراد بالآية الكريمة العموم أولا كان الحكم ثابتا.

و أما حرمة الصيد بمعنى المصيد، فيدل على حرمة أكله للمحرم و لو صاده محلّ النص، كرواية عمر بن يزيد المتقدمة و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تأكل شيئا من الصيد و انت محرم و ان صاده حلال «3»». و نحوها روايته الاخرى.

______________________________

(210) قال فى «المدارك «4»»: «هذا الحكم مشهور بين الاصحاب». و الكلام في حرمته على المحل باعتبار ذبح المحرم له- و ليعلم ان موضوع البحث ذبيحة المحرم بلحاظ ذبح المحرم لها مع قطع النظر عن كون الذبح فى الحرم أو فى الحل-. و يدل على ما فى المتن روايتان «5»:

______________________________

(1)- وسائل

الشيعة، ج 9/ باب 1 من تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر/ باب 2: من ابواب تروك الاحرام، ح 2 و 3.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 306، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(5)- المصدر/ باب 10 من تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 112

..........

الأولى: رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: «اذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال و الحرام و هو كالميتة ...».

الثانية: رواية اسحاق عن جعفر عليه السّلام: «ان عليّا عليه السّلام كان يقول: اذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم ...».

و حكي عن الصدوق قدّس سرّه «1» حليّة ذبيحة المحرم على المحل.

و يدل عليه نصوص متعددة، ك:

رواية منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل أصاب من صيد أصابه محرم و هو حلال، قال: فليأكل منه الحلال و ليس عليه شي ء انما الفداء على المحرم «2»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا أصاب المحرم الصيد فى الحرم و هو محرم فانه ينبغي له ان يدفنه و لا يأكله أحد و اذا أصاب فى الحل فان الحلال يأكله و عليه الفداء «3»».

و تدل عليه روايته الاخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، كما تدل عليه رواية حريز و رواية منصور ابن حازم «4».

كما تدل عليه رواية الحلبي، قال: «المحرم اذا قتل الصيد فعليه جزاؤه و يتصدق بالصيد على مسكين «5»»، فان الأمر بالتصدق به ظاهر في كونه حلالا للمسكين.

و هذه النصوص تامة السند و الدلالة، فان المقصود بالاصابة بحسب

الظاهر

______________________________

(1)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 372/ ذيل مسألة 2732.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 3: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر.

(5)- المصدر/ باب 10 من تروك الاحرام، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 113

..........

هو القتل خصوصا بملاحظة ترتيب الدفن عليه أو الأكل منه، فلا وجه لتوهم ان المقصود بالاصابة أعم مما يلازم القتل و عدمه كي يدعى تقيدها بما يقابلها لو تم سندها.

و أما ما دل على التحريم فهو ضعيف السند، فلا تصلح لمعارضة هذه الطائفة من النصوص. فالقول بالجواز- خلافا للمتن- هو الوجيه و المتعين.

ثم انه لو قلنا بحرمة اللحم لو ذبحه المحرم، فهل يحرم لو أشار المحرم الى الصيد فاصطاده المحلّ و ذبحه، أو لا؟

المتعين عدم التحريم لاختصاص دليل الحرمة بصورة ذبح المحرم، و عدم صدقه على إشارة المحرم من الواضحات.

و أما صيد الحرم، فظاهر النصوص حرمته على المحل و المحرم سواء ذبحه المحرم أم المحل، ك:

رواية معاوية بن عمار المتقدمة الظاهرة في حرمته على كل أحد اذا ذبحه المحرم.

و رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم أصاب صيدا و اهدى إليّ منه، قال: «لا، إنه صيد فى الحرم «1»».

و روايته الاخرى المتقدمة في حرمة الصيد على المحرم.

و رواية علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصعد بصيد حمام الحرم في الحل فيذبحه فيدخله فى الحرم فيأكله؟ قال: لا يصلح أكل حمام الحرم على كل حال «2»».

و ما ورد في تعليل حرمة حمام الحرم بانه ذبح بعد ما دخل

مأمنه، فانه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 4: من تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 114

و كذا يحرم فرخه و بيضه (211).

بعمومه ظاهر في حرمته مطلقا ذبحه المحرم او المحل. فلاحظ.

بل ظاهر بعض النصوص حرمة صيد الحل اذا ذبح فى الحرم، كرواية الحلبي، قال: «سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن صيد رمي فى الحل ثم ادخل الحرم و هو حي فقال:

اذا أدخله الحرم و هو حي فقد حرم لحمه و امساكه و قال: لا تشتره فى الحرم إلا مذبوحا قد ذبح فى الحل ثم دخل الحرم فلا بأس به «1»».

______________________________

(211) أما الفرخ، فهو داخل في عنوان الصيد فتشمله أدلته.

و أما البيض، فهو غير داخل فى الصيد عرفا كما هو واضح جدا إذ لا يقال:

«صاد البيض».

نعم، ورد في رواية تطبيق الصيد في الآية على أخذ البيض، فتكون دليلا حاكما و هي رواية احمد بن محمد، في قول اللّه تبارك و تعالى: تَنٰالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِمٰاحُكُمْ «2» قال: ما تناله الأيدي البيض و الفراخ، و ما تناله الرماح فهو ما لا تصل إليه الأيدي «3»» و لكنها غير تامة السند، فلا تصلح للاعتماد.

نعم، يستفاد تحريم أخذ البيض مما دل على ثبوت الكفارة فيه و لكنه لا ينفع في جعله من افراد الصيد كي ترتب عليه احكامه و آثاره بل يكون محرّما كسائر محرمات الاحرام.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 5: من تروك الاحرام، ح 1.

(2)- سورة مائدة، 5: 94.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 1: من تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 115

و الجراد في معنى الصيد البرّي

(212)، و لا يحرم صيد البحر، و هو ما يبيض و يفرّخ فى المياه.

______________________________

(212) الاشكال فى الجراد من جهتين:

الأولى: في انطباق عنوان الصيد على أخذه. و على تقدير انطباقه حقيقة، فقد يدعى انصرافه عنه، كما لا يعبر عن اخذ العقرب و نحوها بالاصطياد. كما يدعى انصراف غير مأكول اللحم عن مثل البق و البرغوث و القمل و نحوها.

الثانية: في انه من صيد البحر و هو حلال على المحرم.

و لكن ورد تحريمه فى النص و يظهر منه انه من صيد البر، فيرتفع الاشكال بكلتا جهتيه، و هو: رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «مرّ عليّ صلوات اللّه عليه على قوم يأكلون جرادا فقال: سبحان اللّه و انتم محرمون، فقالوا: إنما هو من صيد البحر، فقال: لهم ارمسوه فى الماء إذا «1»».

و رواية زرارة، عن أحدهما عليه السّلام، قال: «المحرم يتنكب الجراد اذا كان على الطريق، فان لم يجد بدّا فقتل فلا شي ء عليه «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس للمحرم ان يأكل جرادا و لا يقتله ... «3»».

ثم انه بناء على ما سيأتي من حلية صيد البحر، فما هو الحل بالنسبة الى الجراد البحري لتصادم ما دل على حرمة الجراد مع ما دل على حلية صيد البحر؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 7: من تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 116

..........

و معرفة ذلك تقتضي البحث أولا في صيد البحر و تحديد المراد منه.

و قبل البحث فيه ينبغي تأسيس الأصل بالنسبة إلى ما يشك في كونه من صيد البر و البحر.

فنقول: ان كان

لدينا عام يدل على حرمة الصيد بقول مطلق و كان دليل حلية صيد البحر بمنزلة المخصص كان المرجع في مورد الشبهة المفهومية و في غير مورد القدر المتيقن من صيد البحر هو العموم. و ان لم يكن لدينا عام كذلك كان المرجع في مورد الاشتباه هو الأصل العملي.

و ظاهر «الجواهر «1»» وجود العموم و هو قوله تعالى: و لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «2».

و فيه: ان الآية الكريمة مسوقة لبيان حرمة قتل الصيد على المحرم و هو أخص من المدعى من حرمة الصيد بجميع انحائه و شئونه كما تقدم.

و أما قوله تعالى: وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً فموضوعها رأسا صيد البر.

و أما النصوص، فهي و إن ورد فيها لفظ الصيد بدون تقييد لكن لا يحرز إرادة الاطلاق منها بعد بيان الحكم بالآية بعنوان صيد البر و وضوح انهم عليه السّلام في مقام بيان الحكم الواقعي الثابت فى الكتاب لا أنهم في مقام بيان حكم جديد.

و عليه، فمع الشك في مورد انه من صيد البحر أو البر، فالمرجع فيه هو الاصل العملي.

و أما صيد البحر، فلا اشكال في حليته للمحرم، للآية الكريمة أُحِلَّ لَكُمْ

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 294، الطبعة الاولى.

(2)- سورة مائدة، 5: 95.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 117

..........

صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ- الآية «1»، و للنصوص الدالة على ذلك و سيأتي ذكر بعضها.

و أما تحديده، فالروايات فيه مختلفة المضمون و هي أربعة:

رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام المتقدمة فى الجراد.

و رواية معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- و قال: «فصل ما

بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض فى البر و يفرخ فى البر فهو من صيد البر، و ما كان من الطير يكون فى البحر و يفرخ فى البحر فهو من صيد البحر «2»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الجراد من البحر، و قال:

كل شي ء أصله فى البحر و يكون فى البر و البحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله- الحديث «3»».

و رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «... و فصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض فى البر و يفرخ فى البر فهو من صيد البر، و ما كان من صيد البر يكون فى البر و يبيض فى البحر فهو من صيد البحر «4»».

و لا يخفى ان ما فى المتن يوافق رواية حريز.

و هي معارضة لرواية معاوية بن عمار لانها تجعل المدار على الحياة الفعلية لا على الاصل، و رواية حريز تجعل المدار على الاصل. و اما رواية محمد بن مسلم، فهي ليست في مقام التحديد و لا يستفاد منها اكثر من اعتبار قابلية الحياة

______________________________

(1)- سورة مائدة، 5: 96.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 6: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 118

[2- و النساء وطئا]
اشارة

2- و النساء وطئا (213).

تحت الماء، كما ان رواية معاوية الاولى لا تعارض غيرها لانها تتكفل حكم صورتين مما لا اشكال فيهما و ساكتة عن غيرهما.

و بالجملة: لا يستفاد من النصوص ضابط رافع للشك، فالمرجع هو العرف، و هو يرى ان صيد البحر هو ما يعيش فى البحر.

أما غيره مما يعيش حول الماء، كطير الماء

أو يعيش فى البر و لكن أصله من البحر، فلا يحرز صدق صيد البحر عليه، فيرجع فيه الى الأصل. نعم، ورد النص فى النهى عن صيد طير الماء.

و أما الجراد، فاطلاق دليله شامل له بجميع انحائه، فلو فرض وجود جراد بريّ أصله من البحر فهو مشمول للدليل و لا حاجة الى التمسك باصل فيه حينئذ، فهو ليس كغيره من موارد الشك، فتدبر.

______________________________

(213) هذا مما لا اشكال فيه فتوى و نصا، إذ يدل عليه ما ظاهره تحريمه، و ما دل على ثبوت الكفارة فيه، و ما ورد في تفسير الرفث من انه الجماع.

فمن الأول: رواية علي بن أبي حمزة، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل محرم واقع أهله، قال: «قد أتى عظيما «1»».

و من الثاني: رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: «ان كان جاهلا فليس عليه شي ء و ان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة ... «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 12: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 3 من كفارات الاستمتاع، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 119

و لمسا بشهوة (214)، و عقدا لنفسه و لغيره (215).

و من الثالث: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في بيان المراد من قوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1» قال: «فالرفث الجماع ... «2»». ثم انه لا فرق في حرمة الوطء بين كونه فى القبل او الدبر لاطلاق لفظ الجماع.

و أما وطئ البهيمة، فيستفاد حرمته مما يستفاد من النصوص الكثيرة

من حرمة الاستمتاع الجنسي على المحرم. و أما لفظ الجماع، فهو منصرف عن وطئ البهيمة قطعا لو لم نقل بعدم شموله له.

______________________________

(214) يدل عليه:

رواية مسمع أبي سيار، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «... و من مس امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة ... «3»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... قلت المحرم يضع يده بشهوة قال:

يهريق دم شاة ... «4»».

(215) لا اشكال في حرمته تكليفا و وضعا، للنصوص الكثيرة، ك:

رواية ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس للمحرم ان يتزوج و لا

______________________________

(1)- سوره البقرة، 2: 197.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 32: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 17: من ابواب كفارات الاستمتاع في الاحرام، ح 3.

(4)- المصدر/ باب 18: من ابواب كفارات الاستمتاع في الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 120

..........

يزوج و ان تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل «1»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: «المحرم لا يتزوج و لا يزوج فان فعل فنكاحه باطل «2»». و غيرهما.

و يقع الكلام في جهات:

الأولى: في توكيل المحرم المحل فى العقد له. و الظاهر لحوقه بمباشرة العقد لصدق التزويج بذلك، فيحرم.

الثانية: في اجازة المحرم حال احرامه عقد الفضولي الواقع قبل الاحرام.

و تحقيق الكلام فيه: انه بناء على ان الاجازة ناقلة تكون محرمة لتحقق التزويج بها، و هكذا بناء على الكشف الحكمي أعني تحقق العقد فعلا و ترتب الآثار من السابق. و أما بناء على الكشف الحقيقي فلا تحرم الاجازة، إذ هي ليست عقدا بل كاشفة عن تحقق الزواج من حين عقد الفضولي

و ذلك لا مانع منه.

الثالثة: في توكيل الجد فى العقد لحفيده.

و قد ذهب في «القواعد «3»» الى صحته و جوازه على ما حكاه فى «الجواهر «4»»، و ذهب الى صحة العقد اذا أوقعه الوكيل و الولي محرم.

و لكنه غير وجيه، لانه يصدق أنه- أي الجد- زوج حفيده، فيكون الزواج باطلا، كما تكون الوكالة باطلة لانها على أمر باطل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 9.

(3)- الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الاحكام، ج 1: ص 422، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 300، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 121

و شهادة على العقد و اقامة (216)،- و لو تحملها محلا- و لا بأس به بعد الإحلال.

الرابعة: فى التوكيل حال الاحرام على العقد بعده. و هو مما لا مانع منه، إذ لا يصدق التزويج على مجرد الوكالة، و تكون الوكالة صحيحة لاناطة صحتها على القدرة على متعلقها في حينه لا في حينها.

الخامسة: في ثبوت التحريم الأبدي بالتزويج حال الاحرام. و قد ادعي أنه مسلّم و النص مختلف. و قيل ان طريق الجمع هو حمل ما دل على التحريم على صورة العلم، و الكلام فيه موكول الى محله من كتاب النكاح.

ثم انه لا فرق في حرمة التزويج بين الدائم و المنقطع لصدق التزويج عليهما معا.

______________________________

(216) الشهادة لها معنيان:

أحدهما: الحضور و التحمل و منه الشهادة في باب الطلاق.

و الآخر: إقامة الشهادة، كما يقال فلان شهد بكذا.

و الظاهر من لفظ الشهادة عرفا هو المعنى الثاني لا الأول.

و عليه، فنقول: ورد النص بالنهى عن الشهادة و هو:

رواية ابن [أبي، خ ل]

شجرة- عمن ذكره- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى المحرم يشهد على نكاح محلين، قال: «لا يشهد، ثم قال: يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محل «1»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 1: من ابواب تروك الاحرام، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 122

..........

و رواية الحسن بن علي، عن بعض اصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يشهد، فان نكح فنكاحه باطل «1»».

و الظاهر منه- على ما عرفت- اقامة الشهادة. و عليه فلا دليل على حرمة تحمل الشهادة.

و مما يساعد على الجزم بإرادة إقامة الشهادة هو امران أحدهما: تعدية الشهادة ب: «على» الظاهر في الاقامة. و الآخر: تشبيه الشهادة على النكاح بالاشارة الى الصيد و هو يتلاءم مع الاقامة لاستلزامها اثبات النكاح و استقراره كاستلزام الاشارة لتحقق الصيد.

و يؤيده وجهان استحسانيان:

أحدهما: ان الشهادة بمعنى الاقامة جزء متمم لاثبات التزويج المحرّم على المحرم بخلاف التحمل.

و الآخر: ان التحمل لا دخل له أصلا فى النكاح و ليس النكاح كالطلاق في اعتبار الشهادة فيه.

و بالجملة، الاعتبار و الظهور يساعدان على تحريم اداء الشهادة لا تحملها.

و أما الاجماع، فهو لا يصلح لاثبات حرمة التحمل لوضوح ان مستنده الروايتان لا الاطلاع على رأي الامام عليه السّلام من طريق آخر. نعم، هو صالح لاثبات صدور النص؛ فانهما ضعيفتا السند و لولاه لما صح الاستناد إليهما، فالاجماع يوجب الاطمئنان او الجزم بصدور النص المزبور. و عليه، فالمتبع فى الدلالة ما يراه العرف و قد عرفته.

و لا يمكن الالتزام بإرادة معنى جامع لهما، إذ لا يتصور الجامع بين الاداء و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب

تروك الاحرام، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 123

..........

التحمل، و ارادتهما معا من دون جامع تستلزم الاستعمال في اكثر من معنى و هو محال.

ثم، انه لو كان المرجع فى التحريم هو النص فيؤخذ بإطلاقه في موارد التشكيك. و أما اذا كان هو الاجماع، فهو دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن و يرجع في مورد الشك الى الأصل.

و من موارد التشكيك: الشك في اختصاص حرمة التحمل بما اذا كان من قصده ذكر ابتداء أو يكون حراما مطلقا و لو كان من باب الاتفاق.

و قد ذهب فى «المدارك «1»» الى الاختصاص. و ناقشه فى «الجواهر «2»» بان الدليل مطلق.

و فيه: انه انما يتم لو كان مستند المدارك النص دون الاجماع و لكن مستنده الاتفاق.

و من موارد التشكيك: الشك في اختصاص حرمة اداء الشهادة بما لو تحملها و هو محرم او عموم التحريم لصورة ما لو تحملها و هو محل. و قد نسب الى الشيخ رحمه اللّه «3» الأول.

ثم انه ذهب فى «المدارك «4»» الى انه انما تحرم إقامة الشهادة اذا لم يترتب على تركها محرّم، فلو خاف به وقوع الزنا المحرّم وجب عليه تنبيه الحاكم على ان عنده شهادة لتوقف الحكم الى احلاله، و لو لم يندفع إلا بالشهادة وجب اقامتها قطعا.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 311، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 301، الطبعة الاولى.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 317، الطبعة الاولى.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 312، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الحج، ج 2، ص: 124

و تقبيلا (217).

و ناقشه فى «الجواهر «1»» و لم يبين وجه المناقشة و كأنه لانه لا يجب على المكلف دفع الوقوع فى الزنا و المحافظة على الفروج.

و فيه: انه لم يثبت ان نظر المدارك الى ذلك، بل لعل نظره الى ان المستند فى التحريم هو الاجماع و القدر المتيقن منه غير هذه الصورة. فتدبر جيدا.

ثم إنه لا وجه للتوقف في جواز خطبة النساء للحرم لعدم الدليل على حرمته، فتدبر.

______________________________

(217) وقع الخلاف في أن المحرّم هل هو مطلق التقبيل أم خصوص التقبيل بشهوة؟

و لا يخفى ان موضوع البحث هو المورد الذي يقبل الانقسام عادة الى التقبيل الشهوي و غيره، كالزوجة و الأجنبية. أما ما لا يقبله عادة، كتقبيل أمه او اخته او نحوهما من المحارم، فهو غير محل البحث فانه يجوز، إذ الدليل الدال على حرمة التقبيل موضوعه تقبيل امرأته، فلا يشمل تقبيل مثل الأم قطعا، إذ ليس هو كتقبيل الاجنبية كي يدعى الجزم بعدم الفرق بينه و بين تقبيل زوجته.

مضافا الى رواية ضعيفة السند تدل على جوازه معللة بانها قبلة رحمة و هي رواية الحسين بن حماد «2»، فلاحظها.

و كيف كان: فما يدل على حرمة التقبيل و لو لم يكن عن شهوة أمران:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 302، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 125

..........

أحدهما المطلقات، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «سألته عن رجل قبّل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي، قال: عليه دم يهريقه من عنده

«1»».

و نحوها رواية زرارة و رواية الحلبي عنه عليه السّلام- في حديث- قلت: «فان قبّل. قال: هذا أشد ينحر بدنة «2»».

و رواية على بن أبي حمزة، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل قبّل امرأته و هو محرم قال: عليه بدنة و ان لم ينزل و ليس له ان يأكل منها «3»».

و الآخر: رواية أبي سيار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يا أبا سيار، ان حال المحرم ضيقة، فمن قبّل امرأته على غير شهوة و هو محرم فعليه دم شاة، و من قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر ربه- الحديث «4»».

و لكن ادعي ان المنصرف من الاطلاق هو تقبيل الشهوة لانه الفرد العادي للتقبيل، بضميمة ما يستفاد من النصوص الواردة فى المس و الضم و النظر و غيرهما من ان الملاك فى المنع هو التلذذ بالمرأة.

و أما رواية مسمع، فالمراد من قوله «على غير شهوة» ليس غير مطلق الشهوة بل غير الشهوة بالحد الخاص المنتهية الى الامناء، بقرينة المقابلة، فيكون المقصود التفصيل بين من قبّل بشهوة و لم يمن و من قبّل بشهوة و أمنى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1 و 7.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 126

و نظرا بشهوة (218).

و فيه: ان دعوى الانصراف فى المطلقات و لو كانت قريبة إلا ان دعوى كون المراد من قوله «على غير شهوة» ما ذكر تحكم، فانه خلاف الظاهر.

و عليه، فالاعتماد على دلالتها متعين و يستفاد منها حكم التقبيل بشهوة من دون إمناء بالاولوية. فلاحظ.

______________________________

(218) أما النظر بلا شهوة، فلا

اشكال في حليته للسيرة إذ لم يكن البناء عملا على عدم نظر الزوج الى زوجته اذا أحرم. و للأصل لاختصاص دليل المنع بما اذا كان عن شهوة.

و أما حرمة النظر بشهوة فيدل عليه- مضافا الى ما قيل من استفادة حرمة التلذذ بالمرأة في حال الاحرام- روايات متعددة. منها:

رواية أبي سيار قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «... و من نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ... «1»».

و رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل، قال: «عليه جزور او بقرة فان لم يجد فشاة «2»».

و لكن ادعى معارضتها بروايتين:

إحداهما: رواية اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى، قال: «ليس عليه شي ء «3»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 17: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 3.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 127

..........

و الاخرى: رواية علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل قال لامرأته او لجاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفا و المروة:

اطرحي ثوبك و نظر الى فرجها قال: لا شي ء عليه إذا لم يكن غير النظر «1»».

بضميمة ملازمة النظر الى الفرج لكونه عن شهوة.

و قد حملت رواية اسحاق على صورة السهو لاختصاص دليل التحريم بصورة العمد، كما هو ظاهر ثبوت الكفارة عليه، فلا تعارض.

و اما رواية ابن يقطين فلم يعلم ان المقابلة بين النظر و غيره من الافعال كالجماع و نحوه، بل يمكن ان يكون المقصود نفي غير ذات النظر حتى جهة الشهوة

و التلذذ، و هو خارج عن محل البحث.

ثم ان صاحب الجواهر «2» ذهب الى لزوم تحكيم ما دل على التحريم و لو لم يمكن الالتزام بالحمل المتقدم لتظافره و كثرة الروايات فيه، فلا يصلح ما ذكر لمعارضته «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 17: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 4.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 305، الطبعة الاولى.

(3)- أقول: النظر بشهوة مقيد في هذه النصوص بالانزال، فلا دلالة له على حرمة النظر بشهوة في نفسه، و لعل المراد من رواية ابن يقطين انه اذا تحقق النظر بدون انزال و ليس المنظور مقابلته مع الجماع، اذ ظاهر السؤال تحقق مجرد النظر دون الجماع، فلا يتجه جواب الامام عليه السّلام إلا بإرادة عدم الانزال. و أما إرادة بالنظر بدون شهوة فهو بعيد جدا للملازمة العادية بين النظر الى الفرج و الشهوة، بل ظاهر مورد السؤال ذلك و انه لأجل التلذذ.

و أما الجواب عن الرواية المعارضة بتظافر النصوص على خلافها.

ففيه: ان موضوع النصوص المتظاهرة هو النظر الى غير أهله، فلا تعارض بينهما.

و أما الحمل على صورة السهو، فهو ينافى الظاهر لعدم ظهور لفظ «عليه» في كونه لاجل

الذنب كما لا يخفى و لذا يعبر به في كثير من موارد السهو.

نعم، قد يقال بان نفي الشي ء عليه أعم من نفي الحرمة، فمع التساقط فى المدلول المطابقي و هو ثبوت الكفارة يبقى المدلول الالتزامي، لما دل على ثبوت الكفارة و هو ثبوت التحريم على حاله. و لكن هذا يبتنى على صحة القول بالتفكيك بين المدلول الالتزامي و المطابقي فى الحجية و لا يقول به السيد الاستاذ.

هذا، و قد أفاد السيد الاستاذ دام ظله- في وجه استفادة التحريم

بانها تستفاد بطريقين:

الأول: ان في بعض روايات النظر بشهوة قيدت بالامناء او الإمذاء.

و قد وقع التسالم على عدم خصوصية الامذاء، فيكشف عن انّ تمام الموضوع هو النظر بشهوة.

الثاني: ما ورد في روايات النظر إلى غير الاهل من تعليل ثبوت الكفارة بانه نظر إلى ما لا يحل له لا من جهة الامناء، فعموم التعليل يفيد تحريم النظر بشهوة إلى الأهل أيضا.

و لكن يرد على الأول: ان ما ذكر فيه الامذاء رواية واحدة و هو رواية معاوية بن عمار (وسائل الشيعة، ج 9/ باب 17: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 1) و قد تكفلت بصدرها نفي الشي ء عليه و لزوم الاستغفار، و تكفلت بذيلها الكفارة عند الامناء فقط، فهي متصادمة لا يمكن الالتزام بها الا بحمل صدرها على السهو و ذيلها على العمد فلا تفيد فى الدعوى.

و يرد على الثاني: بان الظاهر منها الحرمة من حيث النظر إلى الأجنبية، فلا تفيد حكم النظر إلى الاهل، و ذلك: لان ظاهرها ثبوت الحرمة سابقا على الكفارة، و هي ليست ناظرة الى حرمة النظر إلى الاجنبية. اذ لم يثبت حرمة النظر من جهة الاحرام بطريق آخر.

هذا مع انه عموم الحكم بالكفارة يتوقف على ثبوت تحريم النظر الأهل، و هو بعد محل تشكيك، فلا معنى لاثبات الحرمة بعموم العلة لانها تتوقف على الحرمة.

و دعوى: ان رواية النظر الى الاهل المقيدة بالامناء تدل على حرمة النظر بشهوة ضمنا فيثبت فيه الكفارة.

تندفع:

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 129

و كذا الاستمناء (219).

______________________________

(219) و هو استدعاء المني. و حرمته على المحرم و لو كان حلالا في نفسه لا خلاف فيها. و يدل عليها:

رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن

عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله و هو محرم حتى يمنى من غير جماع او يفعل ذلك في شهر رمضان ما ذا عليهما؟ قال: «عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع «1»».

و رواية اسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «قلت ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال: أرى عليه مثل ما على من أتى أهله و هو محرم بدنة و الحج من قابل «2»».

و بضميمة الفتوى و فهم الاصحاب و ما يستفاد من النصوص فى الموارد المختلفة من حرمة الاستمتاع الجنسي تلغى خصوصية السبب الخاص و يلتزم بحرمة الاستمناء بأي سبب كان «3».

______________________________

أولا: بان ذات النظر محرم ضمنا أيضا، فيشمله الدليل و لا يلتزم به.

و ثانيا: ان الحرمة الضمنية ثابتة عند تحقق القيد و هو الانزال و بدونه لا يكون محرما ضمنا. فالنظر بشهوة انما يكون مشمولا لعموم العلة اذا انضم إليه الامناء و لا فائدة حينئذ.

هذا مع انه يستلزم ثبوت كفارتين إحداهما على المجموع بحسب النص و الآخر على النظر بشهوة بمقتضى التعليل بضميمة حرمته الضمنية، و حيث يقطع بعدم كفارتين يتردد الأمر بين عدم شمول العلة للحرمة الضمنية او كون المحرم هو النظر بشهوة من دون خصوصية للامناء و لا مرجح لاحدهما على الآخر فلا يثبت المطلوب. (المقرر).

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 15: من ابواب كفارات الاستمتاع، ح 1.

(3)- لا قرينة قطعية على إلغاء خصوصية سبب الاستمناء خصوصا بضميمة ما دل على عدم الكفارة إذا أمنى لاستماعه إلى الجماع مع أنه ظاهر في الاستمناء الاختياري. (المقرر)

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 130

[تفريع الاول: اذا اختلف الزوجان فى العقد، فادّعى احدهما وقوعه في الاحرام و انكر الآخر]

تفريع الاول:

اذا

اختلف الزوجان فى العقد، فادّعى احدهما وقوعه في الاحرام و انكر الآخر، فالقول قول من يدّعي الاحلال، ترجيحا لجانب الصحة (220).

و أما الامناء من دون قصد، فلا يثبت به شي ء لقصور دليل الكفارة عن شمول هذه الصورة لظهور الكفارة في كونها عن الذنب و لا ذنب مع عدم القصد، و من هنا ظهر عدم تحريم الامناء لعدم كونه اختياريا.

هذا مضافا الى ما في بعض النصوص «1» من نفي الكفارة على الامناء غير الاختياري، كالناشئ من الاستماع الى ما يهيج الشهوة، فلاحظ.

______________________________

(220) تحقيق الكلام: انه قد تقرر في محله بان المنكر من وافق قوله الاصل و المدعي من خالفه. و هل المراد بالاصل هو الأصل الجاري في مصب الدعوى أو كان أثره مصبها. أو المراد به ما يعم ذلك و ما كانت نتيجته مع مصب الدعوى واحدة و إن كان أجنبيا عنه؟ فمثلا فى الفرض المذكور اذا جرى الاصل في نفي العقد بالمرة كانت نتيجته مع دعوى الفساد واحدة و ان كان غير مرتبط بنفس الدعوى إذ مدارها صحة العقد و فساده لا عدم العقد.

و الذي ثبت في محله أيضا هو الأول و ان الأصل لا بد و ان يرتبط بمصب الدعوى إما بنفس حجراه أو أثره.

و مصب الدعوى فيما نحن فيه هو ترتب الاثر على العقد الواقع و عدمه. و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 20: من ابواب كفارات الاستمتاع.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 131

..........

عليه فتشخيص المنكر منهما من المدعي يتوقف على بيان ما يحتمل جريانه من الأصول المتعلقة بالدعوى.

فنقول: ما يقتضي الصحة فيما نحن فيه من الاصول اثنان:

الأول: أصالة الصحة فى العقود، فانها تجري في كل عقد شك

في صحته و فساده و لو كان منشؤه الشك في تحقق بعض اركان العقد- كما قيل- فضلا عما كان منشؤه الشك في تحقق شرائط الصحة، كما فيما نحن فيه.

الثاني: أصالة عدم تحقق الاحرام الى حين العقد، فانه يفيد نفي المانع عن صحة العقد فيترتب عليه أثره.

و قد استشكل صاحب المدارك «1» في جريان أصالة الصحة فى المقام مطلقا بدعوى أنها تختص بحال العلم، أما مع الجهل بالحكم فلا مجال لها.

و ناقشه فى «الجواهر «2»» بقوله: «و فيه: ان أصل الصحة فى العقد و نحوه لا يعتبر فيه العلم لاطلاق دليله. نعم، اصل عدم وقوع المعصية من المسلم يعتبر فيه العلم و هو غير أصالة الصحة التي هي بمعنى ترتب الاثر كما هو واضح».

و للتأمل فيما أفاده قدّس سرّه مجال واسع، إذ دليل أصالة الصحة ليس لفظيا كي يتمسك بإطلاقه، بل هو لبّي و هو بناء العقلاء- كما حققنا ذلك في محله-، و مع الشك في شموله لحالتي العلم و الجهل يقتصر فيه على القدر المتيقن و هو صورة العلم، فالتمسك بأصالة الصحة مطلقا فيه توقف، بل منع لمنع قيام السيرة عليها في صورة الجهل.

و أما الاصل الآخر: فان كان الاحرام مجهول التاريخ و العقد معلومه و قلنا

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 315، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 309، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 132

..........

بجريان الاصل في مجهول التاريخ كان الاصل المزبور جاريا. و هكذا إذا كان الاحرام معلوم التاريخ و العقد مجهوله و قلنا بجريان الأصل فيه. و إلا امتنع جريان الأصل.

و اذا كانا

معا مجهولي التاريخ لم يجر الأصل أيضا بناء على كون المانع من جريان الأصل في مجهولي التاريخ هو عدم شمول دليل «لا تنقض» لهما- كما عليه صاحب الكفاية «1»-. و أما بناء على كون المانع هو التعارض، كما عليه الشيخ قدّس سرّه «2»، كان الاصل المزبور جاريا لعدم جريان أصالة عدم العقد إلى حين الاحرام لانه بنفسه لا يثبت الفساد المدعى، لانه ينفي العقد لا صحته و قد عرفت عدم تأثيره فيما نحن فيه. و بلحاظ ملازمته لوقوع العقد في حال الاحرام أصل مثبت، فلا ينفع في اثبات الأثر المطلوب. فلاحظ.

هذا تحقيق الكلام بالنسبة الى الاصلين، فاذا امتنع جريانهما في مورد كان الأصل في جانب مدعي الفساد فيكون منكرا لجريان أصالة عدم ترتب الاثر على العقد.

و أما اجراء أصالة عدم العقد إلى حين الاحرام المقتضية للفساد- فلا تصل النوبة إلى أصالة الفساد لعدم جريان الأصل الحكمي مع جريان الأصل الموضوعي-، فقد عرفت ما فيه. و مثلها أصالة عدم العقد في حال الاحلال فلاحظ.

هذا تحقيق الكلام فى المقام و به يتضح بعد بعض كلمات الاعلام عن المقام و تحقيقه فتدبر جيدا.

______________________________

(1)- الخراساني، المحقق محمد كاظم: كفاية الاصول، ج 2: ص 421، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الانصاري، المحقق الشيخ مرتضى: فرائد الاصول، ص 388، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 133

لكن ان كان المنكر المرأة، كان لها نصف المهر، لاعترافه بما يمنع من الوطء، و لو قيل: لها المهر كلّه كان حسنا (221).

______________________________

(221) حكي القول بتنصيف «1» المهر عن الشيخ رحمه اللّه «2» و ذكر في توجيهه امران:

أحدهما: ما فى المتن من ان اقرار الرجل بعدم الزوجية مانع له من

الوطء و اذا امتنع الوطء كان للمرأة نصف المهر، فهو كما لو طلقها قبل الدخول.

و الآخر: ان العقد انما يملك نصف المهر و النصف الآخر انما يملك بالدخول أو الموت و كلاهما منتف حسب الفرض.

و لكن كلا الوجهين ممنوعان:

أما الأول: فلانه لم يثبت كون استحقاق نصف المهر في صورة الطلاق قبل الدخول لأجل انه مانع عن الوطء كي يسري هذا الحكم الى كل مانع، بل يحتمل أن يكون ذلك لخصوصية الطلاق، فما ذكر قياس باطل، هذا مع انه قياس مع الفارق.

و أما الثاني: فلان المهر يملك بالعقد جميعه لتحقق الزوجية به و سقوط النصف في باب الطلاق قبل الدخول لدليل خاص و لولاه لم يلتزم به. و لأجل ذلك كان المتعين ما استحسنه الماتن من استحقاق جميع المهر.

و لعل مراد الشيخ قدّس سرّه ما ذكره فى «الجواهر «3»» من قوله: «بل ربما احتمل

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 311، الطبعة الاولى.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 318، الطبعة الاولى.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 311، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 134

..........

كون مراد الشيخ النصف بعد الطلاق و اطلق بناء على الغالب من اختيار الزوج ذلك تخلصا من غرامة الجميع»، و ان كان غير ظاهر من كلامه المحكي، و على كل فهو احتمال حسن، إذ لا داعي للعاقل أن لا يطلق رجاء مع انكاره الزوجية، و يخسر جميع المهر.

إلحاق: اذا حكم الحاكم بصحة العقد أو بفساده ثبت ذلك ظاهرا بمعنى ان الحكم الواقعي لا يتغير بحكم الحاكم و لزم على كل من الطرفين العمل بما يعلمه فيما

بينه و بين اللّه تعالى.

و هذا أمر لا اشكال فيه. انما الاشكال فيما ذكره صاحب المسالك «1» من ان للزوج- اذا كان مدعيا للفساد و حكم بصحة العقد- التزويج باختها و خامسة بحسب الظاهر، لانها كالأجنبية بحسب دعواه.

و علّله بانه جمع بين الحقّين و عمل في كل سبب بمقتضاه حيث يمكن.

و ناقشه فى «المدارك «2»» بقوله: «أقول: ان اثبات هذه الاحكام مشكل جدا للتضاد خصوصا جواز تزويجه باختها مع دعواه الفساد، إذ اللازم منه جواز تزويجها بغيره إذا ادعت ذلك و هو معلوم البطلان». ثم قال: «و الذي يقتضيه النظر أنه متى حكم بصحة العقد شرعا ترتبت عليه لوازمه فيكون لها المطالبة بحقوق الزوجية ظاهرا و إن ادعت الفساد و لا يجوز له التزوج باختها و ان ادعى ذلك، لحكم الشارع بصحة العقد ظاهرا. و أما في نفس الأمر فيكلف كل منهما بحسب ما يعلمه من حاله لكن لو وقع منهما أو من احدهما حكم مخالف لما ثبت فى الظاهر وجب الحكم ببطلانه كذلك».

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 250، ط مؤسسة المعارف.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 317، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 135

[الثاني: اذا وكل في حال احرامه فأوقع]

الثاني:

اذا وكل في حال احرامه فأوقع (222).

و استجوده فى «الجواهر «1»» لكن قال: «إلا قوله: فيجوز لها المطالبة ... الخ.

ضرورة كونه منافيا لاقرارها الذي هو ماض عليها بالنسبة الى حقها و غير ماض في حق الغير ...».

و تحقيق الكلام بنحو يعلم الحق من هذه الكلمات و غيرها: ان حكم الحاكم- كما عرفت- انما يتكفل اثبات ما حكم به في مرحلة الظاهر من دون

تغيير الواقع فترتب عليه آثار الواقع ظاهرا، فاذا حكم بصحة العقد ظاهرا امتنع ترتيب ما ينافيه بحسب الظاهر.

نعم، من أقرّ بالفساد يؤخذ باقراره فى الحقوق الراجعة إليه لنفوذه على نفسه، فليس له حق المطالبة بحقه مع امتناع الطرف الآخر، لكن الاقرار انما يرفع الحق الثابت له و لا ينفي الحكم الشرعي المترتب على الصحة، فله ترتيبه و لو أقرّ بالفساد، فللزوج المقرّ بالفساد وطء الزوجة ظاهرا و بحسب حكم الحاكم بصحة العقد لكن ليس له المطالبة بالتمكين مع امتناع الزوجة لان التمكين حق و جواز الوطء حكم شرعي، فلا يثبت الأول بمقتضى اقراره و يثبت الثاني، إذ الاحكام لا ترتفع بالاقرار و على هذا فقس فتدبر، جيدا.

______________________________

(222) تحقيق الكلام فى الوكالة على العقد: ان الوكالة:

تارة: تكون في حال الاحرام على العقد في حاله.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 314، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 136

فان كان قبل احلال الموكل بطل، و ان كان بعده صحّ، و يجوز مراجعة المطلقة الرجعية (223).

و أخرى: تكون في حال الاحرام على العقد بعده.

و ثالثة: تكون في حال الاحلال على العقد بلا تقييد له في حال معيّن.

و لا اشكال في بطلان العقد فى الصورة الاولى لصدق التزويج معه و نسبته الى المحرم، فتشمله النصوص.

و أما الصورة الثانية، فقد عرفت انه لا وجه للتشكيك في صحة الوكالة، إذ لا يعتبر فيها إلا القدرة على الموكل عليه في حينه، كما لا يصدق عليها التزويج ما لم يقع العقد. و لو تنزلنا و قلنا ببطلان الوكالة بلحاظ اعتبار القدرة على متعلقها في حينها لا في حينه، فلا نقول ببطلان العقد لو وقع في

حال الاحلال، لانه وقع عن إذن الزوج، و لم يثبت سوى بطلان الوكالة دون الإذن.

و أما الصورة الثالثة، فالاشكال فيها لو أوقع الوكيل العقد في حال إحرام الموكّل. و قد حكم ببطلان الزواج باعتبار استناده الى الموكل و هو محرم فيبطل.

و لكن تنظر صاحب المدارك «1» في استفادة ذلك من الأخبار.

و لم نعرف الوجه في تنظره بعد اطلاق الأخبار و انطباق التزويج على المورد، فالحق ما ذهب إليه الأصحاب من البطلان.

______________________________

(223) قد يستشكل فيه بانه في حكم الزواج. و لكن لا وجه له، إذ المراجعة ليست ابتداء نكاح، إذ المطلقة الرجعية زوجة و لكن لا يترتب عليها جميع

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 317، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 137

و شراء الاماء في حال الاحرام (224).

الآثار. و متعلق النهي هو التزويج، فلا يشمل المراجعة.

______________________________

(224) إذ لا يصدق عليه التزويج الذي هو العنوان المحرم مضافا الى وجود النص الصحيح الدال على الجواز و هو رواية سعد بن سعد الأشعرى القمي، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم يشتري الجواري و يبيعها قال:

نعم، «1»».

و لا فرق بين الشراء بقصد التجارة- كما هو واضح- او بقصد الخدمة أو بقصد التسري.

و ذهب صاحب المسالك «2» الى حرمة الشراء بقصد المباشرة حال الاحرام.

و استشكل فيه فى «المدارك «3»» بانه غير منهي عنه بعنوانه، و ليس مقدمة توليدية للمباشرة، كي يحرم بحرمة المباشرة.

و هو على حق في مناقشته، و نظيره بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا الذي ورد النص بجوازه.

تذييل: لا يخفى ان بعض موارد الاستمتاع المحرّم كالتقبيل و النظر موضوعهما الرجل بنحو

لا يمكن إلغاء خصوصية الذكورة من الدليل و حمله على مطلق المكلف، إذ مثل قوله «رجل قبّل امرأته او نظر إلى امرأته» غير قابل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 16: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 252، ط مؤسسة المعارف.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 318، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 138

[3- و الطيب على العموم ما خلا خلوق الكعبة]

3- و الطيب على العموم (225) ما خلا خلوق الكعبة، و لو فى الطعام. و لو اضطر الى اكل ما فيه طيب، أو لمس الطيب، قبض على أنفه. و قيل: انما يحرم المسك و العنبر و الزعفران و العود و الكافور و الورس، و قد يقتصر بعض على أربع: المسك، و العنبر، و الزعفران و الورس، و الأول أظهر.

للتجريد المطّرد فى النصوص، و ليس هو مثل قوله «رجل عمل كذا ...».

و مقتضى ما ذكرنا هو اختصاص الحكم المزبور بالرجل. لكن المستفاد من هذه النصوص ان هذه الاحكام بلحاظ حالة الاحرام ليس إلّا، كما انه يستفاد العموم من الدعاء الوارد في حال الاحرام و هو «أحرم لك بشري ...» فانه لا اختصاص له بالذكر دون الانثى و هو لا يتناسب مع المرأة إلا اذا حرمت عليها هذه الأمور. فلاحظ.

______________________________

(225) لا اشكال في حرمة الطيب فى الجملة نصا و فتوى. و انما الاشكال في ان المحرّم هو مطلق الطيب أو بعض انواعه؟

و من ذهب الى تخصيصه ببعض انواعه اختلفوا، فمن ذاهب الى تحريم المسك و العنبر و الزعفران و الورس. و من ذاهب الى تحريم هذه و زيادة العود و الكافور. و

النصوص على طائفتين:

إحداهما: ما ظاهره تحريم الطيب بقول مطلق، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في احرامك و اتق الطيب في طعامك و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة و لا تمسك عليه من

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 139

..........

الرائحة المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة «1»».

و الأخرى: ما يدل على حصر الطيب المحرّم في انواع معينة و هي مختلفة في تعيين الانواع على قسمين:

أحدهما: ما يدل على حصره «2» فى المسك و العنبر و الورس و الزعفران و هو رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «... و انما يحرم عليك من الطيب أربعة اشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران ... «3»».

و الآخر: ما يدل على حصره فى المسك و العنبر و الزعفران و العود و هو رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود «4»».

و قد ذهب صاحب المدارك «5» الى أن مقتضى الجمع بين هاتين الروايتين حصر المحرّم من الطيب في ثلاثة و هو ما اتفقتا عليه، و بعد ذلك قال: «و المسألة قوية الاشكال و الاحتياط للدين يقتضي تحريم الطيب لجميع انواعه».

أقول: مقتضى الجمع بين النصين هو الحكم بلزوم الاجتناب عن الخمسة.

بيان ذلك: ان النص:

تارة: يفهم منه أنه يتكفل بيان أمرين:

أحدهما: بيان انحصار الطيب في أربعة انواع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(2)- أقول: تقدم منه دام ظله الاشكال في استفادة الهد من الرواية، فكيف

استدل به أخيرا.

(المقرر)

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 8.

(4)- المصدر، ح 15.

(5)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 322، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 140

..........

و الآخر: بيان المقصود بالاربعة.

و أخرى: يفهم منه بيان أمر واحد و هو حصر الطيب في الانواع المذكور فيه.

فعلى الاول: يكون الاختلاف بينهما في مرحلة التطبيق و إلا فهما متفقان على حرمة أربعة انواع، و مقتضاه حصول العلم الاجمالي بحرمة أحد الامرين إما الورس أو العود، و الاحتياط يقتضي بتركهما معا.

و على الثاني: يكون لكل منهما مفهوم ينفي حرمة غير الامور المذكورة و هو مفهوم الحصر فيه، فتتحقق المعارضة بين منطوق كل منهما و مفهوم الأخرى. و مقتضى الجمع هو تقييد اطلاق المفهوم بالمنطوق، و نتيجة ذلك حرمة الخمسة.

ثم انه اذا ثبتت حرمة الكافور على المحرم لورود النص في حرمته بالنسبة الى الميت في حال احرامه، فتثبت حرمته للحي بطريق أولى، كان ذلك موجبا لرفع اليد عن اطلاق المفهوم بالنسبة إليه و نتيجته ثبوت حرمة مجموع الستة.

هذا و لكن الانصاف: ان رواية ابن أبي يعفور لا ظهور لها فى الحصر كي يستفاد منها نفي حرمة غير الاربعة المذكورة، بل من المحتمل قويا أن ذكرها من باب بيان بعض مصاديق الطيب و أظهر افراده.

و أما رواية معاوية بن عمار، فهي و ان كانت ظاهرة فى الحصر لكنها ظاهرة في ثبوت الحكم للاربعة بما هي أربعة و هو يتنافي مع ما دل على حرمة الكافور لان فيه الغاء خصوصية الأربعة، و بما ان ثبوت الحكم فيه قطعي تعين رفع اليد عن ظهور لفظ «أربعة» في

كونها دخيلة في موضوع الحكم، و معه لا يبقى للرواية مفهوم يتنافي مع حرمة الطيب بقول مطلق، و يوجب تخصيصه، فتبقى المطلقات على حالها، و يتعين الالتزام بحرمة الطيب مطلقا.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 141

..........

ثم ان ما يستفاد من النصوص في تحريم الطيب هو تحريم إمساسه بالبدن أو بالثياب، و تحريم أكله، و تحريم شمّه. و قد جمعتها رواية معاوية بن عمار المتقدمة بناء على ان المراد من المس التطيب ليعمّ من الثياب و البدن.

و الظاهر ان المحرّم من الشمّ مطلق افراده لا خصوص الاستشمام، كما هو ظاهر الأمر بامساك الأنف و النهي عن التلذذ بالرائحة الطيبة الوارد فى النصوص.

و ظاهر حكاية إمساك الامام عليه السّلام أنفه من الطيب حين نشر بين يديه لينظر إليه، كما وردت به رواية محمد بن اسماعيل «1».

و قد أستثني من الطيب خلوق الكعبة، فقد وردت النصوص في جواز كونه على الثياب و ابقائه، كرواية عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم، قال: «لا بأس و لا يغسله فانه طهور «2»». و غيرها من النصوص.

و هي و ان كان موضوعها ما عرفت من عدم وجوب غسله كسائر انواع الطيب لكنها تدل على جواز شمّه باعتبار الملازمة عادة بين بقائه على الثوب و شمّه.

ثم انه لا يعرف المراد من لفظ: «الطهور».

و قد فسرّه فى «المستند «3»»: بان المراد به أنه طاهر دفعا لتوهم وجوب غسله لنجاسته.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 21: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- النراقي، المولى احمد: مستند الشيعة، ج 11: ص 375،

ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 142

..........

و لكن هذا المعنى بعيد جدا، لعدم ورود هذا الاحتمال بالنسبة الى الكعبة.

مضافا الى كون المناسب هو التعبير بانه طاهر لا طهور الذي هو بمعنى المطهر.

و حمله فى «الجواهر «1»» على كونه المنظور فيه الطهور المأمور به في الآية الكريمة و هي قوله تعالى: وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ ... «2». و ان الطهور الّذي أمر اللّه به لا يجتنب عنه.

و هو معنى لا بأس به، لكنه لا دليل عليه.

و على كل حال، فعدم فهم المراد منه لا ينافي ما نحن بصدده من استظهار جواز خلوق الكعبة للمحرم من النص. كما أنه ورد في بعض «3» النصوص استثناء خلوق القبر أيضا. و لا يعرف المراد به إذ لم يعهد وجود قبر يطلى بالخلوق يبتلى به المحرم.

ثم ان المراد بالخلوق- كما قيل «4»- من الطيب مائع فيه صفرة. و قيل «5»: انه اخلاط خاصة فيها الزعفران.

و بالجملة، فالمستثنى نوع معين لا مطلق الطيب، فيحرم على المحرم غيره من انواع الطيب اذا طليت به الكعبة. نعم، يستفاد جواز شم غيره من فحوى ما دل على جواز شم الريح الطيبة بين الصفا و المروة و هو رواية هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا و المروة من

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 322، الطبعة الاولى.

(2)- سورة البقرة، الآية: 125.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 21: من ابواب التروك الاحرام، ح 3.

(4)- الشرتوتي، سعيد: اقرب الموارد، ج 1: ص 297، الطبعة الاولى.

(5)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام،

ج 2: ص 253، ط مؤسسة المعارف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 143

..........

ريح العطارين و لا يمسك على أنفه «1»»، فانه اذا جاز ذلك فى السعي فجوازه فى الطواف بالنسبة إلى الكعبة بطريق أولى، مضافا الى غلبة العسر في التوقي عن شمّ طيب الكعبة. و ما قيل من أن إمساك الأنف يتنافى مع احترام البيت و مكانته الروحية. فتدبر.

فروع الأول:

فى النبات الطيب، و موضوع البحث ما لا يعدّ منه طيبا في نفسه و إلا دخل في عنوان الطيب فيحرم، كالزعفران.

و قد قيل انه على أقسام متعددة: فمنها: ما ينبت لرائحته و يتخذ منه الطيب، كالورد و الياسمين و نحوهما.

و منها: ما لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب، كالفواكه مثل التفاح و السفرجل و الأترج و الشيح و القيصوم و الإذخر.

و منها: ما ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب، كالريحان الفارسي و النرجس.

كما أن بعضها لا ينبت للطيب و لكن يتخذ منه الطيب، كالقدّاح.

و قد وقع الكلام في حكم كل منها، و قد عرفت ان محل البحث ما لا يعدّ منها طيبا و هو نبت، و جهة البحث هو حرمة شمّ مثل هذا النبات بأقسامه و عدم حرمته.

و منشأ الاشكال هو ان المحرّم إذا كان الطيب بعنوانه لا غير لم يدخل هذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 21: من ابواب التروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 144

..........

النحو من النبات في موضوع الحرمة، لعدم صدق الطيب عليه. و ان أخذ في موضوع التحريم شمّ الرائحة الطيبة، كان شمّ النبات الطيب الرائحة محرّما مطلقا.

و الذي يظهر من بعض النصوص حرمة شمّ الرائحة الطيبة

بإطلاقه، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في احرامك و اتق الطيب في طعامك و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة و لا تمسك عليه من الرائحة المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة «1»».

و مثلها روايته الاخرى، فان قوله عليه السّلام و أمسك على أنفك ... ظاهر في لزوم الامساك من مطلق الرائحة الطيبة و ببركة ظهوره فى الوجوب يحمل التعليل على التحريم، لعدم ظهور «لا ينبغي» في نفسه فى التحريم، بل هو ظاهر في مطلق المرجوحية.

و رواية حريز- عمن أخبره- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به و لا بريح طيبة ... «2»».

لكن لا يمكن الالتزام بظهور مثل رواية معاوية في حرمة شمّ مطلق الرائحة الطيبة لوجوه:

الأول: ظهور روايته الاخرى في حصر المحرّم في اشياء معدودة و هي رواية معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تمس شيئا من الطيب و أنت محرم و لا من الدهن، و أمسك على أنفك من الريح الطيبة و لا تمسك عليها من الريح المنتنة فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة و أتق الطيب في زادك فمن ابتلى بشي ء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(2)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 145

..........

من ذلك فليعد غسله و ليتصدق بصدقة بقدر ما صنع، و انما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير أنه يكره

للمحرم الادهان الطيبة إلا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به «1»».

فان صدر هذه الرواية كغيرها دالّ على حرمة شمّ مطلق الرائحة الطيبة، لكن ذيلها ظاهر فى الحصر في أشياء معينة، فيدل على حرمة غيرها بضميمة استفادة كون الموضوع في صدرها هو الرائحة الطيبة «2».

الثاني: أن هذه النصوص ليست مسوقة لبيان وجوب الامساك عن الشمّ كي يتمسك بإطلاقها، بل هي مسوقة لبيان وجود الفرق بين الرائحة الطيبة و المنتنة و انهما ليسا بحكم واحد بل يجب الامساك عن الطيبة دون المنتنة.

و عليه، فهي في مقام بيان أصل الوجوب، فلا اطلاق لها يشمل مطلق موارد الرائحة الطيبة.

الثالث: ما دلّ على حلية شمّ الإذخر و نحوه مما له رائحة طيبة، ك:

رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس ان تشمّ الإذخر و القيصوم و الخزامي و الشيح و اشباهه و أنت محرم «3»».

و ما دل على جواز أكل الأترج معللا بانه ليس من الطيب بضميمة ملازمة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 8.

(2)- و ليس الموضوع متعددا و هو الطيب و الدهن و الرائحة الطيبة كي يقال بان الحصر بالإضافة الى افراد الطيب فلا يرتبط بالرائحة الطيبة. و الوجه فى استفادة وحدة الموضوع هو تعدده فى الرواية الكاشف عن عدم خصوصية في كل منها مع أن استدراك الادهان كاشف عن أخذ الطيب بالمعنى الاعم، فتأمل.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 25: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 146

..........

الأكل للشم عادة فيدل على جواز الشم لانه ليس من الطيب «1»، كرواية عمار بن موسى، عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم يأكل الأترج؟ قال: نعم، قلت: له رائحة طيبة، قال: الاترج طعام ليس هو من الطيب «2»».

فان وجود هذه النصوص يوجب رفع اليد عن ظهور تلك النصوص الظاهرة فى التحريم و حملها على الرجحان. فلاحظ جيدا و تدبر.

الثاني:

هل يحرم الامساك عن الرائحة المنتنة، أو لا؟

قد يقال بوجوبها- كما حكي عن الشهيد فى «الدروس «3»»- استنادا الى ظهور النصوص المتقدمة فى الحرمة لانها ظاهر النهي.

و لكن المتجه عدم دلالة تلك النصوص على التحريم، لعدم ورودها في مقام بيان الحكم ابتداء، بل في مقام توهم الحضر و تخيل وجوب الامساك عن مطلق الرائحة طيبة كانت أو منتنة.

هذا مضافا الى ظهور التعليل الوارد في ذيل تلك النصوص و هو قوله عليه السّلام:

«فانه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة» فيما ذهبنا إليه. و ذلك لأنه إما تعليل لمجموع الحكمين و التفرقة بين الموردين أو تعليل للحكم الأخير و هو عدم

______________________________

(1)- فهو معارض بما دل على جواز أكله و وجوب امساك الانف عن الشم، فلعل التعليل بانه ليس بطيب بلحاظ جواز الأكل لحرمة أكل الطيب لا بلحاظ مطلق احكام الطيب. فتدبر جيدا و لا تغفل. (المقرر)

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 146

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 26: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(3)- الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 374، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 147

..........

الامساك عن الريح المنتنة.

و لا

معنى لكونه تعليلا لأحد الامرين إلا أن يراد به بيان جهة اختصاص الوجوب في مورد دون آخر، إذ لا يصلح علة لتحريم الامساك عن الريح المنتنة كما لا يخفى، و معه يكون الكلام ظاهرا في نفي الوجوب لا غير.

و احتمال انه تعليل للحكم الأول فقط و هو وجوب الامساك عن الريح الطيبة بعيد عن ظاهر الكلام و أساليبه، فلاحظ.

و عليه، فلا دليل «1» لدينا على التحريم، فالوجه هو الجواز تحكيما للأصل.

الثالث:

قد مرّ النهي عن مس الطيب في بعض النصوص، و قد ورد فى بعض آخر «2» جواز غسل الطيب أو مسحه عن ثوبه بيده، ك:

رواية ابن أبي عمير عن بعض اصحابنا عن أحدهما عليه السّلام: «في محرم أصابه طيب فقال: لا بأس ان يمسحه بيده أو يغسله».

و روايته الأخرى عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «فى المحرم يصيب ثوبه الطيب قال: لا بأس بان يغسله بيد نفسه».

و قد وقع الكلام في علاج هذه المعارضة بين الطائفتين.

______________________________

(1)- ورد هذا الحكم في بعض الروايات الخالية عن التعليل، كرواية ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المحرم إذا مرّ على جيفة فلا يمسك على أنفه. (وسائل الشيعة، ج 9/ باب 24: من ابواب تروك الاحرام، ح 3)، الا أن يدعى قرينية التعليل على الحكم في هذه الرواية.

و فيه ان التعليل كما عرفت ينفي الظهور فى التحريم لا انه يعين الظهور فى الكراهة فى التعيين. فتأمل.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 22: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 148

..........

فذهب صاحب الجواهر «1»: الى عدم نهوض هذه النصوص لرفع اليد و للتصرف فى النصوص الدالة على

التحريم بقول مطلق قال: «و يمكن حملها على حال الضرورة». و استقرب ما فى «الدروس «2»» من لزوم أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة.

و التحقيق: انه لا معارضة بين الطائفتين، و ذلك لان المراد من المس ليس معناه اللغوي، بل المراد استعمال الطيب فيما اعدّ له و هو التطيب، فهو نظير قوله تعالى: وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ* «3» كناية عن التصرف بالمال، و نظير ما يقال:

«لم أضع يدي في الأكل» كناية عن عدم الأكل. فالمس هاهنا كناية عن التطيب فلا معارضة بينها و بين النصوص المذكورة كما لا يخفى.

و لو أبيت عن ظهور المس في نفسه فيما ذكرنا، فنفس النصوص المذكورة قرينة على كون المراد به ذلك.

و بذلك ترتفع المعارضة و لا تصل النوبة الى طرحها أو نحوه. بهذا البيان يستفاد حرمة جعل الطيب على الثياب من النهي عن المس. فلاحظ و التفت.

الرابع:

إذا كان عنده ماء و دار أمر صرفه بين غسل الطيب الذي أصاب ثوبه به و بين صرفه فى الطهارة، كالغسل بان لم يكن كافيا إلا في أحدهما.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 323، الطبعة الاولى.

(2)- الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 374، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- سورة الانعام، 6: 152.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 149

..........

فقد ذهب فى «المدارك «1»»: ابتداء الى صرفه في غسل الثوب و يتيمم للطهارة لان للطهارة المائية بدلا و لا بدل للغسل الواجب.

و ذهب فى «الدروس «2»»- كما حكي عنه فى الجواهر- الى تقديم الغسل على الطهارة الحدثية و الخبثية مع أنه لا بدل للطهارة الخبثية.

و احتمل فى «المدارك «3»»- أخيرا- تقديم الطهارة لان

وجوبها قطعي و وجوب الازالة في هذه الحال مشكوك لاحتمال استثنائه للضرورة، كما في خلوق الكعبة و طيب العطارين فى المسعى.

و فى «الجواهر «4»»: بعد ان نقل ما عرفت قال: «و لا يخفى عليك ما في ذلك كله و المتجه التخيير».

أقول: لا نعرف ما ينظر إليه صاحب الجواهر في تنظره، لكن التحقيق موافقته فى المدعى.

و ذلك: لما تقرر في موارد التزاحم من أن أحد المتزاحمين اذا كان مشروطا بالقدرة الشرعية دون الآخر قدّم المطلق على المشروط و إذا كانا معا مقيدين بالقدرة شرعا قدّم الأهم لو كان و إلا فالتخيير.

و أما عدم وجود البدل لاحدهما فهو و ان ذكر من المرجحات لكن حققنا عدمه ما لم يرجع الى أخذ القدرة شرعا و عدمه «5».

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 326، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 374، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 326، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 332، الطبعة الاولى.

(5)- الحكيم، السيد عبد الصاحب: منتقى الاصول، ج 3: ص 47، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 150

[4- و لبس المخيط للرجال]

4- و لبس المخيط للرجال (226).

إذا عرفت ذلك، فنقول: لا اشكال في تقيد وجوب الطهارة المائية الحدثية بالقدرة شرعا. أما إزالة الطيب، فالذي يظهر من تجويز خلوق الكعبة و الطيب فى المسعى جوازه في مورد الاضطرار للعلم بعدم خصوصية لطيب المسعى و انما الملاك الاضطرار.

و عليه، فهو مقيّد بالقدرة أيضا، و لم يثبت لدينا وجه لأهمية أحدهما من الآخر و لا احتماله،

فالمتجه هو التخيير.

و أما الطهارة الخبثية فى الصلاة، فهي مقيدة بالقدرة شرعا أيضا بمقتضى دليل «1»: الصلاة لا تسقط بحال، فيتعين القول بالتخيير بينهما أيضا.

هذا تمام الكلام فى الطيب و فروعه. و هناك فروع أخرى أهملنا ذكرها لوضوح الحكم فيها و دليله.

______________________________

(226) الذي ورد فى النصوص تحريم لبس أمور خاصة «2»، كالثوب ذي الازرار و القميص و السراويل و القباء. و أما لبس المخيط بعنوانه فلم يرد في رواية.

و قد حكي عن الشهيد فى «الدروس «3»» الاعتراف بذلك. و لم ينقل عن

______________________________

(1)- لم نعثر على رواية بهذا المضمون و الّذي وجدت رواية زرارة ... و لا تدع الصلاة على حال ...- وسائل الشيعة/ باب 1: من ابواب الاستحاضة، ح 5.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 35 و 44 و 45: من ابواب تروك الاحرام.

(3)- الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 485، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 151

..........

أحد العثور على رواية تدل على تحريم المخيط بقول مطلق.

و قد قال صاحب الوسائل رحمه اللّه «1»: «و قد نقل عن جماعة الاجماع على تحريم لبس المخيط للمحرم و الاحاديث غير صريحة فيه لكنه أحوط».

و لا يمكننا دعوى الغاء خصوصية هذه العناوين الواردة فى النصوص و ان المناط كونه مخيطا، إذ من المحتمل قويّا أن المقصود بها عدم كون المحرم بوضع منظم مرتب في لباسه، كأيامه العادية، كما يشعر به الأمر بقلب القباء لو اضطر الى لبسه و تحليل الطيلسان بشرط عدم زره.

و ممّا يساعد على التشكيك في حرمة لبس المخيط بقول مطلق و لو قلّت الخياطة اطلاق دليل اعتبار الرداء و الازار، و ما ورد

في تحليل الطيلسان بشرط عدم الزر، مع ان فيه خياطة، و هي- كما قيل- خياطة الازرار. و تجويز لبس القباء مقلوبا في حال الاضطرار- و ان كان الأخير قابلا للمنع في دلالته على جواز المخيط، فتأمل تعرف-.

و على أي حال، فيكفينا عدم الدليل على التحريم. و عليه فيجوز لبس مثل الهميان و «الفتق بند» على الأصل و لا يكون من باب الخروج عن الحكم لأجل الضرورة، و هكذا يجوز لبس الرداء المشتمل على بعض الخياطة في حاشيته. و أما الملبّد و المنسوج من دون خياطة فان كان بشكل الثوب أو القميص أو نحوه من العناوين الممنوعة شمله دليل المنع بلا حاجة الى تكلّف الحاقة بالمخيط فى الحكم، و قد نبّه على ذلك فى «المدارك «2»».

هذا، و لكن الانصاف يقضي بالالتزام بتحريم المخيط بقول مطلق و ان لم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9: ص 115/ باب 35: من ابواب تروك الاحرام.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 330، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 152

و فى النساء خلاف، و الاظهر الجواز، اضطرارا و اختيارا (227).

يكن فى النصوص له عين و لا أثر، و ذلك لاجماع المتقدمين عليه فان إجماعهم يكشف عن كون السيرة العملية في زمن المعصوم هو ترك لبس المخيط و الالتزام بذلك لأجل حرمته، و إلا فلو ثبت جوازه عملا مع عدم دليل على المنع امتنع تحقق مثل هذا الاجماع، فهذا الاجماع من الموارد التي يقطع بملازمته لرأي الامام عليه السّلام.

و يساعده ما ورد «1» فى السؤال عن الهميان و الجواب بحليته لحفظ المال لا في نفسه، فان نفس توهم السائل الحرمة لأجل

الخياطة يكفينا في اسناد المدعى.

هذا و لكن المتيقن من الاجماع هو ما اذا كانت هيئة اللباس متقومة بالخياطة لا ما اذا كانت فيه خياطة و لو في ذيوله. فتدبر.

______________________________

(227) ادعي عليه الاجماع، و نسب الخلاف إلى قول شاذ للشيخ قدّس سرّه «2»، بل ادعي انه عدل عنه في ظاهر كلامه، و تحقيق ذلك ليس بمهم لوجود النصوص الدالة على جواز ذلك للنساء، ك:

رواية يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج، فقال: نعم، لا بأس به ... «3»».

و رواية النضر بن سويد، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرمة أي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 47: من ابواب تروك الاحرام. لكن الظاهر كون السؤال لأجل توهم الحرمة من جهة حرمة الشدّ و العقد لا من جهة كونه مخيطا. (المقرر).

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 218، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 153

..........

شي ء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس و لا تلبس القفازين- الحديث «1»».

و رواية عيص بن القاسم، قال: قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين- الحديث «2»».

و رواية الحلبي: انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة إذا أحرمت أ تلبس السراويل، قال: «نعم، انما تريد بذلك الستر «3»».

و بهذه النصوص يرفع اليد عما دلّ على حرمة المخيط مما تقدم. و أما دعوى عدم شموله في نفسه للنساء.

ففيه: ان بعض النصوص موضوعها

«المحرم» و المراد به الجنس، و بعضها و إن كان الخطاب فيه للرجل لكنه كسائر الخطابات لا ظهور له في خصوصية الرجل.

و بعد وجود النصوص المتقدمة لا تنفع دعوى الاجماع، إذ لا يحرز انه اجماع تعبدي.

و منه تعرف ما فى «الجواهر «4»» من اتعاب نفسه الزكية في إثبات الاجماع و نفي المخالف.

ثم إنه قد أستثني القفازين من عموم الجواز للمرأة و لذلك قيل بحرمتهما.

و قد توقف فى «المدارك» «5» في ظهور النص فى التحريم، فقال: «و لو لا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 9.

(3)- المصدر/ باب 50: من تروك الاحرام، ح 2.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 342، الطبعة الاولى.

(5)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 332، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 154

..........

ذلك (يريد به ظهور دعوى الاجماع من المنتهى) لأمكن القول بالجواز و حمل النهى الوارد عن لبسهما على الكراهة كما فى الحرير».

و قد نقل فى «الجواهر «1»» عن بعض متأخري المتأخرين القول بالكراهة معلّلا له بأن القفازين إمّا «2» أن يكونا من جنس الثياب، فيدخلان تحت عموم جواز الثياب كلها أو يكونا من جنس الحليّ و هي محللة اللبس مطلقا للمرأة المحرمة.

و أورد عليه: بان ما دلّ على تحريم القفازين خاص يخصص ما دلّ على حلية الثياب او الحلي بعمومه.

و قد تعرض فى «الرياض «3»» إلى هذا القول و ردّه بنفس الردّ.

و أما دعوى الكراهة لاجل وجود ما عبّر عنه بالكراهة من النصوص «4»، فردّها فى الجواهر، بان الكراهة فى النصوص غير الكراهة الاصطلاحية، بل هي أعم من

الحرمة و الكراهة الاصطلاحية. هذا مع ضعف النص المزبور سندا.

أقول: يمكن أن يكون منظور الجواهر و الرياض في بعض متأخري المتأخرين هو صاحب المدارك.

و يمكننا توجيه القول بالكراهة بوجهين:

الأول: أن قوله عليه السّلام فى النصوص: «ما خلا القفازين» و نحوه يمكن ان لا يكون المقصود به الاستثناء من الحكم، بل المقصود به تقييد موضوع الحكم

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 341، الطبعة الاولى.

(2)- هذا الترديد ناش من الاختلاف في حقيقة القفازين قال فى القاموس: «... و كرمان شي ء يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد، و ضرب من الحليّ لليدين و الرجلين ...».

(3)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 6: ص 305، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب الاحرام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 155

و اما الغلالة فجائزة للحائض اجماعا (228).

بالجواز، فيكون المستثنى مسكوتا عنه. نعم، ظاهر التقييد ثبوت خصوصية للقيد، و لكنها لا تلازم تحريم القفازين، إذ يكفي فى الخصوصية كراهة القفازين و إباحة غيرهما.

الثاني: أن القفازين في بعض النصوص- كرواية العيص- معطوف على الحرير، و الحرير يكره لبسه في نظر صاحب المدارك «1» فلا يفيد الاستثناء تحريم القفازين، بل ينتفى ظهوره في ذلك و كلام المدارك يشير الى ذلك فلاحظه. نعم، لا يمتنع إرادة التحريم واقعا و لكن لا دليل من الخارج عليها. فتأمل «2».

______________________________

(228) يعني: حتى ممن يرى عدم جواز لبس المخيط للمرأة.

و قد ورد النص في جوازها و هو رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تلبس المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة «3»». و الغلالة- كما فى «المدارك «4»»- بكسر الغين

ثوب رقيق يلبس تحت الثياب.

و مما يقرب إلى الذهن بملاحظة هذا النص حرمة لبس شي ء مخيط للمرأة المحرمة تحت ثياب إحرامها و لزوم مباشرة ثوبي الاحرام لجسدها و لذا نبّه على جوازه لخصوص الحائض باعتبار احترازها به عن تنجيس ثيابها. إذ لو لا

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 332، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- قد يدعى دلالة رواية النضر على ذلك لعدم العطف، كما انه بها يرد الوجه الاول للنهي الصريح فيها عن لبسهما.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 52: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 333، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 156

و يجوز لبس السراويل للرجل، اذا لم يجد إزارا (229)، و كذا لبس طيلسان له ازرار، لكن لا يزره على نفسه (230).

التحريم مطلقا لم يتناسب تخصيص الحكم بالحائض لانه جائز لها و لغيرها. و بالجملة: ففي النص إشعار فيما ذكرنا. فتأمل.

______________________________

(229) هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء- كما فى «المدارك «1»»- و يدل عليه النص، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و لا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ... «2»».

(230) للنص، كرواية يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور، فقال: «نعم، و في كتاب علي عليه السّلام لا تلبس طيلسانا حتى ينزع أزراره فحدثني أبي أنه إنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل عليه «3»».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و إن لبس الطيلسان

فلا يزره عليه «4»».

و أما المراد بالطيلسان، فقد ذكر صاحب المدارك «5»: انه لم يقف في كلام أهل اللغة على معنى الطيلسان. و حكي عن المسالك «6» تعريفه بأنه ثوب

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 333، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 36: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 334، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(6)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 256، ط مؤسسة المعارف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 157

[5- و الاكتحال بالسواد على قول]

5- و الاكتحال بالسواد على قول (231).

منسوج محيط بالبدن. و عرّف بغير ذلك في كتب الفقه فراجع «الجواهر «1»».

______________________________

(231) القول للشيخ رحمه اللّه فى «النهاية «2»» و «المبسوط «3»» و المفيد رحمه اللّه «4» و سلار «5» و ابن ادريس «6» و ابن الجنيد و قال الشيخ رحمه اللّه فى «الخلاف «7»» أنه مكروه. كذا فى «المدارك «8»».

و تحقيق المقام: أن بعض النصوص ظاهر في حرمة الكحل مطلقا، كرواية الكاهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل ضرير و انا حاضر فقال أكتحل اذا أحرمت؟ قال: لا، ... «9»».

و لكن بعضها ظاهر فى الجواز فى الجملة و ذلك، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس ان يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأما للزينة فلا «10»».

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 345، الطبعة الاولى.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن:

النهاية، ص 220، الطبعة الاولى.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 321، الطبعة الاولى.

(4)- المفيد، محمد بن محمد بن نعمان: المقنعة، ص 432، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(5)- سلار، حمزة بن عبد العزيز: المراسم العلوية (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 238.

(6)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 546، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(7)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 398/ المسألة 106، الطبعة الاولى.

(8)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 335، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(9)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب تروك الاحرام، ح 10.

(10)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 158

..........

و قد ورد في بعضها حصر الكحل المحرم بالكحل الأسود بقصد الزينة، كرواية زرارة، عنه عليه السّلام، قال: «تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة «1»».

و موضوع الكلام هو الكحل الأسود، و قد عرفت دلالة رواية زرارة على حرمته إذا كان بقصد الزينة و يدل على ذلك رواية أبي بصير أيضا.

و لكن ورد تحريمه في بعض آخر مطلقا، ك:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الكحل للمحرم فقال: أما بالسواد فلا و لكن بالصبر و الحضض «2»».

و رواية معاوية، عنه عليه السّلام، قال: «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة «3»».

و ورد في بعضها تعليل الحكم بأنه زينة، كرواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، أن السواد زينة «4»». و لاجل ذلك ذهب بعضهم «5» الى حرمة الكحل بالسواد مطلقا لعموم العلة و هو كونه زينة سواء كان

بداعي الزينة أم بداع آخر.

و لكن الذي نراه هو اختصاص التحريم بما إذا كان الاكتحال بداعي الزينة.

و ذلك لعدم ظهور التعليل بأنه زينة في كون التحريم للزينة الواقعية، بل يمكن أن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 7.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 324، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 385، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 159

و بما فيه طيب (232).

يراد به بيان انحصار الداعي بالزينة عادة، فانه مع عدم الضرورة لا داعي له إلا الزينة، و هو استعمال متعارف، فلا ظهور له إلا فى التحريم إذا كان بداعي الزينة.

و لو سلم أنه ناظر الى الجهة الواقعية فى الكحل الأسود فيدل بظاهره على حرمة الكحل الاسود مطلقا، و لكن ظهور رواية زرارة في حصر غير الجائز فى الكحل لأجل الزينة و ظهورها في ثبوت خصوصية لداعي الزينة مقيد لعموم هذه الرواية، كما لا يخفى.

هذا كله بلحاظ حال غير الضرورة و أما بلحاظ حال الضرورة، فهو جائز بلا اشكال لورود النص بذلك كرواية معاوية المتقدمة و غيرها، فراجع.

______________________________

(232) الذي يظهر من العبارة- كما قيل- أنه لا خلاف في هذا الحكم، و تدل عليه النصوص، كرواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «يكتحل المحرم عينيه إن شاء بصبر ليس فيه زعفران و لا ورس «1»». و رواية معاوية بن عمار المتقدمة و غيرهما.

و هذا الحكم مختص بحال عدم الاضطرار إليه. أما مع الاضطرار إليه فلا اشكال في جوازه

لعمومات رفع الاضطرار و قوله عليه السّلام: «ما من شي ء حرّمه اللّه الا أحله في حال الضرورة».

و يؤيده تحليل غيره من محرمات الاحرام عند الضرورة بالنص و التسالم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب تروك الاحرام، ح 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 160

و يستوي في ذلك الرجل و المرأة (233).

[6- و كذا النظر فى المرآة]

6- و كذا النظر فى المرآة، على الأشهر (234).

و بذلك يظهر بطلان ما ذهب إليه البعض «1» من عدم جوازه في حال الضرورة.

و لعل منشأ هذا التوهم ورود النهي عن الاكتحال بما فيه الطيب فى الحاجة، كرواية عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «يكتحل المحرم إن هو رمد بكحل ليس فيه زعفران «2»».

و لكنه غفلة عن أن موضوع النهي هو الحاجة إلى أصل الكحل لا إلى الكحل المشتمل على الطيب. فتدبره. فلا دلالة للنص على التوهم المزبور.

______________________________

(233) لعموم الدليل و لا خلاف فيه بين الاصحاب كما فى «المدارك «3»».

(234) يدل على تحريمه النص، ك:

رواية حماد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تنظر فى المرآة و أنت محرم فانه من الزينة «4»».

و نحوها رواية حريز «5».

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 220؛

الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 321.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 33: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 336، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 34: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(5)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 161

..........

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تنظر المرأة المحرمة فى المرآة للزينة «1»».

و روايته الاخرى قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا ينظر المحرم فى المرآة لزينة فان نظر فليلب «2»».

و لا يخفى ان التعليل بانه من الزينة تعليل تعبدي- و لعله بملاحظة كونه من مقدمات الزينة-.

ثم أن المراد:

تارة: يكون الحاقة بالزّينة مطلقا، فيكون له حكمها و هو عدم التحريم بلا قصدها.

و أخرى: يكون الحاقة بالزينة المحرمة و هي المقصودة، فيكون منزلا منزلتها. و هذا هو الظاهر لان ظاهر التنزيل بلحاظ الأثر الشرعي للمنزل عليه.

و عليه، يكون النظر محرما مطلقا عملا بعموم الدليل.

و أما تقييد الموضوع في روايتي معاوية بن عمار بما إذا كان النظر لأجل الزينة فهو لا ينافى العموم، بل يكون من موارد المطلق و المقيد المتفقين و لا دليل على وحدة الحكم فيهما، إذ لعل التقييد بلحاظ أقوائية التحريم.

و أما عموم الحكم للرجل و المرأة فهو واضح، للتنصيص على المرأة في بعض النصوص المتقدمة فلاحظ.

ثم انه لا يلحق بالمرآة سائر الاجسام الصيقلية الحاكية للصورة لاختصاص النص بها و لا وجه لدعوى عدم الخصوصية و لا سيما بملاحظة ان المتعارف في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 34: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 162

[7- و لبس الخفّين:]

7- و لبس الخفّين: و ما يستر ظهر القدم (235). فان اضطر جاز، و قيل: يشقهما، و هو متروك.

باب الزّينة هو النظر إلى المرآة و دقة حكايتها بخلاف غيرها، فانه لا يحكي عن تمام الخصوصيات. فلاحظ.

______________________________

(235) وقع الكلام في أن المحرّم هل هو خصوص الخف و الجورب أو مطلق ما يستر ظهر القدم. و الذي

ورد فيه النص تحريم الخف و الجورب بعنوانهما، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و لا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار و لا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «و أي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك و الجوربين يلبسهما إذا اضطر الى لبسهما «2»».

كما وقع الكلام في عموم الحكم فيهما للمرأة و الرجل و اختصاصه بالرجل.

فالكلام في جهتين:

الأولى: في عموم الحكم للرجل و المرأة و اختصاصه بالرجل. و تحقيق الحال فيها انه:

إن استفدنا حرمة لبس المخيط بقول مطلق للرجل من الروايات الواردة فى الموارد المختلفة بحملها على بيان الفرد الظاهر، و كان تحريم الخفين من باب أنه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 163

..........

مخيط، و يلحق به ما كان مشابها له كالجورب. لم يثبت الحكم للمرأة لاستفادة حلية المخيط لها من تجويز الفرد الظاهر منه كالقميص و نحوه.

و إن استفدنا من تلك النصوص حرمة كون المحرم بنحو منظم من جهة لباسه و تحريم الخفين من هذا الباب، كان الحكم فيهما مختصا بالرجل أيضا لاستفادة حلية التنظيم فى اللباس للمرأة من تجويز الفرد الظاهر له.

و إن لم نستفد كلا الأمرين- كما هو الحق لعدم الدليل على أحدهما- و كان تحريم الخف و الجورب لموضوعيتهما، كان المتجه عموم الحكم للرجل و المرأة كسائر المحرمات لعدم الدليل على اختصاص الحكم بالرجل.

الثانية: في عموم الحكم لكل ما يستر ظهر

القدم و عدمه، و تحقيق الحال: أنه إن قلنا بتحريم الخف لكونه مخيطا أو لكونه من لبس اللباس المنظم المرتب ألحق به لبس كل ما يستر الظهر مما كان مخيطا او غيره، إلحاقا له به، كالجورب. و لكن عرفت عدم الدليل على ذلك. و النص ورد بتحريم خصوص الخف و الجورب.

فعليه، فكل مورد يشابه أحدهما بكيفيته و ساتريته يمكن دعوى اليقين بلحوقه به فى الحكم. أما ما يختلف عنهما، كلبس الحذاء الساتر للظهر من دون ساق أو نحو ذلك، فلا وجه للحوقه به.

و عليه، فلنا أن نقول بعدم تحريم كل ما يستر ظهر القدم، بل ادعي فى «الجواهر «1»» أنه يمكن دعوى اختصاص الحكم بما يستر الظهر و الباطن و الساق، فلا يحرم ما يستر الظاهر دون الباطن.

ثم انه لا اشكال في جواز لبسهما مع الضرورة، كما تدل عليه رواية الحلبي المتقدمة.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 350، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 164

..........

و انما الكلام في لزوم شقهما. و الكلام في جهتين: الاولى: في أصل لزوم الشق.

الثانية: في كيفية الشق.

أما لزوم الشق، فتدل عليه روايتان «1» ضعيفتا السند و هما رواية أبي بصير و محمد بن مسلم، كما أن هناك رواية عامية تدل على وجوب قطعهما إلى أسفل الكعبين.

و لكن ذلك لا ينهض دليلا على اللزوم خصوصا بملاحظة ورود المطلقات في مورد الحاجة و عدم التقييد، فان تقييدها مع ذلك يحتاج إلى مقيد قوي الدلالة و السند.

و أما الكيفية، فالذي ورد في رواياتنا: شقّ الظهر، و الذي ورد في رواية عامية: القطع إلى أسفل الكعبين. و مقتضى الجمع هو التخيير بإلغاء خصوصية التعيين في

كل منهما المدلولة للاطلاق ببركة النص على خلافها.

و الذي يهون الخطب عدم اعتبار سند جميع هذه الروايات. فلاحظ.

ثم إنه هل يجوز للمختار لبس الخفين مع الشق أو لا يجوز؟ فهل هو كالقباء لا يجوز لبسه اختيارا حتى مع قلبه؟ فالشق يختص بحال الضرورة، أو لا؟

قد يتخيل الجواز لعدم ستره ظهر القدم فعلا، نعم، لو كان المحرم ما يستره شأنا لم ينفع الشق كما قيل.

و لكن المتجه التحريم لعدم احراز كون الملاك فى التحريم ستر ظهر القدم، مع بقاء عنوان الخف و الجورب معه، فلا يجوز لعموم الدليل.

و عليه، فلا نحتاج إلى البحث في أن المراد مما يستر ظهر القدم هل هو ما يستره فعلا أو شأنا. فلاحظ.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب تروك الاحرام، ح 3 و 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 165

[8- و الفسوق:]

8- و الفسوق: و هو الكذب (236).

______________________________

(236) اختلف الاصحاب قدّس سرّه فى المراد بالفسوق، ففي المتن أنه الكذب و حكاه فى «المدارك «1»» عن الشيخ رحمه اللّه «2» و ابني بابويه «3» و «4» و جماعة. و حكي عن ابن البراج «5» أنه الكذب على اللّه و رسوله و الأئمة عليهم السّلام. و عن المرتضى رحمه اللّه «6» و ابن الجنيد «7» و جمع من الاصحاب أنه الكذب و السباب. كما حكي عن «التبيان «8»» أنه مطلق المحرمات التي نهي المحرم عنها.

و النصوص في ذلك مختلفة.

فمنها: ما يتكفل تفسير الفسوق بالكذب خاصة، كرواية زيد الشحام- المروية في «معاني الاخبار»- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرفث و الفسوق و الجدال قال: «أما ألا تسمع لقوله تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ

فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ «9» «10»».

و منها: ما يتكفل تفسيره بالكذب و السباب، كرواية معاوية بن عمار، قال:

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 340، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 320، الطبعة الاولى.

(3)- حكاه عنه الشيخ الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» (ج 2: ص 328/ ذيل ح 2587).

(4)- الصدوق، الشيخ محمد بن علي: المقفع فى الفقه (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 22.

(5)- ابن البراج، عبد العزيز: المهذب، ج 1: ص 221، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(6)- علم الهدى، الشريف المرتضى: جمل العلم و العمل (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 104.

(7)- حكاه عنه العلّامة قدّس سرّه في «المختلف الشيعة» (ج 4: ص 84).

(8)- الطوسي، محمد بن الحسن: التبيان في تفسير القرآن، ج 2: ص 164، ط النجف الأشرف.

(9)- سورة الحجرات، 49: 6.

(10)- الصدوق، الشيخ محمد بن علي: معاني الاخبار، ص 294، ط مكتبة الصدوق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 166

..........

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه و ذكر اللّه و قلة الكلام إلا بخير، فان من تمام الحج و العمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير كما قال اللّه عزّ و جل، فان اللّه يقول: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1»، فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السباب و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه «2»».

و منها: ما يتكفل تفسيره بالكذب و المفاخرة، كرواية علي بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألت أخي موسى عليه السّلام عن الرفث

و الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما على من فعله؟ فقال: الرفث جماع النساء و الفسوق الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلي و اللّه- الحديث «3»».

و التحقيق: إن لفظ الفسوق مصدر لفسق. فيكون معناه هو الخروج عن الطاعة، و المعصية. و مقتضى اطلاقه في الآية الكريمة إرادة مطلق المعصية، فمقتضاها تحريم مطلق المعصية على المحرم. و ليس فى النصوص ما يصلح لحصر المراد به بمعصية خاصة كالكذب او غيره. إذ لا ظهور للنصوص في أنها لتحديد المراد و بيان تمامه، بل هي في مقام تفسير الآية ببيان أحد الافراد الشائعة الارتكاب، لاحتمال الغفلة عن كونه مرادا لتعارفه و عدم استنكاره عرفا، إذ ليس الكذب كالزنا عرفا بلا إشكال. و مثل هذا الاستعمال شائع، فمثلا إذا قال الطبيب للمريض «كل الرّمان» فسأله المريض عنه فأشار إليه بأنه هذا مشيرا إلى ما في أحد الدكاكين، فليس معناه حصر المراد بالرمان بما في ذلك الدكان، بل

______________________________

(1)- سورة البقرة، 2: 197.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 32: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 167

..........

المراد بيانه و تعريفه ببيان أحد مصاديقه.

و بالجملة: النصوص لا تنهض لرفع اليد عن ظهور الآية في إرادة مطلق افراد الفسق.

و عليه، فما نسب الى التبيان هو الأوجه.

و لو تنزلنا عن ذلك و قلنا بان النصوص ظاهرة في كونها في مقام الحصر و التحديد، فقد عرفت اختلاف النصوص، و وقع الاختلاف فيما هو مقتضى الجمع بين ما دل على أنه الكذب و السباب و ما دل على أنه الكذب و المفاخرة. فاذا قلنا بان المراد من

المفاخرة هو الفرد المحرّم منها بقرينة جعلها تفسيرا للفسق، فيبعد أن يراد به الأعم من الحلال و الحرام فانه خلاف الظاهر جدا، إذ لا معنى لتفسير الفسق- بما هو محلّل شرعا- لم تختلف عن السباب لان المفاخرة المحرمة هي المشتملة على السباب، فلا تعارض حينئذ.

و إن قلنا بان المراد منها مطلق المفاخرة حصل التعارض بين الروايتين.

و ذهب صاحب الجواهر «1» إلى أن مقتضى الجمع هو تقييد اطلاق المفهوم في كل منهما بمنطوق الأخرى، لان مركز المعارضة هو المنطوق و المفهوم في كل منهما.

و عليه، فيكون المحرم هو الكذب و السباب و المفاخرة، و ندّد بما فى «المدارك «2»» من ان مقتضى الجمع هو الالتزام بحرمة الكذب خاصة، فانه مما لا وجه له مع أنه لا يسمى جمعا بل هو طرح للدليلين في مورد المعارضة.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 358، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 341، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 168

..........

و الذي يقتضيه التأمل هو موافقة «1» صاحب المدارك في مدعاه و إن كان كلام صاحب الجواهر جاريا على طبق القواعد الصناعية بدوا، و ذلك لان النصوص واردة في مقام تفسير الآية و بيان المراد من الفسوق في الآية. و من الواضح أنه يمتنع استعماله فى الكذب و المفاخرة أو الكذب و السباب مع المحافظة على تعدد المعنى لاستحالة استعمال اللفظ في أكثر من معنى، بل لا بد من استعماله

______________________________

(1)- أقول: ما ذكره في توجيه كلام المدارك يتوجه عليه:

أولا: بان القاعدة الاولية او الثانوية في مورد تعارض الروايات و عدم المرجح ان كانت هي

التخيير فلا بد من الالتزام باحداهما فلا يتقيد الكذب، و ان كانت القاعدة هي التساقط فلا دليل على حرمة الكذب لان بيان الحكم كان بعنوان بسيط جامع و المفروض سقوطهما عن الدليلة. و لو قيل بالعلم الاجمالي بحجية احداهما كان المتقين هو الاحتياط بالجمع بين الثلاثة.

و ثانيا:- و هو المهم- ان استفادة كون موضوع الحكم في كل من الروايتين عنوان جامع بين خصوص الأمرين إنما يكون من جهة استفادة حصر المحرّم بالامرين و إلا فلعل موضوع الحكم هو الجامع بين الثلاثة، فلا يدفع هذا الاحتمال إلا أن يقال ان ظاهر الدليل هو تحرم الكذب و السباب مثلا لا غير، فلا بد أن يكون الموضوع هو الجامع بينهما، و من الواضح ان استفادة كون المحرم هو السباب و الكذب لا غير انما يكون بالمفهوم، و مع وجود دليل آخر يحرم غيره يخصص المفهوم، و تكون النتيجة هو استعمال اللفظ فى الجامع بين الثلاثة.

و بالجملة، تخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر في مرحلة الكاشف عن الجامع المبهم.

فلا يتنافى مع هذا البيان.

و ثالثا: ان النصوص المحددة للمراد ان كانت محددة للمراد الاستعمالي تم ما ذكر و أما إن كانت محدودة للمراد الواقعي مع كون المستعمل فيه اللفظ في الآية هو معناه العام لم يتم البيان السابق، اذ لا يكون إرادة كل منهما من إرادة المعنيين من اللفظ استعمالا كي يكون محالا و يمكننا ان نقول انها في مقام بيان المراد الاستعمالي لانها بيان لمعنى الآية و شرح لها و لذا كانت حاكمة عليها. فتأمل جيّدا. (المقرر).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 169

[9- و الجدال]

9- و الجدال، و هو قول: «لا و اللّه»، و «بلى و

اللّه» (237).

في معنى واحد جامع بينهما.

و عليه، فكل من الروايتين تفيد إرادة معنى جامع من الفسوق يغاير الآخر، فان الجامع بين الكذب و السباب غير الجامع بين الكذب و المفاخرة لتباين السباب و المفاخرة، و اذا ثبت ذلك كان التعارض بينهما فى المنطوق رأسا لدلالة كل منهما على إرادة معنى يغاير الآخر، لا بين المنطوق و المفهوم. و مقتضاه هو التساقط و الأخذ بالقدر المتيقن و هو الكذب لتوافقهما عليه فتدبر.

هذا ما يتعلق بمعنى «الفسوق». و أما تحريمه فلا اشكال فيه للآية الكريمة فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ «1»، و هذا مما لا خلاف فيه.

______________________________

(237) لا اشكال في تحريم الجدال على المحرم للآية الشريفة و للنصوص الكثيرة التي ستمر عليك، و إنما الاشكال فى المراد منها.

فهل هو مطلق المخاصمة فى الكلام- كما هو معنى الجدال عرفا- أو خصوص المخاصمة مع اليمين؟

و هل المراد من اليمين مطلق القسم و لو بغير اللّه تعالى أو خصوص القسم باللّه؟

و هل المراد هو القسم باللّه بصيغة «لا و اللّه و بلي و اللّه» أو مطلق القسم به؟

ثم هل يختص الحكم باليمين الكاذب أو يعم الصادق و الكاذب؟

______________________________

(1)- سورة البقرة، 2: 197.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 170

..........

و الذي ورد في بعض النصوص تفسير الجدال بقول «لا و اللّه و بلي و اللّه»، رواية معاوية بن عمار- في حديث-: «... و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلي و اللّه «1»».

و روايته الأخرى، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقول لا لعمري و هو محرم قال: «ليس بالجدال انما الجدال قول الرجل: لا

و اللّه و بلى و اللّه، ... «2»».

و رواية علي بن جعفر قال: «سألت أخي موسى عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟ ... إلى ان قال: و الجدال قول الرجل: «لا و اللّه و بلى و اللّه ...».

و الذي يمكن أن يستند إليه في اثبات تحريم مطلق الجدال ما ورد فى النصوص من أخذ عنوان الجدال في موضوع الحكم، ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن الجدال فى الحج فقال من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم فقيل له الذي يجادل و هو صادق؟

قال: عليه شاة و الكاذب عليه بقرة «3»».

و رواية أبي بصير «4»، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا جادل الرجل و هو محرم فكذب متعمدا فعليه جزور».

و لكن كلاهما لا يصلحان للاستدلال، لعدم كونهما في مقام بيان تحريم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 32: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 1: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 6.

(4)- المصدر/ باب 1: من ابواب بقية الكفارات الاحرام، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 171

..........

الجدال كي يتمسك بإطلاقه، بل هما في مقام بيان التفرقة بين افراد الجدال المفروض تحريمه من حيث الكذب و الصدق أو المرة و المرات، أما ما هو الجدال المحرم فهما ليستا في مقام بيانه.

و أما الاستناد للآية بإطلاقه، فباطل قطعا للروايات الكثيرة المفسرة للجدال بأنه المخاصمة مع اليمين الخاص أو مطلق اليمين التي عرفت بعضها و ستعرف الأخرى.

إذن، فلنا أن نقول بوضوح بطلان هذا الاحتمال.

و أما احتمال إرادة مطلق اليمين، فقد يستدل عليه بروايات:

منها: رواية أبي بصير، عن أحدهما عليه

السّلام، قال: «إذا حلف بثلاثة أيمان متعمدا متتابعات صادقا فقد جادل و عليه دم و اذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل و عليه دم «1»».

و منها: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه، و أعلم ان الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدق به و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل و عليه دم يهريقه و يتصدق به قال: و سألته عن الرجل يقول لا لعمرى و بلى لعمري؟ فقال: ليس هذا من الجدال و إنما الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه «2»».

و وجه الاستدلال بها: هو التمسك بإطلاق اليمين، فيشمل كل يمين.

و يناقش: بانه لو سلم كونها في مقام بيان الجدال المحرم لا في مقام بيان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 1: من بقية كفارات الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 172

..........

التفريق بين مورد الصدق و الكذب من الجدال المحرم و أن الجدال فى الصدق يحصل بثلاثة و فى الكذب بواحد، فهي مقيدة بما عرفته من النصوص المحدّدة للجدال بقول «لا و اللّه و بلى و اللّه».

و دعوى: انه يحتمل أن تكون هذه النصوص واردة في مقام بيان المثال و أحد أفراد اليمين بلا خصوصية للفرد الخاص.

تندفع:

أولا: بانه احتمال لا يدفع به ظاهر النصوص فى الحصر.

و ثانيا: بما دل على عدم كون القسم بغير اللّه تعالى من الجدال، كرواية معاوية المتقدمة، فانه قد نفي فيها كون قول «لا لعمرى و

بلى لعمري» من الجدال مع أنه يمين.

و أما احتمال عموم الحكم لمطلق اليمين باللّه من دون اختصاص له بالصيغة الخاصة و هي «بلى و اللّه»، فقد يستدل له مضافا إلى دعوى احتمال كون ذكر الصيغة الخاصة من باب المثال برواية أبي بصير (يعني ليث بن البخترى)، قال:

«سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه و اللّه لا تعمله، فيقول: و اللّه لأعملنه فيحالفه مرارا يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا، إنما أراد بهذا اكرام أخيه انما كان ذلك ما كان للّه عزّ و جل للّه فيه معصية «1»»، فانه عليه السّلام علّل الحكم بانه أراد إكرام أخيه و لو كان الحكم مختصا بصيغة: «لا و اللّه و بلى و اللّه» لكان التعليل بان ما قاله ليس منه أنسب.

ثم إنه قد يستدل بهذه الرواية- أيضا- على اختصاص الجدال المحرّم بمورد الكذب، كما هو ظاهر الحصر فى الذيل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 32: من ابواب تروك الاحرام، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 173

..........

و لكن الذي نراه عدم دلالة الرواية على كلا الأمرين، فان تعليل الامام عليه السّلام لعدم الكفارة بان المورد ليس من موارد الخصومة ظاهر في اعتبار الخصومة في تحقق الجدال المحرّم لا غير، أما أن الحكم عام لمطلق اليمين فلا نظر له إليه، مع أنها غاية ما تدل على إلغاء خصوصية أداة النفي و الاثبات لا على إلغاء خصوصية علم الجلالة لاشتمال موضوع السؤال عليه و التفكيك بينهما ممكن فلاحظ.

و أما الذيل، فالذي نستفيده هو أن المشار إليه باسم الاشارة هو قوله: «و اللّه لأعملنه». و المراد أن هذا القول لا كفارة فيه لانه ليس من

موارد الخصومة. و القول الذي يكون فيه الكفارة هو الذي يقع في موارد الخصومة المحرمة و ما يكون معصية لاجل تحريمه بالاحرام. فليس القصد التفصيل بين الجدال الصادق و الكاذب، بل القصد التفكيك بين عدم الجدال، فلا حرمة. و بين الجدال المحرم فى الكتاب. و بيان أن هذا المورد ليس من موارد الجدال، لكون القصد فيه هو الإكرام لا الخصومة، و القرينة على هذا الاستظهار هو نفس مقابلة هذه الجملة مع نفي الكفارة، لأنه أراد الاكرام.

و عليه، فهي أجنبية عن محل الكلام بالمرّة، كما لا يخفى.

و لو تنزلنا و قلنا بأن المشار إليه هو الجدال المحرّم- كما هو مبنى الاستدلال-، فيكون المراد أن الجدال المحرم في الآية هو الذي يكون معصية للّه تعالى و هو مورد الكذب، فيدل على خروج الجدال الصادق عن موضوع التحريم.

و لكن وجود الروايات «1» المتعددة الدالة على ثبوت الكفارة مع اليمين الصادق- كما عرفت بعضها- ينافي هذه الرواية، و طريق الجمع الدلالي هو الالتزام بعدم حرمة اليمين الصادق و ثبوت الكفارة فيه، لأن هذه الرواية نص في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 1: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 3 و 4 و 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 174

..........

نفي التحريم و ظاهر في نفي الكفارة، و تلك النصوص نص في اثبات الكفارة و ظاهرة في عدم التحريم لملازمة نفي الكفارة لعدم التحريم ظاهرا، و مقتضى الجمع هو حمل الظاهر على النص، فتكون النتيجة ما عرفت، و قد احتملها بعض.

و لكن لا يخفى ان الظاهر الأولي أن المشار إليه هو الجدال الذي فيه الكفارة لأن السؤال عن الكفارة لا عن الحرمة، و انما التزمنا بإرادة

الاشارة إلى الجدال المحرم جمعا بين نصوصية سائر الروايات في اثبات الكفارة، فيلتزم بان الموضوع هاهنا هو الجدال المحرم كي ترتفع المعارضة، فلو لم يلتزم بذلك بدعوى أنه ليس جمعا عرفيا بل تبرعيا لأن الاشارة الى الجدال المحرّم ليس ظهورا ثانويا يمكن حمل الكلام عليه و صرفه إليه مع المعارض الأظهر، فلا محيص عن الالتزام بتعارض هذه الرواية لتلك الطائفة من الروايات لتكفلها نفي الكفارة و تكفل الطائفة اثباتها. فان كانت الروايات المثبتة للكفارة بحد الاستفاضة بحيث يطمئن بصدورها كانت محكمة، و إلّا جرت أحكام التعارض بين الخبرين فى المقام، فالتفت.

و بالجملة، أنه إذا لم يستفد من رواية أبي بصير عموم الحكم لمطلق اليمين باللّه و لو لم يكن بلفظ اسم الجلالة، فلا طريق الى اثباته سوى دعوى أن وروده فى النصوص من باب المثال، لكنها دعوى بلا دليل لكونه خلاف ظاهر أداة الحصر، مضافا إلى أن ذكره في مقام نفي حرمة مثل: «لا لعمرى ...» كما في رواية معاوية يكشف عن انّ المولى في مقام البيان، و تقييده الجدال بالصيغة الخاصة يكشف عن خصوصيتها.

يبقى الكلام في جهتين:

الأولى: في اعتبار لفظ «لا» و «بلى» في موضوع التحريم و عدمه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 175

..........

فقد يدعى ان الموضوع هو القسم و هاتان اللفظتان خارجتان عنه، و انما هما مبرزان للخصومة.

و لكنه مجرد احتمال لا دليل عليه بعد ظهور النصوص في حصر الجدال فى الصيغة الخاصة.

نعم، رواية أبي بصير فيها نوع ظهور فى الغاء الخصوصية لظهور السؤال فى المفروغية عن عدم اعتبار هاتين اللفظتين، لكون المسئول عنه خاليا عنهما و كون محط سؤاله لحوق اليمين في مورد الاكرام باليمين فى مورد الجدال،

فالأخذ بظهورها لا بأس به.

الثانية: في أن الجدال هل يتحقق باحدى الصيغتين أو يعتبر فيه كلتاهما؟

الظاهر الأول، فانه و ان ورد تحديد الجدال بهما فى النص لكن من المعلوم بحسب العادة أن كلا من طرفى الخصومة لا ينطق إلا باحداهما، لانه إما أن يكون مثبتا فيقول «بلى» أو نافيا فيقول «لا» و قسمه بكلتيهما خلاف العادة، فيرجع ذكرهما معا فى التحديد الى بيان طرفى الخصومة و المجادلة، و المنظور فيه ذلك، فتدبر جيدا.

ثم إنه لا مجال لتوهم حرمة صيغة «لا و اللّه» و «بلى و اللّه» في غير مورد الجدال و الخصومة، إذ ظاهر النصوص أنها في مقام تفسير الآية الكريمة، فتكون ظاهرة في بيان أن المقصود بعض أفراد الجدال و هو الجدال المشتمل على اليمين الخاص دون مطلق افراده، و لا ظهور لها في أن الجدال هو هذه الصيغة و لو لم تكن واقعة في مورد الخصومة. فلاحظ و التفت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 176

[10- و قتل هوام الجسد]

10- و قتل هوام الجسد، حتى القمل (238).

______________________________

(238) تعرض فى المتن إلى بيان حكم قتل القمل و نحوه من الهوام و لم يتعرض الى حكم إلقائها، فالبحث يقع في كلا الأمرين: القتل و الالقاء.

أما قتل هوام الجسد، فقد ذكر فى «المدارك «1»» أن القول بتحريمه هو المشهور بين الاصحاب سواء كان على الثوب أو الجسد.

و الذي يستدل به على ذلك وجوه:

الأول: ما دل على حرمة القائها، فانه يدل بالأولوية على حرمة قتله، لان تحريمه إما لأجل حصول الراحة بإلقائه أو لأجل أنه يقتل، و على كل حال فهو يدل بالأولوية على حرمة القتل.

الثاني: عموم قوله عليه السّلام في رواية معاوية بن عمار، عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: ثمّ «اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفأرة ... «2»».

الثالث: الروايات الخاصة الواردة فى القمل، ك:

رواية أبي الجارود: قال سأل رجل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم قال: «بئس ما صنع، قال: فما فداؤها؟ قال: لا فداء لها «3»».

و رواية زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «هل يحك المحرم رأسه؟ قال:

يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة ... «4»». فان الفرد المتيقن و الظاهر من الدابة هو

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 343، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 81: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 177

..........

القمّل.

و لكن جميع هذه الوجوه مخدوشة:

أما الأول: فلعدم ثبوت الأولوية بعد عدم العلم بملاك تحريم الإلقاء خصوصا بملاحظة ثبوت الكفارة في الالقاء دون القتل، فانه يكشف عن ثبوت الفرق بين الموضوعين.

و من العجيب من صاحب الجواهر «1» فى التزامه بهذا الوجه مع عدم دفعه ما ذكرناه من وجود الفرق من جهة الكفارة.

و أما الثاني: فلانصراف الدابة عرفا مع اطلاقها عن مثل القمّل، فلا يشمله الاطلاق.

و أما الثالث: فلان رواية أبي الجارود و ان كانت تامة الدلالة لكنها ضعيفة السند. و لم يثبت عمل المشهور بها- لو سلم القول بجابريته لضعف السند- لاحتمال استنادهم إلى الوجوه الاخرى.

و أمّا رواية زرارة، فلأنه لا يمكن الأخذ بمضمونها لملازمة الحك للالقاء غالبا، مع أن ظاهرها جواز ذلك إذا لم يتحقق القتل و هو ينافي ما دل على حرمة الالقاء بنحو لا يقبل

التشكيك.

ثم إنه لا يصلح الاستدلال على التحريم بما ورد في بعض النصوص «2» من التعبير ب: «لا ينبغي» لانه لا ظهور له فى التحريم، بل هو ظاهر في مطلق المرجوحيّة. فلاحظ.

إذن، فلا دليل على حرمة قتل القمل و غيره من هوام الجسد، بل ظاهر

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 367، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 78: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 178

..........

رواية زرارة، عن أحدهما عليهما السّلام جواز قتل البرغوث و البقّ، إذ جاء فيها: «سألته عن المحرم يقتل البقة و البرغوث اذا رآه؟ قال: نعم «1»،».

و أما رواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال: «لا شي ء عليه فى القمّل ... «2»»، فلا يمكن الاستدلال بها على الجواز إلا بالالتزام بعموم الشي ء للكفّارة و التبعة الاخروية، و لكنه خلاف الظاهر، إذ الظاهر في مثل هذا التعبير نفي الكفارة.

و أما إلقاء الهوام، فقد وردت النصوص بتحريمه، ك:

رواية الحسين بن أبي العلاء، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا يرمي المحرم القملة من ثوبه و لا من جسده متعمدا فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما ... «3»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المحرم يلقى عنه الدواب كلها الا القملة فانها من جسده ... «4»».

و ما دل «5» على عدم جواز القاء الحلمة عن البعير لانها بمنزلة القملة من جسدك.

و ما دل «6» على ثبوت الكفارة في الالقاء.

و لا يعارض هذه الروايات سوى رواية مرّة- مولى خالد- قال: سألت

______________________________

(1)- وسائل

الشيعة، ج 9/ باب 79: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 78: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(4)- المصدر، ح 5.

(5)- المصدر/ باب 80: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(6)- المصدر/ باب 15: من ابواب بقية كفارات الاحرام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 179

و يجوز نقله من مكان الى آخر من جسده (239)، و يجوز القاء القراد و الحلم (240).

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلقي القملة، فقال: «ألقوها أبعدها اللّه غير محمودة و لا مفقودة «1»»، فانها ظاهرة في جواز الالقاء، و لكنها إن تمت من حيث السند لا بد من طرحها أو تأويلها لمصادمتها للنصوص الكثيرة التي يحصل الاطمئنان بصدور بعضها.

و لا يمكن الجمع العرفي بحمل روايات النهي على الكراهة، لظهور قوله عليه السّلام:

«أبعدها اللّه ...» في عدم البأس فيه أصلا و هو يصادم نصوصية تلك النصوص لدلالتها على المرجوحية بلا إشكال.

______________________________

(239) لعدم الدليل على تحريمه لاختصاصه بغير ذلك، مضافا الى ما في رواية معاوية بن عمار «2» من الحكم بالجواز لقوله عليه السّلام: «... و إن أراد أن يحوّل قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه».

(240) البحث فى القاء القراد و الحلمة في جهتين:

الأولى: فى القائه عن جسده.

و الثانية: فى القائه عن البعير.

أما القاؤه عن جسده، فقد ورد النص بتجويزه و هو رواية عبد اللّه بن سنان، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أ رأيت إن وجدت عليّ قراد أو حلمة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 78: من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

(2)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 180

[11- و يحرم لبس الخاتم للزينة]

11- و يحرم لبس

الخاتم للزينة- و يجوز للسنّة (241)-.

أطرحهما؟ قال: نعم، و صغار لهما انهما رقيا في غير مرقاهما «1»».

و أما القاؤه عن البعير، فظاهر النصوص التفصيل بين القراد، فيجوز القاؤه.

و الحلمة، فلا يجوز، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إن ألقى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس و لا يلقي الحلمة «2»».

و لكن ظاهر رواية عبد اللّه بن سعيد، قال: «سأل أبو عبد الرحمن أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعالج دبر الجمل قال: فقال: يلقى عنه الدواب و لا يدميه «3»»، جواز القاء الحلمة لانها الفرد الظاهر من لفظ الدواب هاهنا كما لا يخفى.

و يمكن حملها على مورد الضرورة كما هو ظاهر قوله فى السؤال «يعالج».

فلاحظ.

______________________________

(241) الذي تدل عليه النصوص هو جواز لبس الخاتم من دون تقييد بانه للسنة، ك:

رواية نجيح، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم «4»».

و رواية محمد بن اسماعيل: «رأيت العبد الصالح و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة «5»». و نحوها روايته الأخرى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 79: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 80: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر/ باب 46: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(5)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 181

و لبس المرأة الحليّ للزينة و ما لم يعتد لبسه منه على الأولى، و لا بأس بما كان معتادا لها، لكن يحرم عليها اظهاره لزوجها (242).

نعم، ورد النهي عن لبسه للزينة في رواية ضعيفة السند و هى رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و

سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه للزينة «1»».

و لكنها لا تصلح لتقييد المطلقات و إن ذهب المشهور إلى التقييد، لكن لم يثبت أن عملهم كان بالرواية بل لعله كان من جهة استفادتهم مما ورد فى الكحل و النظر فى المرآة تحريم مطلق ما كان بقصد الزينة.

و مما يؤيد الجواز مطلقا، عمل الامام عليه السّلام و ذلك لعدم امتياز اللبس للزينة او للسنة إلا بالقصد و هو أمر قلبي لا ظاهري، فمن البعيد- جدا- ان يتصدى الامام عليه السّلام لعمل مستنكر ظاهرا و يوجب الجرأة ممن يراه على اللبس بتخيل جوازه مطلقا، إذ ليس من المألوف سؤاله عليه السّلام من كل أحد عن قصده.

و بالجملة: الصناعة لا تساعد على التحريم لاجل الزينة، بل تقتضي الجواز بقول مطلق.

فلو استفاد أحد تحريم مطلق ما يقصد به الزينة ثبت فى الخاتم لكنه لا دليل عليه. نعم، تركه أحوط. فتدبر.

______________________________

(242) الذي عليه فتوى البعض تحريم لبس الحلي للمرأة إذا كان للزينة، او لم يكن معتادا لها لبسه، و بدون هذين القيدين يحل لبسه فيحل لها لبس المعتاد لا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 46: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 182

..........

لأجل الزينة.

أقول: أما تحريم اللبس إذا كان بقصد الزينة، فما يستدل به عليه من النصوص هو رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليّا مشهورا للزينة «1»».

و لكنها تقيد الحلال بما إذا لم يكن مشهورا للزينة، و لم يقل أحد بحرمة الحليّ المشهور- بمعنى الظاهر-. و عليه فمقتضى ذلك سقوط الحديث بجميعه عن الحجية و لا معنى الالتزام به

في بعض مدلوله كما عليه الأصحاب.

و عليه، فلا دليل على تقييد ما دل على جواز لبس الحلي بقول مطلق بعدم كونه للزينة.

نعم، رواية النضر بن سويد، عن أبي الحسن عليه السّلام- في حديث-: «... و لا تلبس القفازين و لا حليّا تتزين به لزوجها ... «2»» لا بأس بدلالتها على التقييد لكنها ضعيفة السند. و عليه، فان تم ما أشرنا إليه من استفادة تحريم لبس كل ما كان بقصد الزينة فهو، و إلا فالصناعة تقضي بجواز لبس الحلي بقصد الزينة. نعم، هو خلاف الاحتياط.

و أما تحريم لبس غير المعتاد، فلم يرد فى النصوص، بل الذي ورد في بعض النصوص حلية لبس ما لم تحدثه بعد الإحرام، كرواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للاحرام لم تنزع حليّها «3»».

و به يقيّد اطلاق التحريم في مثل رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 49: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 183

..........

حديث- قال: «المحرمة لا تلبس الحلي و لا المصبغات ... «1»».

و أما رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها أ تنزعه اذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال: «تحرم فيه و تلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها و مسيرها «2»». فهي و ان كان موضوعها المعتاد لبسه، لكن لا دلالة لها على

النهي عن غيره، فإذن ما يستفاد من النصوص تحريم لبس الحلي إلا ما كانت تلبسه قبل إحرامها سواء كان للزينة أولا و سواء كان معتادا أو غير معتاد. فلاحظ جيدا.

هذا، و قد يدعى أن مقتضى ما ورد من تعليل الحكم بحرمة الاكتحال بالسواد و النظر فى المرآة بانه زينة عموم الحكم لكل ما يكون زينة، كلبس الحلي و الخاتم، فيكون لبسهما محرّما بهذا العموم.

و التحقيق: أنك قد عرفت المناقشة فيما ورد فى الكحل في دلالته على تعليل الحكم بكون الاكتحال زينة واقعية، بل استظهرنا إلى أن المقصود بالتعبير هو بيان أن المتعارف فى الكحل كونه للزينة، فيرجع الى تحريم الاكتحال إذا كان بقصد الزينة و هو لا يدل على المطلوب.

و أما ما ورد فى النظر إلى المرآة، فقد عرفت أن ظاهره الأولي تعليل الحكم بانه زينة واقعا و ان كانت المسامحة و التعبد بتطبيق الزينة على النظر فى المرآة لانه ليس زينة واقعا بل من مقدماتها غالبا، فالدليل يدل على تنزيله منزلة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 49: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 184

..........

الزينة. و هذا يدل على حرمة مطلق الزينة، فان تعليل الحكم بذلك ظاهر في حرمة الموضوع الكلي. فلو لم يدل دليل على تحريم الزينة بقول مطلق فنفس هذا التعليل يكفي فى الدلالة على الحرمة.

و لكن يمكننا أن نقول: إن المنظور فى التعليل هو التعليل بأمر واقعي- لا تعبدي- و هو أن النظر غالبا يكون لأجل الزينة باعتبار أن المرآة من مقدماتها، فيحرم النظر لأجل أن المقصود به الزينة. فلا يدل إلا على حرمة النظر إلى المرآة بقصد الزينة.

فلا يشمل ما نحن فيه. و دعوى إلغاء خصوصية هذين الموردين لا شاهد عليها و لا دليل.

و عليه، فلا دليل ينهض على حرمة كل زينة و لا كل ما قصد به التزين.

ثم إن ما يحرم على المرآة اظهاره ما تلبسه من الحلي للرجال أعم من الزوج و المحارم و غيرهم، لظهور رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في ذلك و لا وجه لتخصيص الحكم بالزوج فقط كما فى المتن.

و لا يختص تحريم الاظهار بالحلي المحللة اللبس و هي السابقة على الاحرام، بل تعم غيرها، لظهور الرواية فى العموم و أن الاظهار حرام في نفسه مطلقا، فكانه قال: لبس الحلي المزبورة حلال ما لم يصل الى الاظهار.

و عليه، ففي لبس الحلي بعد الاحرام إذا أظهرتها للزوج حرمتان حرمة نفس اللبس، و حرمة الاظهار، و إذا أظهرتها لغير المحرم ثلاث حرمات، حرمة اللبس و حرمة الإظهار الإحرامية و حرمة الاظهار للاجانب الذاتية.

هذا تحقيق الكلام في لبس الحلّي للمرأة و خصوصياته، فالتفت و اعرف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 185

[12- و استعمال دهن فيه طيب]

12- و استعمال دهن فيه طيب، محرّم بعد الاحرام، و قبله اذا كان ريحه يبقى الى الاحرام (243).

______________________________

(243) الحكم بحرمة استعمال الدّهن الذي فيه طيب بعد الاحرام مما لا اشكال فيه، لأنه من استعمال الطيب و هو محرم كما تقدم.

و أما استعماله قبله و كانت رائحته تبقى إلى الاحرام فكذلك، لوجود النص الخاص الدال على حرمته معلّلا بانه تبقى رائحته الى ما بعد الاحرام، و هو ظاهر في أن استعمال الطيب محرّم على المحرم احداثا أو بقاء، فلو شكّك في قابلية ما دل على حرمة الطيب لتحريم إبقاء الطيب على المحرم فنفس هذه الرواية

تدل على هذا المطلب، مضافا إلى رواية حماد بن عثمان «1» الآمرة بنشر ثوبي الاحرام الملتقطين للرائحة من الاثواب المجمرة، لتذهب رائحتها. و فى الجملة: هذان الحكمان على طبق القاعدة و من باب حرمة أصل الطيب، و في نظرنا أنهما واضحان لا يحتاجان إلى بحث.

و أما الادّهان بما ليس فيه طيب من الأدهان الطيبة الرائحة- يعنى: غير الكريهة- فهو جائز قبل الاحرام و محرّم بعده، لرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أنّ رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم، و أدهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم، فاذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ «2»». و غيرها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 29: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 186

و كذا ما ليس بطيب- اختيارا- بعد الاحرام، و يجوز اضطرارا (244).

و بهذه الرواية يرفع اليد عن عموم رواية معاوية بن عمار «1» الظاهرة في كراهة استعمال الدهن بقول مطلق حيث ورد فيها: «... يكره للمحرم الادهان الطيبة الريح إلا المضطر الى الزيت أو شبهه يتداوى به» فان لفظ «يكره» فيها ظاهر فى الكراهة الاصطلاحية لوروده في مقابل تحريم الطيب بلفظ الحرمة و هو قوله: «و إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير أنه يكره ...».

و مقتضاه كراهة استعمال الدهن بقول مطلق- و به يرفع اليد عمّا دل بظاهره على حرمة استعمال الدهن، كقوله في رواية معاوية بن عمار، عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام:

«لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك ... «2»» و لولاه لقلنا بحرمة استعمال الدهن بكل نحو من أكل و تدهين و غيرهما مما هو من شئون الدهن.

و بالجملة، رواية الحلبي و غيرها تدل على حرمة التدهين بعد الاحرام فبها يرفع اليد عن عموم رواية معاوية، فتختص الكراهة بغير التدهين و يكون التدهين محرّما. فلاحظ.

______________________________

(244) لرواية معاوية بن عمار المتقدمة و رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا خرج بالمحرم الخراج او الدمّل فليبطه و ليداوه بسمن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 8.

(2)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 187

[13- و إزالة الشعر قليله و كثيره]

13- و إزالة الشعر قليله و كثيره (245)، و مع الضرورة، لا اثم.

أوزيت «1»».

و رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السّلام، قال: «سألته عن محرم تشققت يداه. قال: فقال: يدهنها بزيت أو بسمن أو إهالة «2»» و غيره «3».

______________________________

(245) ادعى فى «الجواهر «4»» الاجماع بقسميه عليه، و استدل لتحريم ذلك بقوله تعالى: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «5». و مفهوم قوله تعالى: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ «6».

و لكن للمناقشة في دلالتهما على الحكم المزبور مجال واسع:

أما الأولى: فهي ظاهرة فى النهي الارشادي، لعدم تحقق الاحلال بحلق الرأس قبل بلوغ الهدي محله و لا ربط لها بالنهي التحريمي، فهي نظير ما يقال: لا تسلم قبل انتهاء أفعال الصلاة، في مقام بيان أنه لا يتحقق به الاحلال قبل انتهاء الافعال.

و أما الثانية: فهي ظاهرة التفرع على

الآية السابقة، فيتضح الكلام فيها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 31: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 31: من ابواب تروك الاحرام.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 377، الطبعة الاولى.

(5)- سورة البقرة، 2: 196.

(6)- سورة البقرة، 2: 196.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 188

..........

و لو سلم أنها آية مستقلة، فهي تدل على حلية ما يحرم للمحرم في حال المرض و اختصاص حرمته بغير حال المرض- كما وردت بذلك بعض النصوص «1»- أما تعيين المحرّم على المحرم فهي أجنبية الدلالة عليه كما لا يخفى.

فإذن الآيتان أجنبيتان في دلالتهما عن المدعى.

و على كل حال يمكن استفادة الحكم من النصوص الدالة على تحريم إزالة الشعر فى الموارد المختلفة من البدن، ك:

رواية زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة «2»».

و رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم، قال: «لا، إلا أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «3»».

و رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم هل يصلح له ان يحتجم؟ قال: نعم، و لكن لا يحلق مكان المحاجم و لا يجزه «4»».

و رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق او يقطع الشعر «5»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم كيف يحك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14:

من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 10: من ابواب بقية الاحرام، ح 6.

(3)- المصدر/ باب 62: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(4)- المصدر، ح 11.

(5)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 189

..........

رأسه؟ قال: «بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «1»».

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر ... «2»».

و هذه النصوص و غيرها و ان كانت واردة في موارد خاصة كالرأس و الابط و مكان المحاجم، كما انه عناوين خاصة كالحلق و النتف و القطع، لكن من مجموع ذلك يصطاد الحكم الكلي خصوصا بملاحظة تقييد جواز الحجامة بعدم حلق الشعر أو قطعه، فانه ظاهر في أنه موضوع في نفسه و إن كان موضوعه خاصا.

و أما ما دل على عدم قطع شعر اللحية، فهو ضعيف الدلالة على التحريم لعدم ظهوره فيه، كما يأتي بيانه، و معارض بما دل على الجواز. و سيأتي التعرض الى شعر اللحية مستقلا، فانتظر.

و هذا كله غير مشكل، إنما الاشكال في حكم مورد الضرورة الى الحلق فانه لا اشكال في جوازه لأجل الاضطرار، لأدلة رفع الاضطرار و العسر و الحرج، بل عدم عموم أدلة حرمة الحلق لمورد الضرورة لعدم اطلاق لدليل الحرمة بعد كونها حكما مصطادا من الموارد المختلفة.

و أما ثبوت الفدية عليه، فقيل بوجوبها استنادا إلى الآية الكريمة: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ، لكن عرفت انها متفرعة على آية: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.

و قد عرفت عدم تضمنها حرمة الحلق و انما الارشاد

الى عدم تحقق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 71: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 73: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 190

..........

الاحلال بالحلق قبل بلوغ الهدي محله.

و عليه، فالآية الأخرى استثناء من هذا العموم، فتكون دالة على تحقق الاحلال قبل بلوغ الهدي محله مع المرض او الأذى من الرأس و وجوب الفدية في هذا الحال، فلا ترتبط بما نحن فيه. و قد وردت بعض النصوص بهذا المضمون.

و أما تطبيق الآية على ما نحن فيه، كما في رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على كعب بن عجرة الانصاري و القمّل يتناثر من رأسه (و هو محرم) فقال: أ تؤذيك هوامك فقال: نعم، قال: فأنزلت هذه الآية: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بحلق رأسه و جعل عليه الصيام ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدّان و النسك شاة ... «1»».

و نحوها مرسلة الصدوق، فهو مشكل لا يمكن الأخذ بظاهره بعد أن عرفت أن الآية لا ترتبط بما نحن فيه.

و لو كانت الرواية بلسان تفسير الآية بما نحن فيه و بيان ان المراد منها ذلك لامكن الالتزام به تعبدا، و لكنها ليست بهذا اللسان.

إذن، فلا بد أن نقول- بدلالة الاقتضاء- بان الانصاري كان محصورا و قد بعث هديه و لم يلتفت الراوي الى هذه الخصوصية. أو نقول بان الرواية مجملة يردّ علمها الى أهلها.

و عليه، فلا دليل على ثبوت الفدية عند الاضطرار.

و الأصل ينفيه. و لكنه أحوط.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 14: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 191

..........

ثم إنه بناء على ثبوت الفدية، فقد حكي عن «المنتهى «1»» التفصيل بين الضرر اللاحق من نفس الشعر فلا فدية عليه، كما لو نبت في عينيه أو نزل شعر حاجبيه بحيث يمنعه الابصار لأن الشعر أضرّ به فكان له إزالة ضرره، كالصيد إذا صاد عليه. و الضرر اللاحق غير الشعر لكن يتوقف رفعه على حلق الشعر كالقمل و الصداع من الحر، فتثبت الفدية، فانه نظير أكل الصيد فى المخمصة.

و نظيره ما فى «الدروس «2»» من أنه لو نبت في عينه شعر أو طال حاجبه فغطّى عينه فأزاله، فلا فدية، و لو تأذى بكثرة الشعر فى الحرّ فأزاله فدى.

و لم يستوضح صاحب المدارك «3» ما فى المنتهى و ذهب إلى أن المتجه لزوم الفدية إذا كانت الازالة بسبب المرض أو الأذى الحاصل فى الرأس مطلقا لاطلاق الآية الشريفة. و وافقه فى «الجواهر «4»».

و لكن من الممكن توجيه كلام المنتهى: بان ظاهر الآية الكريمة كون الموضوع هو الأذى فى الرأس و هو لا يعم ما إذا كان الأذى بنفس الشعر، بل يختص بما إذا كان الأذى من عارض فيه يزول بالحلق، فما ذكره فى المنتهى متجه، إذ لا دليل على ثبوت الفدية في غير هذا المورد لانحصار دليلها بالآية الكريمة.

ثم انه لو استفدنا حرمة إزالة الشعر قليله و كثيره، فلا عموم للحكم لمثل شعر اللحية الساقط بوضع اليد أو العبث بها، بل هكذا غير اللحية كالرأس. إذ غاية ما يستفاد هو حرمة النتف او القطع او الحلق بالآلة و

نحوها من الاسباب

______________________________

(1)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 793، الطبعة الحجرية.

(2)- الشهيد الاول، محمد بن مكى: الدروس الشرعية، ج 1: ص 383، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 191

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 353، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 380، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 192

..........

المتعارفة للازالة، أما العبث المستلزم للسقوط فلا تستفاد حرمته من الموارد المختلفة.

هذا مع ما دل على الجواز، ك:

رواية الحسن بن هارون، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إني أولع بلحيتي و انا محرم فتسقط الشعرات، قال: إذا فرغت من احرامك فاشتر بدرهم تمرا فتصدق به فان تمرة خير من شعرة «1»» فان ظاهرها تقريره عليه السّلام لذلك و عدم ردعه عن العبث.

و رواية المفضل بن عمر، قال: «دخل الساجبي على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: ما تقول في محرم مسّ لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان عليّ شي ء «2»».

و أما ما دل على الإطعام، فلا ظهور له فى التحريم و لا على لزوم الكفارة بل هو ظاهر في الأمر بالإطعام من باب أنه صدقة مستحبة خصوصا بملاحظة التعليل في رواية الحسن بن هارون. و بملاحظة عدم تعيين مقدار الاطعام في بعض النصوص بل قال عليه السّلام:

«يطعم شيئا» مع أنها معارضة برواية المفضل.

فراجع تعرف.

يبقى الكلام في جهات:

الأولى: في جواز قطع المحرم شعر غيره. و أدعي الاجماع على عدم جواز إزالة شعر غيره المحرم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 16: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 193

..........

و أضاف صاحب الجواهر «1» الى الاجماع دعوى ما يفهم من الأدلة من عدم جواز وقوع ذلك من أي مباشر كان.

أقول: محل البحث هو حرمة إزالة المحرم شعر غيره المحرم من جهة كونه محرما، بحيث لو كان محلا لم يكن عليه حراما. فمصب الحرمة المبحوث عنها هو الحالق لا المحلوق منه.

و ما ذكره من ان المفهوم من الأدلة عدم جواز وقوع ذلك من أيّ مباشر كان لا يرتبط بذلك، لانه يقتضي أن حلق الشعر المحرّم على المحرم أعم من الحلق بنفسه أم بغيره و هو صحيح لإسناد الحلق إليه، لكنه لا يثبت حرمة الحلق على الحالق بل على المحلوق منه، و لذا لو كان الحالق محلا كان حراما على المحرم المحلوق منه. فما ذكره خلط، إذ لا بد من استفادة عموم المتعلق للحلق من الدليل لا عموم جهة الصدور للمباشرة و التسبيب.

و أما الاجماع، فلا يمكن الاعتماد عليه بعد استدلال صاحب الجواهر لاحتمال استناد المجمعين إليه.

و أما أخذ المحرم من شعر الحلال، فقد ورد النص بالنهي عنه، و هو رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يأخذ المحرم من شعر الحلال «2»». و منه يمكن دعوى الاطمئنان بحرمة أخذ شعر المحرم للأولوية، فتأمل.

الثانية: لو قطع ما فيه الشعر، كما لو قطع يده النابت عليها الشعر لا اشكال في

عدم ثبوت حكم قطع الشعر لعدم صدق قطع الشعر عليه.

الثالثة: قد عرفت انه لو وضع يده على لحيته فوقع منها شعر لا اشكال في

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 381، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 63: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 194

[14- و تغطية الرأس]

14- و تغطية الرأس (246)، و في معناه الارتماس.

جوازه، و مثله في عدم الاشكال فيما لو وقع الشعر المنفصل اللاصق باللحية، لعدم صدق القطع و نحوه فيه، فالحكم فيه أوضح.

و بناء على عدم جواز قطع شعر اللحية بالعبث فيها، لو شك في ان الساقط هل كان نابتا، فانقطع. أو كان لاصقا فوقع؟

فقد استقرب فى «الدروس «1»» ثبوت الفدية، و لعله لاستصحاب عدم الانفصال الى حين وضع اليد. لكنه لا يثبت القطع و نحوه مما هو موضوع الفدية إلا بالأصل المثبت و هو غير حجة.

فالصحيح عدم ثبوتها لأصالة البراءة فتدبر جيدا. و تأمل و اللّه سبحانه الموفق.

______________________________

(246) هذا الحكم لا اشكال فيه فى الجملة، و فى «الجواهر «2»»: «بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه».

و تدل عليه النصوص الكثيرة البالغة حد الاستفاضة، ك:

رواية عبد اللّه بن ميمون، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام، قال: «المحرمة لا تتنقب لان إحرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه «3»».

و رواية حريز، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم غطّي رأسه ناسيا، قال:

______________________________

(1)- الشهيد الاول، محمد بن مكى: الدروس الشرعية، ج 1: ص 383، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 382، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48:

من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 195

..........

«يلقى القناع عن رأسه و يلبي و لا شي ء عليه «1»».

و رواية زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: «المحرم يريد أن ينام يغطّى وجهه من الذباب قال: نعم، و لا يخمر رأسه ... «2»».

و رواية الحلبي: أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يغطّى رأسه ناسيا أو نائما.

فقال: «يلبّي إذا ذكر «3»».

و رواية عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لأبي و شكا إليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذى به، فقال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟

قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «4»».

و الكلام يقع في جهات:

الأولى: ان المراد بالرأس هل هو منابت الشعر حقيقة أو حكما، أو أنه مطلق ما فوق الرقبة؟ ذهب لكل فريق.

و الظاهر من الأدلة هو الأول و يجدي تحقيق ذلك بالنسبة الى غير المنابت من أجزاء الرأس بناء على أن ستر البعض كستر الكل.

لكن الظاهر أنه ليس في تحقيقه مزيد أثر، إذ لا اشكال في حرمة تغطية منابت الشعر و الأذنين للدليل الخاص عليهما. و أما غيرهما فلا اشكال في عدم حرمة ستره، إذ لم يقل أحد بوجوب ستره. و السيرة على خلافه.

الثانية: هل المحرّم ستر مجموع الرأس أو يحرم ستر بعضه أيضا؟ يستدل على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 55: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 67: من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 196

..........

الثاني بوجهين:

الأول: ما دل على عدم تغطية الاذنين و هو رواية

عبد الرحمن قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المحرم يجد البرد في اذنيه يغطّيهما؟ قال: لا «1»».

الثاني: رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة فان اطلاق قوله «ما لم يصبك رأسك» يشمل إصابة البعض.

و الأخير لا بأس بالاستدلال به. و أما الأول فهو يتوقف على استفادة أن المنع عن الأذنين لا لموضوعيتهما بل إما لاجل أنهما جزء الرأس أو لأن تغطيتهما لازمة عادة لتغطية بعض الرأس و كلاهما محل منع. أما الأول فواضح، و أما الثاني فلإمكان تغطية الأذنين وحدهما عادة.

و على كل، فقد ظهر حرمة تغطية الاذنين لهذه الرواية.

الثالثة: هل تحرم تغطية الرأس بكل شي ء و لو لم يكن معتادا، كالطين و الحناء و نحوهما. أو تختص الحرمة بالتغطية بما هو معتاد، كالثوب و القناع و الخمار و العمامة؟

ذهب فى «الجواهر «2»» إلى الأول مدعيا عدم وجدان الخلاف فيه.

و لم يستوضحه فى «المدارك «3»» بدعوى أن المنهي عنه فى النصوص تخمير الرأس و وضع القناع عليه و ستره بالثوب و نحوه لا مطلق الستر، بل لو تعلق النهي بالستر فلا بد من حمله على الفرد المتعارف.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 55: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 384، الطبعة الاولى.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 354، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 197

..........

و استدل صاحب الجواهر «1» بوجوه:

الأول: اطلاق قوله عليه السّلام «احرام الرجل في رأسه».

الثاني: ما ورد في استثناء عصام القربة، مع انه ليس مما يعتاد الستر به، فهو ظاهر في دخوله فى المستثنى منه.

الثالث: ما ورد من المنع عن تغطية

المرأة وجهها بالمروحة بناء على أنه ليس متعارفا لتساويهما في ذلك و ان اختلف موضع الاحرام.

الرابع: ما ورد من المنع عن الارتماس فى الماء و إدخال الرأس فيه بناء على أنه من باب تغطية الرأس.

و في جميع هذه الوجوه نظر:

أما الأول: فلانه لا دلالة للنص إلا على أن موضع الاحرام هو الرأس أما ما به يتحقق الاحرام و ما هو الاحرام فلا نظر للنص إليه، كما لا يخفى.

و أما الثاني: فلأن الاستدلال به يتوقف على أحد أمرين: إما كون تجويز عصام القربة من باب الاستثناء أو أنه جائز بلحاظ مورد الضرورة، فيدل على عدم جوازه في غيرها. و كلاهما محل إشكال بل منع، إذ لا ظهور للنص في كونه استثناء بل وقع مورد السؤال رأسا. كما لا ظهور له في الاختصاص بمورد الاضطرار، إذ التعليق على الاستسقاء لم يرد في كلام الامام عليه السّلام بل في كلام السائل.

فغاية ما في الأمر أن الحكم موضوعه أو القدر المتيقن منه مورد الاضطرار أما أنه مختص به لا يتعداه إلى غيره فلا دلالة للنص عليه، و هو رواية محمد بن مسلم، انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 382، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 198

..........

استسقى؟ فقال: «نعم «1»،». هذا مضافا إلى أنه لم يثبت ان عصام القربة من الغطاء غير المتعارف بل هو غالبا يكون من الجلد و تغطية الرأس به متعارفة.

و أما الثالث: فلم يثبت ان التغطية بالمروحة غير متعارفة، مع انه لا دليل على تساوي الرجل و المرأة في كل محرم و

انما الاختلاف بينهما فى الموضع.

و أما الرابع: فلا ظهور للدليل في أن حرمة الارتماس من باب انه تغطية للرأس، بل يحتمل ان يكون لموضوعيته خصوصا بملاحظة عطف المحرم على الصائم، فان تحريم الارتماس ليس من باب أنه تغطية للرأس.

و عليه، فالأقرب اختصاص الحكم بالمعتاد لعدم الدليل على عموم الحكم لغيره.

ثم إنه ألحق بالتغطية الارتماس. و تحريمه لا اشكال فيه للنصوص الكثيرة الدالة عليه، ك:

رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «... و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك «2»».

و رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و لا يرتمس المحرم فى الماء و لا الصائم «3»».

و قد عرفت انه لا ظهور للنصوص في أنه في معنى التغطية، بل هو موضوع مستقل. فما ذكره فى المتن غير متجه.

ثم إنه هل تحرم إفاضة الماء على الرأس أولا؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 57: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 58: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 199

..........

أما بناء على حرمة الارتماس من باب أنه موضوع مستقل، فلا دليل على تحريمه، لانه ليس ارتماسا.

و أما بناء على حرمته من باب أنه تغطية و تعميم التغطية للتغطية بغير المتعارف، فقد يتخيل أنه تغطية، إذ لا يعتبر فى التغطية ستر الرأس بحيث لا تصدق بالشفاف كالزجاج.

لكن الحق أنه لا تشمله حرمة التغطية، لظهور الدليل في حرمة التغطية المتعارفة و إن عممنا الحكم الى ما به التغطية.

و بالجملة: الحكم ثابت للتغطية المتعارفة من حيث الكيفية و ان كان عاما للتغطية بغير المتعارف.

هذا كله مع وجود النص

الخاص على جوازه و هو قاطع للخصومة، ك:

رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على رأسه الماء يميز الشعر بأنامله بعضه من بعض «1»».

و رواية يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يغتسل فقال: «نعم، يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه «2»».

الرابعة: في جواز ستر الرأس باليد، و قد وجّه الجواز بوجوه:

منها: عدم صدق الستر على الستر باليد و لذا لا يجزي ستر العورة باليد فى الصلاة.

و فيه: منع ذلك كما يشهد به الوجدان و الاستعمال الكثير. و عدم إجزاء ستر العورة باليد فى الصلاة لأجل الدليل الخاص لا لأجل عدم صدق الستر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 75: من ابواب تروك الاحرام، ح.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 200

..........

و منها: بداهة جواز الوضوء في حال الاحرام مع ملازمته لستر بعض الرأس باليد بواسطة المسح.

و فيه: ان المعتبر في صدق التغطية هو الاستقرار، فستر الرأس باليد بواسطة المسح غير المستقر لا يعدّ تغطية، و لم يثبت جواز المسح بنحو الاستقرار.

و منها: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس و لا بأس ان يستر بعض جسده ببعض «1»».

و فيه: انه لم يعلم ان المقصود في موضوع الحكم هو التغطية، بل يمكن ان يكون المراد هو التظليل، فلا يرتبط بما نحن فيه.

فالأولى ان يقال: انه لا يحرم ستر الرأس باليد لعدم كونه سترا بالمتعارف، و لو سلم عموم الحكم لتغطية الرأس لغير المتعارف فلا يشمل التغطية باليد، لان العموم المزبور فهم

من تتبع الموارد و من عدم القول بالفصل، فهو عموم اصطيادي، فلا يكون حجة في مورد الشك بل حاله حال الاجماع يؤخذ به فى القدر المتيقن.

و مع وجود القول الكثير بحلية الستر باليد لا يمكننا دعوى عدم القول بالفصل و إلغاء الخصوصية، فلاحظ و تأمل.

الخامسة: في حكم تغطية الوجه، و فى «الجواهر «2»» ان المشهور جوازه، و حكى الاجماع عليه. و الوجه في استفادة التحريم رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المحرم اذا غطّى وجهه فليطعم مسكينا في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 67: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 387، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 201

..........

يده «1»».

و لكن في قبال هذه الرواية ذكر للجواز وجوه:

منها: قوله عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن ميمون: «... لأنّ احرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه «2»»، فان التفصيل قاطع للشركة.

و منها: ما ورد من جواز مسح الوجه بالمنديل بعد الوضوء، كرواية منصور بن حازم، قال: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام و قد توضأ و هو محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه «3»».

و منها: ما ورد من جواز تغطيته عند النوم من الذباب، كرواية زرارة: قال:

قلت لأبي جعفر عليه السّلام: «الرجل المحرم يريد أن ينام يغطي وجهه من الذباب قال:

نعم، و لا يخمر رأسه ... «4»».

و منها: ما ورد في جواز تغطيته إلى الأنف، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق أنفه، و لا بأس أن يمد المحرم ثوبه حتى يبلغ أنفه «5»».

و فى

الجميع نظر.

أما الأول: فلأن الظاهر من التفصيل بلحاظ موارد المشقة من الاحرام فان الغالب فى المرأة تغطيته وجهها و فى الرجل تغطية رأسه. أما وجهه فالغالب فيه ان يكون مكشوفا فلا مئونة كبيرة في تحريم ستره.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 55: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 61: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(4)- المصدر/ باب 55: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(5)- المصدر/ باب 61: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 202

..........

و أما الثاني: فلأن المسح بالمنديل لا يعد تغطية عرفا، لعدم استقراره، كما انه لا ظهور له في مسح تمام الوجه دفعة واحدة بل الغالب تحقق المسح تدريجا.

و أما الثالث: فلظهورها في الجواز في مورد النوم و الضرورة و هي أذية الذباب، كما تصرح بعض النصوص في أن الذباب يمنعه من النوم.

و يمكن أن يستفاد من هذه النصوص تحريم تغطية تمام الوجه، فان السؤال بالكيفية المخصوصة ظاهر في أن المرتكز في ذهن السائل حرمة التغطية، و قد قرره عليه السّلام، فيكون هذا وجها آخر للتحريم يضاف إلى رواية الحلبي.

و أما الرابع: فهو انما يدل على جواز ستر بعض الوجه. و موضوع الكلام ستر جميعه.

و أما ما ورد من جواز نوم المحرم على وجهه، كرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم ينام على وجهه و هو على راحلته [زامله، زاملته خ ل] قال: لا بأس بذلك «1»»، فلا يدل على جواز التغطية لان النوم على الوجه ليس تغطية، مضافا إلى أن موضوعها خصوص مورد النوم. مع أنه يمكن أن يستفاد من السؤال المذكور أن

تحريم التغطية أمر مرتكز في ذهن السائل و قد قرره الامام عليه السّلام و لم ينبهه على الجواز، و التقرير حجة.

و عليه، فالصناعة تقتضي القول بحرمة ستر جميع الوجه للرجل، لرواية الحلبي و للتقرير المستفاد من السؤال فى الموارد المتعددة، فلاحظ.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 60: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 203

و لو غطّى رأسه ناسيا، ألقى الغطاء واجبا، و جدّد التلبية استحبابا (247). و يجوز ذلك للمرأة (248).

______________________________

(247) أما لزوم إلقاء الغطاء، فيقتضيه مضافا الى النص الخاص- و هو رواية حريز المتقدمة-، عموم تحريم التغطية للمحرم للابتداء و الاستدامة.

و أما استحباب التلبية، فيقتضيه روايتا حريز و الحلبي المتقدمتان، و ظاهر هما الوجوب.

و لكن قيل: انه لا قائل به، و لكن فى «الجواهر «1»» أنه حكي عن ظاهر الشيخ و ابني حمزة و سعيد.

و على كل، فان حصل الاطمئنان بعدم إرادة الظهور فهو، و إلا فالمتعين القول بوجوب التلبية.

و لا يخفى انه لا وجه للاستدلال على الاستحباب بانه فعل ما يتنافي مع الاحرام، فانه وجه استحساني لا ينهض لإثبات الحكم الشرعي. فالتفت.

(248) يعني تغطية الرأس بلا خلاف، كما فى «الجواهر «2»»، لعدم ما يقتضي التحريم لاختصاص النصوص الدالة على التحريم بالرجل، إذ لا وجه لدعوى عموم لفظ «المحرم» الوارد فى النصوص المتقدمة للمرأة، فانه ظاهر فى الرجل و احتمال الخصوصية موجود.

و حمله على الجنس إنما هو في الاحكام التي لا يختلف فيها الرجل مع المرأة لا ما يحتمل فيه الاختلاف.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 389، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 389، الطبعة الاولى.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 204

لكن عليها أن تسفر عن وجهها (249). و لو اسدلت قناعها على رأسها الى طرف انفها جاز.

______________________________

(249) ادعى فى «الجواهر «1»» الاجماع بقسميه على عدم جواز تغطية المحرمة وجهها، و هو فى الجملة مسلم.

و التحقيق: ان من النصوص ما ورد فى النهي عن النقاب و البرقع.

و منها ما ورد في تجويز إسدال الثوب على وجهها مع الاختلاف فيها من حيث الحد من دون تناف بينها.

و ينبغي ذكر كل الأخبار و الحديث عن كل واحد منها و هي:

رواية عبد اللّه بن ميمون، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام، قال: «المحرمة لا تتنقب لان احرام المرأة في وجهها و احرام الرجل في رأسه «2»».

و رواية عيص بن القاسم، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «كره النقاب- يعنى للمرأة المحرمة- و قال تسدل الثوب على وجهها، قلت: حدّ ذلك إلى أين؟ قال: إلى طرف الأنف قدر ما تبصر «3»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و أسفري و أرخي ثوبك من فوق رأسك فانك أن تنقبت لم يتغير لونك. قال رجل: إلى أين ترخيه؟ قال: تغطي عينها قال: قلت:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 389، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 205

..........

تبلغ فمها؟ قال: نعم، «1»».

و رواية أحمد بن محمد (بن أبي نصر خ)، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة محرمة

قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تطوف المرأة بالبيت و هي متنقبة «3»».

و رواية حريز، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «المحرمة تسدل الثوب على وجهها الى الذقن «4»».

و رواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان المحرمة تسدل ثوبها الى نحرها «5»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنه قال: «تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر اذا كانت راكبة «6»».

و رواية يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه كره للمحرمة البرقع و القفازين «7»».

و رواية سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سأله عن المحرمة فقال: إن مرّ بها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- المصدر، ح 6.

(5)- المصدر، ح 7.

(6)- المصدر، ح 8.

(7)- المصدر، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 206

..........

رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس «1»».

و قد ورد فى المنع عن البرقع روايات متعددة، فراجع.

أقول: الرواية الأولى تكفلت النهي عن التنقب و عللته بان إحرام المرأة في وجهها، و مقتضى التعليل عموم النهي لكنه مجمل المراد، إذ ...

يحتمل أن يراد به تعليل جهة الستر فى النقاب، فيعم الحكم كلّ ساتر.

و يحتمل أن يراد به تعليل جهة ما في لبس النقاب، من مظاهر الترفه و الجلال المرغوب عنه في حال الاحرام- كما يظهر من ملاحظة بعض الموارد كلبس المخيط-، فيعم ما يكون مثل النقاب من هذا القبيل و لا يعم كل ساتر.

و

على الأول، يتنافي مع تحليل الاسدال دون الثاني لعدم كون مظهر الاسدال من مظاهر الجلال، بل فيه من المشقة على المرأة، و بالخصوص غير المعتادة ما لا يخفى.

و أما الرواية الثانية، فقد جمعت بين كراهة النقاب و جواز إسدال الثوب، و لعل وجهه ما تقدم من أن في إسدال الثوب من المشقة في مقام النظر و المشي ما ليس فى النقاب، فتحريم النقاب من جهة الترفه. هذا مع عدم ظهور الكراهة فى التحريم.

و أما قوله عليه السّلام: «بقدر ما تبصر»، فلعل المراد منه إسدال الثوب إلى طرف الأنف الأعلى غير المانع من الابصار، و إلا فلا يظهر له وجه لو اريد منه طرف الأنف الأسفل لعدم إبصارها إلا برفع الثوب أو الانحناء برأسها و معه يتحقق الابصار و لو أسدلت الثوب الى ذقنها.

و أما الرواية الثالثة، فيمكننا ان نقول: أنها من المجملات، للأمر فيها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب تروك الاحرام، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 207

..........

بالاسفار و تجويز ارخاء الثوب الى الأنف المنافي له، كما أنه يتنافى مع التعليل؛ بأنك إن تنقبت لم يتغير لونك، لسريانه في مورد الإرخاء لاستتارها عن الشمس و الهواء، إلا أن يقال أن لصوق النقاب بالوجه يمنع من وصول الغبار و الهواء الحار إليه دون الإرخاء، لعدم لصوقه بالوجه بنحو يمنع من تخلل الهواء و الغبار.

و أما الرواية الرابعة، فلا ظهور لها فى التحريم لأنه فعل، بل انما يدلّ على المرجوحية.

ثم إنه لم يعلم كون الاستتار بنحو التغطية، بل يمكن أن يكون بنحو التظليل الجائز للمرأة جزما.

و أما الرواية الخامسة، فهي تنهى عن التنقب و لا عموم لها.

و أما

الروايات السادسة، و السابعة، و الثامنة، فهي تدل على جواز الاسدال و الاختلاف بينها لا يوجب التنافي بينها إذ ظاهر الكل أن جميع الانحاء جائز.

و أما تقييد الإسدال في رواية معاوية بحال الركوب، فلا مفهوم له، إذ الظاهر انه تقييد الموضوع بلحاظ أن الإسدال يحتاج، إليه فى الطريق غالبا لا عند التوقف و فى الخباء.

و أما الرواية التاسعة و نحوها مما دل على كراهة او حرمة البرقع، فلا عموم له و لم يعلم أنه من جهة التغطية، بل يحتمل قويّا ان يكون وجهه ما فى التبرقع من الحشمة و الوقار و إلا فكيفية ستره لا تختلف عن ستر الثوب بالإسدال.

و أما العاشرة، فهي تقتضي جواز الستر بالثوب عند مرور الأجنبي و لا تنفي الجواز عن غير هذا المورد، كما أنها تتكفل النهي عن الاستتار بيدها من الشمس، و هو مما لا يلتزم به أحد، بل هو جائز بحسب النصوص.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 208

..........

و بالجملة، لا يمكننا أن نستفيد من هذه النصوص حرمة تغطية الوجه بقول مطلق كي نقع في مشكلة الجمع بينها و بين ما دل على جواز الإسدال الملتزم به لدى الاصحاب، بل الذي نستفيده مرجوحية أمرين لا اكثر و هما النقاب و البرقع، إذ لا عموم يدل على التحريم. كما انه يستفاد منها جواز الاسدال بقول مطلق، و أما غيرها فلا دليل على حرمته.

و اذا عرفت ذلك، فلا موقع للبحث حينئذ عن بعض الجهات المترتبة على القول بحرمة التغطية بعنوانها، كالبحث عن جواز الستر بغير المعتاد كالطين، و البحث عن جواز ستر البعض، و البحث عن جواز الستر باليد.

ثم إنه بناء على حرمة التغطية بقول مطلق يقع

التزاحم بين حرمة ستر الوجه و وجوب ستر الرأس فى الصلاة، لتوقف عدم ستر الوجه على كشف شي ء من الرأس و هو يتنافي مع وجوب ستر الرأس فى الصلاة.

و قد ذهب فى «الجواهر «1»» إلى أن المتجه هو التخيير إن لم ترجح الصلاة بكونها أهم و أسبق حقا.

و لا يخفى أنه لم يعرف ما المراد بالأسبقية هل أسبقية التشريع أم التكليف، مع أن الأسبقية ليست من المرجحات كما حققناه في باب التزاحم. و أما الأهمية فهي لو سلمت فبالنسبة إلى أصل الصلاة لا بخصوصياتها، فمن الممكن ان تكون هذه الخصوصية بلحاظ الحج أهم. فالمتجه هو التخيير بلا توقف.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 394، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 209

[15- و تظليل المحرّم عليه سائرا]

15- و تظليل المحرّم عليه سائرا (250)، و لو اضطر لم يحرم. و لو زامل عليلا أو امرأة، اختصّ العليل و المرأة بجواز التظليل.

______________________________

(250) الظاهر أن هذا القيد حقه أن يرجع لكل من التظليل و المحرم لا خصوص المحرم لجواز سير المحرم مع استقرار الظل.

و على كل حال، فقد انعقد الاجماع على حرمة التظليل فى الجملة و لم ينسب الخلاف إلا إلى الاسكافي «1» من المتقدمين و صاحب الذخيرة «2» من المتأخرين.

و معقد الاجماع هو كون المحرم في حال ركوبه تحت ظلال المحمل و نحوه و أما الخصوصيات الأخرى فهى محل كلام.

و قد استدل على تحريمه بالنصوص و هي كثيرة و يمكننا ان نوزّعها إلى طوائف:

الأولى: ما تكفل النهي عن ركوب القبة و الكنيسة، ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السّلام، قال: «سألته عن المحرم يركب القبة؟

فقال: لا. فقلت فالمرأة المحرمة؟ قال نعم، «3»».

و

رواية هشام بن سالم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يركب فى الكنسية؟ قال: «لا، و هو فى النساء جائزة «4»».

الثانية: ما تكفل النهي عن التظليل و التستر من الشمس، ك:

______________________________

(1)- حكاه عنه العلامة رحمه اللّه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 83).

(2)- السبزواري، العلامة محمد باقر: ذخيرة المعاد، ص 598، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 64: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 210

..........

رواية إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: سألته عن المحرم يظلّل عليه و هو محرم؟ قال: «لا، إلا مريض او من به علة و الذي لا يطيق حرّ الشمس «1»».

و رواية إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا، إلا أن يكون شيخا كبيرا. او قال: ذا علة «2»».

الثالثة: ما ورد في مقام ردّ مثل أبي يوسف حين استهزأ بالفرق بين ظلّ المحمل و ظلّ الخباء حيث لا يجوز الأول و يجوز الثاني، من الاستدلال بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله، كرواية محمد بن الفضيل و بشير [بشر، خ ل] بن اسماعيل، قال: «قال لي محمد ألا اسرك [أبشّرك، خ ل] يا ابن مثنى؟ فقلت: بلى، فقمت إليه، فقال:

دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن عليه السّلام ثم أقبل عليه فقال: يا أبا الحسن، ما تقول فى المحرم يستظل على المحمل؟ فقال له: لا، قال: فليستظل فى الخباء؟ فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك يا أبا الحسن فما فرق بين هذا؟ فقال: يا

أبا يوسف، إن الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون إنا صنعنا كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قلنا كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض و ربما يستر وجهه بيده و اذا نزل استظل بالخباء و فى البيت و بالجدار «3»».

الرابعة: ما ورد في ثبوت الكفارة مع التظليل، ك:

رواية علي بن محمد، قال: كتبت إليه: «المحرم هل يظلل على نفسه إذا آذته

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 64: من ابواب تروك الاحرام، ح 7.

(2)- المصدر، ح 9.

(3)- و المصدر، ج 9/ باب 66: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 211

..........

الشمس او المطر أو كان مريضا أم لا، فان ظلل هل يجب عليه الفداء أم لا؟

فكتب: يظلل على نفسه و يهريق دما إن شاء اللّه «1»».

و رواية علي بن جعفر، قال: سألت أخي عليه السّلام: «أظلل و أنا محرم؟ فقال: نعم، و عليك الكفارة، قال: فرأيت عليّا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل «2»».

أقول: غاية ما نستفيده من مجموع أخبار المسألة هو تحريم ركوب مثل القبة مما يكون من مظاهر الجلال و العظمة و لزوم بروزه، أما تحريم الاستظلال بقول مطلق، فلا يستفاد من هذه النصوص.

بيان ذلك: ان معقد الاجماع كما عرفت هو حرمة كون المحرم في حال ركوبه تحت ظل المحمل و نحوه، و يبعد كون هذا لأجل حرمة التظليل، بعد الفرق بين حال الركوب و حال السير فانه يجوز أن يكون تحت ظل المحمل، و بعد الفرق

بين كون الظل على الرأس أو كونه جانبيّا فانه غير معقد الاجماع، و بعد الفرق بين كون الاستظلال بسقف المحمل المتعارف و كونه بخشبة، حيث دلّ النص على جوازه بناء على أن يكون فى المحمل خشب عريض على السقف.

و على كل، فهذه استبعادات ليس إلا و هي لا تتأتى اذا كانت حرمة الاستظلال بالمحمل من جهة العظمة و الجلال، فان الاستظلال في حال السير تحت ظل المحمل ليس من مظاهر العظمة، كما أن الاستتار الجانبي مع انكشاف سقف المحمل كذلك و هكذا الاستتار بالخشب.

و أما النصوص، فالطائفة الرابعة لا تدل على التحريم لأنها تدل على إثبات الكفارة في مورد الجواز قطعا و هو مورد الضرورة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 6: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 212

..........

و أما الطائفة الثالثة: فهي واردة في مقام الاحتجاج على الخصم بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و من الواضح انه لا دلالة فيه على التحريم فلا يصح الاحتجاج به على الحرمة، فلا بد أن يكون مورد الخلاف هو الفرق بين المحمل و الخباء، أما ان الفرق هو ثبوت التحريم دون الآخر او الكراهة فلا ظهور للنص فيه.

و أما التعبير بعدم الجواز في بعض نصوص هذه الطائفة، فلا بد أن يحمل على عدم الإباحة و هو أعم من التحريم، فإذن لا تصلح هذه الطائفة للدلالة على التحريم.

و أما الطائفة الأولى: فلم يتضح أن النهي فيها عن القبة من جهة الاستظلال، بل لعله من جهة كونها من مظاهر العظمة و الجلال.

و أما الطائفة الثانية: فمن الممكن ان يراد من التظليل إيجاد ما به التظليل المستقر المعبر

عنه بالفارسية ب: «سايه بان» فيكون مساوقا للقبة، فلا يشمل الاستتار بالثوب و نحوه، لا مطلق ايجاد الظل.

ثم إنه لو فرض عمومه في نفسه، ففي الروايات ما يظهر منه عدم لزوم الترك و انما هو أمر راجح ك:

قوله عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن المغيرة- بعد نهيه عن التظليل-: «أ ما علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها «1»»، فان مثل هذا يتعارف في مقام بيان المستحبات.

و قوله عليه السّلام في رواية الحلبي- بعد سؤاله عن ركوب المحرم فى القبة-: «ما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 64: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 213

..........

يعجبني ذلك إلا أن يكون مريضا «1»» فان ظاهره هو الكراهة لا الحرمة.

و رواية جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بالظلال للنساء و قد رخّص فيه للرجال [للرجل، خ ل] «2»»، فانه ظاهر فى الترخيص بقول مطلق. و لا وجه لحمله على صورة الضرورة بقرينة المقابلة، إذ لعل المقابلة يمكن ان تكون بلحاظ الكراهة للرجال دون النساء. و هذه الرواية باعتبار كونها نصا فى الجواز توجب التصرف في ظهور النهي فى التحريم، و يحمل على الكراهة.

و رواية قاسم [ابن، خ ل] الصيقل، قال: «ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا فى الظل من أبي جعفر عليه السّلام كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين إذا أحرم «3»»، فان الأشدية لا معنى لها اذا كان التظليل حراما، بل هى تتناسب مع كراهة التظليل.

و قوله عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن المغيرة الثانية بعد

أمره بالاضحاء: «أ ما علمت أن الشمس تغرب بذنوب المجرمين «4»»، فانه مما يتعارف فى الترغيب إلى المستحب لا إلى الواجب.

مع ما ورد في مكاتبة الحميري من تجويز إبقاء خشب العمارية بناء على أنه يكون عريضا بنحو يكون له ظلّ على الرأس.

و جملة القول: أنه من ملاحظة مجموع ذلك لا يمكننا الجزم بل الاطمئنان بحرمة التظليل بعنوانه. نعم، القول بكراهته لا بأس به. بل يقوى فى النظر حرمة مثل القبة مما يكون من مظاهر الجلال و العظمة، بل لا بد من البروز فيها و رفع

______________________________

(1)- المصدر، ح 5.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 64: من ابواب تروك الاحرام، ح 10.

(3)- المصدر، ح 12.

(4)- المصدر، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 214

..........

غطائها، و إن أمكن الاشكال في حرمتها أيضا باعتبار أن قوله عليه السّلام «ما يعجبني» الظاهر فى الكراهة وارد فيها.

يبقى الكلام في طائفتين يستظهر منهما الدلالة على المنع و هما ما دل على النهي عن التستر عن الشمس بثوب و نحوه أو بقول مطلق. و الأخرى ما دلّ على الأمر بالاضحاء فان ظاهره البروز للشمس أو للسماء و هو يتنافي مع التظليل.

و لكن في دلالة كلتا الطائفتين نظر.

أما ما دل على النهي عن التستر، فلأن التستر له فردان: التغطية و التظليل، و هما مختلفان حقيقة لان التغطية تتقوم بملاصقة الغطاء للمغطى نفسه أو ما يلاصقه كملاصقته للخشب المثبت على أطراف الجسم. و التظليل يتقوم بالانفصال و التجافي عن الجسم المظلل عليه. كما ان موضوع التظليل مطلق الجسد و موضوع التغطية بعضه و هو الرأس و لواحقه، كما تقدم الكلام فيه.

و عليه، فالمسئول عنه يتردد بين هذين الأمرين و لا

ظهور له في أحدهما في بعض الروايات، كرواية إسماعيل بن عبد الخالق المتقدمة و مقتضاه حصول العلم الاجمالي بحرمة أحد الأمرين، فلا بد من اجتناب كليهما.

لكن رواية عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكا إليه حرّ الشمس و هو محرم و هو يتأذى به فقال: «ترى ان أستتر بطرف ثوبي قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك «1»» ظاهرة في جواز التستر بمعنى التظليل و حرمة التغطية، فينحل العلم الاجمالي بها.

و لا وجه لحمل الضمير المستتر في يصبك على الظل، فانه خلاف الظاهر، بل الظاهر رجوعه إلى الثوب. و أما حملها على صورة الاضطرار الرافع للحكم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 67: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 215

..........

بلحاظ التعبير بالأذية، فيدفعه قرينتان:

إحداهما: أن التأذي من الشمس متعارف، فلعل السؤال عن أن التستر بداع رفع الأذى لا بداعي التجمل و العظمة.

و الأخرى: انه لو كان الملحوظ صورة الضرورة لم يكن وجه لاستثناء التغطية لجوازها جزما في حالة الضرورة.

و على هذا، فالرواية تدل على جواز التظليل بالثوب كما أنها تدل على جواز تظليل الرأس من استثناء الاصابة.

ثم إنه لا يمكن حمل التستر المسئول عنه على كلا فرديه، لما عرفت من اختلافهما موضوعا و لم يثبت تحريم التستر بعنوانه، بل المحرّم أو المتوهّم تحريمه هو عنوان التظليل و التغطية، فهو ملحوظ في مقام بيان حكم أحدهما. فلا يمكن ان يراد به كلاهما.

هذا مع ما عرفت من جواز التظليل بمقتضى رواية ابن سنان، فلا ينفع اثبات إرادة العموم.

و أما ما دل على الأمر بالاضحاء، فهو روايتان:

إحداهما: رواية عبد اللّه

بن المغيرة، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الظلال للمحرم، فقال: «أضح لمن أحرمت له قلت إني محرور و إن الحر يشتد عليّ فقال:

أ ما علمت أن الشمس تغرب بذنوب المجرمين «1»».

و الاخرى: رواية الكلابي قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام: «إن علي بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد أن يحرم، فقال: إن كان كما زعم فليظلل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 64: من ابواب تروك الاحرام، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 216

..........

و أما أنت فاضح لمن أحرمت له «1»».

و الاولى ظاهرة في إرادة الإضحاء في قبال الدخول فى الظلال الذي هو عبارة عن ما به الظل المستقر، كالقبة و نحوها- أعني: «سايه بان»-، فيراد به عدم التخفي و البروز بقرينة مقابلته للظلال التي هي اسم لمثل الخيمة و نحوها بقرينة التعبير ب: «يضرب عليها الظلال» في بعض الروايات.

و هكذا الثاني بقرينة مقابلته مع التظليل عن البرد و هو لا يتحقق إلا بالدخول تحت الظلال، و هو لا يرتبط بالتغطية و ان ورد الأمر به في قبالها في بعض النصوص، كما لا يرتبط بالتظليل من الشمس بانحائه، إذ المراد به لزوم البروز و عدم التخفي، و لعله لأجل ما فى التخفي من العظمة و التجمل.

و لكنه بقرينة الذيل فى الرواية الأولى ظاهر في كونه امرا استحبابيا كما عرفت.

و يتلخص مما ذكرناه: انه لا دليل على حرمة التظليل بقول مطلق و لا الدخول تحت الظلال، كالدخول فى القبة و نحوها.

و يؤيده ورود تجويزه بمجرد الأذية من الشمس مع أنها أمر عادي و غالبي و لا وجه لحملها على صورة الأذية الشديدة. فلاحظ.

و لو تنزلنا، فغاية

ما يمكن استفادته تحريم الظلال لا أكثر.

و لو سلم تحريم التظليل، فيقع الكلام في جهات:

الأولى: في حرمته حال النزول و الاستقرار، فهل يجوز التظليل بالخيمة و البيت و نحوهما أم لا؟

ظاهر الروايات المتقدمة الواردة لحكاية فعل الرسول صلّى اللّه عليه و آله جواز ذلك، لكن

______________________________

(1)- المصدر، ح 13.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 217

..........

يظهر من الكلمات أنها ضعيفة السند بحيث جبرت بالاجماع.

و هو في ما نحن فيه جابر لضعف السند، و لو لم نقل به كلية، لانه بنحو يوجب الاطمئنان، هذا مع ثبوت السيرة القطعية على ذلك، إذ لم يتعارف البقاء تحت السماء حال النزول.

الثانية: في حرمته حال السير ماشيا.

و الظاهر من بعض الفقهاء «1» جوازه و هو ظاهر رواية ابن بزيع، قال:

«كتبت إلى الرضا عليه السّلام هل يجوز للمحرم ان يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب:

نعم، «2»».

و هو فى الجملة مسلّم. إنما الاشكال في جواز كون ما به الظلّ فوق رأسه، و لا يمكن الجزم بجوازه، إذ السؤال فى الروايات عن المشي تحت ظلّ المحمل لا تحت نفس المحمل. و الفرد العادي لذلك هو السير بجانبه بحيث يكون ظله على رأسه لان السير تحته نادر جدا لعدم ارتفاعه عادة بنحو يقبل السير تحته للرجل العادي. فالمتيقن هو جواز التظليل في حال السير على أن لا يكون ما به الظلّ فوق رأسه، لدخول غيره في مطلقات التحريم.

الثالثة: فيما يحرم من التظليل حال الركوب، فهل تختص بما اذا كان ما به الظل على الرأس أو تعم ما لو كان جانبيا.

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 221، الطبعة الاولى؛

الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 321، الطبعة الاولى؛

الشهيد الثاني،

زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 265، ط مؤسسة المعارف الاسلامية؛ الشهيد الأول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 378، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 67: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 218

..........

مقتضى إطلاق النهي عن التظليل حرمته مطلقا، و لا موجب لرفع اليد عن اطلاقه سوى رواية الصيقل المتقدمة الحاكية لتشديد أبي جعفر عليه السّلام بانه كان يرفع الحاجبين، فان ظاهر التشديد برفع الحاجبين كونه استحبابيا و إلا فلا معنى لكونه أشد من غيره. فمع الاعتماد على ظهور هذه الرواية فهو، و إلا فالمتجه القول بالتحريم مطلقا للمطلقات.

نعم، قد يستدل برواية الحميري، أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام يسأله عن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية او الكنيسة و يرفع الجناحين أم لا؟

فكتب إليه فى الجواب: «لا شي ء عليه في تركه رفع الخشب «1»» على جواز التظليل الجانبي بضميمة ظهور الحديث في كون الجناحين من الخشب لا من القماش، و إلا لكان السؤال قاصرا عن إفادة حكم الجناحين و هو خلاف الظاهر لوقوعها موقع السؤال.

و لكن الرواية ضعيفة السند، فلا تصلح للاستدلال.

الرابعة: هل يحرم التظليل فى الليل أو لا؟

ظاهر لفظ التظليل أولا هو التظليل عن الشمس، و مقتضاه عدم الحرمة فى الليل، لكن ورد استعمال التظليل عن المطر و البرد فى الروايات مما يظهر منه أن المراد به الأعم لعدم الشمس مع المطر غالبا، خصوصا إذا اريد من التظليل الدخول تحت الظلال لا ايجاد الظل، فان الظلال اسم لما يتحقق به الظل شأنا لا فعلا و لذا يقال للخيمة أنها من الظلال و لو فى الليل.

الخامسة:

لو زامل عليلا او امرأة، فهل يجوز أن يظلل على نفسه مشاركة للعليل أو المرأة، أو لا؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 67: من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 219

..........

يدل على عدم الجواز مضافا إلى المطلقات النص الخاص و هو رواية بكر بن صالح، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: «إن عمتى معي و هي زميلتي و يشتد عليها الحر إذا أحرمت أ فترى أن أظلل عليّ و عليها؟ فكتب: ظلّل عليها وحدها «1»».

نعم، مرسلة العباس بن معروف، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام [الرضا عليه السّلام، خ ل] قال:

سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه أله ان يستظل فقال: نعم «2»،»

تدل على الجواز، لكنها لا تصلح لمعارضة ما سبق و لتقييد المطلقات لإرسالها، و أما التصرف فيها بارجاع ضمير «له» الى العليل، او بحمل الاستظلال على الاستظلال الجانبي فهو خلاف الظاهر جدا كما لا يخفى.

السادسة: أن المستفاد من أدلة التظليل هو حرمته فى المورد الذي يكون رفع الظل فيه أمرا عاديا متعارفا لا مئونة فيه بان يكون للنقل فردان متعارفان أحدهما فيه المحمل و الآخر ليس فيه المحمل. فانه الظاهر من مورد السؤال، فانه يسأل عن التظليل و عدمه فعلا، فكأن كلاهما ميسور لديه و لا مئونة في عدم الظل من غير جهة الشمس. و أما إذا كان أمرا غير اعتيادي كما إذا انحصر الطريق الاعتيادي بما به الظل بحيث لا يسهل رفع ظلّه او يتعذر كالطائرة او السيارة، و كان تحصيل المكشوف أمرا يحتاج الى تكلّف مشقة غير اعتيادية، فلا تشمله أدلة تحريم التظليل، بحيث يلزمه ترك الطائرة الى

غيرها، أو تبديل طريقه الاعتيادي الى طريق آخر يتوفر فيه ما لا ظلّ فيه.

و عليه، فلا اشكال في نذر الاحرام قبل الميقات إذا توقف الطريق على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 68: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 220

[16- و اخراج الدم:]

16- و اخراج الدم: الا عند الضرورة (251). و قيل: يكره، و كذا قيل: في حكّ الجلد المفضي الى إدمائه، و كذا فى السواك، و الكراهية أظهر.

ركوب مثل الطائرة، إذ قد اشكل بانه نذر لغير المشروع، إذ الاحرام يتقوم بهذه التروك، فلا يتحقق القصد الى الاحرام فى النذر. و لو فرض أنه نذر غفلة، فمتعلق النذر غير مقدور عليه في ظرفه و القدرة شرط في صحة النذر.

و لا يخفى اندفاع الاشكال بجهتيه، لان التظليل في مثل الفرض مما لا دليل على تحريمه، فيكون الاحرام مقدورا، فيتحقق قصده و يصح نذره. فتدبر.

كما ظهر انه لا اشكال في الاحرام في مثل السفن البحرية إذا انحصر فيها الطريق عادة لعدم دليل على تحريم التظليل فيها. فتدبر و لاحظ.

______________________________

(251) حكى فى «الجواهر «1»» ذلك عن «المقنعة «2»» و «جمل العلم و العمل «3»» و «النهاية «4»» و «المبسوط «5»» و غيرها.

و التحقيق: انه لم يرد نص خاص يدل على تحريم إخراج الدم بهذا العنوان، و إنما ورد النهي عنه في موارد خاصة كالاحتجام و حكّ الشعر و الجسد و السواك.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 407، الطبعة الاولى.

(2)- المفيد، محمد بن نعمان: المقنعة، ص 432، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- علم الهدى، السيد مرتضى: جمل العلم و العمل (موسوعة الينابيع الفقهيّة)، ج 7: ص

105.

(4)- الطوسي، محمد بن الحسن: النهاية، ص 180، الطبعة الاولى.

(5)- الطوسي، محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 321، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 221

..........

فمما ورد فى الأول رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟

قال: «لا، إلا أن لا يجد بدّا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم «1»».

و مما ورد فى الثاني رواية معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال: «بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر «2»».

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و يحك الجسد ما لم يدمه «3»».

و مما ورد فى الثالث رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستاك، قال: «نعم، و لا يدمي «4»»، مضافا الى ما ورد في رواية عبد اللّه بن سعيد «5» من تجويز معالجة دبر الجمل و النهي عن إدمائه.

و يمكن الجزم بحرمة مطلق الادماء بطريقين:

أحدهما: التقييد في روايات حكّ الجسد و الشعر و السواك بعدم الإدماء، فانه ظاهر في أن الإدماء بعنوانه محرم لا الإدماء الخاص و هو الإدماء بسبب الحك و نحوه. و بضميمة العلم بعدم ثبوت حكم خاص فى الحجامة يثبت كون حرمتها من باب أنها إخراج للدم.

ثانيهما: ثبوت الحكم فى الموارد المختلفة المتعددة، فانه يعلم حينئذ بعدم خصوصية للمورد، بل موضوع الحكم مطلق إخراج الدم. و عليه، فالحق هو حرمة الإدماء بقول مطلق.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 62: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ج 9/ باب 71: من ابواب تروك

الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ج 9/ باب 73: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر/ باب 80: من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 222

..........

ثم إنه لو استفدنا تحريم الإدماء بقول مطلق. فلو دل دليل على جوازه في بعض افراده كان دليلا على انتفائها عن جميع الافراد، إذ كما أن ما يدلّ على تحريم الحجامة مثلا يدل عليها بما أنها إدماء، كذلك ما يدل على تحليلها يدل عليه بما هي إدماء.

و أما إذا لم نقل بحرمة الإدماء مطلقا، فيقتصر في دليل الجواز على مورده الخاص و يبقى غيره موضوعا للتحريم بمقتضى دليله الخاص أيضا.

و عليه، فنقول: قد ورد ما يدل على جواز الحجامة و هو رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق، أو يقطع الشعر «1»».

و قد جمع بينها و بين ما دل على التحريم بحملها على صورة الاضطرار، إذ ما دل على التحريم دال عليه في غير هذه الصورة.

و لكن هذا الجمع ممنوع، لظهور الرواية في نفي البأس عن الحجامة بعنوانها. و حملها على مورد الاضطرار ينافي ذلك، لقيام الدليل العام الدال على حلية كل ما حرم اللّه في حال الضرورة، فلا موضوعية للحجامة و لا لغيرها، فيكون حملها على مورد الضرورة موجبا للتصرف في ظهورها في دخالة الحجامة و موضوعيتها و هو أقوى من ظهور صيغة النهي فى التحريم، فحملها على الكراهة هو المتعين كما عليه المحققون.

كما أنه ورد ما يدل على جواز السواك مع الإدماء و هو رواية معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت: المحرم يستاك؟ قال: نعم،

قلت: فان أدمى يستاك قال: نعم، هو من السنة «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 62: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 71: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 223

[17- و قصّ الاظفار]

17- و قصّ الاظفار (252).

و لكن تعليلها جواز السواك بانه من السنة يعارض حمل النهي على الكراهة، فتتصادم مع أصل ظهور رواية التحريم، و بما ان الاجماع قائم على مرجوحية السواك مع الإدماء، فهو قائم على عدم العمل بهذه الرواية، فتكون مطروحة إلا أن تحمل على ان السواك سنة اقتضاء، فيخفف من شدة مفسدة الإدماء، فكأنه كان حراما و السواك خففها الى الكراهة. فتأمل «1».

و أما ما ورد «2» من جواز حكّ الجسد الأجرب و إن أدماه، فهو لا يدل على جواز الإدماء، لكون موضوعه إيذاء الجرب له. فلاحظه تعرف.

______________________________

(252) لا اشكال في حرمته.

و فى «الجواهر «3»»: «الاجماع بقسميه عليه».

و تدل عليه النصوص، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل المحرم تطول أظفاره، قال: لا يقص شيئا منها إن استطاع، فان كانت تؤذيه فليقصها [فليقلمها، خ ل] و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام «4»».

و رواية إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل أحرم

______________________________

(1)- يمكن ارجاع قوله: «هو» الى الادماء المغروس في ذهن السائل حرمته فالامام عليه السّلام قال له: «انه سنة» يعني غير مورد للالزام. فالتفت.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 71: من ابواب تروك الاحرام، ح 3.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 411، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 77: من ابواب تروك

الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 224

..........

فنسي أن يقلّم أظفاره، قال: فقال: يدعها قال: قلت: إنها طوال قال: و إن كانت ... «1»».

و رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «من قلّم أظافيره ناسيا، أو ساهيا، أو جاهلا فلا شي ء عليه و من فعله متعمدا فعليه دم «2»». و نحوها غيرها.

و موضوع كثير من النصوص التقليم و هو أعم من القصّ الظاهر في قطعها بالمقص، فيدل على تحريم مطلق الإزالة.

ثم إنه لو تأذى بظفره، فلا اشكال في جواز قطعه فى الجملة. إنما الاشكال في حد الأذية المبيحة للقطع.

و قد يدعى أن ظاهر قوله عليه السّلام في رواية معاوية: «فان كانت تؤذيه»، هو كون مطلق الأذية موجبا لجواز القطع و لو كانت أذية قليلة.

لكن الظاهر خلاف ذلك، لان قوله عليه السّلام ورد في مقام بيان صورة عدم الاستطاعة التي قيّد بها النهي عن التقليم. و بهذه القرينة يكون ظاهرا في إرادة الأذية الموجبة لرفع التكليف لا مطلق الأذية، إذ الاستطاعة العرفية عبارة عن عدم الحرج فى الفعل، خصوصا بملاحظة ارتفاع التكليف بها في غير مورد من موارد محرمات الاحرام.

و بالجملة، تدور الأمر بين حمل الأذية على الضرورة المسوّغة للمحرم، و بين حمل الاستطاعة على عدم الأذية مطلقا.

و مما يعيّن الأول هو غلبة رفع التكليف في غير مورد بالأذية الخاصة، فانه قرينة عامة على كون المراد بالأذية هاهنا الضرورة. حتى أنه ادعي ظهور لفظ

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 77: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 10: من ابواب بقية كفارات الاحرام، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 225

[18- و قطع الشجر و الحشيش]

18- و قطع

الشجر و الحشيش (253)، الا أن ينبت في ملكه، و يجوز قلع شجر الفواكه، و الإذخر، و النخل، و عودي المحالة على رواية.

الأذية في حد نفسه فى الضرورة، فلو لم تكن ظاهرة- كما ادعي- فلا أقل من إشعارها بذلك، فتدبر.

______________________________

(253) هذا الحكم فى الجملة مما لا اشكال فيه. و موضوعه في بعض النصوص أعم من المحرم و غيره.

و ذهب فى «الجواهر «1»» إلى قيام الاجماع بقسميه عليه.

و يدل عليه النصوص الكثيرة، ك:

رواية عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «المحرم ينحر بعيره، أو يذبح شاته؟ قال: نعم، قلت: له أن يحتش لدابته و بعيره؟ قال: نعم، و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فاذا دخل فلا «2»».

و رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السّلام، قال: «قلت: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم؟ قال: نعم، قلت: فمن الحرم؟ قال: لا، «3»».

و رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كل شي ء ينبت فى الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبتّه أنت و غرسته «4»».

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 412، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 85: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر/ باب 86: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 226

..........

و رواية زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «أحرم اللّه حرمه أن يختلى خلاه أو يعضد شجره إلا الإذخر أو يصاد طيره «1»».

و رواية سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «لا ينزع من شجر مكة شي ء إلا النخل و

شجر الفاكهة «2»».

و غير ذلك مما يدل على حرمة قطع و قلع الشجر.

و قد وقع الاشكال في جهات:

الأولى: في أن المحرّم فى الشجر هل هو خصوص قطعها او قلعها أو أعم منهما و من انتزاع شي ء منها؟

لا دليل على حرمة انتزاع شي ء منها، إلا رواية سليمان بن خالد و مرسلة عبد الكريم «3» نحوها. و لا يمكن حملها على نزع نفس الشجرة لعدم تعارف إسناد النزع إليها بنفسها.

و لكنها ضعيفتا السند. و لا يخفى أنه لا يصدق على قطع الغصن و نحوه أنه عضد الشجر كي تشمله الروايات العامة، بل ظاهر عضد الشجر هو قطعها و لا يصدق قطعها على قطع الغصن منها.

كما أن الاختلاء نظير الاحتطاب جمع الحشيش، فلا يصدق على انتزاع وردة منه للشمّ أو عود منه للتخليل.

و أما رواية حريز، فلا اطلاق لموضوعها من هذه الجهة، بل هي في مقام

______________________________

الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام 5/ 380، المسألة: 380.

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 87: من ابواب تروك الاحرام، ح 7.

و كلمة «إلا» موجودة في «تهذيب الاحكام».

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 9.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 227

..........

بيان شي ء آخر، كما ستعرف.

الثانية: في جواز الانتفاع بما قطعه الغير أو قطعه نفس الشخص تعمدا. و لا يخفى أن موضوع النصوص هو القلع و القطع و النزع، فلا يشمل الانتفاع بما هو مقطوع.

نعم، يمكن الاستدلال على حرمة مطلق الانتفاع برواية حريز المتقدمة، فان موضوعها النبات مطلقا، كما أنه حكم بتحريمه بقول مطلق و مقتضاه حرمة الانتفاع به.

و فيه: أن الرواية واردة في مقام تعميم الحكم الثابت المفروغ عنه لمطلق النبت و على مطلق الناس. و ليست في

مقام إنشاء حكم جديد. و المفروض أن الحكم الثابت هو حرمة القلع و نحوه ليس إلّا.

الثالثة: في حرمة نزع الحشيش مطلقا أو خصوص الرطب منه. و منشأ التشكيك هو التشكيك في معنى «الخلاء»، فقيل: أنه الحشيش الرطب. و قيل: أنه اليابس.

و عليه، فتكون هذه النصوص مجملة و القدر المتيقن منها هو الرطب. كما انه لو استظهر إرادة الرطب منه لا يمكن نفي حرمة اليابس إلا بمفهوم الوصف.

و قد يتمسك لعموم الحكم لمطلق الحشيش برواية حريز لعموم موضوعها.

لكن فيه، أولا: أن موضوعها ما ينبت و هو ظاهر عرفا فيما كان له قابلية النمو، فلا يصدق على مثل الحشيش اليابس، إلا أن يقال بقابليته للنمو لو كانت جذوره رطبة، فيختص بما كانت جذوره يابسة أيضا، فانه لا يصدق عليه النبات عرفا و ان صدق عليه حقيقة.

و ثانيا: أن الرواية ليست في مقام التعميم من جهة الموضوع، بل في مقام

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 228

..........

التفصيل فى الحكم بين ما ينبت من نفسه و ما ينبت بيد الشخص، فلا اطلاق لها من غير هذه الجهة، كما سيأتي توضيحه.

و لكن التمسك بما ورد فى النهي عن نزع الحشيش في اثبات حرمة نزع اليابس إمّا بإطلاقه او بدعوى أنه ظاهر في خصوص اليابس، كرواية محمد بن مسلم المتقدمة.

و بعد ذلك يقع الكلام فيما أستثني من عموم الحكم و هو امور:

الأول: ما ينبت فى الملك، و قد وقع الكلام في أن المستثنى هو ما ينبت في ملك الانسان من الأرض، أو أنه ما أنبته هو بحيث كان النبات ملكه و لو لم يكن في مكان يملكه. أو أنه أعم مما نبت في ملك الانسان و مما

أنبته الانسان بنفسه و لو في أرض مغصوبة؟

ظاهر بعض النصوص هو ثبوت الجواز في الأول، كرواية حماد بن عثمان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره فى الحرم فقال: إن كانت الشجرة لم تزل قبل ان يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس له أن يقلعها، و ان كانت طرية عليه فله قلعها «1»».

و لا يخفى أنها ظاهرة في كون موضوعها النبات فى المنزل أعم من مباشرته له أو تحققه من نفسه.

و مما يدل على الثاني رواية حريز، لكون موضوعها هو إنبات الشخص و غرسه من دون تقييد له بكونه في ملكه.

و الاقوى هو الأخير، لرواية حريز الدالة على أن موضوع الحكم ما ينبت في نفسه، فهي حاكمة على أدلة تحريم القطع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 87: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 229

..........

و حينئذ فيخصص بما دل على جواز قطع ما كان في ملك الانسان من المضرب أو المنزل أو الدار أو غيرها بإلغاء الخصوصية، و ذلك كرواية حماد المتقدمة. و كرواية اسحاق بن يزيد: أنه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها، قال: اقطع ما كان داخلا عليك و لا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك «1»»، فان اطلاق «ما كان داخلا عليك» يشمل النبات فى المنزل و لو كان نابتا من نفسه. فلاحظ.

الثاني: عودا المحالة و الناضح.

و يدل على الأول: رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «رخّص رسول صلّى اللّه عليه و آله قطع عودي المحالة، و هي البكرة التي يستقى بها من شجر الحرم، و الإذخر «2»».

و

على الثاني: رواية زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «حرم اللّه حرمه ... و يعضد شجرها إلا عودي الناضح «3»».

و لكن الأولى ضعيفة السند. و الثانية موضوعها حرم المدينة. و سيجي ء الكلام في حرم المدينة إنشاء اللّه تعالى و حكمه.

الثالث: الإذخر. و فيه روايات، كرواية زرارة: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

«أحرم اللّه حرمه أن يختلى خلاه او يعضد شجره إلا الاذخر ... «4»».

الرابع: النخل و شجر الفواكه. و يدل عليه روايتا سليمان بن خالد و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 87: من أبواب تروك الاحرام، ح 6.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 230

[19- و تغسيل المحرم لو مات بالكافور]

19- و تغسيل المحرم لو مات بالكافور (254).

[20- و لبس السلاح لغير الضرورة]

20- و لبس السلاح لغير الضرورة (255)، و قيل: يكره، و هو الأشبه.

عبد الكريم المتقدمتين. و لكن عرفت ضعف سندهما مع أنهما لا تدلان إلا على جواز نزع شي ء منهما لا على جواز قلعهما او قطعهما.

فالعمدة فى الدلالة على جواز قلعهما و الاستفادة منهما هو رواية حريز المتقدمة، فان ظاهرها التفصيل بين ما ينبت من نفسه و ما ينبت بواسطة الشخص، و بضميمة ان المستثنى منه ثبوت الحرمة للناس أجمعين يثبت أن ما ينبت بواسطة الشخص ليس محرّما على الناس أجمعين. و بما ان المتعارف فى النخل و شجر الفواكه غرسه و زرعه لإنباته من نفسه، فيثبت جوازهما إذا كان كذلك. و لعل حكم الاصحاب باستثناء النخل و شجر الفاكهة مستنده ذلك لا الروايتان.

______________________________

(254) بلا خلاف أجده فيه- كما فى «الجواهر «1»»-.

و قد وردت فيه النصوص الكثيرة، كرواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال: «يغطي وجهه و يصنع به كما يصنع الحلال غير أنه لا يقربه طيبا «2»». و الكلام في بعض جهاته يستوفى في كتاب الطهارة.

(255) حكي عن «كشف اللثام «3»» نسبته الى المشهور.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 421، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 83: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 403، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 231

..........

و يدل عليه النصوص المتعددة، ك:

رواية ابن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: «أ يحمل السلاح المحرم؟ فقال:

إذا خاف المحرم عدوا او سرقا

فليلبس السلاح «1»».

و روايته الاخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المحرم اذا خاف لبس السلاح «2»». و غيرهما.

و الاستدلال بها و بغيرها على التحريم إنما هو بمفهوم الشرط.

و قد استشكل فى «المدارك «3»» في دلالة المفهوم بانه إنما يكون حجة إذا لم يظهر للتعليق فائدة غير الانتفاء عند الانتفاء و هنا ليس كذلك، إذ لا يبعد ان يكون التعليق لاجل عدم الاحتياج الى السلاح في غير مورد الخوف.

و لعله لأجل ذلك ذهب فى المتن الى أن الكراهة أشبه.

و فيه- كما فى «الجواهر»-: بان هذا احتمال لا ينفع في صرف الكلام عن ظاهره و إلا لاشكل الأمر في كثير من الموارد بمجرد احتمال وجود فائدة للشرط غير المفهوم.

ثم إن الظاهر عموم الحكم للبس السلاح و حمله، لوقوع السؤال عن الحمل.

و الجواب و ان كان بتجويز اللبس إلا أنه من باب بيان الفرد المتعارف الظاهر من الحمل، و الا لم ينسجم الجواب مع السؤال.

هذا، مع عموم قوله عليه السّلام في رواية زرارة: «لا بأس بان يحرم الرجل و عليه سلاحه اذا خاف العدو»، لبعض افراد الحمل و ان لم يشمل الحمل باليد. فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 54: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 373، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 232

[و المكروهات عشرة]
اشارة

و المكروهات عشرة

[1- الإحرام فى الثياب المصبوغة بالسواد]

1- الإحرام فى الثياب المصبوغة بالسواد (256)، و العصفر و شبهه (257).

______________________________

(256) يدل عليه رواية الحسين بن المختار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «يحرم الرجل بالثوب الأسود؟ قال: لا يحرم فى الثوب الاسود، و لا يكفن به الميت «1»».

و لا يخفى أنه ظاهر فى الحرمة، و لا وجه لرفع اليد عن ظهوره إلا دعوى قيام الاجماع على جواز تكفين الميت بالثوب الأسود، فينتفي ظهور الكلام فى الحرمة.

لكنها انما تنفع لو كان النهي واحدا متعلقا بكلا الفعلين لا في مثل المقام مما كان هناك نهيان، فاذا قام الدليل الخارجي على عدم إرادة أحد الظاهرين لم يكن وجه للتصرف في الآخر.

نعم، لو كان الدليل على التصرف في أحد النهيين في نفس الكلام أمكن دعوى ظهور الكلام في وحدة السياق، و لكن الأمر فيما نحن فيه ليس كذلك. و أما الاجماع على الكراهة، فلا يحرز أنه تعبدي و كاشف عن رأي المعصوم.

و بالجملة، لا وجه للجزم بالكراهة، فلا أقل من التوقف و الاحتياط- لزوما- بتركه. فالتفت.

(257) لرواية أبان بن تغلب، قال «سأل [سألت، خ ل] أبا عبد اللّه عليه السّلام أخي [أمي، خ ل] و أنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ألبسه و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 26: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 233

و يتأكد فى السواد (258).

أنا محرم [محرمة، خ ل]؟ قال: «نعم، ليس العصفر من الطيب و لكن أكره أن تلبس ما يشهرك بين الناس «1»».

و رواية عامر بن جذاعة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «مصبغات الثياب يلبسها المحرم؟ فقال: لا بأس به إلا المفدّم

المشهور و القلادة المشهورة «2»». و غيرهما. و هي ظاهرة فى الجواز. و الكراهية تستفاد من قوله «و لكن اكره ...»

بناء على أن لبس المعصفر و نحوه مما يوجب الشهرة. و إلا فلا دليل على الكراهة لو كان قوله المزبور راجعا الى بيان حكم على موضوع مستقل لا استدراك من جواز لبس المعصفر و تنبيه على كراهته و ان كان جائزا.

ثم ان ظاهر رواية عامر حرمة لبس المفدّم- و هو المصبوغ بالحمرة الشديدة- و لا معارض لها. و الاجماع على عدم دخل الشهرة فى القلادة فى المحرمة لا يوجب سقوط الرواية في مدلولها جميعه بل في خصوص استثناء القلادة. و التفكيك بين جمل الحديث الواحد ليس بعزيز.

و المراد بالمشهور ما يستلزم الشهرة إما لأجل أنه من لباس العز و العظمة أو لأجل أنه لباس نادر لركاكته.

______________________________

(258) لا وجه لتأكدها فيه، لانه إما أن يؤخذ بظهور رواية الحسين المتقدمة، فيحكم بالحرمة. أو يتصرف فيها، فيحكم بالكراهة و لا وجه للتأكد على كلا التقديرين.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 40: من ابواب تروك الاحرام، ح 5.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 234

[2- و النوم عليها]

2- و النوم عليها (259).

[3- و فى الثياب الوسخة]

3- و فى الثياب الوسخة و ان كانت طاهرة (260).

______________________________

(259) يعني على الثياب المصبوغة بالسواد و غيره، و يستدل لم برواية المعلى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كره أن ينام المحرم على فراش أصفر أو على مرفقة صفراء «1»» و نحوها رواية أبي بصير.

(260) لرواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يحرم في ثوب وسخ قال: لا و لا أقول إنه حرام و لكن تطهيره أحب إليّ و طهوره غسله ... «2»».

و نحوها رواية العلاء بن رزين «3»، و هي ظاهرة فى الكراهة عرفا لتعارف التعبير عن الكراهة بذلك. و لا يحتاج في دعوى ظهورها فى الكراهة إلى دعوى أنها واردة بعد النهي بقوله «لا»، بل هي ظاهرة في نفسها فيها.

هذا بالنسبة إلى الاحرام بالثياب الوسخة. و أما لو توسخت في الاثناء فظاهر رواية محمد بن مسلم المتقدمة المنع عنه لقوله عليه السّلام بعد ذلك: «و لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل و إن توسخ إلا ان تصيبه جنابة او شي ء فيغسله».

و مقتضى العمل بظهوره القول بتحريمه، و لا أقل من الاحتياط اللزومي في تركه لو قام اجماع و شبهه على عدم الحرمة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 28: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 38: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 235

[4- و لبس الثياب المعلمة]

4- و لبس الثياب المعلمة (261).

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الحج؛ ج 2، ص: 235

______________________________

(261) أما جواز الاحرام فيها، فهو لا اشكال فيه من جهة النصوص و الفتاوى، و مما يدل من النصوص على جوازه رواية الحلبي: أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحرم في ثوب له علم، فقال: «لا بأس به، «1»».

و أما كراهته، فتستفاد من رواية معاوية، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس أن يحرم الرجل فى الثوب المعلم و تركه أحب إليّ إذا قدر على غيره «2»»، إذ قد عرفت ظهور التعبير المذكور عرفا فى الكراهة، و ان كانت الدقة في ملاحظة أفعل التفضيل و تركيب الكلام لا تساعده، بل تساعد رجحان كل من الأمرين و لكن الترك أرجح، لكن لا عبرة بالدقّة في باب الظهورات.

و معه لا حاجة في إثبات ذلك لملاحظة ورود مثل هذا التعبير بعد النهى في ما تقدم من الاحرام فى الثياب الوسخة، كما ارتكبه صاحب الجواهر «3».

كما أنه لا دلالة لرواية ليث المرادي المذكورة فى «الجواهر»، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثوب المعلّم هل يحرم فيه الرجل؟ قال: نعم، انما يكره الملحم «4»»، على عدم الكراهة بقرينة المقابلة، لاحتمال إرادة الحرمة من الكراهة و لا ظهور لها فى الكراهة الاصطلاحية أو مطلق المرجوحية.

هذا، مع أنها مروية فى «وسائل الشيعة «5»»: «إنما يحرم الملحم» بدل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 39: من ابواب تروك الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 428، الطبعة الاولى.

(4)- الصدوق، الشيخ محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 336/ ح 2606.

(5)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 39: من ابواب تروك الاحرام،

ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 236

[5- و استعمال الحنّاء للزينة]

5- و استعمال الحنّاء للزينة (262)، و كذا للمرأة و لو قبل الاحرام اذا قارنته.

«يكره»، فلا دلالة لها على المدعى أصلا.

______________________________

(262) قد يدعى تحريم استعمال الحناء بوجهين:

أحدهما: ما تقدم من تعليل تحريم الاكتحال بالسواد بأنه زينة، فان مقتضى عموم العلة ثبوت الحكم في جميع مواردها و منها استعمال الحناء.

و الآخر: رواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن امرأة خافت الشقاق فارادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال:

ما يعجبني أن تفعل «1»». و وجه الاستدلال بها طريقان:

أحدهما: أن ظاهر السؤال كون استعمال الحناء محرّما و إنما يسأل عن ارتفاع الحرمة في مورد الضرورة.

الآخر: أن سؤاله عن استعمال الحناء للشقاق، فكأن استعماله لغيره كالزينة محرم في نظره.

و في قبال ذلك أدعي جوازه، لرواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الحناء فقال: إن المحرم ليمسه و يداوى به بغيره [بعيره، خ ل] و ما هو بطيب و ما به بأس «2»».

و قد حكم صاحب الجواهر «3» بتقديم هذه الرواية على عموم التعليل لان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 23: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 429، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 237

..........

النسبة و إن كانت هي العموم من وجه لكن تقدم هذه الرواية لاعتضادها بالشهرة. و فيه:

أولا: أنه لا اطلاق للرواية يشمل مورد استعمال الحناء للزينة، إذ ظاهر السؤال بقرينة التذييل بقوله «و ما هو بطيب» أنه عن حكم الحناء من

جهة أنها من افراد الطيب و عدمه. أما استعمالها للزينة فليست محط نظر السؤال و الجواب، فلا اطلاق للمسّ و لا لنفي البأس.

و ثانيا: لو سلم اطلاقها، فلا وجه لتقديمها على عموم العلة، مع أن ظهوره لفظي و ظهورها في الاطلاق إطلاقي. و الاعتضاد بالشهرة لا ينفع ما لم يوجب قوة الدلالة.

و عليه، فلا تصلح الرواية لمناهضة عموم العلة. لكن عرفت فيما تقدم الاشكال في استفادة التعليل بالزينة، و عدم استفادة عموم الحكم لكل ما قصد به الزينة، فراجع.

و لكن تبقى رواية الكناني. و دلالتها على التحريم لا بأس بها خصوصا بملاحظة كراهة الخضاب للمضطر فانه ظاهر في حرمته لغيره.

إلا انه لا يمكن الالتزام بعموم التحريم، بل يقتصر فيه على مورد الرواية و هو المرأة دون الرجل خصوصا مع احتمال أن اختصاصه بالمرأة لأجل انه يوجب الزينة فيها و تهييج القوة الشهوية لمن ينظر إليها و ليس كذلك الرجل. كما انه يقتصر فيه على ما كان قبل الاحرام لاحتمال حرمته عند احداث الاحرام لا مطلقا.

و بالجملة، القدر المتيقن من النص ذلك. و لا يمكن التعدي عن موردها لغيره، إذ لا اطلاق لها بحيث تشمل مطلق الموارد. فتدبر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 238

[6- و النقاب للمرأة على تردد]

6- و النقاب للمرأة على تردد (263).

[7- و دخول الحمام]

7- و دخول الحمام (264).

______________________________

(263) قد تقدم الحديث عن النقاب فى البحث عن تغطية الوجه للمرأة. و قد عرفت أن المتيقن من أفراد التغطية من نصوص المسألة هو النقاب للنهي عنه صريحا. و انما الاشكال في عموم النهى لجميع الافراد أو اختصاص النهى به، بل ذكر فى «المدارك «1»» ان حرمته لا خلاف فيها.

و لأجل ذلك يشكل الحال في تردد المصنف رحمه اللّه في حرمته مع التزامه بلزوم اسفار المرأة.

و لعل الوجه فيه ما ورد في رواية عيص، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام من قوله: «... و كره النقاب ... «2»». و لكنه يبتني على ظهور لفظ الكراهة هاهنا فى الكراهة الاصطلاحية.

و ليس كذلك، إذ لا ظهور لها بنحو يصادم ظهور النهي فى التحريم كي يحمل على الكراهة. فالالتزام بحرمة التنقب هو المتعين بعد ورود النهى عنه بعنوانه.

و ذهاب البعض «3» من الأكابر إلى الكراهة لا يوجب التردد بعد الالتزام بلزوم الاسفار، فتدبر.

(264) لا اشكال في جوازه، لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 378، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب تروك الاحرام، ح 2.

(3)- الصدوق، الشيخ محمد بن علي: المقفع فى الفقه (موسوعة الينابيع الفقهيّة)، ج 7: ص 23.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 239

[8- و تدليك الجسد فيه]

8- و تدليك الجسد فيه (265).

[9- و تلبيته من يناديه]

9- و تلبيته من يناديه (266).

«لا بأس أن يدخل المحرم الحمام و لكن لا يتدلك «1»».

و أما كراهته، فهي مقتضى رواية عقبة بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«سألته عن المحرم يدخل الحمام. قال: لا يدخل «2»»، بعد حملها على الكراهة جمعا بينها و بين رواية معاوية.

و قد ادعى فى «الجواهر «3»» عدم وجدان الخلاف فيها.

______________________________

(265) يعني فى الحمام. و النصوص ظاهرة فى الحرمة لظاهر النهي، كرواية معاوية و غيرها. و لا وجه للحمل على الكراهة إلا دعوى الاجماع على جوازه إذا كان بحيث لا يدمي و لا يقطع الشعر، و ظاهر مقعد الاجماع المزبور كونه مساوقا للحك و هو جائز قطعا للنصوص.

و لكن كونه بمعنى الحك مشكل، بل ممنوع، لعدم ظهوره فيه عرفا.

إذن، فالالتزام بكراهة التدليك خلاف الاحتياط.

(266) ظاهر النص حرمة التلبية، كرواية حماد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«ليس للمحرم أن يلبّي من دعاه حتى يقضي إحرامه ... «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 76: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 432، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 91: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 240

[10- و استعمال الرياحين]

10- و استعمال الرياحين (267).

و لا موجب للتصرف فيه، إلا دعوى الشهرة او الاجماع على الجواز، و رواية ضعيفة ذكرها فى الجواهر منجبرة بعمل المشهور.

______________________________

(267) أو شمّها- كما فى «الجواهر «1»»-. و الى الكراهة ذهب فى «النافع «2»» و «القواعد «3»» كما حكيت «4» عن الاسكافي «5» و «النهاية «6»» و «الوسيلة «7»». و في قبال ذلك قول بالحرمة حكي عن «المنتهى

«8»» و «التذكرة «9»» و «التحرير «10»» و «المختلف «11»» و نسبه فى «الرياض «12»» الى المفيد و جماعة.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 433، الطبعة الاولى.

(2)- المحقق الحلي، جعفر بن الحسن: مختصر النافع (موسوعة الينابيع الفقهية)، ج 8: ص 670.

(3)- الحلي، الحسن بن يوسف: قواعد الاحكام، ج 1: ص 471، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(4)- و الظاهر ان الحكاية لا تطابق المحكى بالنسبة الى الاسكافي كما فى «التذكرة» و «المختلف»؛ لانهم من القائلين بالحرمة فليراجع «المختلف».

و يلزم ان تكون العبارة هكذا: و استعمال الرياحين، او شمّما و الى الكراهة ذهب فى «النافع» و «القواعد»؛ و في قبال ذلك قول بالحرمة حكى عن الاسكافي و «التذكرة» و «المختلف» و فى «التحرير» و «المنتهى» يقول بالإباحة.

(5)- حكاه عنه العلامة رحمه اللّه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 71).

(6)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: النهاية، ص 219، الطبعة الاولى.

(7)- ابن حمزة، محمد بن علي: الوسيلة (موسوعة الينابيع الفقهيّة)، ج 8: ص 430.

(8)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 785، الطبعة الحجرية.

(9)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 7: ص 396، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(10)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: تحرير الاحكام، ج 1: ص 113، الطبعة الحجرية.

(11)- الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 4: ص 72، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(12)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 6: ص 348، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 241

..........

و وجه التحريم ما ورد فى النصوص من النهي عن مسّ الرياحين عطفا على مسّ الطيب، كرواية حريز، عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام: «لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان و لا يتلذذ به ... «1»» و ظاهر النهي الحرمة و لا موجب لرفع اليد عنها، إلا رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس ان تشمّ الإذخر و القيصوم و الخزامي و الشيح و أشباهه و أنت محرم «2»».

لكن يندفع: بان الجواز ورد على عناوين معينة فيقتصر عليها، و لفظ «اشباهه» و إن كان يفيد العموم لكن يمكن أن يريد به مشابهه في كونه نبات الصحراء، فيختص التحريم بما ينبته الآدميون من الرياحين.

و هذا التوجيه ذكره فى «المدارك «3»».

أقول: مقتضى اطلاق لفظ أشباهه إرادة كل ما يشابهه في كل شي ء لكن حيث يعلم بعدم إرادة مثل هذا الاطلاق لوضوح عدم إرادة تحليل ما يشابهه فى الجسمية، بل يراد به ما يشابهه في جهة معيّنة. و هو كما يحتمل إرادة مشابهه من جهة كونه ريحانا و ذا رائحة طيبة، كذلك يحتمل أن يراد به ما كان ريحانا خاصا و هو نبت الصحراء، أو غيره مما هو أخص منه.

و لكن الأول متعين، لانه متيقن الإرادة فيؤخذ بإطلاق لفظ «اشباهه» و يعمم الحكم لكل ريحان.

و بتعبير آخر: أن مقتضى اطلاق اللفظ تعميم الحكم لكل شبيه، كما عرفت. و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من ابواب تروك الاحرام، ح 6.

(2)- المصدر/ باب 25: من ابواب تروك الاحرام، ح 1.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 380، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 242

[خاتمة]

خاتمة كل من دخل مكة وجب ان يكون محرما (268).

انما ترفع اليد عن هذا الاطلاق بالمقدار

المتيقن و هو الشباهة في غير الريحانية و اعطاء الرائحة الطيبة. و أما الشباهة من جهة الرائحة الطيبة، فلم يعلم عدم ارادتها من اللفظ، فيكون ظهور اللفظ الدال على ارادتها محكما و يؤخذ بإطلاقه.

و عليه، فيكون موضوع التحريم مساويا لموضوع الجواز، فتحمل روايات النهي على الكراهة جمعا.

و يؤيده ما تقدم في مبحث تحريم الطيب من دلالة رواية معاوية بن عمار على حصر المحرّم من الطيب بأربعة اشياء، بضميمة كون المراد من الطيب مطلق ذي الرائحة الطيبة، فراجع.

و عليه، فما اختاره فى المتن و تبعه عليه فى «الجواهر «1»» مصرا عليه هو المتعين بحسب الصناعة.

ثم ان المراد بالريحان و إن اختلفت فيه عبارات الاعلام الفقهاء و اللغويين و لكن يمكن أن يدعى أنه ظاهر عرفا في كل نبت لورقه و عروقه رائحة طيبة في قبال الورد الذي تكون الرائحة لورقه خاصة.

______________________________

(268) هذا الحكم لا اشكال فيه فى الجملة و نفى فى «الجواهر «2»» وجدان الخلاف فيه.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 435، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 437، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 243

..........

و يدل عليه:

رواية محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: «هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال: لا، إلا مريضا او من به بطن «1»».

و رواية علي بن أبي حمزة، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن رجل يدخل مكة فى السنة المرة و المرتين و الثلاث كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبّيا و اذا خرج فليخرج محلا «2»» و غيرهما.

و يقع الكلام في جهات:

الأولى: ان موضوع الحكم هل هو دخول مكة أو دخول

الحرم أو كلاهما؟

الذي يظهر من الروايات هو الأخير، إذ من الروايات ما ظاهره لزوم الاحرام لدخول مكة و هو ما تقدم. و منها ما ظاهره لزومه لدخول الحرم، كرواية عاصم بن حميد، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «يدخل الحرم أحد إلا محرما قال: لا إلا مريض او مبطون «3»»، و غيرها. و مقتضى ذلك كون كل من دخول مكة و الحرم موضوعا للاحرام و لا وجه لالغاء أحدهما. و يترتب على ذلك أمران:

أحدهما: انه لو دخل الحرم غير قاصد لدخول مكة لحاجة عنده لزمه الاحرام، و إن استشكل في ذلك بان الاحرام لا يلزم إلا لمن قصد مكة، للسيرة و لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و الآخر: انه لو كان في مكة و خرج منها و لم يخرج من الحرم لزمه الاحرام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 50: من ابواب الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 244

..........

لدخول مكة، لأنه يصدق عليه أنه يدخل الى مكة و ان لم يصدق عليه أنه يدخل الى الحرم، لكون دخول مكة موضوعا على حدة.

و منه يظهر الاشكال فيما فى «المدارك «1»»: من عدم لزوم الاحرام في هذه الصورة.

و قد ناقشه فى «الجواهر «2»»: بانه إن كان ذلك لاجماع أو لسيرة قاطعة فذاك و إلا كان منافيا لاطلاق النص و الفتوى أو عمومهما.

الثانية: في محل الأحرام لمن لم يمر على الميقات كما إذا خرج من مكة إلى ما قبل حدود الحرم، فهل يلزمه الاحرام من الميقات؟ أو يكفي احرامه من أدنى الحل أو أنه يجوز ان يحرم من مكانه؟

و تحقيق الكلام، أنه إن أستفيد

من أدلة التوقيت عمومها لكل من يريد الاحرام كان مقتضاها لزوم الذهاب الى الميقات للإحرام، إلا أن يدل دليل على مشروعية الاحرام من أدنى الحل.

و إن لم يستفد العموم بالنحو المزبور، بل غاية ما استفيد لزوم الاحرام منها لمن يمرّ عليها ممن كان يقصد مكة، فلا تشمل من كان منزله مكة.

فان دلّ دليل على مشروعية الاحرام من أدنى الحل بقول مطلق جاز الاحرام منه، و لكن لا دليل على ذلك إلا ما ورد في احرام العمرة و أنه من الجعرانة أو التنعيم و هو لا يشمل ما نحن فيه.

نعم، قد يستدل على جواز الاحرام من حدود الحرم بما دل على تشريع الاحرام لأجل الحرم، فانه ظاهر في أنه لا يجوز تجاوز الحرم من دون احرام.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 381، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 439، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 245

..........

و لكن فيه: أن ما دل عليه راجع الى بيان الحكمة لا العلة و لذا كان احرام الحج من مكة.

و عليه، فالمرجع هو الاصول العملية. فاذا قلنا بجريان البراءة مع الشك في مكان الميقات لم يتعين حدود الحرم للاحرام، بل كل مكان يشك فيه تجري البراءة من خصوصيته. فكما تجري البراءة مما قبل حدود الحرم تجري فيما بعدها إلى حدود مكة- فى الصورة المفروضة-، كما انه لو قلنا بأصالة الاشتغال كان اللازم الاحرام من أحد المواقيت، لانها القدر المتيقن للمشروعية و غيرها من الأماكن مشكوك فيه.

و بالجملة، فلا فرق بين حدود الحرم و ما بعدها من حيث الأصل العملي.

ثم إن الأصل الجاري فى المقام

هو الاشتغال لا البراءة، لأنك عرفت أن الاحرام عبارة عن الالتزام النفسي الذي يكون موضوعا للحكم الشرعي التكليفي أو الوضعي، فمع الشك في أن موضوع الحكم الشرعي هل هو خصوص الالتزام الحاصل في أحد المواقيت أو مطلق الالتزام و لو حصل في غيرها من الأماكن، لم تجر البراءة لان البراءة إنما تجري اذا كانت الخصوصية المشكوكة راجعة الى متعلق التكليف لا موضوع التكليف و ما نحن فيه من قبيل الثاني.

و عليه، فيتعين الاحرام من الميقات بمقتضى الأصل إن تمكن و إلا لحقه حكم من لم يتمكن من الاحرام من الميقات. فتدبر.

الثالثة: هل يلزم أن ينوي في احرامه لدخول مكة او الحرم الحج أو العمرة أو لا؟

ذهب صاحب المدارك «1»: الى الأول و علّله بان الاحرام عبادة و لا

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 381، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 246

..........

يستقل بنفسه.

و استشكل فيه فى «الجواهر «1»»: بانه إن كان اجماعا، فذاك. و إلا أمكن الاستناد في مشروعيته بنفسه إلى اطلاق الأدلة فى المقام. و كونه جزء لا ينافى كونه مشروعا في نفسه. ثم استشهد على ذلك بما دل على علة تشريع الاحرام و أنه لاجل الحرم.

أقول: الأدلة الواردة فى المقام لا تنهض لإثبات مشروعيته بنفسه، لأنها ليست في مقام تشريع الاحرام، بل في مقام بيان شرطية الاحرام المشروع لدخول مكة، و الاحرام المشروع هو الاحرام للعمرة او الحج، إذ لا دليل يدل على كونه مشروعا في نفسه.

و أما ما استدل به من روايات تعليل تشريع الاحرام.

ففيه: مضافا إلى ضعف سند الروايات أنها لا تدل على مشروعيته بنفسه، بل تدل على تعليل تشريعه فى

المورد الذي شرع فيه. أما أن أي مورد شرّع فيه فأجنبي عن مفادها. فما أفاده فى المدارك متجه، لأن القدر المتيقن من مشروعية الاحرام هو الاحرام للعمرة او الحج.

مضافا الى ما ذكره فى «الجواهر «2»» من وجود ما يدل على عدم تحقق الاحلال منه إلا بإتمام النسك و هو يكفي في نفي استقلاله، إذ لا دليل على تحقق الاحلال بالوصول إلى مكة او بمجرد التقصير أو بغير ذلك.

الرابعة: لو عصى فترك الاحرام لدخول مكة، فهل يجب عليه القضاء أو لا؟

قد يوجّه لزوم القضاء بوجهين:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 440، الطبعة الاولى.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 441، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 247

..........

أحدهما: عموم من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته «1».

و الآخر: ما دل على لزوم القضاء لمن أفسد حجه و لو كان ندبا.

و في كلا الوجهين نظر، بل منع.

أما الأول: فلأن وجوب الاحرام هاهنا وجوب شرطي لا وجوب نفسي، إذ لم يرد الدليل بلسان أن من دخل مكة وجب عليه الاحرام كي يمكن دعوى ظهوره فى الوجوب النفسي و يكون موضوعه دخول مكة، نظير «من نظر الى الهلال وجب عليه التصدق». بل انما ورد بلسان المنع عن دخول مكة بدون احرام و ظاهره شرطية الاحرام في إباحة الدخول إلى مكة، نظير شرطية الطهارة لمسّ القرآن. فليس الإحرام هاهنا فريضة.

و أما الثاني: فلأن إفساد الحج أو الاحرام باتيان ما ينافيه مع الشروع فيه غير تركه بالمرّة، فلا يقاس عليه. فتدبر.

الخامسة: في عموم الحكم المزبور للمملوك.

و قد حكي عن الشيخ رحمه اللّه «2» عدم عمومه للمملوك، فيجوز له دخول الحرم من

غير احرام.

و استدل له فى «المنتهى «3»» بان السيد لم يأذن لهم بالتشاغل بالنسك عن خدمته و لذا لم يجب عليهم حج الاسلام لذلك فعدم وجوب الاحرام لذلك أولى.

و نفى عنه البأس فى «المدارك «4»».

______________________________

(1)- ابن ابي جمهور، محمد بن علي: غوالى اللئالي، ج 2: ص 54/ ح 2143.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 425، الطبعة الاولى.

(3)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 689، الطبعة الحجرية.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 382، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 248

الا أن يكون دخوله بعد احرامه، قبل مضي شهر (269).

و لكن الحق وجود الفرق بين المورد و حج الاسلام، لاشتراط حج الاسلام بالاستطاعة و هي ترتفع بمنع السيد عن الحج، مع وجود الدليل الخاص الوارد على طبق القاعدة، و ليس الاحرام فيما نحن فيه كذلك.

هذا، مع أنه لا يتم في مورد إذن السيد للذهاب إلى مكة، إذ الاحرام ليس خروجا عن الطاعة و تصرفا في ملك المولى لأنه نية محضة. و لا دليل على تسلط المالك على الأمور القلبية للعبد.

و عليه، فالمتجه هو عموم الحكم للمملوك لعموم دليله من دون مخصص.

______________________________

(269) أستدل على هذا الحكم بما دل على اعتبار الفصل بشهر بين العمرتين، و ببعض النصوص، كرواية حماد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج فان عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبّيا بالحج فلا يزال على احرامه فان رجع إلى مكة

رجع محرما ... قلت: فان جهل فخرج الى المدينة أو إلى نحوها بغير احرام ثم رجع في إبّان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير احرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير احرام و إن دخل في غير الشهر دخل محرما. قلت فأي الاحرامين و المتعتين متعة الأولى أو الأخيرة قال: الأخيرة هي عمرته ... «1»».

و لكن هذه الرواية أجنبية عما نحن فيه، بل هي في مقام بيان لزوم وصل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 22: من ابواب اقسام الحج، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 249

..........

الحج بالعمرة و عدم الفصل بينهما، فإذا استمر على خروجه شهر لغيت عمرته السابقة و عليه عمرة أخرى. فسؤال السائل: «فيدخلها محرما أو بغير احرام» ناظر الى أنه هل يلزمه الاعتمار ثانيا باعتبار تخيل أن خروجه بدون احرام للحج يوجب للغويتها أو لا يلزمه؟ فكان الجواب بان الفصل إذا زاد على الشهر وجبت العمرة ثانيا. و السؤال المتقدم و إن لم يكن له صراحة فيما ذكرنا لاحتمال ان يراد به السؤال عن الدخول محرما لاحترام مكة و الحرم، لكن من السؤال الآخر «أي الاحرامين و المتعتين ...» يعلم أن جهة السؤال ما ذكرناه و إن الاحرام لاحترام مكة أجنبي عن ذهن السائل.

و جملة القول: أن الرواية لا ترتبط بما نحن فيه من جواز ترك الاحرام لدخول مكة إذا رجع قبل الشهر، بل ترتبط بعدم لزوم عمرة التمتع لعدم لغوية الأولى إذا رجع قبل الشهر. فالتفت.

كما ذكرت في مقام الاستدلال رواية اسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج

الى المدينة و إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن، قال: «يرجع إلى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج قلت: فانه دخل فى الشهر الذي خرج فيه؟ قال: كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى [ملتقيا، خ ل] بعض الركبان فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج «1»».

و قد اطال الكلام فى «الجواهر «2»» في هذه الرواية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 22: من ابواب اقسام الحج، ح 8.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 18: ص 443، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 250

..........

و لكنها كسابقتها لا ترتبط بما نحن فيه، بل ترتبط بلزوم العمرة ثانيا و عدمه، فكان الجواب باعتبار الفصل بالشهر و أنه إذا رجع قبل الشهر لم يلزم الاحرام للعمرة بمقتضى المفهوم.

و أما الذيل، فهو غير واضح المراد و ارتباطه بالسؤال، و لأجل ذلك أطال الكلام فيها فى الجواهر، و لا يهمنا تحقيقه فعلا لعدم ارتباطه بما نحن فيه.

ثم إن من النصوص ما يدل على جواز الدخول إلى مكة بغير إحرام، ك:

رواية ميمون، قال: «خرجنا مع أبي جعفر عليه السّلام إلى أرض بطيبة و معه عمر بن دينار و أناس من أصحابه، فأقمنا بطيبة ما شاء اللّه- إلى أن قال:- ثم دخل مكة و دخلنا معه بغير إحرام «1»».

و رواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فى الرجل يخرج الى جدّة فى الحاجة؟ قال: «يدخل مكة بغير إحرام «2»».

و رواية ابن بكير، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام: «إنه خرج إلى الربذة يشيّع أبا جعفر عليه السّلام ثم دخل إلى مكة حلالا «3»».

و الذي يستفاد من مجموع هذه النصوص جواز دخول مكة محلا لمن خرج من مكة و هو قاصد للرجوع إليها. و مقتضى اطلاقها عدم تقيدها بشهر أو أقل.

و بها يخرج عن اطلاق ما دل على وجوب الاحرام لدخول مكة.

نعم، هي تختص بمن كان له نحو استقرار بمكة فعلا إما لاجل أنه من سكانها أو مسافر لها فعلا، كالمسافر للحج يخرج منها و يرجع إليها و هو في حال الحج و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب الاحرام، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 251

..........

السفر. فلا تشمل من ذهب إلى بلاده و في نيته الرجوع إلى مكة فى العام الآتي، بل مثل هذا داخل في مطلقات وجوب الاحرام.

و إذا ثبت هذا الأمر- أعني: عدم وجوب الاحرام لمن كان في نيته الرجوع الى مكة- لم تكن الرواية الدالة على عدم وجوب احرام المتمتع إذا رجع قبل الشهر مخصصة للحكم العام، إذ هو حكم على طبق القاعدة، إذ المتمتع الخارج من مكة في نيته الرجوع إليها. و قد عرفت أن مثل ذلك خارج عن العمومات.

و بالجملة: الروايات المتقدمة لا تفيد تخصيصا فى العموم، لعدم ارتباطها به أولا و لخروج موردها عن موضوع العموم ثانيا، فالتفت.

ثم إنه يدل على تخصيص الحكم بعدم لزوم الاحرام لدخول مكة لقاصد الرجوع بما اذا كان دون الشهر رواية أبان بن عثمان و حفص بن البختري، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فى الرجل يخرج فى الحاجة من الحرم، قال: إن رجع فى

الشهر الذي خرج فيه دخل بغير احرام فان دخل في غيره دخل باحرام «1»».

و لكنها مرسلة فلا يعتمد عليها.

كما انه يظهر أن قوله عليه السّلام في رواية حماد بن عيسى المتقدمة: «ان رجع فى شهره دخل بغير إحرام».

و قوله في مرسلة الصدوق رحمه اللّه «2» «و ان علم و خرج و عاد فى الشهر الذي خرج دخل مكة محلا» و ان كان له نحو ظهور في عدم لزوم الاحرام بالمرة لا خصوص احرام العمرة المتمتع بها الذي هو موضوع الرواية، لكنه لا ينفع في اثبات التخصيص بعد أن عرفت أن موضوع الرواية قاصد الرجوع الى مكة و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب الاحرام، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 22: من ابواب اقسام الحج، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 252

أو يتكرر كالحطّاب و الحشّاش (270).

هو لا يجب عليه الاحرام مطلقا قبل الشهر و بعده.

و أما رواية موسى بن القاسم «1»، عن بعض أصحابنا: أنه سأل أبا جعفر عليه السّلام في عشر من شوال، فقال: «إني اريد أن أفرد عمرة هذا الشهر فقال: أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل أن المدينة منزلي و مكة منزلي و لي بينهما أهل و بينهما أموال فقال له أنت مرتهن بالحج فقال له الرجل فان لي ضياعا حول مكة و احتاج الى الخروج إليها فقال: تخرج حلالا و ترجع حلالا الى الحج «2»»، فهي من الروايات الدالة على جواز الدخول بغير احرام لمن كان قاصد الرجوع الى مكة، فتضاف إليها، و لكنها ضعيفة السند بالارسال.

و بالجملة، لم يثبت إلا استثناء قاصد الرجوع الى مكة بالنحو الذي عرفت، أما التقييد بمن رجع قبل

الشهر فلا دليل عليه.

نعم، من يلتزم بعدم مشروعية العمرة بعد الأخرى قبل الشهر ثبت التقييد المزبور في مورد يتعين عليه احرام العمرة ثانيا لو اراد الاحرام. إذ لا يشرع الاحرام مستقلا كما عرفت.

و بالجملة، فالمدار فى التقييد على زمان الفصل بين العمرتين من شهر أو عشرة أيام. و الكلام فيه كالكلام فى المراد بالشهر موكول إلى محله من مبحث العمرة إن شاء اللّه تعالى. فانتظر.

______________________________

(270) يستدل على استثناء الحطّاب و نحوه من العموم المتقدم برواية رفاعة بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 22: من ابواب اقسام الحج، ح 3.

(2)- المصدر، ج 9/ باب 51: من ابواب الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 253

و قيل: من دخلها لقتال، جاز أن يدخل محلا، كما دخل النبي عليه السلام عام الفتح و عليه المغفر (271).

موسى- في حديث- قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ان الحطابة و المجتلبة [و المختلبة، خ ل] أتوا النبي صلّى اللّه عليه و آله فسألوه فاذن لهم أن يدخلوا حلالا «1»».

و الانصاف: أنه يشكل استفادة حكم على خلاف العموم، لان موضوعها هم حطابة زمان الرسول صلّى اللّه عليه و آله. و عليه فاما أن يكونوا من أهل مكة أو من غيرهم. فان كانوا من أهل مكة، فقد عرفت أن من يخرج من مكة و هو يقصد الرجوع إليها لا يلزمه الاحرام. و ان كانوا من غيرهم فلم يعلم كيفية مجيئهم الى مكة، فلعل مجيئهم كان يوميا فيعسر عليهم الاحرام أو لأقل من عشرة أيام مع عدم مشروعية العمرة لاقل من عشرة. فلا تثبت الرواية حكما متيقنا أكثر من نفي الاحرام مع العسر أو لدون العشرة

و هو حكم على طبق القاعدة. فتدبر.

______________________________

(271) نسب هذا القول للشيخ رحمه اللّه «2» و ابن ادريس «3» و فى «المدارك «4»»: أنه قول مشهور بين الأصحاب.

و لكنه قول بلا دليل للعمومات المتقدمة الدالة على حرمة الدخول من دون احرام، و لم يرد إلا استثناء النبي صلّى اللّه عليه و آله في ساعة من النهار بقوله: «... و إنّما أحلت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 51: من ابواب الاحرام، ح 2.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 361، الطبعة الاولى.

(3)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 577، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 384، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 254

و إحرام المرأة كإحرام الرجل الا فيما استثنيناه (272)، و لو حضرت الميقات، جاز لها أن تحرم و لو كانت حائضا، لكن لا تصلي صلاة الاحرام (273).

لي ساعة من النهار ... «1»»، فالتعدي عنه الى كل من يدخلها لقتال لا وجه له، كما ان النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يدخلها لقتال، إذ لم يكن حرب و قتال عام الفتح بل كان احتمال ذلك لوقوع الصلح مع المشركين. ثم إن المورد كان مورد خاص و هو القتال مع المشركين و في بدء الدعوة، فالتعدي منه إلى كل قتال مشكل.

______________________________

(272) لعموم الأدلة و قاعدة الاشتراك، إلا موارد التخصيص.

(273) لا اشكال في مشروعية الاحرام للحائض و لا يشترط فيه الطهر منه للنصوص الكثيرة، كرواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تحرم و هي حائض؟ قال: «نعم، تغتسل و

تحتشي و تصنع كما تصنع المحرمة و لا تصلي «2»». و نحوها غيرها. و هي تدل على عدم مشروعية الصلاة في حقها.

إنما الاشكال في أمر و هو أنها لو كانت من أهل المدينة و جازت على مسجد الشجرة، فمن أي محل يكون إحرامها؟

و هذا الاشكال انما يكون بناء على ما هو الحق من ان الميقات هو مسجد الشجرة لا المنطقة التي يكون المسجد فيها.

______________________________

(1)- البيهقي، احمد بن الحسين: السنن الكبرى، ج 5: ص 177، ط بيروت.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب الاحرام، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 255

..........

و قد تقدم أن قلنا بان الجحفة إن كانت ميقاتا اختياريا لأهل المدينة ارتفع الاشكال، كما انه لو لم تكن ميقاتا اختياريا لكن تمكّنت من الاحرام في حال الاجتياز فى المسجد بان كان له بابان لزمها الاحرام منه. و لو لم يكن له بابان و قلنا بحرمة الدخول و الخروج من باب واحد و لو مع عدم التوقف لعدم صدق الاجتياز، فان قلنا بجواز الاحرام من محاذي الميقات مطلقا أحرمت من محاذي مسجد الشجرة، و ان لم نقل بذلك بل قيدنا حكم المحاذاة بصورة معينة كما تقدم، فان أحرمت قبل الميقات بالنذر فهو و إلا أحرمت من الجحفة لانها ميقات اضطراري و المفروض تحقق الاضطرار. و الأحوط هو الجمع بين الاحرام منها و من محاذي مسجد الشجرة قريب منه.

هذا بلحاظ مقتضى القواعد الأولية، و لكن وردت رواية استدل بها على جواز إحرام الحائض من ذي الحليفة بلا دخول للمسجد و هي رواية يونس بن يعقوب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تريد الاحرام، قال: «تغتسل و

تستثفر و تحتشي بالكرسف و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير الصلاة «1»».

و قد اوّلت بإرادة المسجد الحرام من المسجد، أو إرادة الدخول الاعتيادي من الدخول فيه و هو الدخول بلا اجتياز.

أقول: لو لا احتمال إرادة المسجد الحرام لكانت دلالتها على المدعى تامة لان النهي وارد في مقام توهم الوجوب، فهو ظاهر في عدم الوجوب و اشتراط المسجد بالنسبة إلى الحائض. لكن الاحتمال المزبور يوقفنا عن الاخذ بها. فالعمل بالاحتياط متعين.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 48: من ابواب الاحرام، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 256

و لو تركت الاحرام (274) ظنا أنه لا يجوز، رجعت الى الميقات و انشأت الاحرام منه. و لو منعها مانع، أحرمت من موضعها، و لو دخلت مكة، خرجت الى ادنى الحل، و لو منعها مانع، احرمت من مكة.

[القول فى الوقوف بعرفات]

اشارة

القول فى الوقوف بعرفات (275) و النظر في: مقدمته، و كيفيته، و لواحقه

[أما المقدمة:]

أما المقدمة:

فيستحب للمتمتع أن يخرج الى عرفات يوم التروية، و بعد أن و أما ما ورد من الروايات «1» في بيان احرام أسماء مع النبي صلّى اللّه عليه و آله في حال نفاسها، فلا يدل على جواز احرامها خارج المسجد، بل من الممكن أن يكون احرامها من المسجد بنحو الاجتياز، إذ ظاهر فتوى المشهور باحرام الحائض مجتازة وجود بابين للمسجد سابقا، بل من المحتمل قويا عدم وجود حائط عال للمسجد يمنع من العبور و الاجتياز. فتدبر.

______________________________

(274) تقدم الكلام في ذلك مفصّلا فراجع. و اللّه سبحانه العالم.

(275) و المراد بالوقوف هو المكث فيها سواء كان واقفا أو لم يكن.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 9/ باب 49: من ابواب الاحرام، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 257

يصلي الظهرين (276).

______________________________

(276) لا اشكال في جواز الخروج من مكة إلى منى قبل يوم التروية، ل:

رواية اسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس و زحامهم يحرم بالحج و يخرج إلى منى قبل يوم التروية؟ قال: نعم، قلت: يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا [أو] و يتروح بذلك المكان؛ قال لا، قلت: يعجل بيوم؟ قال: نعم. قلت بيومين؟ قال:

نعم، قلت: ثلاثة؟ قال: نعم. قلت: اكثر من ذلك؟ قال: لا، «1»».

و رواية احمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابه [أنّه، خ ل] قال لأبي الحسن عليه السّلام: «يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام و ضغاط الناس؟ قال: لا بأس «2»».

و بهما ترفع اليد عن ظهور رواية علي بن

يقطين، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذي يريد أن يتقدم فيه الذي ليس له وقت أول منه، قال: «إذا زالت الشّمس. و عن الذي يريد أن يتخلف بمكة عشيّة التروية الى أيّة ساعة يسعه أن يتخلّف؟ قال: ذلك موسّع له حتى يصبح بمنى «3»».

فان ظاهرها لزوم الخروج عند الزوال فما بعد و لا يجوز قبله، و لكن ترفع اليد عن هذا الظهور ببركة ما تقدّم مما يدل بالصراحة على جواز الخروج قبل التروية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 3: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 2: من ابواب احرام الحج، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 258

..........

كما أن ظاهر رواية ابن يقطين جواز تأخير الخروج عن الزوال إلى الغروب- مثلا-. و عليه، فالحكم بالخروج حين الزوال حكم استحبابي.

ثم إنه وقع الكلام في أن الخروج هل يستحب بعد صلاة الظهر أو بعد صلاة الظهرين؟ بمعنى أنه يعتبر فى المستحب صلاة الظهرين أو يتحقق بمجرد الاتيان بصلاة الظهر و لو لم يصل العصر.

ففى المتن أختار الثاني، و ذهب غيره «1» إلى الأول.

و استدل على ما فى المتن برواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«إذا كان يوم التروية- إلى أن قال:- ثمّ اقعد حتّى تزول الشمس فصل المكتوبة ثمّ قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة و أحرم بالحج ... «2»»

فإنها ظاهرة في استحباب الاحرام بعد المكتوبة و المراد بها صلاة الظهرين، فتدل قهرا على أن الخروج بعدهما لكونه بعد الاحرام.

هذا، مضافا إلى ما ذكره العلامة رحمه اللّه «3» من استبعاد تأخير صلاة العصر مع ان الاتيان

بها فى المسجد الحرام أفضل.

و في كلا الوجهين نظر:

أما الأخير: فمضافا إلى أنه وجه استحساني لا يلازم استحباب الاحرام بعد الظهرين، بل يمكن الاحرام بعد صلاة الظهر و الاتيان بصلاة العصر بعد ذلك فى المسجد تحصيلا للفضيلة.

و أما الأول: فلأنه لا ظهور للفظ: «المكتوبة» فى الظهرين، بل هي ظاهرة في

______________________________

(1)- ابن إدريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 583، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 1: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(3)- الحلي، الحسن بن يوسف: مختلف الشيعة، ج 4: ص 224، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 259

..........

إرادة صلاة الظهر.

هذا مضافا الى التصريح بكون الاحرام بعد صلاة الظهر في رواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام، قال: «سألته عن متمتع قدم يوم التروية قبل الزوال. قال:

يطوف و يحل فاذا صلى الظهر أحرم «1»».

ثم إنه لا تنافي بين هذا النص و بين رواية ابن يقطين الظاهرة في استحباب الخروج عند الزوال، إذ ليس المراد حال الزوال بالدقة بل الحال العرفي و هو يصدق مع الاتيان بصلاة الظهر.

و بالجملة: لا دليل على ما ذهب إليه فى المتن في كون المستحب هو الخروج بعد صلاة الظهرين.

هذا بالنسبة الى الخروج و أما الاحرام، فبلحاظ الروايات الخاصة لا يمكن أن يستفاد مشروعيته من حيث المبدأ إلا قبل يوم التروية بثلاثة أيام، لما دل على جواز الخروج قبله بثلاثة أيام. و من حيث المنتهى إلا الى ما يدرك الصبح بمنى لرواية ابن يقطين المتقدمة. و أما بعد ذلك فلا دليل على مشروعيته بالخصوص، فان ثبت وجود الاطلاق او السيرة القطعية على الاحرام بعد ذلك فهو و إلا

أشكل الأمر.

و لا يجب أن يكون الاحرام عند الزوال أو بعد صلاة الظهر و إن كان ظاهر رواية ابن جعفر و معاوية اللزوم، لكن يرفع اليد عن ظهورهما فيه برواية ابن يقطين و غيرهما مما دل على الجواز قبل التروية أو في مطلق يوم التروية فالتفت.

نعم، هو مستحب في يوم التروية و في ذلك الوقت للنص. فالتفت.

ثم إنه قد يدعى معارضة رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 20: من ابواب اقسام الحج، ح 17.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 260

..........

كان يوم التروية فأهل بالحج- إلى أن قال:- و صلّ الظهر ان قدرت بمنى «1»» لرواية معاوية، لظهورها في استحباب الاحرام قبل الظهر كما لا يخفى.

و لكن الصحيح خلاف ذلك، لان رواية عمر إنما دلت على استحباب كون صلاة الظهر في منى من دون تعرض الحال الاحرام، و رواية معاوية تدل على استحباب كون الاحرام بمكة بعد صلاة الظهر، فكل منهما يدل على استحباب شي ء، غاية الأمر هما مستحبان متزاحمان و هو أمر ثابت في كثير من المستحبات. فلا معارضة بين النصين. فتدبر.

هذا كله بالنسبة الى غير الامام و أما الامام، فظاهر بعض النصوص تعين صلاة الظهر بمنى عليه في يوم التروية، ك:

رواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «على الامام أن يصلي الظهر بمنى و يبيت بها و يصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج الى عرفات «2»». و نحوها رواية معاوية «3».

و في روايته الأخرى: «... و الامام يصلي بها الظهر لا يسعه إلّا ذلك ... «4»».

و لكن في بعضها التعبير ب: «ينبغي» و «لا

ينبغي»، و لا صراحة له في الاستحباب أو الكراهة بحيث يصلح لرفع اليد عن ظهور تلك النصوص فى الوجوب. بل لا ظهور له فيه. و عليه، فالأخذ بظهور رواية الوجوب متعين لعدم الرافع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 2: من ابواب احرام الحج، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 4: من ابواب احرام الحج، ح 6.

(3)- المصدر، ح 3.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 261

إلا المضطر كالشيخ الهم و من يخشى الزحام (277)، و أن يمضي الى منى، و ببيت بها ليلته الى طلوع الفجر من يوم عرفة (278).

و المراد بالامام- على ما قيل- ليس الامام المعصوم، بل هو أمير الحاج الذي له تكاليف و شئون خاصة، و يشهد له رواية حفص المؤذن، قال: «حج اسماعيل بن علي بالناس سنة اربعين و مائة فسقط أبو عبد اللّه عليه السّلام عن بغلته فوقف عليه اسماعيل، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: سر فإن الامام لا يقف «1»». فالتفت.

هذا كله بالنسبة للمتمتع، أما القارن و المفرد، فالدليل الخاص لوقت مشروعية إحرامه من حيث المنتهى هو دليل المتمتع، لظهور ان السؤال لا يختص بالمتمتع، مع أن موضوعه لو كان هو المتمتع، لكن من المعلوم ان السؤال عن حكم الاحرام في نفسه لا خصوص احرام المتمتع. و أما وقته من حيث المبدأ ففي الروايات ما يدل على جواز الاحرام عند رؤية هلال ذي الحجة و فيها ما يدل على جواز الاحرام عند الخامس، و فيها ما يدل على التفصيل بين الصرورة و غيره في ذلك.

______________________________

(277) ظاهر العبارة عدم استحباب الخروج يوم التروية بعد الظهرين للمضطر، و الوجه فيه رواية اسحاق بن عمار المتقدمة.

(278)

ظاهر المتن و غيره هو استحباب المبيت بمنى و الذهاب إليها و لكن الذي يستفاد من كثير النصوص هو لزوم الوقوف بمنى و الذهاب إليها. و هذا المعنى يستفاد من بعض النصوص الواردة في باب استحباب كون احرام المتمتع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 5: من ابواب احرام الحج، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 262

..........

بالحج يوم التروية و باب عدول المتمتع الى الافراد مع ضيق الوقت. و هما بابا 20 و 21 من ابواب اقسام الحج من «وسائل الشيعة». فانه يستفاد من ملاحظة تلك النصوص ان إدراك منى و المبيت بها أمر لازم للحج و مفروغ عنه، ك:

رواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال: ان كانت تعلم أنها تطهر و تطوف بالبيت و تحل من إحرامها و تلحق الناس بمنى فلتفعل «1»».

و رواية شعيب العقرقوفي، قال: «خرجت أنا و حديد فانتهينا الى البستان يوم التروية فتقدمت على حمار فقدمت مكة و طفت و سعيت و أحللت من تمتّعي ثم أحرمت بالحج و قدم حديد من الليل فكتبت الى أبي الحسن عليه السّلام استفتيه في أمرة. فكتب إليّ مره يطوف و يسعى و يحل من متعته و يحرم بالحج و يلحق الناس بمنى و لا يبيتن بمكة «2»».

و رواية أبي بكير، عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة متى تكون؟ قال: «يتمتع ما ظن أنه يدرك الناس بمنى «3»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ما

ادرك الناس بمنى «4»».

و غيرها من الروايات الظاهرة أو المشعرة بما ادعيناه، بل يمكن ان نستفيد ذلك من روايات الباب المتقدمة قبل قليل، بل الروايات الواردة في حكم الامام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 20: من ابواب اقسام الحج، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 263

..........

في منى ظاهرة في وجوب المبيت بها له، كرواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «على الامام أن يصلي الظهر بمنى و يبيت بها و يصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج الى عرفات «1»».

و بالجملة، إدراك منى أمر واجب بحسب مدلول النصوص، فلاحظها تعرف ذلك، و لا رافع لهذا الظهور أصلا خصوصا بعد أن كانت السيرة العملية في زمان الائمة عليه السّلام على الخروج إلى منى و عدم التخلف بمكة.

و أما وقت احرام الحج، فلم يرد تعيينه و تحديده في كثير من النصوص، لكن المقدار الذي يمكن استفادته من النصوص هو تيقن مشروعيته للمختار الى وقت ادراكه الناس بمنى و هو يكون غالبا سحر ليلة عرفة أما بعد ذلك فلا دليل على مشروعيته بالخصوص.

نعم، وردت بعض النصوص في بيان مشروعيته للمضطر الذي لم يستطع وصول مكة قبل ذلك الحين، و هذا لا ينفع في اثبات مشروعيته مطلقا. بل لعل المستفاد من بعض النصوص عدم مشروعيته بعد وقت منى، فلاحظ نصوص البابين المزبورين تعرف ما ذكرناه.

و ليس لدينا اطلاق يدل على مشروعية الاحرام في أي وقت كان. و السيرة العملية كانت على الاحرام يوم التروية و الخروج الى منى. و عليه، فيشكل تأخير الاحرام بالحج اختيارا عن ليلة عرفة.

و لو فرض عدم

تمكنه من الذهاب إلى منى، فهل يشرع له الاحرام يوم التروية و الذهاب الى عرفات أو لا يشرع لاحتمال كون صحة الاحرام يوم التروية لاجل الخروج الى منى لا مطلقا؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 4: من ابواب احرام الحج، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 264

لكن لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس (279).

و يكره الخروج قبل الفجر إلا للضرورة كالمريض و الخائف. و الامام يستحب له الاقامة بها الى طلوع الشمس (280).

و لكن الظاهر الأول، لظهور بعض النصوص في صحة الاحرام يوم التروية من دون تعليق له على الخروج الى منى، فراجع باب 20 من ابواب اقسام الحج من وسائل الشيعة.

مع أن ما دل على جواز البدار فى الخروج لاجل الراحة قبل التروية ظاهر في صحة الاحرام و لو لم يقصد تعقيبه بعبادة من واجب او مستحب. فيدل على ان المراد بيان وقت الاحرام و عدم ارتباط وقته بعمل آخر فانتبه.

نعم، قد يشكل الفصل بين الاحرام و الخروج بما هو اكثر من المتعارف لتعارف عدم الفصل بينهما، فلا دليل على مشروعية الاحرام مع الفصل الكثير غير المتعارف.

______________________________

(279) لرواية هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس «1»».

(280) لرواية جميل بن دراج المتقدمة. و رواية اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من السنة أن لا يخرج الامام من منى الى عرفة حتى تطلع الشمس «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من ابواب احرام الحج، ح 4.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 265

و يستحب الدعاء بالمرسوم عند الخروج

(281)، و أن يغتسل للوقوف (282).

[أما الكيفية]

اشارة

و أما الكيفية: فيشتمل على واجب و ندب.

[أ- فالواجب]
اشارة

أ- فالواجب فالواجب: النيّة (283).

______________________________

(281) لرواية معاوية بن عمار «1».

(282) لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «فاذا انتهيت الى عرفات- إلى ان قال:- فاذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر ... «2»» و ظاهر النص الوجوب و لا رافع لظهوره، فالتفت.

ثم إنه تعرض فى «الجواهر «3»» الى استحباب الطواف بالبيت قبل احرام الحج و القول به، و هو مما لا دليل عليه، و يبتني القول باستحبابه على قاعدة التسامح في أدلة السنن و الاكتفاء فيها بفتوى الفقيه. نعم، قد يدعى استحبابه من باب أنه تحية المسجد و هو أفضل من الصلاة و هو لا يرتبط بما نحن فيه.

و أما الطواف بعد الاحرام، فقد مرّ الكلام فيه فراجع.

(283) لا اشكال في وجوب قصد القربة لكون العمل عباديا بالاجماع و ليس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 8: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 9: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 14، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 266

و الكون بها الى الغروب (284).

فى النية بحث زائد على ما تقدم في الاحرام.

نعم، وقع البحث في وقتها و لا يخفى انه لا دليل بالخصوص على تعيين وقتها، و إنّما يدور توقيتها مدار أول وقت الواجب من الوقوف، فان كان هو الزوال اعتبر مقارنة النية له و لم يجز تأخيرها عنه. و سيأتي الكلام في تحديد أول وقت الواجب من الوقوف.

______________________________

(284) كما وردت بذلك النصوص، ك:

رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إن

المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أفاض بعد غروب الشمس «1»».

و رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام متى تقيض من عرفات؟ فقال: «إذا ذهبت الحمرة من هاهنا و أشار بيده الى المشرق و الى مطلع الشمس «2»».

و نحوها روايته الأخرى «3». و البحث في إرادة سقوط القرص او ذهاب الحمرة هاهنا هو البحث فيه في باب الصلاة و الصوم. فليراجع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 267

فلو وقف: بنمرة، أو عرنة أو ثويّة، أو ذي المجاز، أو تحت الأراك، لم يجزه (285).

______________________________

(285) لما دلت عليه الروايات من أن هذه الاماكن ليست من عرفة. و نحو ذلك مما يدل على عدم الاجزاء، ك:

رواية أبي بصير، قال: قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «ان اصحاب الاراك الذين ينزلون تحت الاراك لا حج لهم «1»».

و رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و اتّق الاراك و نمرة و هي بطن عرنة و ثوية و ذي المجاز فانه ليس من عرفة فلا تقف فيه «2»».

و هذه الرواية ترفع التردد في مثل رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة الى ذي المجاز. و خلف الجبل موقف «3»»، إذ قد يتردد في أن المراد هل هو تعيين مواقع عرفات و أن هذه الاماكن أواخرها و نهايتها، أو المراد بيان ان هذه حدود عرفة

فتخرج عنها؟

ثم إنه حكي عن «كشف اللثام «4»» التوقف في صدق الوقوف بعرفة على الكون فيها راكبا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 10: من ابواب احرام الحج، ح 3.

(2)- المصدر، ح 6.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 6: ص 76، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 268

..........

و ناقشه فى «الجواهر «1»» بانه ينافى المفهوم العرفي و النصوص.

أقول: ليس المراد من الوقوف ما قد يفهم منه عرفا في بعض الاستعمالات من القيام في مقابل الجلوس و النوم، بل المراد هو السكون في مقابل الحركة.

فالمراد بالوقوف في عرفة الكون فيها و التوقف في أرضها و عدم تجاوزها الى غيرها. و من الواضح أنه كما يصدق في غير حال الركوب يصدق في حاله. بل تبادر القيام من لفظ الوقوف عرفا إنما ينشأ من بعض قرائن المقام.

هذا مضافا الى ما ورد «2» من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله وقف على ناقته و الامام الصادق عليه السّلام كان واقفا على بغلته. فما ذكره في «كشف اللثام» ممنوع.

تنبيه: قد تقدم قريبا- في صدر الصفحة- تقريب كون الاراك و نمرة و ثوية و ذي المجاز و عرنة ليست من عرفات، و لكن الذي بدأ للنظر بعد التأمل في نصوص الباب هو خلاف ذلك، و ان هذه الاماكن من عرفات. نعم، هناك موضع يقال له الموقف و قد يعبّر عنه بلفظ عرفة هو غير هذه الاماكن. و يشهد لما ذكرناه:

رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا ينبغي الوقوف تحت الاراك فأما النزول تحته حتى تزول الشمس و ينهض الى الموقف فلا بأس».

بضميمة ما سيأتي من

لزوم الكون في عرفات من أول الزوال. فان الرواية ظاهرة في عدم البأس فى الكون تحت الاراك عند الزوال، فيدل على أنه من

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 17، الطبعة الاولى.

(2)- ابن قدامة، موفق الدين: المغني، ج 3: ص 436، ط دار الفكر.

وسائل الشيعة، ج 10/ باب 12: من ابواب احرام الحج، ح 1.

- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 12: من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة: ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 269

..........

عرفات.

و رواية الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا وقفت بعرفات فادن من الهضبات و هي الجبال فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال اصحاب الاراك لا حج لهم يعني الذين يقفون عند الاراك «1»».

فان الظاهر منها أن الاراك من عرفات، لظهورها في لزوم الوقوف عند الهضبات و البعد عن سائر أماكن عرفات لقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله اصحاب الاراك لا حج لهم، و هو ظاهر في أن الأراك من عرفات.

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «و إذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة و نمرة هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، فاذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل ... «2»».

فان ظاهره في ان نمرة من عرفات و انه يجوز البقاء فيها الى ما بعد الزوال. و أما قوله: «دون عرفة» فلعل عرفات جمع عرفة- كما قيل «3»- لانه يطلق على أماكن متعددة، و لكنه ظاهر عند اطلاقه فى الموقف أو مكان آخر معين. فالمراد دون الموقف أو غيره من الاماكن- و مثلها ما دل «4» على أن النبي

صلّى اللّه عليه و آله ضرب خباه بنمرة-.

و ما ورد في تحديد عرفات من التعبير بالموقف، فانه ظاهر في وجود مكان خاص من عرفة يسمى بالموقف لا أن الموقف هو عرفات لا ينقص عنها،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 10: من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، ح 11.

(2)- المصدر/ باب 9: من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، ح 1.

(3)- ياقوت الحموي، شهاب الدين: معجم البلدان، ج 4: ص 104، ط بيروت.

(4)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 540، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 270

..........

كرواية أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «حد عرفات من المأزمين الى أقصى الموقف «1»».

و منه يظهر أن رواية معاوية المتقدمة: «و حد عرفة من بطن ...» ظاهرة في كون المقصود تعيين مواقع عرفة- لوحدة التعبير فى الروايتين-، مضافا إلى أن التعبير بمن و إلى في مقام الاخبار عن الحدّ ظاهر في ذلك و إلا لقال حد عرفة كذا و كذا، نعم، لو قال عرفة من كذا الى كذا لم يكن له ظهور فيما ادعيناه.

و ما ورد من تزاحم الناس على الرسول صلّى اللّه عليه و آله تخيلا منهم ان الموقف مكان ناقته فنبههم أن الموقف أوسع بالاشارة إليه، فكأن الموقف أمر مركوز في الاذهان و إلا فلا يتوهم أحد أن عرفات بهذا الضيق.

و جملة القول: أن من يلاحظ النصوص يرى أن هناك أمرين: أحدهما عرفات. و الآخر الموقف. و هو جزء من عرفات، و هذه الأماكن ليست من الموقف و لكنها من عرفات لا خارجة عنها.

و أما رواية سماعة، فهي أولا ضعيفة السند.

و ثانيا: أنها تتكفل النهي عن الوقوف في هذه الأماكن، و هو غير المتنازع فيه. و اما نفي كونها من عرفة فلعله لأجل ان عرفة اسم للموقف و لذا رتّب عليه النهي عن الوقوف مباشرة. و قد عرفت احتمال أن يكون عرفة مفرد عرفات. فتدبر.

ثم إنه إذا كانت عرفات هي الموقف و كانا متساويين، فما الفائدة في ضرب الخباء في نمرة و هي غير عرفات بعد فرض لزوم الكون في عرفات من الزوال الى الغروب ثم الافاضة بعد ذلك إلى المشعر؟ مع أن الظاهر كون ضرب الخباء في نمرة كان مألوفا. فتدبّر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 10: من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 271

و لو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شي ء عليه (286).

______________________________

(286) يدل على التفصيل بين العمد و بين الجهل و النسيان رواية مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: «ان كان جاهلا فلا شي ء عليه، و ان كان متعمدا فعليه بدنة «1»».

ثم إنه هل يجب الرجوع لو التفت الناسي او علم الجاهل، وجهان مبنيان على ان الواجب هو الاستيعاب بنحو يكون كل جزء من الكون واجبا بنحو الاستغراق، فيجب العود. أو أن الواجب هو الاستيعاب بنحو يكون الاستمرار واجبا، فلا يجب العود لانقطاع الاستمرار بالافاضة فلا يكون مقدورا.

و هكذا إذا لم يكن الواجب هو الاستيعاب بل كانت تحرم الافاضة قبل الغروب، فانه لا يلزم العود أيضا لتحقق الافاضة.

نعم، لو قلنا بأن الافاضة تجب بعد الغروب لا أنها قبله محرمة وجب العود من باب مقدمة الواجب.

و لعل

ذلك مراد «الجواهر «2»» من وجوب العود مقدمة لامتثال حرمة الافاضة قبل الغروب. فلاحظ.

ثم إن الظاهر حرمة الافاضة قبل الغروب او وجوب تأخيرها بعده لا مطلق الخروج و لو لم يكن بقصد قطع العلاقة مع المكان، كما لو خرج بقصد الاحتشاش او الاحتطاب ثم الرجوع، فانه لا يقال عن ذلك إفاضة. فتدبر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 28، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 272

و ان كان عامدا جبره ببدنة، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما (287)، و لو عاد قبل الغروب لم يلزمه شي ء.

[أما أحكامه]
اشارة

و أما أحكامه:

فمسائل خمسة:

[الأولى: الوقوف بعرفات ركن]

الاولى: الوقوف بعرفات ركن، من تركه عامدا فلا حج له و من تركه ناسيا، تداركه ما دام وقته باقيا، و لو فاته الوقوف بها، اجتزأ بالوقوف بالمشعر (288).

______________________________

(287) كما هو مقتضى النص، كرواية ضريس الكناني «1» عن أبي جعفر عليه السّلام قال «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل ان تغيب الشمس قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة او فى الطريق أو في أهله». و البحث في لزوم التتابع له محل آخر.

(288) المراد بالركن في باب الحج ما يبطل الحج بتركه عمدا. و يقع الكلام في حكم ترك الوقوف بعرفات عمدا و نسيانا و جهلا.

فنقول: القاعدة الأولية لا تقضي علينا ببطلان الحج لو ترك الوقوف بعرفات و لو عمدا. و ذلك لعدم الجزم بجزئية هذه الاعمال لعمل واحد هو الحج بحيث لو انتفى أحدها انتفى المركب لتكون القاعدة الاولية بطلان الحج بترك الوقوف، لكثرة الحكم بعدم البطلان بالترك المنافي للجزئية، بل يحتمل أن يكون

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب احرام الحج، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 273

..........

الحج اسما لواجبات استقلالية. و لو سلمت الجزئية، فلا اطلاق لدليل الوقوف بعرفات بحيث يشمل جميع الحالات كي يحتاج تصحيح العمل مع تركه لا عن عمد الى دليل خاص، بل دليله مجمل و القدر المتيقن منه صورة العمد، فلا يكون مقتضى القاعدة البطلان في غير صورة العمد. هذا بالنظر إلى القاعدة الأولية.

أما بالنظر الى الدليل الخاص، فأما الترك عمدا فيدل على بطلان الحج به مضافا الى التسالم القطعي ما ورد من ان اصحاب الاراك لا حج لهم

بناء على أن المراد منه بطلان الحج من جهة عدم الوقوف بعرفة كما هو الظاهر منه و المفسّر به في بعض الروايات، كما تقدم. و ليس المراد منه بيان مانعية الوقوف تحت الاراك لخصوصية فيه، كمانعية الجماع- مثلا-.

و ما ورد فيمن فاته اختياري عرفة من لزوم إتيانها ليلا و عدم تمامية الحج مع تركه و هو رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: «إن كان في مهل حتى يأتي عرفات في ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس بالمشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات من ليلته ليقف منها- الحديث «1»».

فانه يدل بالفحوى على ان الترك العمدي لاختياري عرفة ناف لتمامية الحج و مبطل له.

و أما الترك لا عن عمد، كالترك نسيانا أو جهلا أو للعجز عن الوصول عقلا. فمقتضى ما ورد من ان اصحاب الاراك لا حج لهم هو البطلان به لعمومها لمطلق الترك عمدا كان أو غيره، فلا بد في نفي بطلان الحج بالترك غير العمدي من دليل خاص. و هو أمران:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب احرام الحج، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 274

..........

الأول: ما ورد من أنه إذا لم يأت الشخص إلا بعد إفاضة الناس من عرفات، فان تمكن من الوقوف بها ليلا لزمه ذلك و إلا وقف بالمشعر و تم حجّه، كرواية الحلبي المتقدمة و نحوها «1».

و لكن الظاهر من هذه النصوص أن موضوعها من لم يقف في عرفات من جهة العجز عن إدراكها لتأخر الواسطة فى النقل، فلا تشمل الناسي و الجاهل.

نعم، قد يدعى عموم

الحكم فيها لهما بواسطة ما جاء في ذيل رواية الحلبي المتقدمة من أن اللّه تعالى أعذر لعبده. لكن المناسب هو العذر من جهة الذنب لا الاجزاء مع انه لا يمكن الأخذ بعمومها من جهة الاجزاء و الإلزام منه تأسيس فقه جديد، إذ لا يلتزم احد بثبوت الاجزاء في مطلق موارد العذر، و مثله يقال فيما ورد «2» في الاغماء في رمضان ... فاللّه أولى بالعذر.

الثاني: ما ورد من أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج «3»».

فانه يدل بعمومه على تمامية الحج بادراك المشعر و لو فاته عرفات. بل ذهب فى «الجواهر «4»» إلى أنه شامل للعامد و خروجه بالاجماع نظير: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله «5»».

و فيه: ان الظاهر من هذا التعبير هو التمكن من إدراك المشعر خاصة بحيث لم يتمكن من غيرها، فلا يشمل العامد لتمكنه من ادراك عرفات. و هكذا الكلام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(2)- المصدر، ج 4/ باب 24: من ابواب من يصح منه الصوم، ح 6.

(3)- المصدر، ج 10/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 35، الطبعة الاولى.

(5)- وسائل الشيعة، ج 3/ باب 30: من ابواب المواقيت لكن لم يذكر فيها لفظ الوقت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 275

..........

فيمن أدرك ركعة.

و عليه، فيشكل عموم هذه النصوص للجاهل حكما أو موضوعا، إذ هو كان يتمكن من ادراك عرفات، و لم يقف فيها لجهله، و انما تختص بصورة

العجز العقلي أو الغفلة التامة المانعة من تحقق الإرادة و الانبعاث.

و لا يختلف الحال بين الجهل عن قصور أو عن تقصير. و لو سلم عمومه للجاهل فلا يختص بالجاهل لقصور، بل يعم الجاهل عن تقصير.

و بالجملة: الحكم بعدم البطلان انما يتم في مورد لا يتمكن من إدراك غير المشعر دون غيره. و المراد من التمكن هو التمكن العرفي ككل دليل يؤخذ في موضوعه التمكن. فتدبر.

ثم يقع الكلام في جهات ثلاث:

الأولى: في بيان أنه يجب الوقوف فى المكان المسمى ب: «الموقف» و المشهور به. و الوجه فيه الأمر به في بعض النصوص، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... ثم تأتي الموقف ... «1»». و ما ورد من أن أصحاب الاراك لا حج لهم و الأمر بالدنو من الهضاب، بضميمة أن الاراك من عرفة، و ظهور انه كان مورد السيرة من المسلمين، كما لا يخفى على من لاحظ النصوص.

و لا يقاوم ذلك سوى ما ورد «2» من أن عرفات كلها موقف و سفح الجبل أفضل «3».

لكن النص المزبور ضعيف السند، فلا يصلح لمقاومة ما ذكر. و هذا الأمر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 14: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 16: من ابواب احرام الحج، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 11: من ابواب احرام الحج، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 276

[الثانية: وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس الى الغروب]

الثانية: وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس الى الغروب، من يجزم به كل من أمعن النظر في نصوص الباب.

أما تحديد الموقف، فالظاهر أنه الطرف المتصل بنمرة، إذ كان المتعارف الانتقال من نمرة الى الموقف.

ثم إن الظاهر عدم لزوم الوقوف من أول الزوال الى

الغروب فيه، فانه لا يتلاءم مع ضرب الخباء في نمرة، إذ لا أثر له اذا فرض استمرار الوقوف فى الموقف من الزوال إلى الغروب، كما يبعده ما ورد من وقوف النبي صلّى اللّه عليه و آله على البعير فانه من البعيد جدا أن يقف من الزوال الى الغروب على البعير. مما يكشف عن أن اللازم مقدار من الوقوف بحيث يدعو و يستغفر.

الثانية: في أن الركن هو المسمى. و الذي يدل عليه ما ورد من عدم بطلان الحج بالافاضة قبل الغروب عمدا. و ما ورد من أن اصحاب الاراك لا حج لهم الذي هو دليل الركنية، فانه إنما يدل على البطلان بالوقوف تحت الاراك مستمرا، و إلا فلو وقف و لو قليلا فى الموقف لم يعد من أصحاب الأراك. و ما ورد «1» فى الموقف الاضطراري من أنه يقف قليلا.

ثم إن الظاهر اعتبار ما يصدق معه الوقوف، فالوقوف لحظة أو نحوها لا يعدّ وقوفا عرفا كما لا يخفى، فلا يجدي، فالمراد هو المسمى العرفي لا الدقي العقلي.

الثالثة: الوقوف الذي هو ركن هو الوقوف فى الموقف دون غيره من أماكن عرفة، كما يدل عليه قول صلّى اللّه عليه و آله: «أصحاب الأراك لا حج لهم» الذي هو دليل الركنية. فتدبر جيدا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب الوقوف بالمشعر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 277

تركه عامدا فسد حجه، و وقت الاضطرار الى طلوع الفجر من يوم النحر (289).

______________________________

(289) هذه المسألة تضمنت أمرين:

أحدهما: أن مبدأ اختياري عرفة من الزوال و منتهاه غروب الشمس.

و الآخر: أن اضطرارى عرفة يستمر الى طلوع الفجر من يوم النحر.

أما الأول: فقد عرفت الوجه في تحديده بالغروب، و

أما كون بدايته الزوال فلا دليل عليه بالخصوص من النصوص. و ما يصح ان يتمسك به لذلك هو السيرة القطعية القائمة على كون الواجب هو الكون في عرفة عند الزوال، و ظهور المفروغية عن هذا المعنى عند المتشرعة.

و أما الثاني: فالذي تدل عليه النصوص هو استمرار الوقوف إلى وقت يدرك به المشعر سواء كان قبل الفجر أم بعده.

و لعل منشأ التقييد بالفجر، ما جاء في رواية الحلبي من قوله عليه السّلام: «... ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ... «1»» بناء على أن الليل اسم لما بين الغروب و طلوع الفجر.

و لكن ذلك محل كلام، إذ قد ادعي أن الليل اسم لما بين الغروب و طلوع الشمس، و يتأتى نظيره في نصف الليل المأخوذ حدا لصلاة العشاء، و أن المراد نصف ما بين المغرب و طلوع الفجر أو نصف ما بينه و طلوع الشمس؟

و الحق: انه لا يمكننا الجزم باحد الأمرين لاستعمال الليل في كلا المعنيين، و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 278

[الثالثة: من نسي الوقوف بعرفة]

الثالثة: من نسي الوقوف بعرفة، رجع فوقف بها، و لو الى طلوع الفجر من يوم النحر، اذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس، فلو غلب على ظنّه الفوات، اقتصر على ادراك المشعر قبل طلوع الشمس و قد تم حجه. و كذا لو نسي الوقوف بعرفات، و لم يذكر الا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس (290).

لا قرينة هنا على إرادة أحدهما.

و أما الاستدلال على إرادة نصف ما بين المغرب و طلوع الشمس من نصف الليل بقوله تعالى: غَسَقِ اللَّيْلِ

«1»، إذ المراد به شدة الظلمة و هي إنما تكون في هذا الوقت.

ففيه: أن العرف لا يلتفت الى أشدية الظلمة في الآن الخاص، بل لا يرى فرقا فى الظلام فيما قبله و بعده بساعة مثلا، كما لا يرى فرقا في نور النهار بين ما قبل الزوال و بعده، فلا يمكن ان يقصد باللفظ ما لا يدركه العرف.

و بالجملة: لا دليل لدينا على أحد الطرفين، فالعمل بالاحتياط هنا و في كل مورد نظيره متعين.

______________________________

(290) الكلام في جهتين:

أحدهما: في تحديد موضوع الوقوف الاضطراري، و قد تقدم بيانه فى المسألة الأولى، و قد عرفت أن ظاهر النصوص الواردة كون الموضوع صورة العجز عن إدراك اختياري عرفة.

______________________________

(1)- سورة الإسراء، 17: 78.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 279

..........

الأخرى: لا اشكال بحسب النصوص في لزوم الوقوف الاضطراري إذا علم ادراكه المشعر معه، كما لا إشكال في لزومه لو ظن بادراك المشعر، كما انه لا اشكال في لزوم البقاء فى المشعر و عدم الوقوف بعرفة لو ظن فوات المشعر قبل طلوع الشمس. و إنما الاشكال و الريب في صورة التردد و الشك فهل يلزمه البقاء فى المشعر أم يلزمه الذهاب الى عرفات؟

و تحقيق الكلام: أن الحكم بلزوم الذهاب:

علّق في بعض النصوص على ادراك المشعر واقعا و هو رواية الحلبي المتقدمة.

و علّق في بعضها على المعرفة، و واضح أن الظاهر عرفا- بعد تعليقه على الواقع في غيره- لحاظ المعرفة بنحو الطريقية، لا الموضوعية.

و علّق في بعضها على الظن، كما علّق فيه لزوم البقاء على ظن عدم الادراك و هو رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في

سفر فاذا شيخ كبير، فقال: يا رسول اللّه، ما تقول في رجل أدرك الامام بجمع؟

فقال له: إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها. و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها و قد تم حجه «1»».

و علّق في بعضها على الظن، كما علق فيه لزوم البقاء على خشية عدم الادراك و هو رواية ادريس بن عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي إن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من الجمع قبل أن يدركها، فقال: «إن ظن ان يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت

______________________________

(1)- الطوسي، محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام، ج 5: ص 290/ ح 983، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 280

..........

عرفات. فان خشي ان لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقدتم حجه «1»».

و لا يخفى حصول الخوف مع الشك- بل ادعى بعضهم حصوله عند تحقق الوهم إذا كان المطلب مهما- و عليه فمقتضاها لزوم البقاء و عدم الذهاب الى عرفات في محل الكلام.

و لكن مقتضى مفهوم رواية معاوية بن عمار لزوم الذهاب الى عرفات في مورد الشك لتعليق الحكم بالبقاء على ظن الفوات، فمع عدم الظن يلزمه الذهاب الى عرفات.

و لكن هذا المفهوم معارض بمفهوم الصدر لتعليقه الحكم بالذهاب على الظن بعدم الفوات، فمع عدم الظن يلزمه البقاء. و مع تعارضهما في نص واحد يعلم بان المورد لم يقصد فيه بيان الشرط المنحصر، و إنما قصد فيه بيان حكم الموضوعين لا أكثر، فليس للشرطين مفهوم.

و عليه، فيبقى التعليق على الخوف بلا معارض.

اللّهم

إلا أن يدعى معارضتها برواية معاوية الأخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال في رجل أدرك الامام و هو بجمع فقال: إنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تمّ حجه «2»».

إذ الشرط فى الذيل بلا معارض، فلا مانع من الالتزام بمفهومه، فيعارض منطوق رواية إدريس.

______________________________

(1)- الطوسي، محمد بن الحسن: تهذيب الاحكام، ج 5: ص 289/ المسألة 982، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 281

[الرابعة: اذا وقف بعرفات قبل الغروب، و لم يتفق له ادراك المشعر الى قبل الزوال]

الرابعة: اذا وقف بعرفات قبل الغروب، و لم يتفق له ادراك المشعر الى قبل الزوال، صحّ حجه (291).

و لكن هذه الرواية وردت فى «الفقيه «1»» و «الكافي «2»» بتعليق الصدر على الظن أيضا، كروايته المتقدمة. و يساعده عدم التئام متن الرواية المزبور بدون الشرط.

و عليه، فالكلام فيها كالكلام في سابقتها. بل الشك يكفي في عدم الاعتماد على مفهومها، للشك في كون الصادر من الامام عليه السّلام أيّ المضمونين، فلا جزم بالمفهوم.

و عليه، فلا مانع من الأخذ برواية إدريس رحمه اللّه.

و لو تمت المعارضة، فلا طريق لدينا الى تشخيص ما يلزم المتردد الشاك، فلو بقي كان عليه الحج بمقتضى قاعدة الاشتغال.

و أما ما ذكره فى «الجواهر «3»» من لزوم البقاء امتثالا للواجب الفعلي فلا وجه له، إذ الاشكال في أصل وجوبه فعلا لاحتمال وجوب إدراك اضطراري عرفة، و ليس المورد من موارد التزاحم. فتدبر.

______________________________

(291) الكلام في فرعين:

الأول: من أدرك اختياري عرفة و لم يدرك اختياري المشعر و أدرك

______________________________

(1)- الصدوق، محمد بن علي:

من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 471/ ح 2995، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- الكليني، محمد بن يعقوب: الفروع من الكافي، ج 4: ص 476/ ح 2، الطبعة الاولى.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 38، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 282

..........

اضطراريه.

الثاني: من أدرك اختياري عرفة خاصة و لم يدرك المشعر أصلا لا اختياريه و لا اضطراريه.

أما الأول: فلا إشكال في صحة حجه للنصوص «1» الكثيرة الدالة على أن من أدرك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحج و هي و ان كانت محل البحث في مدلولها إلا أن المورد متيقن الدخول فيها كما سيأتي.

و للنصوص «2» الواردة في خصوص المقام، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و ان كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع». و نحوها روايته الأخرى.

و أما الثاني: فقد ادعي الاجماع على صحة الحج فيه، و نوقش في الاجماع- كما فى «المدارك «3»»- بوجود النافي و المتردد.

و لا يخفى أن محل البحث غير العامد، كالجاهل و الناسي و العاجز عقلا. أما العامد فلا اشكال في بطلان حجه كما سيتضح من طيّات البحث.

و قد ورد النص في صحة حج الجاهل، كرواية محمد بن يحيى الخثعمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، أنه قال: «في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى قال: أ لم ير الناس أ لم ينكر منى حين دخلها؟ قلت: فانّه جهل ذلك قال: يرجع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب الوقوف

بالمشعر، ح 6 و 9.

(2)- المصدر/ باب 21: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الأحكام، ج 7: ص 406، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 283

..........

قلت إن ذلك قد فاته قال: لا بأس به «1»». و نحوها روايته الأخرى «2» عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و قد تعدي فى الحكم من الجاهل الى الناسي و المضطر بعدم القول بالفصل.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 283

و لكن لا يمكن الاعتماد على عدم القول بالفصل هاهنا لاحتمال ان يكون له منشأ معين و هو أحد وجوه ثلاثة أو جميعها:

الأول: ما ورد من صحة حج من لم يلبث مع الناس بجمع متعمدا أو مستخفا و إن كان عليه بدنة، و هو رواية على بن رئاب: «إن الصادق عليه السّلام قال: من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة «3»». فانه اذا كان الترك العمدي غير مضر بالحج، فالترك عن نسيان او اضطرار أولى.

الثاني: إلغاء خصوصية الجهل في هذه النصوص و استظهار أن الموضوع مطلق ذي العذر و ذكر الجهل من باب المثال.

الثالث: أولوية صحة حج الناسي و العاجز من حج الجاهل، إذ الجهل هاهنا جهل تقصير ظاهرا لانه جهل بالحكم الواجب فيه الفحص و قد قصّر فى الفحص. و إذا صح حج الجاهل المقصر فحجّ الناسي و العاجز أولى بالصحة للعذر

فيه.

و كل هذه الوجوه مخدوشة.

أما الأول: فلظهور الرواية في كون الموضوع عدم استمرار الكون فى المشعر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 25: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 6.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر/ باب 26: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 284

..........

لا عدم الكون فيها بالمرة الذي هو موضوع الكلام و اللبث اليسير يكفي في إدراك الركن كما سيأتي، فصحة الحج لإدراك الركن من المشعر و الكفارة على ترك الواجب و أين هذا مما نحن فيه؟

و أما الثاني: فلا قرينة على استظهار عموم الموضوع و ظاهر النص كون الموضوع هو الجاهل بعنوانه.

و أما الثالث: فلا دليل على الأولوية غاية الأمر هي ظنية، فلا تكون معتبرة. و عليه فلا وجه للتعدي من الجاهل الى غيره.

ثم إنه قد عورضت هذه النصوص:

بما ورد «1» من أن من فاته المشعر أو المزدلفة فقد فاته الحج.

و بمفهوم: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج «2»».

و بما دل «3» على أن الوقوف بعرفة سنة و الوقوف بالمشعر فريضة، إذ المراد بالفريضة انه ركن بنحو يلزم بطلان الحج بتركه مطلقا و هو الفارق بينه و بين عرفة.

و لكن جميع ذلك لا يصلح للمعارضة: أما ما دل على أن من أدرك المشعر فقد ادرك الحج، فلو سلم أن له مفهوما باعتبار أنه مسوق في مقام التحديد، لكن عرفت أن موضوعه من لم يدرك غير المشعر أصلا، فلا يشمل مفهومه ما نحن فيه مما فرض فيه إدراك عرفة، لاتحاد موضوع المفهوم و المنطوق.

و أما ما ورد من أن من فاته المشعر فقد فاته الحج، فلاحتمال أنه وارد في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 25: من

ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 4: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 285

..........

مورد خاص لا ابتداء، فيمكن ان يكون مفاده عين مفاد: «من أدرك المشعر ...»،

و لو سلم أنه بيان ابتدائي فهو حكم عام تخصصه الرواية الواردة في مورد الجهل، و مثله يقال في مفهوم روايات «من أدرك ...» على تقدير تسليم عموم موضوعه.

و أما ما ورد من أن الوقوف بالمشعر فريضة، فلا ظهور له في شي ء، فيمكن أن يراد به أن وجوب المشعر مما فرضه اللّه فى القرآن «1»، و وجوب عرفات مما جاء به الرسول الاعظم صلّى اللّه عليه و آله.

و لو سلم أن المراد به بيان الركنية بقول مطلق حتى في صورة العذر فهو مقيد بالنص لا أنه معارض له.

ثم إنه قد ادعي تقييد هذه النصوص- أعني نصوص الجهل- بما إذا مرّ بالمشعر و ذهب إلى منى، بمعنى: أن موضوعها ذلك، فلا تشمل من ذهب من عرفات الى منى رأسا من دون أن يمرّ بالمشعر أصلا.

و الوجه فى التقييد رواية محمد بن حكيم، قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أصلحك اللّه، الرجل الأعجمي و المرأة الضعيفة تكونان مع الجمّال الاعرابي، فاذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أ ليس قد صلّوا بها فقد أجزأهم. قلت: فان لم يصلّوا فقال: فذكروا اللّه فيها فان كانوا ذكروا اللّه فيها فقد أجزأهم «2»». و نظيرها رواية أبي بصير «3». و تقييد النصوص الأخرى بها بلحاظ مفهوم قوله عليه السّلام: «فان كانوا ذكروا اللّه ...» فإنه ظاهر في أنه مع عدم

______________________________

(1)- سورة

البقرة، 2: 198.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 25: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 286

..........

ذكر اللّه فلا يجزئ.

و لكن الحق أن هذه الرواية أجنبية بالمرّة عما نحن فيه، إذ هي ظاهرة في بيان أقل ما يجزي من الوقوف بالمشعر و أنه يكتفى به بذكر اللّه تعالى و أن صحة الحج في هذا الفرض من باب إدراك اختياري المشعر لا من باب التعبد به، و أي ربط لهذا المفاد بما نحن فيه مما كان السؤال فيه من عدم الوقوف بالمزدلفة عن جهل و لذا أمره بالرجوع ابتداء. فموضوع الروايتين مختلف، فلا معنى لتقييد إحداهما بالأخرى.

و منه يظهر ما فى «الجواهر «1»» من صلاحيتها للتقييد، لكن يرفع اليد عنها لاجل عدم التزام الاصحاب به، و استلزامه الخروج عن ما نحن فيه، إذ يكون المورد من موارد إدراك الركن و هو مجز قطعا.

لما عرفت من عدم صلاحية الرواية للتقييد أصلا، و ما ذكره ليس بمحذور على تقدير صلاحيته.

و لا يمكننا دعوى ظهور روايتي الخثعمي المتقدمتين في كون موضوعهما عدم استمرار الوقوف لا عدم المرور بالمشعر بالمرة، بلحاظ التعبير بعدم المبيت الظاهر في عدم المكث لا عدم المرور بها أصلا، فلا تشمل صورة من لم يمرّ أصلا بالمشعر.

و بالجملة، يدعى أن هذه النصوص ظاهرة في أنفسها في أن موضوعها من مرّ بالمشعر، فلا يحتاج الى دعوى التقييد التي مرّ الاشكال فيها، لا يمكننا ان نقول بذلك، لورود التعبير بعدم المبيت فى الروايات الآمرة بالرجوع قبل الزوال الى المشعر، و هو ظاهر في عدم المرور أصلا بالمشعر، إذ لو كان مارا بها و أدرك

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ

محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 40، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 287

[الخامسة: اذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا، ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس]

الخامسة: اذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا، ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس، فقد فاته الحج (292)، و قيل: يدركه و لو قبل الزوال، و هو حسن.

اختياري المشعر فلا يلزمه الرجوع لإدراك اضطراريه، فلا ظهور فى التعبير بعدم المبيت فيما ادعي.

هذا، مع أمر الامام عليه السّلام بالرجوع الظاهر في كونه امرا شرطيا إرشادا لإدراك ما يصح الحج معه و هو الركن، فلا يجتمع مع فرض إدراك الركن.

و دعوى: عدم منافاة الأمر بالرجوع لفرض المرور المجرد بدون التوقف إذ لا يتحقق الركن بالمرور فقط، كما تدل عليه بعض النصوص.

تندفع: بانه لا يحتمل دخل المرور بمجرده فى الحكم بالصحة.

و عليه، فالالتزام بظهور روايات الجهل في كون موضوعها من لم يمرّ أصلا لا مانع منه.

______________________________

(292) هذه المسألة تتكفل حكم من أدرك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر من حيث صحة الحج و عدمه. و قد ذكر المصنف أن فى المسألة قولين أحدهما البطلان و الآخر الصحة و هو الذي استحسنه. و قوّاه فى «الجواهر «1»».

و ما يمكن ان يستدل به من النصوص على الصحة هو:

رواية الحسن العطار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 42، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 288

..........

فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه «1»».

و ما ورد «2» فى النصوص المتعدّدة من

أن «... من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج ...».

و رواية عبد اللّه بن المغيرة، قال: «جاءنا رجل بمنى فقال إني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا- الى ان قال:- فدخل إسحاق بن عمار على أبي الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك، فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج «3»».

و رواية الفضل بن يونس، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل ان يعرّف فبعث به الى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف الى منى فيرمي و يذبح و يحلق و لا شي ء عليه ... «4»».

أقول: دلالة رواية العطار على المدعى لا اشكال فيها.

و أما النصوص الدالة على أن من أدرك المشعر قبل الزوال فقد أدرك الحج، فقد يخدش في دلالتها بانها ليست في مقام بيان أن من ادرك الاضطراري و لم يدرك غيره من الأعمال، كي يتمسك بها فى المورد بالأولوية- و ان كانت مخدوشة كما ستعرف-، إلا رواية جميل بن دراج فانها ظاهرة في ذلك بقرينة المقابلة بين إدراك المتعة و ادراك الحج. و انما هي في مقام بيان أن إدراك المشعر في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 24: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 23: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 8.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر/ باب 3: من ابواب الاحصار و الصد، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 289

..........

هذا الوقت يكفي فى إدراك المشعر فالمقابلة بين الاختياري و الاضطراري، فكأنه قال: من أدرك

المشعر قبل الزوال و لم يدركه قبل طلوع الشمس يدرك الحج من جهة إدراك المشعر، أما اعتبار ان يكون قد أدرك غيره أولا فهذا ليس في مقام بيانه، فتكون هذه النصوص أجنبية عما نحن فيه، و انما تتكفل بيان بدلية الوقوف في هذا الوقت عن الوقوف قبل طلوع الشمس.

و دعوى: اثبات المدعى بإطلاق هذه النصوص اذ هي تدل على ادراك الحج بادراك اضطراري المشعر سواء كان قد أدرك اختياري عرفة أو اضطراريه أو لم يدرك أحدهما.

مندفعة: بانها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، بل هي في مقام بيان أصل البدلية، و التعبير بادراك الحج يقصد به ادراكه من ناحية إدراك المشعر المعتبر فى الحج، أما سائر النواحي المعتبرة فهي مسكوت عنها فى البيان. فهي نظير ما يدل على بدلية التيمم عن الطهارة المائية.

أما موارد البدلية، فالدليل لا يتكفل بيانها بل يحتاج في تشخيصها عموما و خصوصا الى دليل آخر.

و أما رواية ابن المغيرة:

فان اريد من قوله «لم أدرك الناس بالموقفين» عدم ادراكه الاختياري من عرفة و من المشعر- كما يشعر به قوله (الناس)- فيدل على ما نحن فيه بالإطلاق، إذ من لم يدرك الاختياريين، له فردان: أحدهما: من أدرك اضطراري عرفة. و الآخر من لم يدرك اضطراري عرفة.

و إن اريد منه إنه وصل متأخرا عن وقت الوقوفين مع الناس، فيكون موضوعها من لم يدرك سوى اضطراري المشعر، فدلالتها على ما نحن فيه

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 290

..........

بالأولوية، لأنه اذا فرض أن إدراك اضطراري المشعر وحده يصحح الحج فادراكه مع إدراك اضطراري عرفة أولى في تصحيح الحج.

و أما رواية الفضل، فموضوعها من لم يدرك إلا اضطراري المشعر بناء على

كون المراد من يوم النحر ما بعد طلوع الشمس كما هو الظاهر. و حينئذ فدلالتها على صحة الحج فيما نحن فيه بالأولوية.

و لكن الأولوية ممنوعة على اطلاقها، إذ صحة الحج في فرض فوات اختياري المشعر قهرا و اضطرارا لحبس و نحوه و إدراكه اضطراريه، لا تلازم صحة الحج في فرض فواته اختيارا بالذهاب الى عرفة لادراك اضطراريها، إذ قد تكون وظيفته الواقعية في هذا الحال هي الوقوف بالمشعر في وقته الاختياري، فتفويته و لو عن عذر يمكن ان يوجب فوات الحج، و ليس الحال كذلك فيما إذا فاته قهرا عليه و بدون اختياره. فلا وجه لدعوى الأولوية.

إذن، فالدليل على صحة الحج فيما نحن فيه ينحصر برواية العطار و رواية ابن المغيرة على الاحتمال الأول فيها الذي لعله الظاهر منها.

و قد يدعى معارضة ما دل على صحة الحج فيما لو أدرك اضطراري المشعر خاصة الذي استفيد منه حكم المقام بالاولوية بروايات أخرى دالة على عدم صحة الحج بادراك اضطراري المشعر خاصة، ك:

رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: «ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس فى المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فان اللّه تعالى أعذر لعبده فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 291

..........

يفيض الناس فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل «1»».

و رواية حريز،

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا، فقال له: «الى طلوع الشمس من يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج و يجعلها عمرة و عليه الحج من قابل «2»». و نحوها روايته الأخرى.

و رواية ضريس بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة الى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال: «يقيم على احرامه و يقطع التلبية حتى يدخل مكة فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف الى أهله إن شاء ... «3»».

و رواية محمد بن الفضيل، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: «إذا أتى جمعا و الناس فى المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له ... «4»» و نحوها رواية ابن سنان «5».

و رواية إسحاق بن عبد اللّه، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشي أن يفوته الموقف، فقال: «له يومه الى طلوع الشمس من يوم النحر فاذا طلعت الشمس فليس له حج فقلت له: كيف يصنع باحرامه؟ قال:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 22: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 23: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(4)- المصدر/ باب 23: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 292

..........

يأتي مكة فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا

و المروة فقلت له: إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال: إن شاء أقام بمكة و إن شاء رجع الى الناس بمنى و ليس منهم في شي ء و إن شاء رجع الى أهله و عليه الحج من قابل «1»».

و تحقيق الكلام في هذه النصوص و مقدار دلالتها على المدعى و تأثيرها في حكم موضوع الكلام هو أن نقول:

أما رواية الحلبي: فهي إنما تعارض ما دل على صحة الحج بادراك الاضطراري لو كان المراد بقوله «فان لم يدرك المشعر ...»- الذي هو موضع الاستشهاد في هذه الرواية- أنه لم يستطع إدراك المشعر قبل طلوع الشمس، بان قدم و قد فاته ذلك، فيكون موضوعه من قدم و قد فاتته عرفات.

و لكن ظاهرها غير ذلك، بل ظاهرها أنه لم يأت بالوقوف بالمشعر الاختياري، فمعنى الرواية: ان من قدم و قد فاتته عرفات وجب عليه الوقوف بالمشعر، فان وقف تمّ حجه، و ان لم يقف عمدا او غير ذلك فلا حج له. فموضوع الحكم من فاتته عرفات و وجب عليه الوقوف بالمشعر، و المراد بالادراك و عدم الاتيان بالوقوف و عدمه، إذ لا معنى لقوله: «و قد تم حجه إذا أدرك ...»

بعد قوله فليقف بالمشعر، إلا ان يراد به «إذا وقف بالمشعر». و حينئذ فيكون قوله: «فان لم يدرك» بمعنى «فان لم يقف» إذ ضمير «يدرك» راجع الى من وجب عليه الوقوف بالمشعر، فلا معنى لعدم الادراك إلا ما ذكرنا.

و على هذا تكون الرواية أجنبية عما نحن فيه و عن ادراك اضطراري المشعر خاصة تماما.

و أما رواية حريز: فان أراد من قوله: «فاته الموقفان جميعا» أنه لم يدرك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب الوقوف

بالمشعر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 293

..........

اختياري الموقفين، فالحكم بالبطلان إذا طلعت الشمس من يوم النحر كما ينافي ما دل على صحة الحج إذا أدرك اضطراري المشعر خاصة كذلك ينافي ما دلّ على صحة الحج إذا أدرك اضطراري عرفة و المشعر، لانه بإطلاقه يشمل كلا الفردين.

فهو يعارض رواية ابن المغيرة على الاحتمال الأول، لكن رواية العطار الواردة في خصوص من أدرك الاضطراريين تقيدها.

و إن اراد من قوله المزبور انه لم يصل إلا بعد فوات الموقفين، فيكون موضوعه من لم يدرك شيئا منهما سوى اضطراري المشعر، فتصادم ما دل على صحة الحج بادراك اضطراري المشعر، كرواية الفضل.

و يمكن تقديم رواية الفضل باعتبار أن موضوعها أخص و هو من فاته لاضطرار عقلي كالحبس، و موضوع هذه الرواية لم يقيّد، فيعم بإطلاقه كل من فاته سواء كان لعمد أو لغيره.

و على كل حال، فنسبة الروايات السابقة الى هذه الرواية نسبة المقيد الى المطلق.

هذا، مع ما فى التعبير فى الرواية ب: «له إلى طلوع الشمس من يوم النحر» من عدم المناسبة بينه و بين فرض كون الرجل لم يدرك الموقفين الملازم لطلوع الشمس، إلا أن يحمل قوله المذكور على بيان الحكم الكلي و تطبيقه على مورد السؤال لا بيان حكم مورد السؤال عملا. فلاحظ.

و أما رواية ضريس: فهي أجنبية عما نحن فيه مطلقا بالمرة، و ذلك لأن موضوعها المتمتع، و قد تقدم اطباق الروايات على اختلافهما على انتهاء مشروعية المتعة بزوال يوم عرفة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 294

..........

و عليه، فانقلاب التمتع الى الافراد يحتاج إلى دليل، فلعل الأمر بالطواف و السعي و التحلل باعتبار عدم كون المورد من

موارد الانقلاب و إن أمكن إدراك الحج لاعتبار خصوصية في تحقق الانقلاب إلى الافراد. و هذا لا يرتبط بصحة الحج بادراك المشعر قبل الزوال و عدم صحته.

و أما رواية ابن الفضيل: فصدرها يحتمل بدوا أن يراد به السؤال عن حدّ وقت المشعر الاختياري، فلا ترتبط بما نحن فيه. و لكن ذيلها يأبى هذا الاحتمال، فيكون صدرها ظاهرا في تحديد الوقت الذي يدرك به الحج إذا فاته بعض الأعمال و تأخر عن إدراكها، فتكون مما نحن فيه و دالة على عدم اجزاء الاضطراري للمشعر.

و لكنها رواية ضعيفة السند لا تصلح لمعارضة غيرها الدال على الصحة.

و الذي يتحصل من مجموع ما تقدم: أن دليل صحة الحج بادراك الاضطراريين لا معارض له.

و يقع الكلام بعد ذلك فيما لو أدرك خصوص اضطراري المشعر و لم يدرك غيره أصلا، و قد عرفت ان الروايات فيه مختلفة.

و قد نسب الى المشهور القول بالبطلان و اختاره فى «الجواهر «1»».

و على كل، فقد استدل على كلا القولين بروايات كثيرة، و لكن عرفت الخدشة في دلالة أكثرها، مما يدل على الصحة على ما عرفت هو رواية ابن المغيرة بالإطلاق على الاحتمال الأول فيها و بالخصوص على الاحتمال الثاني و رواية الفضل.

و في قبالهما رواية حريز و اسحاق بن عبد اللّه بعد توجيهها بما عرفت. فانها

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 45، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 295

[ب- و المندوب]

ب- و المندوب و المندوبات: الوقوف في ميسرة الجبل (293) فى السفح (294).

تدلان على البطلان و لكن رواية حريز لا تصلح لمعارضة رواية الفضل لعموم رواية حريز لما كان الفوات اختياريا و اضطراريا و اختصاص رواية

الفضل بخصوص الفوات الاضطراري، فتخصص رواية حريز و يثبت المطلوب، و لا مجال لدعوى اختصاص رواية الفضل بخصوص المحبوس لوضوح أن المقصود بالسؤال هو الاضطرار لا خصوصية الحبس.

و بالجملة، فالصناعة تقضي بصحة الحج بادراك اضطراري المشعر بخصوصه.

و من هنا ظهر ما فى «الجواهر «1»» من تقديم روايات نفي الصحة لانها أخص من روايات الصحة، لما عرفت من ان رواية الصحة أخص من رواية البطلان. فتدبر جيدا و تأمل.

______________________________

(293) يدل عليه رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قف في ميسرة الجبل فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقف بعرفات في ميسرة الجبل ... «2»». و المراد ميسرة الجبل بالنسبة الى القادم. من مكة لأنه لأمر لهذا الشخص فاطلاقه يقتضي إرادة ذلك، إذ غيره يحتاج إلى قرينة.

(294) و هو أسفله أو أصله- كما قيل-. و يدل عليه رواية مسمع، عن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 47، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 11: من ابواب احرام الحج و الوقوف بالعرفة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 296

و الدعاء المتلقّى عن أهل البيت عليهم السّلام أو غيره من الأدعية، و أن يدعو لنفسه و لوالديه و للمؤمنين (295).

أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «عرفات كلها موقف و أفضل الموقف سفح الجبل ... «1»».

______________________________

(295) لا اشكال في رجحان الدعاء و الذكر للنصوص الكثيرة الدالة على ذلك، و انما الاشكال في وجوبه فقد ادعى وجوبه و هي دعوى قريبة بلحاظ بعض النصوص «2» الآمرة به الظاهر فى الوجوب و قد حملت على الاستحباب بقرينة بعض النصوص الاخرى و هي:

رواية ابى الجارود، عن

ابى جعفر عليه السّلام، قال: «ليس في شي ء من الدعاء عشية عرفة شي ء موقت «3»».

و رواية عبد اللّه بن جذاعة الازدي، عن ابيه، قال: قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام رجل وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس فبقى ينظر الى الناس و لا يدعو حتى افاض الناس، قال: «يجزيه وقوفه ثم قال: أ ليس قد صلى بعرفات الظهر و العصر و قنت و دعا؟ قلت: بلى قال: فعرفات كلها موقف و ما قرب من الجبل فهو أفضل «4»».

و رواية زكريا الموصلي، قال: سألت العبد الصالح عليه السّلام عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعى أبيه أو بعض ولده قبل ان يذكر اللّه بشي ء أو يدعو فاشتغل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 11: من ابواب احرام الحج الوقوف بالعرفة، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 14: من ابواب احرام الحج و الوقوف بالعرفة.

(3)- المصدر/ باب 16: من ابواب احرام الحج و الوقوف بالعرفة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 297

..........

بالجزع و البكاء عن الدعاء ثم افاض الناس، فقال: «لا ارى عليه شيئا و قد ساء فليستغفر اللّه. أما لو صبر و احتسب لأفاض من الموقف بحسنات أهل الموقف جميعا من غير أن ينقص من حسناتهم شي ء «1»».

و لكن جميع هذه النصوص لا تنفى الوجوب.

أما رواية ابى الجارود فهى لا تنفى لزوم الدعاء و انما تنفى تعيين دعاء معيّن خاص.

و أما رواية جذاعة» فنفيها للوجوب- المدعى- بواسطة ظهور قوله «يجزيه وقوفه» في عدم وجوب غيره.

لكن يمكننا ان نقول إن دعوى ظهورها فى الوجوب أقرب من دعوى نفيها للوجوب، بقرينة السؤال الظاهر في انه عن ترك أمر واجب، و تقرير الامام عليه السّلام

و بيان الاكتفاء بالدعاء اليسير و لو فى الصلاة.

و أما قوله: «يجزيه» فيمكن ان يراد به بيان صحة الحج لادراك الركن و هو الوقوف. و الدعاء على تقدير وجوبه ليس بركن.

و اما رواية الموصلى فدلالتها على الاستحباب بلحاظ قوله و لا ارى عليه شيئا و اما قوله: «و قد اساء ...» فهو ناظر الى الجزع، و لكن الظاهر من قوله «اساء» انه اساء في ترك الدعاء و الذكر فتكون ظاهرة فى الوجوب و أما قوله «لا أرى عليه شيئا» فيمكن ان يكون المقصود به نفي الكفارة.

و بالجملة، لو لم نقل بظهورها تين الروايتين فى الوجوب فلا أقل من احتماله احتمالا مساويا لظهورهما في عدمه فتكونان مجملتين فلا ينفعان في صرف ما دل على الوجوب عن ظاهره.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 16: من ابواب احرام الحج و الوقوف بالعرفة، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 298

و أن يضرب خباءه بنمرة (296)، و أن يقف على السهل (297)، و أن يجمع رحله (298) و يسدّ الخلل، به و بنفسه (299).

و أما احتمال لزوم صرف الوقت جميعه فى الذكر و الدعاء فلا شاهد عليه أصلا من النصوص. و السيرة القطعية تنفيه فلاحظ.

______________________________

(296) تأسيا بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله حيث ضرب خباه بها، كما تدل عليه رواية معاوية بن عمار و للأمر به كما تدل عليه روايته الأخرى «1»، و ان كان يحتمل ان يكون الأمر فيها في مقام توهم الحظر.

(297) يراد به مقابل الحزن لا سفح الجبل لتقدم ذكره، و قد وجه استحبابه بانه مقدمة للاجتماع و التضام المستحب فى الموقف، اذ غيره لا يتيسر فيه ذلك إلا بتكلف.

(298) علّله

فى «المدارك «2»» بكونه مساعدا على التوجه الى الدعاء.

(299) قيل: ان المقصود ان المراد به انه يأكل ان كان جائعا و يشرب ان كان عطشانا.

و قيل: ان المراد به سد الفرج الكائنة على الأرض بان لا يدع بينه و بين أصحابه فرجة لتستتر الارض التي يقفون عليها، و هذا هو الظاهر من روايتى

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 9: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 414، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 299

و أن يدعو قائما (300).

و يكره الوقوف في أعلى الجبل (301)، و راكبا، و قاعدا.

سعيد بن يسار و معاوية بن عمار فراجعهما «1».

______________________________

(300) لا دليل عليه من النصوص، و انما علل بانه اشق من الدعاء راكبا او جالسا و اشق الاعمال أحمزها «2».

وفية ما لا يخفى.

كما استدل عليه بالاجماع المدعى في كلام العلامة رحمه اللّه «3».

و فيه انه يشكل الاعتماد عليه بعد ما ورد «4» من وقوف حج النبي صلّى اللّه عليه و آله على ناقته، و الامام الصادق عليه السّلام «5» على بغلته.

و منه يظهر الحال في دعوى كراهة الوقوف راكبا. فتدبر.

(301) لما ورد «6» من الوقوف فيه عند الضيق فانه ظاهر فى المرجوحية عند عدمه. هذا مع دلالة رواية اسحاق بن عمار، عليه قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب أليك أم على الارض؟ فقال: «على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من ابواب احرام الحج، ح 1 و 2.

(2)- السرخسي: المبسوط، ج 30: ص 52، ط بيروت.

المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي: بحار الانوار، ج 82:

ص 229، الطبعة الاولى.

(3)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 8: ص 169، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 11: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(5)- المصدر/ باب 12: من ابواب احرام الحج، ح 1.

(6)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 300

[القول فى الوقوف بالمشعر]

اشارة

القول فى الوقوف بالمشعر و النظر في مقدمته، و كيفيته

[أما المقدمة:]

أما المقدمة:

فيستحب: الاقتصاد في سيره إلى المشعر، و أن يقول اذا بلغ الكثيب الاحمر عن يمين الطريق: «اللهم ارحم موقفي، و زد في عملي، و سلّم لي ديني، و تقبل مناسكي (302)»، و أن يؤخر المغرب و العشاء الى المزدلفة، و لو صار الى ربع الليل (303).

الارض «1»».

______________________________

(302) يدل على ذلك رواية معاوية بن عمار «2»، و ظاهرها و ان كان هو الوجوب للأمر لكن السيرة القطعية بل الضرورة قاضية بعدمه.

(303) أما التأخير: فتدل عليه:

رواية محمد بن مسلم، عن احدهما عليهما السّلام، قال: «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا و ان ذهب ثلث الليل «3»».

و رواية سماعة، قال: سألته عن الجمع بين المغرب و العشاء الآخرة بجمع فقال: «لا تصلحهما حتى تنتهى الى جمع و ان مضى من الليل ما مضى فان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 12: من ابواب احرام الحج، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 1: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 5: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 301

..........

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جمعهما باذان واحد و اقامتين كما جمع بين الظهر و العصر بعرفات «1»». و غيرهما.

و ظاهر هذه النصوص و ان كان النهي و مقتضاه عدم الصحة لو صلاهما في عرفات.

لكن الظاهر أن النهي ليس بلحاظ شرطية اصل الوقت حتى يكون دليلا على لزوم التأخير. بل بلحاظ أفضلية المبادرة إليهما، فيكون دليلا على أفضلية التأخير لا أكثر.

و يدل على عدم لزوم ايقاعهما فى المزدلفة:

رواية هشام بن الحكم، عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس بأن

يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة «2»».

و رواية محمد بن مسلم، عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «عثر محمل أبي بين عرفة و المزدلفة» منزل فصلى المغرب و صلى العشاء بالمزدلفة «3»».

و رواية محمد بن سماعة بن مهران، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يصلي المغرب و العتمة فى الموقف، فقال: «قد فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلاهما فى الشعب «4»».

و روايتا هشام و محمد بن مسلم و ان كان موضوعهما المغرب فقط لكنها يدلان على ان النهي السابق وارد في قبال الأفضلية لا أكثر، اذ موضوعه المغرب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 5: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 302

و [إن، خ ل] لو منعه مانع صلى فى الطريق (304)، و أن يجمع بين المغرب و العشاء (305)، بأذن واحد و اقامتين، من غير نوافل بينهما، و يؤخر نوافل المغرب الى بعد العشاء.

و العشاء، فلا بد ان يراد به معنى واحد لا معينين.

و أما حدّ التأخير: ففي رواية محمد بن مسلم المتقدمة حدد و لو بذهاب ثلث الليل، و في رواية سماعة حدد و لو بمضي ما يمضي من الليل.

أما ذهاب ربع الليل كما فى المتن فلا أثر له فى النصوص. و هو يبتني على كون وقت فضيلة المغرب و العشاء ينتهي به، و المصنف لا يلتزم به- كما فى «الجواهر «1»»- فليس لما ذكره فى المتن وجه ظاهر.

______________________________

(304) كما تدل عليه رواية محمد بن مسلم المتقدمة.

(305) يدل على رجحان ذلك رواية سماعة المتقدمة.

و رواية الحلبي، عن أبى عبد

اللّه عليه السّلام، قال: قال: «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا فصل بها المغرب و العشاء الآخرة باذان واحد و اقامتين ... «2»».

و رواية عنبسة بن مصعب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة، فقال: «صلّها بعد العشاء الآخرة اربع ركعات «3»».

و رواية منصور بن حازم، عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «صلاة المغرب و العشاء

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 62، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 303

[أما الكيفيّة:]

و أما الكيفيّة:

فالواجب النيّة (306).

بجمع بأذان واحد و اقامتين و لا تصل بينهما شيئا و قال: هكذا صلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «1»» و غيرها.

و يدل على جواز عدم الجمع و التنفل بينهما و به ترفع اليد عن ظهور ما تقدم في عدم المشروعية، رواية ابان بن تغلب، قال: «صليت خلف أبي عبد اللّه عليه السّلام المغرب بالمزدلفة فقام فصلّى المغرب ثم صلّى العشاء الآخرة و لم يركع فيما بينهما ثم صليت خلفه بعد ذلك سنة فلما صلّى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات «2»».

لظهور النص في كون صلاته خلفه بعد سنة فى المزدلفة لا في غيرها و إلا لم يحتج ذلك الى بيان لعدم توهم غيره في غير المزدلفة.

______________________________

(306) ليس في النية هاهنا بحث جديد غير البحث فيها في سائر المقامات سوى انه لو قيل بلزوم الاخطار في نية العمل و عدم تحقق المقربية بدونه، كان اللازم الاخطار في نية الوقوف بالمشعر، و ان كان جزء، فانه و ان لم

يعتبر الاستمرار في الاظهار بالنسبة الى كل جزء جزء و باستمرار العمل.

و لكنه انما التزم بذلك فى الموارد التي قام الدليل القطعي على عدم لزوم الاخطار في الاثناء كالصلاة و الصوم، و لم يثبت ذلك فى الحج خصوصا لمثل الوقوف بالمشعر الذي يعدّ هو الركن الاساسي للحج و الذي به قوام العمل.

فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

(2)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 304

و الوقوف بالمشعر (307)، و حدّه ما بين المأزمين الى الحياض، الى وادي محسّر (308)، و لا يقف بغير المشعر، و يجوز مع الزحام الارتفاع الى الجبل (309).

______________________________

(307) هذا الحكم من الضروريات في باب الحج و لما ورد من ان الوقوف بالمشعر فريضة، و من الأمر بالوقوف به الظاهر فى الوجوب.

(308) هذا التحديد هو نص التحديد الوارد في رواية معاوية بن عمار «1»، و بنظيره حددت في غيرها من الروايات «2» الواردة في هذا الباب. و المراد بالمأزمين إما الجبلان الواقعان على جانبي الطريق الضيق او نفس الطريق بين الجبلين.

و على كل حال فلا اشكال في خروجهما عن الموقف كخروج وادي محسر و الحياض، لظهور النصوص في ذلك، و إن كان يأتي احتمال دخولها فيه فى الذهن باعتبار انه لا ظهور ل: «من و الى» في عدم دخول مدخولهما فى المحدود، فلعل التحديد بلحاظ نهاية مدخولها لا بدايته.

(309) هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب- كما فى «المدارك «3»»- و مستنده رواية سماعة قال: «قلت لأبى عبد اللّه عليه السّلام إذا كثر الناس بجمع و ضاقت

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 8: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)-

المصدر.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 7: ص 422، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 305

و لو نوى الوقوف ثم نام، أو جنّ، أو اغمي عليه، صحّ وقوفه (310)، و قيل: لا، و الأول اشبه.

عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الى المأزمين «1»».

و هذا الرواية غير صريحة فى المدعى إذ يمكن أن يراد بها بيان ان المشعر ينتهي بالمأزمين لا بما قبله مما يلي منى، فلا يتحقق التحقيق على الحاج و انه للحاج ان يقف اين ما يشاء إلى المأزمين، و لذا لم يقل يرتفعون على المأزمين و إنما قال: الى. فتدبر.

______________________________

(310) هذا إذا تحقق منه الوقوف بمقدار الركن. و أما لو لم يتحقق منه ذلك بان كان نومه و جنونه مستوعبا فلا يصح وقوفه و لو كان قد نوى الوقوف قبل نومه من حين وقته، إذ لم يتحقق منه الواجب الركني العبادي، و قياسه بالصوم غير صحيح، لقيام الدليل الخاص عليه.

هذا، مع احتمال ان المطلوب فى الصوم مجموع التروك لا جميعها احتمالا قويّا، و هو يتحقق بقصد أحدها. كما تقدم تحقيقه في محله فراجع.

ثم إنه لو كان يجب عليه الوقوف أزيد من المقدار الركني لم يجز له النوم اختياريا، لعدم تحقق الواجب به بعد أن كان الواجب عباديا يتوقف على القصد المفقود في حال النوم، و لا يقاس المورد بالصوم لما عرفت. فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 9: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 306

و أن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر (311).

______________________________

(311) يقع الكلام في جهات ثلاث:

الأولى: في تحديد وقت الركن من الوقوف بالمشعر و

أنه هل يبتدئ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أو يبتدئ من الليل الى طلوع الشمس؟

الثانية: إنه على تقدير أن وقت الركن من الليل الى طلوع، الشمس فهل يجب الوقوف بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس فيكون واجبا غير ركن أو لا يجب؟

الثالثة: انه هل يجب المبيت فى المشعر أو لا يجب؟

أما الجهة الاولى: فلا إشكال في أن امتداد الوقوف الركني الى طلوع الشمس، كما تدل عليه النصوص الكثيرة الدالة على إدراك الحج بادراك المشعر قبل طلوع الشمس، كما تقدم ذكرها.

و اما ابتداؤه فلا دليل على ان وقته من طلوع الفجر بل الذي يظهر من النصوص «1» أن الوقوف الركني يتحقق بالوقوف قبل الفجر من الليل، و سيظهر ذلك واضحا فى الكلام عن الجهتين الآخرتين.

و أما الجهة الثانية: فقد ادعي لزوم الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر و عدم جواز الافاضة منه قبل الفجر، و استدل عليه بروايات:

الأولى: رواية جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليه السّلام، قال:

______________________________

(1)- وجهه: ما يظهر من الروايات الآتية من صحة الحج مع الإفاضة قبل الفجر و لو كان عن عمد. و منه يظهر ان الركن هو المسمّى و تحقق الوقوف و لو قليلا و لا يعتبر فيه الاستغراق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 307

..........

«لا بأس أن يفيض الرجل بليل اذا كان خائفا «1»». فان مفهوم الشرط فيها دال على عدم جواز الافاضة فى الليل مع عدم الخوف.

الثانية: ما ورد «2» من ان النبي صلّى اللّه عليه و آله رخّص الافاضة بالليل للمرأة و المضطر، فان ظاهر الترخيص كون العمل في نفسه محرّما.

الثالثة: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أصبح

على طهر بعد ما تصلي الفجر فقف ان شئت قريبا من الجبل و ان شئت حيث شئت ... «3»»

الرابعة: رواية مسمع عن أبي إبراهيم [عبد اللّه، خ ل] عليه السّلام في رجل وقف مع الناس بجمع ثم افاض قبل ان يفيض الناس، قال: «إن كان جاهلا فلا شي ء عليه و ان كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة «4»». فان ظاهر جعل الكفارة تحقق الحرام او ترك الواجب منه.

الخامسة: رواية علي بن رئاب: ان الصادق عليه السّلام قال: «من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى الى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة «5»».

و لكن للخدشة في جميع ذلك مجال.

أما رواية جميل، فهي- على تقدير دلالتها و عدم المناقشة فيها بان «اذا» لم تسق هاهنا للشرطية بل للتوقيت و تحديد الموضوع لا غير، و بان اثبات البأس بواسطة المفهوم لا يلازم الحرمة بل هو أعم منها و من الكراهة و بانها غاية ما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 17: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- المصدر، ح 7.

(3)- المصدر/ باب 11: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 16: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(5)- المصدر/ باب 26: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 308

..........

تثبت حرمة الافاضة ليلا و وجوب المبيت لا وجوب الوقوف بعد الفجر- مرسلة لا تصلح للاعتماد عليها في اثبات الحكم.

و أما ما ورد من ترخيص النبي صلّى اللّه عليه و آله فهو لا يدل على التحريم بالنسبة الى غير المرأة و المضطر، إذ الترخيص كما يتناسب مع التحريم يتناسب مع الكراهة.

هذا، مع انها لا

تدل إلا على لزوم المبيت و البقاء ليلا، لا- وجوب الوقوف بعد طلوع الفجر الذي هو محل الكلام.

و أما رواية معاوية بن عمار، فلا ظهور لها في ايجاب الاصباح، بل المسوق له الكلام هو الأمر بالطهارة عند الاصباح، فالأمر بالاصباح مسوق لبيان محبوبية الاصباح على طهر، لا أصل الإصباح، و هو أمر ندبي بلا إشكال، فيحتاج وجوب الاصباح الى دليل. و لذا أوردها صاحب الوسائل في باب استحباب الطهارة فى الوقوف.

و أما رواية مسمع، فلأن ظاهر قوله عليه السّلام: «و ان كان افاض ...» هو كونه تقسيما للجاهل فيكون المعنى ان الجاهل ان أفاض بعد طلوع الفجر لا شي ء عليه و ان افاض قبله فعليه شاة، لا انه بيان لحكم العامد العالم في قبال الجاهل.

و حينئذ، فلا يكون اثبات الكفارة ظاهرا فى التحريم هاهنا، و ان سلمنا ظهوره في نفسه، لان موضوعه الجاهل و هو معذور إلا ان يقال ان الجهل هاهنا عن تقصير، إذ هو الظاهر في مثل هذه الموارد للتمكن من السؤال، فيمكن أن يكشف اثبات الكفارة عن ثبوت الحكم و عدم معذوريته فيه.

و عليه، فيتم المطلوب، لكن نقول أن ظهورها فى المدعى- لو سلم- لا يناهض ظهور رواية هشام بن سالم و غيره، آ عن ابى عبد اللّه عليه السّلام، انه قال: «فى التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به و التقدم من مزدلفة الى

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 309

فلو أفاض قبله عامدا (312).

منى يرمون الجمار و يصلّون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس، فى الدلالة على جواز الافاضة قبل الفجر «1»».

و أما رواية علي بن رئاب، فهي انما ترتبط بلزوم المبيت

كما تقدم، هذا لو كان مفادها ما ذكرناه من تحقق الوقوف و عدم المبيت، و أما لو كان مفادها عدم تحقق الوقوف- كما استظهر ذلك منها- فبعدها عما نحن فيه أوضح.

و الّذي يتحصل بأيدينا: انه لا دليل على لزوم الوقوف بعد طلوع الفجر بل الدليل على خلافه.

و أما الجهة الثالثة: و هي المبيت ليلا، فلا دليل عليه من النصوص- أيضا- سوى رواية ابن رئاب على المفاد الذي استظهرناه منها.

هذا، و لكن الانصاف هو لزوم المبيت و الوقوف بعد طلوع الفجر الى ما قبيل طلوع الشمس، لقيام السيرة القطعية على ذلك، كما قد تظهر من النصوص كرواية مسمع و الروايات الواردة في الالزام بالوقوف ناظرة الى الالزام بما هو المعروف المتداول فلا مجال للتمسك بإطلاقها، و الالتزام بوجوب المسمى. فتدبر جيدا.

هذا هو التحقيق، و عبارة المتن بظاهرها لا تخلو عن غموض و قد أشار إليه الأعلام المحشين و لا يهمنا التعرض إليه بعد أن عرفت تحقيق الحال.

______________________________

(312) الوجه فيه رواية مسمع المتقدمة بناء على ظهورها في الاحتمال الآخر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 17: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 310

بعد أن كان به ليلا- و لو قليلا- لم يبطل حجه، اذا كان وقف بعرفات، و جبره بشاة، و يجوز الافاضة قبل الفجر للمرأة، و من يخاف على نفسه من غير جبر (313)، فلو أفاض ناسيا لم يكن عليه شي ء (314).

و يستحب الوقوف بعد أن يصلي الفجر (315)، و ان يدعو بالدعاء المرسوم (316).

الذي ادعينا أنه خلاف الظاهر.

______________________________

(313) للنصوص الكثيرة كرواية علي بن أبي حمزه، عن أحدهما عليهما السّلام، قال:

«أي مرأة أو رجل خائف أفاض من

المشعر الحرام ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ... «1»».

(314) لادراكه الركن بالوقوف الليلي، و الكفارة تنفى بأصالة البراءة، أما اذا كان الواجب الركني هو الوقوف بعد طلوع الفجر فيشكل الأمر و يكون من مصاديق من لم يقف بالمشعر عن نسيان و سيأتي الكلام فيه.

(315) الوجه فيه هو رواية معاوية بن عمار المتقدمة لقوله عليه السّلام فيها «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر فقف ...» و قد عرفت الكلام فيها. فراجع.

(316) كما تدل عليه رواية معاوية بن عمار «2» و غيرها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 17: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 11: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 311

أو ما يتضمن الحمد للّه و الثناء عليه و الصلاة على النبي و آله عليهم السّلام، و أن يطأ الصرورة المشعر برجله (317)، و قيل: يستحب الصعود على قزح، و ذكر اللّه عليه.

[مسائل خمس:]

اشارة

مسائل خمس:

[الأولى: وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس]

الأولى: وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر الى طلوع

______________________________

(317) لرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و انزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر و يستحب للصرورة ان يقف على المشعر الحرام و يطأه برجله «1»».

و لا يخفى أن ظاهر النص أن المراد بالمشعر مكان خاص لا المشعر الذي يجب الوقوف فيه، لقوله «قريبا من المشعر» و لعل المراد به الجبل المسمى بقزح كما قيل «2».

و عليه، فلا يكون محل لقوله فى المتن بعد ذلك: «و قيل: يستحب الصعود على قزح».

و أما التعبير في رواية سليمان بن مهران «3» بوجوب وطء المشعر فليس المراد به الوجوب الاصطلاحي بل الوجوب بمعنى الثبوت، كما هو معناه لغة جمعا بينه و بين رواية الحلبي و غيرها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: ص 368، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 312

الشمس، و للمضطر الى زوال الشمس (318).

[الثانية: من لم يقف بالمشعر، ليلا و لا بعد الفجر، عامدا]

الثانية: من لم يقف بالمشعر، ليلا و لا بعد الفجر، عامدا بطل حجه (319)، و لو ترك ذلك ناسيا لم يبطل، ان كان وقف بعرفات (320).

______________________________

(318) قد عرفت أن وقت الوقوف من الليل الى طلوع الشمس. و أما تحديد الاضطراري بزوال الشمس فهو الذي تدل عليه النصوص الكثيرة الدالة على إدراك الحج بادراك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر التي تقدم ذكرها، و عليه الاجماع و ان كان يتوهم من كلام السيد المرتضى رحمه اللّه «1» امتداده إلى الليل لتعبيره باليوم، و

لكن قيل انه يمكن أن يكون مراده إلى الزوال لصحة التعبير مع ذلك. فلا تثبت مخالفة السيد للاصحاب.

(319) لما دل «2» على أن من فاتته المزدلفة فقد فاته الحج. و المراد بها المزدلفة المشروعة في حقه، و هو الى طلوع الشمس، إذ دليل تشريع الاضطراري لا يشمل العامد.

(320) تقدم الكلام فيما لو أدرك اختياري العرفة و لم يدرك اختياري المشعر، و ان له صورتين إحداهما انه لم يدرك المشعر اصلا و الأخرى أنه أدرك اضطراري المشعر.

و عرفت أن المختار صحة الحج فى الثانية، و عدم صحته في الأولى، إلا للجاهل دون الناسي و غيره.

______________________________

(1)- علم الهدى، السيد مرتضى: الانتصار/ المسألة 2 (سلسلة الينابيع الفقهية)، ج 7: ص 114.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 25: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 313

و لو تركهما جميعا بطل حجه، عمدا أو نسيانا (321).

[الثالثة: من لم يقف بعرفات و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس،]

الثالثة: من لم يقف بعرفات و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس، صحّ حجه، و لو فاته بطل، و لو وقف بعرفات، جاز له تدارك المشعر الى قبل الزوال (322).

[الرابعة: من فاته الحج، تحلل بعمرة مفردة]

الرابعة: من فاته الحج، تحلل بعمرة مفردة (323).

______________________________

(321) إن كان المقصود بضمير التثنية ترك الوقوف بعرفات و المشعر، كما لعله الظاهر، فالحكم بالبطلان ظاهر. و لو كان المقصود ترك اختياري و اضطراري المشعر، فالحكم بالبطلان صحيح على المختار، و لكنه غير صحيح على مختار «الجواهر «1»» على ما تقدم، مع انه حكم هاهنا بالبطلان كما هو ظاهر عبارته.

(322) هذه المسألة تتكفل امرين:

أحدهما: بطلان الحج بادراك اضطراري المشعر خاصة، و لكن تقدم تقريب صحته.

الثاني: صحة الحج بادراك اختياري عرفات و اضطراري المشعر و هو صحيح، كما تقدم، فراجع.

(323) لا اشكال في مشروعية التحلل من إحرامه بعمرة مفردة، للنصوص «2» الكثيرة الدالة على ذلك، كرواية معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 85، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 314

..........

أدرك جمعا فقد أدرك الحج قال: و قال ابو عبد اللّه عليه السّلام ايما حاج سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة الى الحج قدم و قد فاته الحج فليجعلها عمرة و عليه الحج من قابل».

إنما الاشكال في أنه هل يلزمه ذلك أو انه له ذلك كما له البقاء محرما الى العام القابل فيحج باحرامه؟

ذهب صاحب الجواهر «1» إلى الأول و ادعى أنه لم يجد الخلاف فيه بيننا، نعم، حكي جوازه عن ابني حمزه و البراج «2»

مع عدم الاشتراط.

و يستدل على الوجوب بظهور الأمر بالعمرة في رواية معاوية و غيرها فى الوجوب.

و لكن فيه: أن هذا الأمر وارد مورد توهم الحظر، إذ المتخيل لزوم البقاء و عدم المحلّل، و معه لا يدل على اللزوم بل على أصل المشروعية، و لكن مع هذا الأقوى هو الالتزام بوجوب العمرة لا لما ذكر، بل لما ورد في بعض النصوص من التعبير ب: «هي عمرة» الظاهر في تحقق الانقلاب القهري، كرواية محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: «إذا أتى جمعا و الناس فى المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له ... «3»».

ثم إنه وقع الكلام في لزوم تجديد النية في احرامه و عدمه.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 86، الطبعة الاولى.

(2)- لم نعثر على هذه النسبة إليهما امّا ابن حمزه فرأيه موافق للمشهور (الوسيلة/ سلسلة الينابيع الفقهية، ج 8: ص 440). و امّا ابن البراج لم يتعرض لهذه المسألة إلّا ان صاحب الجواهر نسب هذا الرأى إليهما (جواهر الكلام، ج 19: ص 86).

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 315

ثم يقضيه إن كان واجبا، على الصفة التي وجبت، تمتعا أو قرانا أو افرادا (324).

فقيل: بلزوم تجديدها و هو المحكي عن الفاضل «1» في جملة من كتبه، و لعله لأجل الأمر فى النص بجعلها عمرة.

و لكن التحقيق: انه لا يلزم التجديد لما ذكرناه من ان الاحرام

حكم وضعي مسبب عن الفعل الحدوثى الواقع، و اذا وقع لم يقبل الانعدام سواء نواه أو نوى عدمه الا بسبب خاص و ليس هو فعل المكلف استمراريا كي يكونه نية العمرة فيه. نعم، يلزمه نية العمرة في الافعال المحلّلة كالطواف و غيره.

______________________________

(324) الذي يظهر من بعض النصوص هو لزوم القضاء من دون تقييد له بما اذا كان واجبا، كرواية معاوية المتقدمة و غيرها، فان ظاهر التعبير ب: «عليه الحج من قابل» لزوم الحج عليه.

كما أن ظاهر رواية ضريس بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر، فقال: «يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حتى يدخل مكة فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه (و فى «الفقيه «2»»: و يذبح شاته)، و ينصرف الى أهله إن شاء و قال:

هذا لمن اشترط على ربه عند احرامه فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من قابل «3»» التفصيل في وجوب القضاء بين صورة الاشتراط و عدمه.

______________________________

(1)- الحلي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء، ج 8: ص 410، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 385/ ح 2772.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 12.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 316

[الخامسة: من فاته الحج، سقطت عنه افعاله]

الخامسة: من فاته الحج، سقطت عنه افعاله (325)، و يستحب له هذا، إذا قلنا بان مفادها ما استظهره القوم منها بان يكون المراد من قوله:

«فان عليه ...» أن عليه الحج مضافا الى التحلل بالعمرة في قبال المشترط الذي ليس عليه إلا العمرة المفردة.

و لكن

الذي نستظهره منها هو كون المراد منها التفصيل بين صورة الاشتراط و عدمه فى التحلل بالعمرة على الأول و عدم التحلل بها على الثاني، بل يبقى محرما الى العام القابل فيحج باحرامه و يتحلل بالحج، فان المشار إليه بقوله:

«هذا» هو أصل التحلل بالعمرة، لا مجرده بلا انضمامه الى عمل آخر، فيدل على أن التحلل بالعمرة لا يكون لمن لم يشترط و إنما عليه الحج من قابل. و لكن هذا الظاهر لم يلتزم به و لذا تكون الرواية على هذا من المطروحات لانها تدل على ما لا يلتزم به أحد.

و على أي حال: فظاهر النصوص لزوم الحج بان يكون فوات الحج سببا من اسباب لزوم الحج نظير الافساد و لذا لا نلتزم باجزائه عن الحج الذي بذمته لو كان.

هذا، و لعل عدم الالتزام بوجوبه هو حمل النصوص على الحكم الارشادي بان يكون مفادها أن حجه لما فات، فلا يكون إلا فى القابل فاذا أراد أن يؤديه فعليه الحج من قابل. و لكن خلاف الظاهر كما عرفت.

و على كل، فالاحتياط يلزم بالحج من قابل فتدبر.

______________________________

(325) هذا لا اشكال فيه و لانه مقتضى فوات الحج و لدلالة النص عليه بالخصوص، كرواية حريز، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد الحج فاته الموقفان

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 317

الاقامة بمنى الى انقضاء أيام التشريق، ثم يأتي بافعال العمرة التي يتحلل بها (326).

جميعا، فقال له: «الى طلوع الشمس من يوم النحر فان طلعت الشمس يوم النحو فليس له حج و يجعلها عمرة و عليه الحج من قابل، قلت: كيف يصنع؟ قال:

يطوف بالبيت و بالصفا و المروة فان شاء أقام بمكة و ان شاء

اقام بمنى مع الناس، و إن شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شي ء «1»». و هذا مما لا كلام فيه.

إنما الكلام في سقوط الهدي فقد ادعى عدم سقوطه، لانه بمنزلة المحصور و لرواية ضريس المتقدمة- على رواية الفقيه التي عرفتها-. و لكن قياسه بالمحصور قياس مع الفارق.

و أما رواية ضريس، فقد استشكل فيها فى الجواهر «2» بان اضافة الشاة إليه تشعر بأنه كانت معه شاة عيّنها للهدي بنذر و نحوه، و لكن لا إشعار للاضافة فيما ذكره فى الجواهر، إذ يمكن ان تكون الاضافة باعتبار أنه من الواجبات عليه في نفسه و قبل الفوات، فهو نظير إضافة سائر الاعمال إليه كالعمرة و الحج و نحوهما.

و عليه، فيقرب الالتزام بلزوم الهدي عليه إذا كان متمتعا للرواية.

______________________________

(326) لرواية معاوية بن عمار قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل جاء حاجا ففاته الحج و لم يكن طاف. قال: يقيم مع الناس حراما أيام التشريق و لا عمرة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 4.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 89، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 318

[خاتمة]

خاتمة اذا ورد المشعر، استحب له التقاط الحصى منه (327).

فيها، فاذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة ... «1»».

______________________________

(327) بلا خلاف أجده فيه- كما فى «الجواهر «2»»- و استدل له، ب:

رواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الحصى التي يرمى بها الجمار، فقال تؤخذ من جمع، و تؤخذ بعد ذلك من منى «3»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: «خذ حصى الجمار من جمع، و إن

أخذته من رحلك بمنى أجزأك «4»».

بضميمة ما دل على الجواز من أي مكان من الحرم فان مقتضى الجمع حمل الأمر على الندب.

و لكن الانصاف أنه لا ظهور لها فى المدعى، بل غاية ما تدلان عليه جواز التقاط الحصى من المشعر و غيره من دون خصوصية فيه، إذ قوله «تؤخذ ...» و «خذ» واردان مورد توهم عدم الجواز، فهما لبيان الجواز لا غير، و انه لا فرق بين أماكن الحرم، كما انه لا ظهور في قوله «بعد ذلك» في رواية زرارة في استحباب أخذ الحصى من منى بالرتبة الثانية، بل ظاهره إرادة البعدية الزمانية بمعنى أنه بعد أن تفارق المشعر خذ الحصى من منى.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 27: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 91، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 18: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(4)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 319

و هو سبعون حصاة، و لو أخذه من غيره جاز، لكن من الحرم عدا المساجد (328)، و قيل: عدا المسجد الحرام، و مسجد الخيف (329).

و بالجملة، لا ظهور للروايتين في الأمر، بل هما ظاهرتان في بيان الجواز.

______________________________

(328) لرواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك و ان أخذته من غير الحرم لم يجزئك ... «1»». و يدل عليه غيرها فراجع.

(329) حكي هذا القول عن الاكثر- كما فى «الجواهر «2»»- و قد يستدل له بعدم جواز اخراج الحصى من المسجد، و لكنه لو سلم حرمة اخراج الحصى منه فلا تقتضى حرمة الرمي به.

و دعوى أن الرمي به

يستلزم تضييعه لاختلاطه بغيره فيكون سببا توليديا لاتلافه.

تندفع: بانها أخص من المدعى، لامكان تعليم الحصى بعلامة يمكنه بها استخراجه من بين مجموع الحصى.

نعم، لو قيل بحرمة التصرف فيما هو من اجزاء المسجد إلا فيما يرجع لشئون المسجد من الصلاة و نحوها، و ليس الرمي منها، كان الرمي تصرفا محرما، فيكون المورد من موارد اجتماع الأمر و النهي.

و لكنها لا دليل عليها، إذ لا دليل على حرمة التصرف بالحصى بالرمي و

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 92، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 320

و يجب فيه شروط ثلاثة: أن يكون مما يسمى حجرا، و من الحرم، و أبكارا (330).

نحوه.

و بالجملة، لا ظهور في كون الاستثناء على طبق القاعدة، و لكن النص يدل عليه و هو رواية حنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من المسجد الحرام و مسجد الخيف «1»».

______________________________

(330)

الشرط الاول: فى الحصى أن تكون مما يسمى حجرا.

و الذي يظهر من الحجر انه أعم من الحصى لانطباقه على الحجر الكبير جدا مع عدم صدق الحصى عليه، كما ينطبق على الصغير جدا و لا ينطبق عليه الحصى، و لعل مراده بالشرط المزبور مع سبق أخذ الحصى في موضوع الحكم، و هو الوارد فى النصوص، هو ما يقابل الجواهر و الكحل و الزرنيخ و العقيق، فالكلام مسوق لبيان تحديد جنس الحصى فهو تقييد فى الحصى، فلا يتمسك بإطلاقه و يحكم بجواز الرمي بالحجر الكبير.

و بالجملة، المدار على صدق الحصى إذ هو الذي ورد فى النصوص و لا

أثر للحجر فيها أصلا.

و الشرط الثاني: ان تكون من الحرم و يدل عليه رواية زرارة المتقدمة و مرسلة حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته من اين ينبغي أخذ حصى الجمار؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 321

و يستحب أن يكون برشا، رخوة (331).

قال: لا تأخذ من موضعين: من خارج الحرم و من حصى الجمار و لا بأس بأخذه من سائر الحرم «1»».

و الشرط الثالث: أن تكون أبكارا بمعنى أنه لم يرم بها الجمار رميا صحيحا، و يدل عليه مرسلة حريز المتقدمة و نحوه خبر عبد الأعلى، كما استدل عليه بالسيرة و التأسي و الاجماع.

و لكن كل ذلك لا ينهض لاثبات الشرطية، لضعف سند الروايات، و السيرة لا تدل على اللزوم، إذ يمكن ان يكون بنحو الاستحباب و عمل النبي صلّى اللّه عليه و آله لا يدل على اللزوم أيضا، و الاجماع لا يحرز كونه تعبديا بعد وجود هذه الوجوه و غيرها من الوجوه الاستحسانية التي ذكرها فى «الجواهر «2»».

و عليه، فالحكم بشرطية كونها بكرا بنحو الاحتياط لا بأس به.

ثم الظاهر أن المراد بكونها بكرا أنها لم يرم بها في ذلك العام لا مطلقا للعلم- ظاهرا- بان الحصى ينتشر في أرض منى و غيرها و لم تقم السيرة و غيرها على التثبت من عدم تحقق الرمي بهذه الحصاة فى العام الماضي. فتدبر.

______________________________

(331) لرواية هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حصى الجمار، قال: «كره الصم منها، و قال: خذ البرش «3»».

و الأمر و ان كان فى الوجوب لكنه محمول على الندب بقرينة السيرة العملية

______________________________

(1)-

وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 95، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 322

بقدر الأنملة، كحيلة منطقة ملتقطة (332).

و يكره أن تكون صلبة، أو مكسّرة (333).

القطعية على خلافه و المراد بالبرش: ما كانت فيها نقط تخالف لونها، أو ما كانت متخالفة فى اللون بحيث يكون البرش بلحاظ المجموع، و فسّر بغير ذلك.

و لا يهم تحقيق ذلك بعد ما كان الحكم استحبابيا. و أما الرخوة، فيراد بها ما يقابل الصلادة و الصلابة و هو المراد بالصم المكروه.

______________________________

(332) لرواية البزنطي، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «حصى الجمار تكون مثل الانملة و لا تأخذها سوداء و لا بيضاء و لا حمراء خذها كحلية منقطة ... «1»».

و يدل على الالتقاط رواية أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

«التقط الحصى و لا تكسرون منه شيئا «2»».

(333) أما كراهة الصلابة فلرواية هشام المتقدمة. و أما كراهة كونها مكسرة، فلرواية أبي بصير المتقدمة و هي ظاهرة في أن الموضوع الكسر بلا خصوصية لاضافته للرامي.

هذا، و لكن الرواية ظاهرة فى النهي الظاهر في الالزام لكنها ضعيفة السند، و لم يثبت عمل الاصحاب بها، إذ من الممكن ان تكون فتواهم بالاستحباب من باب قاعدة التسامح. فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 20: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 323

و يستحب لمن عدا الامام، الافاضة قبل طلوع الشمس بقليل، و لكن

لا يجوز وادي محسر الا بعد طلوعها (334).

______________________________

(334) أما استحباب الافاضة قبيل طلوع الشمس فيدل عليه رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام: «أي ساعة أحب أليك أن أفيض من جمع؟

قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو احب الساعات إليّ، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشمس؟ قال: لا بأس «1»».

و أما عدم الجواز في وادي محسر إلا بعد طلوعها، فيدل عليه رواية هشام بن الحكم، عن أبى عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس «2»».

هذا و لكن إذا كان المراد به ما حكم به المشهور من عدم الدخول في وادي محسر حتى تطلع الشمس فهو يتنافي مع الحكم السابق، إذ الافاضة مساوقة للخروج من المشعر و هو يساوق الدخول في وادي محسر.

و إن كان المراد به ما هو ظاهره من عدم مجاوزة و قطع وادي محسر قبل طلوع الشمس، فليس هو حكما جديدا، بل هو عبارة أخرى عن الحكم السابق، إذ الخروج من المشعر قبل الشمس بقليل يساوق عدم قطع الوادي إلا بعد طلوع الشمس، فكأنه قال يلزم ان يكون الخروج في وقت لا يجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس.

و عليه، فلا موقع للبحث عن كون المراد بالنهي الحرمة او الكراهة، بل يتعين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 15: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 324

و الامام يتأخر حتى تطلع الشمس (335)؛ و السعي بوادي محسر (336)، و هو أن يقول: «اللهم سلّم عهدتي، و اقبل توبتي، و أجب دعوتى، و اخلفني فيمن تركت بعدي». و لو ترك السعي فيه، رجع فسعى استحبابا (337).

إرادة

الكراهة.

______________________________

(335) لرواية جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ينبغي للامام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس ... «1»».

(336) لرواية معاوية بن عمار «2»، و المراد به الهرولة.

(337) لرواية حفص بن البختري «3» و غيرها «4» ...

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 15: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 4.

(2)- المصدر/ باب 13: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 14: من ابواب الوقوف بالمشعر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 325

[القول في نزول منى و ما بها من المناسك]

اشارة

القول في نزول منى «1» و ما بها من المناسك فإذا هبط بمنى، استحب له الدعاء بالمرسوم. و مناسكه بها يوم النحر ثلاثة،

[هي رمي جمرة العقبة، ثم الذبح، ثم الحلق.]

اشارة

و هي رمي جمرة العقبة (338)، ثم الذبح، ثم الحلق.

______________________________

(338) الذي يظهر من بعض العبارات قيام الشهرة على وجوب الرمي، كما يظهر من بعض العبارات عدم الخلاف فيه، بل الإجماع عليه.

و لكن لا دلالة من النصوص عليه، فإن عمدة ما سيق على إثبات الوجوب هو ما ورد فى المرأة أو الخائف الذي يفيض قبل الفجر من الأمر بالرمي الظاهر فى الوجوب، كرواية سعيد الأعرج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك، معنا نساء قال: افض بهن بليل و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ... «2»».

______________________________

(1)- كانت بداية البحث يوم الثلاثاء 27/ شعبان المعظم/ 1388 ه

(2)- وسائل الشيعة/ باب 1: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 326

..........

و لا يخفى ان هذه النصوص لا تدلّ على الوجوب، إذ الأمر بها ارشادي الى ما هو المشروع و جواز اتيانه بالليل، فهو أمر في مقام بيان الجواز لأنه في مورد توهم الحظر لاحتمال عدم مشروعية الرمي الا في يوم النحر.

و أما ما دلّ «1» على الثواب على الرمي، فهو لا يدلّ على الوجوب، و انما يدلّ على مطلق الرجحان. بل لعل دلالته على الندب أقرب لتعارف الكناية عن الوجوب بثبوت العقاب على الترك.

و أما رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا تركها من

أعلاها ... «2»»، التي ذكرها فى «الجواهر «3»» من أدلة الوجوب، فلا دلالة لها على ذلك، إذ الظاهر ان الأمر بالرمي هاهنا شرطي بلحاظ الخصوصية و ليس أمرا بنفس الرمي، بل أمر بان يكون بالنحو الخاص، و هذا لا يدلّ على وجوب الرمي.

و أما الاستدلال بالتأسي على الوجوب، ففيه ما لا يخفى، إذ التأسي لا يدل على اكثر من الرجحان.

و بالجملة، فلا دلالة لما ذكر على الوجوب، بل يقوى فى النظر كونه ندبيا، للروايات الدالة على الثواب. و لعدم وقوع السؤال عن حكم تركه بالمرة عمدا أو نسيانا مما يقرب انه غير لازم و إلا لسئل عن حكم تركه، و لعدم كون تركه مما يترتب عليه شي ء من كفارة او غيرها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 1: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 9- 3.

(2)- المصدر/ باب 3: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 102، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 327

أما الأول: [أي رمي جمرة العقبة]

أما الأول:

فالواجب فيه النيّة (339). و العدد و هو سبع (340). و القاؤها بما يسمى رميا (341). و إصابة الجمرة بها بما يفعله (342).

______________________________

(339) لأنه عمل عبادي يتوقف على نية القربة، كغيره من الاعمال العبادية.

و الكلام في اعتبار الاخطار أو كفاية الداعي هو الكلام في غيره.

(340) بلا خلاف أجده فيه- كما فى «الجواهر «1»»- و ليس فى النصوص المعتبرة ما يدلّ عليه صريحا، و العمدة في دليله السيرة القطعية و المفروغية عن كون العدد سبعا في ارتكاز المسلمين.

و مما يمكن الاستدلال به على هذا المعنى ما ورد في بعض النصوص «2» من السؤال: «... في رجل أخذ إحدى و عشرين

حصاة فرمى بها فزادت واحدة فلم يدر أيهن نقص ...»، فانه ظاهر في ان كون العدد سبعا أمرا معلوما مفروغا عنه.

(341) لا اشكال في ذلك لان موضوع الحكم هو الرمي فلا يتحقق بدونه.

(342) لأن الواجب هو رمي الجمرة، فلو أصاب غيرها لا يصدق الرمي، كما أنه لو أصابت الجمرة بفعل الغير لم يجز، إذ لم يتحقق الفعل منه بل من غيره.

نعم، لو وقعت على مكان أولا ثم اصابت الجمرة من دون ان تتوقف فيه بحيث تحتاج الحركة ثانيا الى فعل آخر، جاز ذلك لصدق رميه الجمرة و عليه

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 104، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة/ باب 7: من ابواب العود الى منى، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 328

..........

رواية معاوية بن عمار، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «فان رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها، و إن أصابت انسانا او جملا ثم وقعت على الجمار أجزأك «1»».

ثمّ إنه ذهب فى «الجواهر «2»» الى وجوب التفريق فى الرمي و عدم جواز رميها فى السبع دفعة. و لا دليل عليه صريحا. نعم، قد يستفاد مما ورد «3» من الأمر بالتكبير مع كل حصاة. و نفى اعتبار التعاقب في الاصابة.

فلو رمى الاولى ثم رمى الثانية فأصابت قبل الأولى حسبت اثنتين.

و فيه: ان الرمي يتقوم بأمرين: دفع الحصى بالنحو الخاص و اصابة الجمرة، فاذا اعتبرنا التعاقب في رمي الجمرة، كان من اللازم تحقق مجموع الأمرين بنحو التعاقب في كل حصاة، فلا تعد رميتين فى الفرض. فالتفت.

ثم المراد بالجمرة هل هو البناء الخاص أو موضعه أو كلاهما؟ وقع البحث فيه.

و الظاهر هو الأوّل،

لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من اعلاها ... «4»»، فإن عدم الرمي من أعلاها لا يتلائم الا مع كون الجمرة هي البناء كي نتصور المواجهة، إذ لا نتصور المواجهة بالنسبة إلى الارض، بل لا بد من الرمي من أعلاه، كما هو واضح جدا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 6: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 106، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة/ باب 11: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 3: من ابواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 329

فلو وقعت على شي ء و انحدرت على الجمرة جاز، و لو قصرت فتممها حركة غيره من حيوان أو إنسان لم يجز، و كذا لو شك، فلم يعلم وصلت الجمرة أم لا. و لو طرحها على الجمرة من غير رمي لم يجز.

و المستحب فيه ستة: الطهارة (343).

كما يظهر ذلك من رواية أبي غسان «1» الآتية و لكنها ضعيفة السند.

______________________________

(343) القول باستحباب الطهارة هو المشهور كما فى «الجواهر «2»»، و من النصوص ما ظاهره اللزوم، كرواية محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجمار فقال: لا ترم الجمار إلا و أنت على طهر «3»».

و لكن يحمل على الاستحباب جمعا بينه و بين رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و يستحب ان ترمي الجمار على طهر «4»»، فان الاستحباب و ان كان لغة أعم من الوجوب و الندب و

هكذا في اوائل زمان الشارع؛ لكن الظاهر انه في مثل زمان معاوية يطلق و يراد به ما يقابل الوجوب، كما عليه الاصطلاح الفقهاء.

و عليه، فيتصرف في ظهور رواية محمد و تحمل على الاستحباب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 2: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 5.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج، ج 19: ص 107، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة/ باب 2: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 330

و الدعاء عند إرادة الرمي و أن يكون بينه و بين الجمرة عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا (344). و أن يرميهنّ خذفا (345).

و يدلّ على الندب رواية أبي غسان حميد بن مسعود، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رمي الجمار على غير طهور؟ قال: «الجمار عندنا مثل الصفا و المروة حيطان إن طفت بينهما على غير طهور لم يضرك و الطهر أحب إليّ فلا تدعه و انت قادر عليه «1»»، لكنها رواية ضعيفة السند.

و من هنا يظهر ما فى «المسالك «2»» من المناقشة فى التصرف في رواية ابن مسلم بضعف رواية أبي غسان، إذ عرفت أن ما يقتضي التصرف في رواية ابن مسلم ليس رواية أبي غسان بل رواية معاوية بن عمار.

______________________________

(344) يدل على ذلك رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث-: «... و تقول و الحصى في يدك اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي و ارفعهن في عملي ثم ترمي فتقول مع كل حصاة اللّه أكبر اللهم ادحر عني الشيطان ...- الى أن قال: و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قد عشرة أذرع أو خمسة عشر

ذراعا ... «3»».

(345) يدلّ على ذلك رواية محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال:

«حصى الجمار تكون مثل الانملة- إلى أن قال:- تخذفهن خذفا و تضعها على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 2: من ابواب رمي جمرة العقبة، ح 5.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام 2/ 293، ط مؤسسة المعارف الاسلامية.

(3)- وسائل الشيعة/ باب 3: من أبواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 331

و الدعاء مع كل حصاة (346). و أن يكون ماشيا، و لو رمى راكبا جاز (347).

الابهام و تدفعها بظفر السبابة ... «1»».

و بعد تفسير الخذف في هذه الرواية و بيان كيفية الرمي، فلا وجه و لا حاجة الى تحقيق معنى الخذف الذي اختلف فيه الفقهاء و اللغويون. فلاحظ.

______________________________

(346) كما تدل عليه رواية معاوية بن عمار المتقدمة.

(347) فى الروايات ما يدل على تحقق الرمي ماشيا من المعصومين عليهم السّلام، كرواية علي بن جعفر، عن أخيه، عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يرمي الجمار ماشيا «2»».

و منها ما يدلّ على تحققه في حال الركوب منهم عليهم السّلام، ك:

رواية احمد بن محمد بن عيسى: «انه رأى أبا جعفر عليه السّلام رمى الجمار راكبا «3»».

و رواية عبد الرحمن بن أبي نجران: «انه رأى أبا الحسن الثاني عليه السّلام رمى [يرمي، خ ل] الجمار و هو راكب حتى رماها كلها «4»». و مقتضى ذلك عدم خصوصية لأحدهما و جواز كل منهما.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 7: من ابواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 9: من ابواب رمي جمرة العقبة، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 8: من ابواب رمي

جمرة العقبة، ح 1.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 332

و في جمرة العقبة يستقبلها و يستدبر القبلة (348)، و غيرها يستقبلها و يستقبل القبلة.

و ما قيل من ان المشي أفضل لانه أحمز و أشق.

فيه ما لا يخفى، لأن ما ورد «1» من ان أفضل الاعمال أحمزها، انما هو بلحاظ نفس العمل لا بلحاظ اختيار النحو الشاق منه اذا كان له نحوان و إلا لكان الأفضل الذهاب الى الجمرة زحفا لانه أشق من المشي.

كما ان ما ذكره في «كشف اللثام «2»»- كما فى «الجواهر «3»»- من انه لو لا الاجماع على جواز المشي و كثرة المشاة بين يدي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لوجب الركوب، لانه رمى راكبا، و قد قال: «خذوا عني مناسككم».

غير سديد بعد وجود النصّ الدال على انه صلّى اللّه عليه و آله كان يرمي راكبا و هكذا غيره من بعض المعصومين عليهم السّلام.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 332

______________________________

(348) استدل على ذلك برواية معاوية بن عمار المتقدمة: «ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها». و لكن يشكل بانه لم يثبت أن وجهها مستقبل القبلة بحيث يكون الرامي من وجهها مستدبرا للقبلة.

هذا، مع أن المنظور في الأمر بيان رجحان او لزوم المواجهة في قبال الرمي من أعلى الجمرة، كما هو صريح الرواية، لا المراد الوجه في قبال الخلف و غيره من الجوانب.

______________________________

(1)- السرخسي: المبسوط، ج 30:

ص 252.

(2)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 6: ص 121، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 111، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 333

[و أما الثاني: و هو الذبح]
اشارة

و أما الثاني:

و هو الذبح، فيشمل على أطراف:

[الأول: فى الهدي]

الأول: فى الهدي

و هو واجب على المتمتع (349).

______________________________

(349) هذا الحكم اجماعي على ما قيل، و فى «الجواهر «1»» الاجماع بقسميه عليه. و ذكر فى «الوسائل» نصوصا كثيرة للاستدلال على وجوب الهدي على المتمتع لكن جميعها قابل للمناقشة.

أما رواية محمد بن مسلم، عن احدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن المتمتع كم يجزيه؟ قال: شاة «2»»، فدلالتها على لزوم الهدي تبتني على ظهور السؤال عن الاجزاء فى الوجوب، و ذلك مصادرة إذ السؤال عن الاجزاء لا يظهر في اكثر من مشروعية الهدي اما انه واجب او مستحب فلا ظهور له فيه. و يدل على ما ذكرنا ورود السؤال عن الاجزاء فى الاضحية في بعض النصوص في نفس الباب مع ان الاضحية مستحبة قطعا.

و أما رواية عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في رجل اعتمر في رجب فقال: ان كان أقام بمكة حتى يخرج منها حاجا فقد وجب عليه هدي فان خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي «3»»، فلأنه لا ظهور

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج، ج 19: ص 114، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة/ باب 1: من أبواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 334

..........

لها في كون موضوعها المتمتع، و لو سلم فظاهرها و وقوع عمرة التمتع في غير أشهر الحج و هو غير صحيح كما تقدّم آنفا. فتكون الرواية مطروحة، إلا ان يكون المقصود الاعتمار ثانيا عمرة التمتع و لكنه خلاف الظاهر.

و أما رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «يجزيه في الاضحية هديه، فهي

أجنبية بالمرة عن الدلالة على الوجوب بل هي تدل على الاكتفاء بالهدي عن الاضحية «1»».

و أما رواية الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل تمتع عن أمه و أهلّ بحجه عن أبيه قال: ان ذبح فهو خير له و ان لم يذبح فليس عليه شي ء لانه انما تمتع عن أمه و أهلّ بحجه عن أبيه «2»». فدلالتها تتوقف على استفادة مفهوم التعليل منها و انه ان كان الحج و العمرة عن واحد لزمه الهدي.

و لكن يشكل: بان حج التمتع عمل واحد لا يقبل التفكيك و التوزيع، فلا بد ان يكون المقصود من التمتع هو العمرة المفردة- مجازا كما أطلق في بعض الاخبار- و من الحج حج الافراد. و من الواضح انهما إذا كانا عن نفسه لا يجب الهدي لان الهدي انما يجب- على تقدير ثبوت وجوبه- على المتمتع لا على غيره.

هذا، مع ان ظاهر النص نفي الهدي المشروع في نفسه عن هذا المورد للعلة المزبورة و مفهومه ثبوت الهدي المشروع في غير مورد التعليل و هو أعم من اللزوم.

لكن الانصاف عدم خلو هذه الرواية عن الظهور فى اللزوم، إذ الرواية نفسها دليل تعبدي على قابلية حج التمتع للتوزيع فى النية كما ورد ذلك في غير

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 1: من أبواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 335

..........

رواية.

كما أنّ المنفي فيها بحسب الظاهر هو اللزوم- كما هو ظاهر قوله ليس عليه شي ء- و قد ثبت الاستحباب فى الفرض. فالمفهوم يقضي بلزوم الهدي في غيره.

و أما رواية معاوية بن عمار و نظائرها مما يتضمن ان يوم الحج الاكبر هو يوم

النحر، فلا دلالة لها على لزوم النحر، كما لا يخفى.

و أما رواية سعيد الأعرج، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة، و من تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور بمكة حتّى يحضر الحج فليس عليه دم انما هي حجة مفردة و انما الاضحى على أهل الامصار «1»». فتشكل دلالتها بان ظاهرها بيان ثبوت الهدي المشروع في هذا الفرض لا بيان تشريع الهدي فى الفرض كي يدعى ان ظاهرها الوجوب.

هذا، و لكن ملاحظة مجموع النصوص الواردة في الابواب المختلفة من ابواب الذبح و في ابواب اقسام الحج يلازم استظهار لزوم الهدي من النصوص و انه أمر مركوز في اذهان السائلين.

و يدل عليه رواية زرارة الواردة في بيان كيفية حج التمتع، عن أبي جعفر عليه السّلام، حيث قال عليه السّلام فيها: «و عليه الهدي فقلت: و ما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة و اوسطه بقرة و أخفضه شاة ... «2»».

و العمدة فى الدلالة على لزوم الهدي الآية الشريفة، و هي قوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.

و أما الاجماع، فلا حجية له، إذ لا يحرز انه تعبدي بعد وجود الآية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 10: من أبواب أقسام الحج، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 5: من أبواب أقسام الحج، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 336

و لا يجب على غيره، سواء كان مفترضا أو متنفلا. و لو تمتع المكي وجب عليه الهدي (350).

و النصوص. فتدبر.

______________________________

(350) على المشهور شهرة عظيمة- كما فى «الجواهر «1»»- و هو مقتضى اطلاق ما دلّ على لزوم الهدي

على المتمتع. و حكي عن الشيخ فى «المبسوط «2»» جزما.

و فى «الخلاف «3»» احتمالا عدم وجوب الهدي على المكي المتمتع استنادا الى الآية الكريمة: و ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ، لرجوع اسم الاشارة الى قوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، لا الى قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ- الآية إذ المسوق له الكلام هو لزوم الهدي و التمتع اخذ بمنزلة الموضوع.

و هذا المعنى و ان كان ظاهر الكلام في نفسه لكن ينفيه الروايات «4» الكثيرة الواردة في نفي مشروعية التمتع للمكي معلّلة ذلك بالآية الشريفة فانما تقضي بان المراد من ذلك هو التمتع لا الهدي.

و الأمر الغريب هو إغفال الشيخ هذه النصوص و عدم تعرضه لها و ليست هي من المخالف للكتاب كي تطرح، لانها واردة مورد التفسير و الشرح للكتاب العزيز.

و هذا مما يوجب الوقفة فى النفس من هذا الحكم.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 115، الطبعة الاولى.

(2)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ص 307، الطبعة الاولى.

(3)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 382/ المسألة 2.

(4)- وسائل الشيعة/ باب 6: من ابواب اقسام الحج.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 337

و لو كان المتمتع مملوكا باذن مولاه، كان مولاه بالخيار بين أن يهدى عنه و أن يأمره بالصوم (351).

______________________________

(351) بلا خلاف محقق معتد به اجده فيه عندنا- كما فى «الجواهر «1»»- و عن «المنتهى «2»» و «التذكرة «3»» الاجماع عليه. و تدل عليه النصوص المتعددة، ك:

رواية جميل بن دراج، قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع قال: «فمره فليصم و ان شئت فاذبح عنه «4»».

و رواية سعد

بن أبي خلف، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام قلت: أمرت مملوكي ان يتمتع فقال: إن شئت فاذبح عنه و ان شئت فمره فليصم «5»».

نعم، رواية علي بن ابي حمزة، عن أبي ابراهيم عليه السّلام، قال: «سألته عن غلام أخرجته معي فامرته فتمتع ثم أهلّ بالحج يوم التروية و لم أذبح عنه أ فله أن يصوم بعد النفر؟ قال: ذهبت الأيام التي قال اللّه، ألا كنت أمرته أن يفرد الحج.

قلت: طلبت الخير. قال: كما طلبت الخير فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة و كان ذلك يوم النفر الأخير «6»».

ظاهرة في لزوم الذبح عنه، لكنها محمولة على الندب بقرينة الروايات

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 10: ص 119، الطبعة الاولى.

(2)- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 3: ص 737، الطبعة الاولى.

(3)- الحلّي، الحسن بن يوسف: تذكرة الفقهاء 8/ 346- م 586 ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 2: من أبواب الذبح، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 338

و لو أدرك المملوك أحد الموقفين معتقا، لزمه الهدي مع القدرة (352)، و مع التعذر الصوم. و النية شرط فى الذبح (353).

الاخرى المخيّرة، مع انها ضعيفة السند لا تصلح للمعارضة.

______________________________

(352) لانه موضوع وجوب الهدي مع القدرة و موضوع وجوب الصوم مع عدمها، و لا تشمله هذه النصوص السابقة قطعا. و لو اعتق بعد الوقوفين و قبل الذبح، فهو مشمول للأدلة الأولية، إذ هذه النصوص لا تشمله لظهورها في كون موضوعها المملوك الذي لم يعتق بعد، كما يظهر من أمر المولى له بالصوم.

(353) لانه عمل قربي فيعتبر فيه قصد القربة.

و هل تجوز الاستنابة فيه، أولا؟

الحق جوازها لا لأجل ما ورد من جواز الذبح عن الخائف، أو المرأة، أو الصبي، فانها موارد خاصة لا يمكن استفادة حكم مطلق منها و الغاء خصوصياتها، و إنما هو لأجل ان وجوب الهدي حكم على جميع المكلفين مع قلة من يعرف الذبح منهم، بل الظاهر عرفا من الأمر بالذبح هو الأعم من المباشرة و التسبيب نظير الأمر بالبناء المطلوب فيه احداث البناء منسوبا الى المأمور سواء بالمباشرة، أم بالتسبيب.

ثم إن النية يتولاها الذابح، لان الذبح فعله الإرادي فيصح منه قصده و ترتب الداعي إليه، و لا معنى لاعتبار نية الموكّل إذ لا معنى لتعلق قصده و داعيه بفعل الغير الارادي.

نعم، يمكن تأتي القربة في قصد التوكيل منه و لكن لم يعتبره أحد.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 339

و يجوز أن يتولاها عنه الذابح. و يجب ذبحه بمنى (354).

و لا تعتبر تسمية المنوب عنه فى الذبح، بل يكفي فيه نية الذبح عن موكّله بعنوان الاجمالي و لو اشتبه الذّابح فسمّى غير موكّله لم يقدح لأن العبرة بالنية. و قد ورد النص بذلك. و هو رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: «سألته عن الضحية يخطى الذي يذبحها فيسمّى غير صاحبها أ تجزي عن صاحب الضحية؟ فقال: نعم، انما له ما نوى «1»».

______________________________

(354) لا دليل عليه من النصوص سوى رواية ابراهيم الكرخي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قدم بهديه مكة فى العشر فقال: «ان كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى. و ان كان ليس بواجب فلينحره بمكة ان شاء، و ان كان قد اشعره او قلده فلا ينحره

إلا يوم الأضحى «2»»، لكنها ضعيفة السند.

و اما رواية عبد الأعلى، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا هدي إلا من الإبل و لا ذبح الا بمنى «3»»، فلا ظهور لها فى اللزوم بقرينة الجملة الاولى المعلوم من حالها بدوا. و بمنزلة القرينة المتصلة ان المراد بها الاستحباب، فانه يوجب الاخلال بظهور الثانية فى اللزوم لوحدة الظهور عرفا من الجملتين، و ليس التصرف في الاولى بقرينة منفصلة كي لا يخلّ بظهور الثانية كما مرّ نظيره. فالتفت.

و أما رواية منصور بن حازم «4» الواردة فى الهدي الضال فسيأتي الكلام عن موضوعها إن شاء اللّه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 39: من أبواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 4: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر/ باب 28: من أبواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 340

و لا يجزي واحد فى الواجب إلا عن واحد (355).

و لا دلالة لرواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكة. فقال: إن مكة كلها منحر «1»» على خلاف ما فى المتن و جواز الذبح بمكة، إذ محطة الكلام فيها هو الذبح فى المنزل حيث كان المتعارف الذبح بين الصفا و المروة.

أما المقصود من الهدي هل هو الهدي الواجب او المستحب فليس المقام مقام بيان من هذه الجهة و لا دلالة فيه على شي ء عن ذلك، فلعل المقصود به الهدي المستحب. إذن فلا دليل على أحد الطرفين و الاحتياط يقضي بما فى المتن.

و إن كان التأمل في بعض النصوص الواردة فى الابواب المتفرقة ينتهي الى استفادة الوجوب، فالتفت.

______________________________

(355) عند

المشهور، كما فى «الجواهر «2»» و يدلّ على ذلك اطلاق دليل وجوب الهدي، كالآية الكريمة المقتضي لثبوت وجوب الهدي لكل فرد بنحو العموم الاستغراقي.

و من الواضح عدم صدق الهدي على بعضه و إنما يصدق على الحيوان التام.

و قد يستدل له بما ورد «3» من انه يجزي فى الهدي شاة بناء على كون المراد بيان أقل ما يجزي من حيث النوع و الكمية. فتدل على ان أقل المجزي هو شاة واحدة كما هو ظاهر النكرة المنونة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 4: من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 121، الطبعة الاولى.

(3)- انظر رواية محمد بن مسلم (وسائل الشيعة، ج 10/ باب 1: من أبواب الذبح، ح 1).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 341

..........

أما اذا قيل انه في مقام بيان أصل الاجزاء لا أقل ما يجزي، فلا دلالة له على عدم اجزاء أقل من شاة، إذ لا مفهوم له. و هكذا اذا قيل انه في مقام بيان أقل ما يجزي من جهة النوع لا الكم في قبال الدجاج مثلا، فلا تدل على لزوم الشاة الواحدة.

و يدل على الحكم أيضا روايات اخرى، ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «لا تجوز البدنة و البقرة إلا عن واحد بمنى «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تجزي البقرة أو البدنة في الامصار عن سبعة و لا تجزي بمنى إلا عن واحد «2»» فان الحكم بعدم الاجزاء فيها مطلق لكن القدر المتيقن منه هو عدم الاجزاء فى الهدي الواجب فهما نص فيه.

و رواية محمد بن علي الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام عن النفر تجزيهم البقرة؟ قال: «اما فى الهدي فلا، و أما في الأضحى فنعم «3»» فهذا مجموع ما يستدل به على الحكم فى المقام و لا معارض له. نعم، ورد في بعض النصوص «4» بيان إجزاء البقرة او غيرها عن متعدد، لكن بعضها موضوعه الأضحية، فتكون أجنبية عما نحن فيه. و بعضها مطلقة من هذه الناحية و لكنها تحمل على المستحب بقرينة الروايات المتقدمة التي عرفت أن القدر المتيقن منها هو الواجب. أو على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 18:: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 342

..........

الأضحية بقرينة رواية الحلبي الأخيرة، أو على مورد الضرورة على ما سيأتي البحث فيه.

ثم إنه ورد بيان إجزاء البقرة عن خمسة بمنى اذا كانوا أهل خوان واحد و هو رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يجزي البقرة عن خمسة بمنى اذا كانوا أهل خوان واحد «1»».

كما ورد بيان اجزائها عن جماعة فى الضرورة إذا كانوا مترافقين و هو رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن قوم غلت عليهم الاضاحي و هم متمتعون و هم مترافقون و ليسوا بأهل بيت واحد و قد اجتمعوا في مسيرهم و مضربهم واحد ألهم ان يذبحوا بقرة؟ قال: «لا احب ذلك إلا من ضرورة «2»».

و هاتان الروايتان إن كانتا ينظران الى موضوع واحد- كما هو الظاهر- و هو طبيعي المرافقة و الاجتماع سواء كان بوحدة الخوان أم بوحدة المضرب، فكل منهما بالنسبة الى ما ذكر فيه من القيود مقيد للاخرى لأن كل منهما يثبت بعض القيود للموضوع

الواحد و الآخر مطلق من جهته.

و عليه، فيكون الحكم هو اجزاء بقرة عن خمسة فى الضرورة مع وحدة الخوان و المضرب.

و إن كان كل منهما يتكفل حكما لموضوع يمتاز عن موضوع الآخر بان يدعى ان الموضوع فى الأولى وحدة الخوان و فى الثانية وحدة المسير و المضرب، ثبت لكل موضوع حكمه عند ثبوته و لا تعارض بينهما، إذ لا مفهوم لكل منهما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 18:: من ابواب الذبح، ح 5.

(2)- المصدر، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 343

و قيل يجزي مع الضرورة عن خمسة و عن سبعة، اذا كانوا أهل خوان واحد، و الاول أشبه. و يجوز ذلك فى الندب (356).

و لا يجب بيع ثياب التجمل فى الهدي، بل يقتصر على الصوم (357).

ينفي الحكم عن غير موضوعه. فان الظاهر أن «إذا» فى الرواية الاولى توقيتية، لا شرطية سيقت لتحديد الموضوع و بيانه لا أكثر. فالتفت.

و من هنا تعرف منشأ القول المذكور فى المتن و انه يبتني على استظهار وحدة الموضوع في كلتا الروايتين و عدم الخصوصية.

نعم، الاجزاء عن سبعة لا دليل عليه بقيد وحدة الخوان، فانه لا ذكر له إلا في رواية معاوية و قد تكفلت الاجزاء عن خمسة.

و قد ذكر فى «الجواهر «1»» الى انه لم يعرف القائل بهذا القول.

______________________________

(356) للنصوص الكثيرة المحمولة على المستحب جمعا، كما عرفت.

(357) إذا كانت ثياب التجمل ضرورية عرفا للشخص بان كان ترك التجمل موجبا لنقده و الاستنكار عليه عرفا، فعدم لزوم بيعها على القاعدة، لصدق عدم وجدان الهدي بالنسبة إليه.

و أما اذا لم تكن ضرورية له عرفا بحيث أمكنه الاستغناء عنها، فيجب بيعها على القاعدة، لصدق وجدان الهدي، و

لا يجوز له الصوم.

لكن التزم بعدم لزوم بيعها و الانتقال الى الصوم، لأجل ثبوت استثنائها في

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 122، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 344

..........

دين المخلوق مع أنه أهم بنظر الشارع من دين الخالق.

و فيه: أنه لو سلم استثناؤها في هذه الصورة في دين المخلوق، فلم تثبت الأهمية بنحو يحصل الجزم بثبوت الحكم في ما نحن فيه. و الظن به لا ينفع. و ل:

رواية علي بن أسباط، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام، قال:

«قلت (له): رجل تمتع بالعمرة الى الحج و في عيبته ثياب له أ يبيع من ثيابه شيئا و يشتري هديه؟ قال: لا، هذا يتزين به المؤمن. يصوم و لا يأخذ شيئا من ثيابه «1»».

و رواية ابن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه فتسوى بذلك الفضول مائة درهم، يكون ممن يجب عليه، فقال: «له بد من كسر أو نفقة، قلت: له كسر او ما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة، فقال: و أي شي ء كسوة بمائة درهم؟ هذا ممّن قال اللّه: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ ... «2»».

و هاتان الروايتان لا بأس بدلالتهما و الأولى و ان كانت ضعيفة السند لكن الثانية لا بأس بسندها.

و لو باع ثياب التجمل، فهو يجب عليه الهدي أو ان وظيفته الصوم فلا يجزيه الهدي؟

ذهب فى «الدروس «3»» الى اجزاء الهدي. و نوقش بان الواجب في حقه هو الصوم و لم يأت به فلا يتحقق الامتثال.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/

باب 57: من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- الشهيد الاول، محمد بن مكي: الدروس الشرعية، ج 1: ص 436.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 345

و لو ضل الهدي فذبحه غير صاحبه لم يجز عنه (358).

و فى «الجواهر «1»»: «لعل الاجزاء لا يخلو من قوة و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه و لو بالجمع».

أقول: المتجه هو وجوب الهدي و اجزائه لتبدل الموضوع عند ما باع ثيابه لصيرورته واجدا لثمن الهدي فيجب عليه الهدي دون الصوم، فهو نظير ما لو لم يكن لديه مال و لا ثياب تجمل، فاعطاه شخص مالا بقيمة ثياب التجمل فانه يجب عليه الهدي و لا يجوز له الصوم، كما لا يجوز ان يشتري بالمال ثياب التجمل. فالتفت.

______________________________

(358) فى «المسالك «2»»: أنه المشهور. و لكن فى «الجواهر «3»»: لم نجده لغير المصنف فى الكتابين (يعني «الشرائع» و «النافع»). و حكي عن «كشف اللثام «4»» ان المشهور الاجزاء عنه ان ذبحه بمنى.

و على كل، فيدل على الاجزاء لو ذبحه بمنى، رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يضل هديه فوجده رجل آخر فينحره، فقال: «ان كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه و ان كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه «5»». و استدل عليه- أيضا- برواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 127، الطبعة الاولى.

(2)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 296، ط مؤسسة المعارف الإسلامية.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 127، الطبعة الاولى.

(4)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام:

ج 6: ص 176، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(5)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 28: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 346

..........

- في حديث- قال: «و قال: إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرّف يوم النحر و الثاني و الثالث، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث «1»».

و قد وقع الكلام بلحاظ هذه الرواية في اعتبار التعريف فى الاجزاء باعتبار ان ظهور الاوامر فى المركبات فى الشرطية، و عدم اعتباره و حمله على الندب كما ذهب إليه صاحب الجواهر تقديما لرواية منصور- مع انها مطلقة من هذه الجهة و مقتضى القواعد تقييدها برواية ابن مسلم-.

و لكن الذي أراه ان رواية محمد بن مسلم أجنبية عما نحن فيه و عن رواية منصور و لا معنى لتقييد أحدهما بالاخرى.

بيان ذلك: ان رواية منصور موضوعها هو الرجل الذي فقد الهدي و نحره الغير الظاهر في علمه بذلك و لذا يسأل عن حكمه من حيث اجزاء المنحور من قبل غيره عنه و عدمه، فهي لبيان حكم من ضل هديه و عرف أن الغير نحره. أما نحر الغير كان له بأي مجوز شرعي من قطعه بالرضا أو يأسه عن وجود صاحبه أو غير ذلك، فذلك مما لا تتعرض له الرواية بقليل و لا كثير.

و أما رواية ابن مسلم، فموضوعها هو واجد الهدي و السؤال عن تكليفه بالنسبة الى ما وجده، و قد بيّن له الامام عليه السّلام حكما على طبق القاعدة و هو التعريف حتى يحصل اليأس، إذ مع التعريف ثلاثة أيام مع اجتماع الحجيج و صغر المكان، و عدم وجدان صاحب الحاجة يكون موجبا عادة لليأس عن العثور عليه بعد ذلك عند ما يتفرق

الحجيج و يذهب كل لبلاده و شأنه.

و أما الذبح عن صاحبه، فمن باب علمه برضاه بهذا العمل القربي بعد تهيئته لذلك، فهو نظير لزوم التصدق باللقطة عن صاحب المال في سائر الموارد الذي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 28: من أبواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 347

..........

يقال انه حكم على القاعدة من باب انه إحسان يصل ثوابه الى صاحب المال فهو يرضى به قطعا لأنه أقرب طرق ايصال المال إليه. و ليس فى الرواية تعرض للاجزاء عن صاحب الهدي بل هي تكفلت الأمر بالذبح لا أكثر، و ما الأثر من الحكم بالاجزاء؟ بعد فرض عدم علم صاحب المال بذلك كما هو المفروض، إذ الغرض اليأس عادة عن العثور على صاحب المال.

و بالجملة، الرواية أجنبية عما نحن فيه، إذ هي تتكفل حكم الواجد لا الفاقد، فلا تعرض لها للاجزاء فلا معنى لأخذ التعريف شرطا فى الاجزاء و لا مستحبا في هذا المقام. فالتفت و تدبر.

و عليه، فالدليل على الاجزاء ينحصر برواية منصور بن حازم.

ثم ان هناك من النصوص ما يقتضي اجزاء الهدي بمجرد سرقته أو هلاكه، كرواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها؟ قال: «لا بأس و ان ابدلها فهو أفضل، و ان لم يشتر فليس عليه شي ء «1»»، و بمضمونها روايات اخرى ضعيفة السند.

و الظاهر انه لا خصوصية للسرقة و الموت و انما الموضوع هو ذهابه من اليد سواء كان بهما أم بضياع، كما ورد التصريح به في بعض النصوص «2».

و لا يخفى ان ظاهر هذه النصوص ينافي رواية منصور بن حازم، إذ

لا معنى للتفصيل فيها فى الاجزاء بين الذبح بمنى و بمكة بعد ان كانت مجزية بضياعها كما هو ظاهر هذه الطائفة.

و لكن يمكن الجمع بان موضوع هذه الطائفة هو فوات العين بنحو لا يمكن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 30: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 348

و لا يجوز اخراج شي ء مما يذبحه عن منى (359).

تحصيله، كالموت و السرقة. و موضوع رواية منصور العثور على واجد العين و تمكنه من أخذ بدلها، و الحكم بالاجزاء فى الصورة الاولى لا يلازم الحكم فى الاجزاء فى الصورة الثانية.

و عليه، فلا تنافي بين التفصيل فى الاجزاء فيها و اطلاق الحكم بالاجزاء فى الصورة الاولى. فالتفت.

ثم إنه قيّد الحكم بالاجزاء بما اذا نواه عن صاحبه، مع أن رواية منصور مطلقة من هذه الجهة. و لعلّه لاجل ظهورها في صورة النية عن صاحبه لانه المتعارف، أو لانه الجائز في حق الناحر، إذ ذبحه عن غير صاحبه لا يجوز له. كما هو ظاهر رواية ابن مسلم، أو لأجل عدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة و القدر المتيقن هو صورة نية الذبح عن صاحب الهدي.

______________________________

(359) فى «المدارك «1»»: هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا.

و لكن الذي يستفاد من النصوص هو عدم جواز اخراج اللحم من الهدي.

لرواية معاوية بن عمار، قال: قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «لا تخرجن شيئا من لحم الهدي «2»».

و المناقشة: في دلالتها بانه لم يبيّن فيها ما يخرج عنه فلعل المقصود به الحرم.

تندفع: بان الظاهر من الاطلاق مع فرض ان للذبح مكانا مخصوصا و هو

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8:

ص 25، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 42: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 349

..........

منى، هو النهي عن الاخراج عن منى.

و أما إخراج غير اللحم، فلا مانع من إخراجه لعدم الدليل على حرمته، بل رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح ان يجعلها جرابا الا ان يتصدق بثمنها «1»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الاهاب فقال:

«تصدق به أو تجعله مصلى تنتفع به فى البيت و لا تعطه الجزارين ... «2»».

و رواية اسحاق بن عمار، عن أبي ابراهيم عليه السّلام، قال: «سألته عن الهدي أ يخرج شي ء منه عن الحرم؟ فقال: بالجلد و السنام و الشي ء ينتفع به ... «3»».

تدل على جواز اخراجه.

و هكذا يجوز اخراج اللحم من غير الهدي، لرواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن اخراج لحوم الاضاحي من منى، فقال: كنا نقول لا يخرج منها بشي ء لحاجة الناس إليه فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس باخراجه «4»». و هي مطلقة تشمل الهدي و غيره و لكن خرج الهدي برواية معاوية المتقدمة الأولى. هذا لو لم نقل بان ظاهر لفظ الأضحية غير الهدي.

فلاحظ.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 43: من ابواب الذبح، ح 4.

(2)- المصدر، ح 5.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 350

و يجب ذبحه يوم النحر (360)، مقدما على الحلق، فلو أخره أثم و أجزأ.

______________________________

(360)

فى «المدارك «1»» أنه قول علمائنا و اكثر العامة.

و يستدلّ عليه بوجوه:

الأول: الاجماع. و نوقش بانه ان اريد به الاجماع على ذلك في قبال تقديمه على يوم النحر، فمسلم.

و ان اريد به في مقابل تأخيره عنه، فهو ممنوع لتصريح بعض «2» بجواز التأخير. و ظاهر آخرين ذلك- راجع «الجواهر «3»»-.

و الثاني: التأسي، فان النبي صلّى اللّه عليه و آله نحر في يوم النحر بضميمة قوله صلّى اللّه عليه و آله: «خذوا عني مناسككم».

و فيه: مضافا الى ما يشير إليه فى «الجواهر»- من ان الذبح او النحر لا بد له من زمان يقع فيه و لم يثبت ان النحر في هذا اليوم باعتبار انه منسك، بل يمكن ان يكون من باب المسارعة الى الواجب الموسع- ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان قارنا في حجه، مع احتمال أن يكون حكما مختصا بالقارن لا ينفعنا فيما نحن فيه، بل يظهر ذلك من بعض النصوص الآتية.

الثالث: تسمية اليوم بيوم النحر، و عدم دلالته على الوجوب واضح.

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 27، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- و هو الشيخ و ابن ادريس و ابن زهرة (النهاية، ص 256؛ سرائر، ج 1: ص 595؛ غنية النزوع، ص 191).

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 133، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 351

..........

و عليه، فالأصل البراءة من الخصوصية. هذا مع وجود النص الدال على جواز التضحية في غير اليوم العاشر الشامل بإطلاقه الهدي الواجب، ك:

رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: أربعة أيام، و

سألته عن الأضحى في غير منى، فقال:

ثلاثة أيام ... «1»».

و نحوها رواية عمار الساباطي «2».

و رواية منصور بن حازم «3»، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول: النحر بمنى ثلاثة أيام فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة أيام و النحر بالامصار يوم فمن أراد ان يصوم صام من الغد» و هي ظاهرة في كون موضوعها «4» هدي المتمتع للتعرض فيها للصوم الذي هو بدل عن هدي المتمتع، و ان نوقش في دلالتها على المدعى بأنه حكم خاص لمن لم يجد الهدي و انه يجب عليه الانتظار هذا الوقت.

و في مضمونها من ان النحر بمنى ثلاثة أيام رواية محمد بن مسلم «5» و رواية كليب الاسدي «6».

و على كل، فهذه النصوص تتكفل امتداد وقت الذبح بمنى ثلاثة أيام أو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- تمكن المناقشة فيها من هذه الجهة، بان المراد بالصوم ليس الصوم بدل الهدي بل مطلق الصّوم بقرينة الذيل، فهي تتكفل تحريم الصوم أيام التشريق بمنى دون الامصار.

(5)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الذبح، ح 7.

(6)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 352

..........

أربعة و هو ينافي وجوب الذبح يوم النحر. و يؤيد ما ذكرنا انه ليس لهذا الحكم عين و لا أثر فى النصوص.

كما أن عدم الوجوب ظاهر رواية ابراهيم الكرخي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في رجل قدم بهديه فى العشر، فقال: «ان كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، و ان كان ليس بواجب فينحره بمكة ان شاء. و ان كان قد اشعره أو

قلده فلا ينحره الا يوم الأضحى «1»»، فان تعرضه للزوم النحر يوم الأضحى لهدي القران بالخصوص مع أن الموضوع فى السابق هو الهدي الواجب مطلقا، ظاهر في عدم لزومه في هدي التمتع. و انما هو من مختصات هدي القران.

و مما يدل على لزوم ذبح هدي القران يوم النحر من دون تعرض لغيره من انواع الهدي. رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا دخل بهديه فى العشر فان كان أشعره و قلده فلا ينحر إلا يوم النحر بمنى ... «2»».

نعم، لو ثبت وجوب الحلق يوم النحر كان ذلك دليلا على وجوب الذبح فيه لقيام الدليل على لزوم تأخير الحلق عن الذبح كما سيأتي إن شاء اللّه، و لكن لم يثبت ذلك.

ثم إنك عرفت اختلاف النصوص في تحديد وقت الذبح بين الأربعة الأيام و الثلاثة. و عليه، نقول: ان مفاد النصوص:

تارة: يكون هو مجرد تحديد الوقت، فيتحقق التعارض بينهما لأن إحداهما مضمونها ان الحد هو آخر الثلاثة و الاخرى مضمونها انه آخر الاربعة، و هما متنافيان، فيرجع فيهما الى قواعد المعارضة. نعم، هما بالنسبة الى نفي الثالث و هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 4: من أبواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 353

و كذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز (361).

جواز الذبح بعد الاربعة متفقان، إما بالدلالة الالتزامية على رأي الشيخ «1»- او باحدهما- على رأي الآخوند «2»- كما يحقق في محله.

و اخرى: مفادها الحكم المحدد يعني تتضمن كل من الطائفتين بيان جواز الذبح في هذه الأيام و أنها ثلاثة أو أربعة، فبالنسبة الى ذات الثلاثة أيام لا تعارض بينهما و انما

التعارض يقع بينهما فى اليوم الرابع، فان احداهما تجوزه و الاخرى تمنعه. و لكن منعها ليس بالإطلاق كي يتقيد بالاخرى، بل بنفس عنوان الثلاثة، فيكون جواز الذبح فى اليوم الرابع منافيا للعنوان فالتعارض بين النصين، فاذا تساقطا تعين القول بجواز الذبح في ثلاثة أيام لا اكثر، اذ لا تعارض بينهما بالنسبة الى الثلاثة. فالتفت.

______________________________

(361) هل المراد بالجواز، الجواز التكليفي أم الوضعي؟ وقع الكلام في ذلك و إرادة الجواز التكليفي تنافي وجوب الذبح يوم النحر الذي مرّ منه قدّس سرّه.

و على كل، فالذي تقتضيه النصوص المتقدمة أن وقت النحر أربعة أيام أو ثلاثة، فلا يجوز تأخيره عنها، و لم يدلّ دليل على جواز التأخير إلا في بعض موارد الضرورة كصورة عدم وجدان الهدي و وجدان ثمنه، كما سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1)- الانصاري، المحقق الشيخ مرتضى: فرائد الاصول، ص 439، الطبعة الاولى.

(2)- الخراساني، المحقق محمد كاظم: كفاية الاصول، ص 439، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 354

[الثاني: في صفاته]

الثاني: في صفاته و الواجب ثلاثة،

الأول: الجنس، و يجب ان يكون من النعم (362): الابل، أو البقر، أو الغنم.

الثاني: السّن. فلا يجزي من الابل الا الثني (363)، و هو الذي له خمس و دخل فى السادسة. و من البقر و المعز، ماله سنة و دخل فى الثانية، و يجزي من الضأن الجذع لسنته.

______________________________

(362) هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء- كما فى «المدارك «1»»- و يدلّ عليه رواية زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السّلام فى المتمتع، قال: «و عليه الهدي. قلت:

و ما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة و أوسطه بقرة و آخره شاة «2»»، و السيرة القطعية

على عدم تعدي النعم فى الذبح و ظهور مفروغيته في الاذهان و الروايات.

نعم، ورد جواز التضحية بالجاموس «3».

(363) ما ذكره فى المتن من اعتبار الثني فى الهدي إلا الضأن فيجزي فيه الجذع هو مذهب الأصحاب- كما فى «المدارك «4»»-.

و نقل عن بعض لزوم الثني مطلقا، و عن آخرين اجزاء الجذع مطلقا إلا

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 28، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 10: من ابواب الذبح، ح 5.

(3)- المصدر/ باب 15: من ابواب الذبح، ح 1.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 28، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 355

..........

المعز. و بما فى المتن ورد النص، ك:

رواية العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن علي عليه السّلام: «انه كان يقول:

الثنية من الإبل و الثنية من البقر و الثنية من المعز و الجذعة من الضأن «1»».

و رواية ابن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «يجزي من الضأن الجذع و لا يجزي من المعز إلا الثني «2»».

و رواية حمّاد بن عثمان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: أدنى ما يجزي من اسنان الغنم فى الهدي. فقال: «الجذع من الضأن. قلت: فالمعز؟ قال: لا يجوز الجذع من المعز. قلت: و لم؟ قال: لأن الجذع من الضأن يلقح و الجذع من المعز لا يلقح «3»».

و هذا واضح لا اشكال فيه، انما الاشكال فى المقصود بالثني و الجذع. أما فى الإبل، فقيل: انه ما دخل فى السادسة، و هو غير مخالف فيه.

انما الاختلاف في معنى ثني البقر و المعز، فهل هو

ما دخل فى الثانية أو الثالثة؟ و الأول هو المشهور بين الفقهاء «4» و الثاني هو المشهور بين اللغويين «5».

كما وقع الاختلاف في معنى الجذع، فهل هو ما كمل له ستة أشهر، أو سبعة، أو ثمانية، أو سنة، و على الأخير لا يختلف عن ثني المعز على تفسير الفقهاء. و هو ينافي ما يظهر من رواية حماد من وجود الاختلاف بينهما فى السن.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 11: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 28، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(5)- الفيروزآبادي، مجد الدين: القاموس المحيط، ص 1627، ط بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 356

الثالث: أن يكون تاما (364).

و على هذا، فالحكم مشكل، إذ ليس لدينا ما يرجح أحد المعاني على الآخر، فتكون النصوص مجملة من هذه الجهة و المرجع هو الأصل العملي.

و تحقيقه: انه و ان كان عنوان الثني أو الجذع اسم للحيوان بلحاظ بلوغه سنّا خاصا فالاصل يقضي الاكتفاء بالأوّل، و ذلك للعلم بوجوب الهدي البالغ حدا من الزمان و هو سنة مثلا، أما انه هل يعتبر فيه خصوصية اخرى و هي إكمال سنة اخرى أو لا؟ و الأصل البراءة من هذه الخصوصية.

و بعبارة اخرى: انه بأدلة التحديد نعلم بالتضييق في متعلق الحكم من حيث الزمان بالمقدار الأقل كسنة- مثلا- و عدم اجزاء ما دونه، اما التضييق زائدا على ذلك فهو مجهول فينفى بالبراءة.

و أما ان كان اسما بلحاظ حالة خاصة واقعية من حالاته و خصوصية من خصوصياته المتبدلة، فدار أمرها بين خصوصيتين متباينتين- كما هو الظاهر- فالأصل يقضي بعدم الاكتفاء إلا بالأكثر للشك

عند تحقق السنة في تحقق تلك الخصوصية الواقعية المستلزمة للتسمية، و مقتضى الاستصحاب عدم تحققها.

______________________________

(364) فى «المدارك «1»»: «هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء».

و قد ورد بذلك روايتان «2» نبويتان لكنهما ضعيفتا السند، فالمهم في مدرك

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 30، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 21: من ابواب الذبح، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 357

فلا يجزي العوراء، و لا العرجاء البيّن عرجها (365)، و لا التي انكسر قرنها الداخل (366).

هذا الحكم هو رواية علي بن جعفر «1» انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل تجزي عنه؟ قال:

«نعم، إلا ان يكون هديا واجبا، فانه لا يجوز ان يكون ناقصا». فإن إطلاق قوله:

«لا يجوز ان يكون ناقصا» يدل على اعتبار التمامية فى الهدي الواجب. و المراد به هو النقصان العرفي و هو نقصان ظاهر الحيوان بحيث يعد عند العرف ناقصا، فلا يشمل المرض او النقص الداخلي الذي لا يضر بمظهر الحيوان جزء و صفة، و عليه فيكون العور مانعا مطلقا سواء كان بانخساف العين أم ببياض فيها لانه نقص مطلقا.

و بالجملة، كل ما يعد ناقصا بنظر العرف لا يكون مجزيا.

______________________________

(365) لان العرج نقص و لا فرق بين البيّن المفسر بالمتفاحش و غيره لانه نقص مطلقا. نعم، ورد التقييد بالبيّن في احد النبويين و لكن عرفت ضعف سنده.

(366) دون الخارج لانه يعدّ من الزوائد نظير الظفر الطويل فلا يكون عدمه نقصا، هذا مع ورود النص فيه بالخصوص و هو رواية جميل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«فى الأضحية

يكسر قرنها، قال: ان كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 21: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 22: من أبواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 358

و لا المقطوعة الاذن (367). و لا الخصي من الفحول (368). و لا المهزولة، و هي التي ليس على كليتيها شحم (369).

______________________________

(367) لأنه نقص عرفا، فتشمله رواية علي بن جعفر. هذا مع رواية محمد بن ابي نصر، باسناد له عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سئل عن الاضاحي اذا كانت الاذن مشقوقة او مثقوبة بسمة، فقال: ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس «1»».

و أما مشقوقة الاذن، فمقتضى رواية البزنطي اجزائها، لكن رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الضحية تكون الاذن مشقوقة، فقال: «ان كان شقها و سما فلا بأس، و إن كان شقا فلا يصلح «2»» ظاهرة في تقييد المشقوق المجزي بما كان لأجل الوسم، و لكن الانصاف ان ظهور «لا يصلح» فى التحريم غير مسلّم.

(368) و هو المسلول الخصية- كما فى «المدارك «3»»- و يدل على عدم اجزائه مضافا الى رواية علي بن جعفر لانه نقص، رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال:

«سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي فلما ذبحه اذا هو خصي مجبوب و لم يكن يعلم ان الخصي لا يجزي فى الهدي هل يجزيه أم يعيده؟ قال: لا يجزيه الا ان يكون لا قوة به عليه «4»».

(369) لرواية الحلبي، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا اشترى الرجل البدنة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 23: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- العاملي، السيد

محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 33، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 12: من ابواب الذبح، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 359

و لو اشتراها على أنها مهزولة فخرجت كذلك لم تجزه (370).

مهزولة فوجدها سمينة فقد اجزأت عنه و ان اشتراها مهزولة فانها لا تجزي عنه «1»».

و أما المراد بالمهزولة، فقد فسرت- كما فى المتن- بانها التي ليس على كليتيها شحم. و هو وارد في رواية الفضل «2» لكنها مضمرة و ضعيفة السند، و ادعى عمل المشهور بها و هو غير جابر بنظرنا.

اذن، فالمرجع في تحديد الهزال هو العرف، و لعله هو ان تكون الشاة دون الحد المتوسط المتعارف من الشكل.

و عليه، فيكون الهزال نقصا مشمولا للرواية العامة.

______________________________

(370) ما فى المتن مضمون رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام- في حديث- قال: «و ان اشترى اضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة اجزأت عنه، و ان نواها مهزولة فخرجت سمينة اجزأت عنه، و ان نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجز عنه «3»» و نحوها رواية منصور «4» و موضوعها الهدي.

و قد استظهر بعض الفقهاء «5» ان المراد من الوجدان هو الوجدان بعد الذبح و أنه حكم على خلاف القاعدة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 16 من أبواب الذبح، ح 5.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

(5)- هو صاحب المدارك رحمه اللّه (- مدارك الاحكام، ج 8: ص 35).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 360

و لو خرجت سمينة أجزأته، و كذا لو اشتراها على أنها سمينة فخرجت مهزولة. و لو اشتراها على أنها تامة فبانت ناقصة

لم يجزه (371).

لكن يبعّد ذلك ان ذبح السمينة بما هي مهزولة لا يمكن ان يقصد به القربة إلا بنحو التشريع المحرم لعدم مشروعيته في نفسه. فكيف يتحقق به الاجزاء مع اعتبار قصد القربة فيه؟

و الذي نراه ان المقصود من الوجدان هو الوجدان بعد الشراء و قبل الذبح، اذ هو ظاهر الرواية، فيكون حكما على طبق القاعدة بالنسبة الى ما اذا نواها مهزولة فبانت سمينة و على خلافها بالنسبة الى ما اذا نواها سمينة فبانت مهزولة.

يبقى شي ء و هو: انه لو كان المراد هو الوجدان قبل الذبح فلا يحتاج ذلك بالنسبة الى أولى الصورتين الى بيان لوضوح الاجزاء.

و الجواب: أنه يمكن ان يكون منشؤه أحد وجهين:

أحدهما: هو تخيل لزوم قصد السمينة حال الشراء و المعاملة و في مقام دفع المال لكي لا تحصل له حالة البخل عن ذلك، فالبيان لدفع هذا الخيال و ان المعتبر هو السمن حال الذبح.

و الآخر: هو تخيل بطلان المعاملة فلا تجزي لعدم كونها مملوكة له. فكان البيان لدفع هذا التخيل و ان الشاة ملك فتجزي. فتدبر.

______________________________

(371) هذا الحكم هو مقتضى اعتبار عدم النقصان الذي هو مفاد رواية علي بن جعفر المتقدمة، إلا أن فى المقام رواية تدلّ على التفصيل بين نقد الثمن و عدمه

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 361

و المستحب أن تكون سمينة، تنظر في سواد و تبرك في سواد و بالاجزاء في الأوّل دون الثاني و هي رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من اشترى هديا و لم يعلم ان به عيبا حتى نقد ثمنه ثم علم فقد تم «1»». و أصرح منها فى التفصيل رواية معاوية بن عمار، عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام في رجل يشتري هديا فكان به عيب عور أو غيره. فقال: «إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه و ان لم يكن نقد ثمنه رده و اشترى غيره «2»».

و لكن رواها الشيخ رحمه اللّه «3» بحذف: «فقد أجزأ عنه و ان لم يكن نقد ثمنه» فتكون معارضة لرواية الحلبي. و حملها فى «التهذيب» على صورة ما اذا علم العيب قبل نقد الثمن ثم نقد الثمن بعد ذلك.

و الذي يهوّن الخطب ما قيل من عدم العمل برواية الحلبي من قبل الاكثر حتى الشيخ رحمه اللّه في باقي كتبه مما يوجب الاطمئنان بسقوطها عن الحجية و لا تصل النوبة الى الجمع و حلّ التعارض.

و إن كان الأصل و الاعتبار يساعد على كون رواية معاوية بالنحو الأول لا برواية الشيخ لعدم انتظام المعنى في نفسه على رواية الشيخ رحمه اللّه، فتأمل تعرف.

و لو سلمنا حجية الرواية، فحمل رواية معاوية- على رواية الشيخ رحمه اللّه- على الاستحباب حسن، كما فى «الاستبصار».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 24: من أبواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- الطوسى، الشيخ محمد بن الحسن: الاستبصار، ج 2: ص 269/ باب 183.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 362

تمشي في مثله (372)، أي يكون لها ظلّ تمشي فيه. و قيل: أن يكون هذه المواضع منها سودا، و أن تكون مما عرّف به (373).

______________________________

(372) ل:

رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضحي بكبش أقرن فحل ينظر في سواد و يمشي في سواد «1»».

و رواية معاوية بن عمار- في حديث- قال: «قال أبو عبد اللّه عليه

السّلام: اشتر فحلا سمينا للمتعة ... «2»» و غيرهما.

و قد وقع الكلام في تفسير: «تنظر في سواد و يمشي في سواد و تبرك في سواد» و المنقول فيه معان ثلاثة:

الأول: ان يكون لها ظلّ كبير تمشي فيه و تنظر فيه و تبرك فيه كناية عن كثرة السمنة.

الثاني: ان تكون هذه المواضع منها سوداء.

الثالث: ان تكون حياتها دائما فى الزرع. كناية عن كثرة السمنة- أيضا.

و الأمر سهل بعد كونه مستحبا.

(373) لرواية البزنطي: «... قال: لا يضحى إلا بما قد عرف به «3»».

و نحوها رواية ابي بصير «4» المحمولتين على الاستحباب، لرواية سعيد بن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 12: من ابواب الذبح، ح 7.

(3)- المصدر/ باب 17: من ابواب الذبح، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 363

و أفضل الهدي من البدن (374)، و البقر الاناث. و من الضأن و المعز الذكران، و أن ينحر الابل قائمة (375)، قد ربطت بين الخف و الركبة، و يطعنها من الجانب الأيمن، و أن يدعو اللّه تعالى عند الذبح (376).

يسار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن اشترى شاة لم يعرّف بها، قال: «لا بأس بها عرّف أم لم يعرّف «1»».

و قيل: انه يكتفى بقول البائع في ذلك، لرواية سعيد بن يسار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنا نشتري الغنم بمنى و لسنا ندري عرّف بها أم لا؟ فقال: إنهم لا يكذبون لا عليك ضح بها «2»».

______________________________

(374) يدل عليه رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «أفضل البدن ذوات الارحام من الإبل و البقر و قد

تجزي الذكورة من البدن و الضحايا من الغنم الفحولة «3»». و غيرها.

(375) لرواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: و فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ، قال: «ذلك حين تصف للنحر يربط يديها ما بين الخف الى الركبة. و وجوب جنوبها اذا وقعت على الارض «4»». و غيرها.

(376) لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا اشتريت هديك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 17: من ابواب الذبح، ح 4.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 9: من ابواب الذبح، ح 1.

(4)- المصدر/ باب 35: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 364

و يترك يده مع يد الذابح. و أفضل منه أن يتولى الذبح بنفسه إذا أحسن.

و يستحب أن يقسمه أثلاثا، يأكل ثلثه، و يتصدق بثلثه، و يهدي ثلثه، و قيل: يجب الأكل منه، و هو الاظهر (377)، و يكره: التضحية بالجاموس، و بالثور، و بالموجوء.

فاستقبل به القبلة و انحره او اذبحه و قل: وجهت وجهي للذي فطر ... «1»»، و مثلها رواية ابن أبي عمير و ظاهر الأمر فيهما للوجوب لو لا عدم القول به. فالتفت.

______________________________

(377) اختلفت كلمات الاصحاب قدّس سرّه في هذه المسألة و تحقيق الكلام في هذه المسألة يكون بالكلام في جهات:

الأولى: في ثبوت التقسيم الثلاثي المذكور فى المتن.

الثانية: في وجوب الأكل و التصدق.

الثالثة: انه على تقدير وجوب التصدق، فلو أتلفه فهل يثبت في حقه الضمان أو لا؟.

الرابعة: في مصرف الصدقة.

أما الجهة الاولى:

فتحقيقها انه لم يرد ذكر للتقسيم المزبور فى النصوص و ليس له عين و لا أثر إلا في روايتين:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة،

ج 10/ باب 37: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 365

..........

إحداهما: تتضمن أصل التقسيم من دون تعرض للثلث و هي ما رواه الصدوق عن علي عليه السّلام في خطبة له في الأضحى، قال: «و اذا ضحيتم فكلوا و أطعموا و اهدوا و احمدوا اللّه على ما رزقكم من بهيمة الانعام «1»».

و الثانية: رواية العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «سقت فى العمرة بدنة فأين انحرها؟ قال: بمكة، قلت: أي شي ء اعطى منها؟ قال: كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدق بثلث «2»».

و لكن الاولى موضوعها الاضحية و الثانية موضوعها هدي العمرة، فلا تصلحان لرفع اليد عن ظهور الآية الكريمة في عدم التثليث و الروايات المطلقة. و لو سلّم ان ظاهرهما البدوي كان ما يعم الهدي، فلا بد من تخصيصه بالاضحية او غير ذلك لظهور انها ليست واردة في مقام بيان حكم تعبدي لم يبيّن فى القرآن، كما أنها ليست في مقام تفسير الآية تعبدا، فتحمل على غير مورد الآية لعدم تعرض للتقسيم المذكور فى الآية.

و جملة القول: لا دليل على التقسيم المذكور، فالمرجع هو الآية الكريمة و هي تتضمن الأمر بالأكل و اطعام البائس الفقير او القانع و المعتر.

و عليه، فيقع الكلام في وجوب الأكل- و هو الجهة الثانية:

من الكلام- فنقول: انه قد يدعى وجوبه كما فى المتن باعتبار الأمر به فى الآية و هو ظاهر فى الوجوب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 23.

(2)- المصدر، ح 18.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 366

..........

و تندفع هذه الدعوى: بان الأمر هاهنا في مقام توهم الحظر، إذ كان الهدي

محرّما فى الجاهلية على الحاج- كما حكي عن «الكشاف «1»»- فلا ظهور له فى الوجوب بل فى الترخيص نظير: إِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا. و لو لم نقل بانه في مقام توهم الحظر فهو غير ظاهر فى الوجوب- أيضا- باعتبار ان الهدي يلحظ فيه انه للفقراء، فقد تأبى النفوس المستعلية عن الاقدام على الأكل منه تعففا عن مشاركة الفقراء، و الأمر في مثل هذا المقام لا ظهور له فى الوجوب بل هو ظاهر في عدم المنع عن مشاركة الفقراء في مأكلهم.

و بالجملة، لا ظهور للأمر بالأكل فى الآية الكريمة في وجوبه و يؤيده ما ورد في بعض النصوص «2» من حكاية للأكل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من دون تعرض الى ان المسلمين تابعوه على ذلك مما يظهر انه لم يكن بواجب.

و أما اطعام البائس الفقير، فهو واجب لظهور الأمر به فى الوجوب بل ظهور كون الهدي هديا للّه في سبيله في ذلك، و ليس المراد بالاطعام الطبخ لهم بل يكفي اعطاؤهم اللحم و هم يطبخونه و يأكلونه أو يتصرفون به كيفما يشاءون.

و أما الجهة الثالثة:

فالضمان و عدمه يدوران مدار تحقيق ان الهدي بذبحه يتعين للفقراء بحيث يكون ما لهم، أو انه يملكه الذابح و لكن يجب عليه تكليفا صرفه على الفقراء؟

فعلى الأول يضمن باتلافه دون الثاني، و المستفاد من النصوص الكثيرة فى

______________________________

(1)- الزمخشري، محمود بن عمر: الكشاف، ج 3: ص 153/ سورة الحج، الآية 28.

(2)- وسائل الشيعة، ج 8/ باب 2: من ابواب الذبح، ح 4.

أيضا نفس المصدر، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 2- 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 367

[الثالث: فى البدل]

الثالث: فى البدل من فقد

الهدي و وجد ثمنه، قيل: يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة، و قيل: ينتقل فرضه إلى الصوم، و هو الأشبه (378).

الابواب المتشتّتة هو الأوّل.

و عليه، فيثبت الضمان مع الاتلاف.

و أما الجهة الرابعة:

فالظاهر ان مصرف الهدي هو الفقير بقول مطلق لظهور ذكر القانع و المعتر في آية و ذكر البائس الفقير في اخرى في ان الموضوع هو الجامع و هؤلاء مصاديقه. و قد ورد فى الروايات تفسير القانع و المعتر، فراجع «1».

______________________________

(378) ذهب المشهور الى القول الأول. و حكي عن ابن ادريس «2» انه ذهب الى لزوم الصوم و وافقه المصنف فى المتن. و البحث فى المسألة تارة: بلحاظ القاعدة- اعني: الحكم الذي تتكفله الآية الكريمة-. و اخرى: بلحاظ الدليل الخاص.

أما القاعدة: فقد يتخيل ان الوجدان أعم من وجدان العين و وجدان ثمنها، إذ ليس المراد ملكية العين. و إلا لزم صدق عدم الوجدان إذا كانت العين موجودة قبل ان يشتريها اذا كان لديه ثمنها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- ابن إدريس الحلّي، أبي جعفر محمد: السرائر، ج 1: صص 592- 591.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 368

..........

و فيه: أن المراد من الوجدان هو التمكن العرفي من تحصيل الهدي في ظرف الذبح- و هو الثلاثة أيام أو الأربعة على ما تقدم- و هو يصدق مع ملكية العين أو وجدان ثمنها مع وجود العين و تمكنه من شرائها، أما وجدانه ثمن العين و عدم وجودها في هذه الأيام فلا يصدق انه واجد للهدي و متمكن منه عرفا.

و عليه، فما نحن فيه موضوع لوجوب الصوم بمقتضى الآية الشريفة.

و أما الدليل الخاص: فقد وردت روايتان تدلان على ما

ذهب إليه المشهور.

احداهما: رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال: «يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه فان مضى ذو الحجة أخّر ذلك الى قابل من ذي الحجة «1»».

و الاخرى: رواية البزنطي، عن النضر بن قرواش، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يجده و هو مؤسر حسن الحال و هو يضعف عن الصيام فما ينبغي له أن يصنع؟

قال: يدفع ثمن النسك الى من يذبحه بمكة ان كان يريد المضي الى أهله و ليذبح عنه في ذي الحجة. فقلت: فانه دفعه الى من يذبح عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا و أصابه بعد ذلك. قال: لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة و لو أخّره الى قابل «2»».

و لكن فى الرواية الثانية خدشتان:

أحدهما: من جهة سندها لضعف النضر بن قرواش.

و الاخرى: من جهة دلالتها، إذ فرض في موضوعها الضعف عن الصيام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 44: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 369

..........

فيصير من قبيل فاقد الطهورين.

و قد تقضي عن كلتا الخدشتين: بان المشهور عمل بها، فهو يجبر ضعف سندها، كما يكشف عن فهمهم عدم الخصوصية للضعف عن الصيام.

هذا، مع ان الرواية للبزنطي و هو من أصحاب الاجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما صحّ عنهم- كما عن الكشي «1»-.

و لكن كل ذلك لا ينفع في رفع الاشكال، لعدم الجزم بعمل المشهور بها بعد وجود الرواية الاولى التامة السند،

مع ان عملهم لا يجبر الضعف بنظرنا و لا يجدي فى الغاء الخصوصية، إذ لا حجية لفهمهم ما لم يصل الى حد القطع.

و أما رواية البزنطي له: فلم يعلم ما المراد من تصحيح ما صح عنه، فلعل المراد- كما قيل «2»- الاجماع على صحته و وثاقته لا صحة روايته و لو كان ينقل عن غير ثقة أو مجهول.

و بالجملة، ففي الرواية الاولى كفاية. و لكن قد يتوهم معارضتها برواية أبي بصير، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى اذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فان أيام الذبح قد مضت «3»»، و قد حملت على ما اذا كان قد صام الثلاثة أيام، كما تشهد به بعض النصوص.

و لكنه لا داعي الى هذا التكلف، بل موضوعها يغاير موضوع رواية حريز، فان موضوعها من لم يتمكن من الهدي في وقت الذبح، و وجد ثمنه بعد مضيّها.

______________________________

(1)- الكشي.

(2)- و هو السيد الخوئي في مقدمة رجاله (ج 1: ص 74، الطبعة الاولى).

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 44: من ابواب الذبح، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 370

و اذا فقدهما صام عشرة أيام (379).

و أما رواية حريز، فموضوعها من كان واجدا لثمن الهدي في أيام الذبح، فلزوم الصوم في مورد رواية أبي بصير لا ينافي لزوم الاستنابة فى الذبح في مورد رواية حريز، إذ هما موضوعان متغايران. فتدبر.

______________________________

(379) للآية الكريمة: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ.

و يتحقق عدم الوجدان بفقدان العين او الثمن و عدم تمكنه عرفا من الاستدانة أو بيع

ما يزيد عن حاجته من دون حرج و عسر. و لو تمكن من بيع ما يزيد عن حاجته بثمن أقل من ثمن المثل. قيل «1»: يسقط عنه وجوب الهدي و يلزمه الصوم لأنه ضرر منفي بقاعدة نفي الضرر.

و قد ورد النص «2» بلزوم ذلك في خصوص الوضوء، فلا يتعدى عنه الى غيره.

و لكن التحقيق: انه ان كان بيعه بأقل من ثمن المثل مضرا بحاله و حرجا عليه سقط عنه الهدي و وجب عليه الصوم لصدق عدم الوجدان في حقه. و ان لم يكن مضرا بحاله لم يثبت في حقه الصوم، إذ قاعدة نفي الضرر انما تنفي- على تقدير تطبيقها- وجوب الهدي و لكنها لا تثبت وجوب الصوم، بل هو دائر مدار تحقق موضوعه، و موضوعه عدم الوجدان و هو غير صادق فى الفرض.

______________________________

(1)- الحلّي، الحسن بن يوسف: منتهى المطلب، ج 2: ص 737.

(2)- وسائل الشيعة/ باب 26: من ابواب التيمم، ح 2- 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 371

ثلاثة فى الحج متواليات [متتابعات، خ ل] يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة (380).

و حيث يعلم بلزوم شي ء عليه يثبت عليه الهدي لا الصوم لعدم تحقق موضوعه.

و من هنا تعرف ان الحكم الوارد في باب الوضوء حكم على طبق القاعدة، إذ موضوع التيمم عدم وجدان الماء و هو غير صادق مع تمكنه من الشراء و لو بمال كثير إذا لم يستلزم اضراره بحاله.

______________________________

(380) المراد من كون الثلاثة فى الحج أنها في ذي الحجة لا أثناء عمل الحج، كما يستفاد من النصوص المتعددة، كرواية رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي قال: يصوم

قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة. قلت: «فانه قدم يوم التروية قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق قلت: لم يقم عليه جماله. قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين قال: قلت: و ما الحصبة؟

قال: يوم نفره، قلت: يصوم و هو مسافر؟ قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا، إنا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّه عز و جل: فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ يقول: في ذي الحجة «1»».

و أما اعتبار التوالي، فهو ظاهر بعض النصوص، ك:

رواية رفاعة المتقدمة، فانه ظاهر قوله: «يومين بعده».

و رواية العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن متمتع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 372

..........

يدخل يوم التروية و ليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده «1»»، فان ظاهر النهي عن صيام يومين قبل العيد لأجل انتفاء الموالاة.

و صريح اخرى، كرواية اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تصوم الثلاثة الايام متفرقة «2»»، و رواية عبد الرحمن بن الحجاج الآتية «3».

و أما صوم هذه الثلاثة فى اليوم السابع و الثامن و التاسع، فقد وردت به النصوص المتعددة، كرواية رفاعة المتقدمة.

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، قال: فان فاته صوم هذه الأيام فقال: لا يصوم يوم التروية و لا

يوم عرفة و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق «4»»، و غيرها.

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام فى الحج يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة. قال: قلت: فان فاته ذلك. قال: يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فان لم يقم عليه جماله أ يصومها فى الطريق؟ قال: ان شاء صامها فى الطريق و إن شاء إذا رجع الى أهله «5»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 52: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 51: من ابواب الذبح، ح 4.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 373

و لو لم يتفق اقتصر على التروية و عرفة، ثم صام الثالث بعد النفر (381).

و قد استشكل في ذلك: بانه لا معنى للبدل قبل تحقق الخطاب بالمبدل مع أن الآية ظاهرة في كون الموضوع عدم الوجدان عند إرادة الذبح.

و فيه: انه بعد ورود النصوص بجواز ذلك لا مجال لهذا الاشكال. و لا ينافي ما ورد فى النصوص ما تتكفله الآية من ان الموضوع عدم الوجدان عند الذبح، إذ ذلك لا يلازم كون الصوم عند ذلك، و لا ظهور للنصوص في كون الموضوع هو عدم الوجدان في حال الصوم. بل عدم الوجدان في وقت الذبح موضوع للصوم قبل ذلك. فتدبّر.

______________________________

(381) هذا الحكم مشهور بين الاصحاب- كما فى «المدارك «1»»- و هو غير تام بلحاظ اعتبار التوالي فى الثلاثة الذي عرفت دلالة النصوص عليه.

و

لكن استدل عليه بقيام الدليل الخاص على جواز الفصل بين اليومين و الثالث بالصيد و أيام التشريق و هو روايتان:

احداهما: رواية عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يجزيه أن يصوم يوما آخر «2»».

و الاخرى: رواية يحيى الأزرق، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة، قال:

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 50، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 52: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 374

..........

يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق «1»».

و لكن في سندها ضعف ادعي جبره بعمل المشهور. و بذلك رفعت اليد عما ظاهره النهي عن صوم هذين اليومين قبل العيد، كروايتي العيص و عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين فى التعليقة السابقة.

و لكن الإنصاف انهما غير دالتين على اجزاء الصوم إلا في مورد الجهل، لان ظاهر السؤال فيهما هو السؤال عن الصوم الواقع (المتحقق) فهو سؤال عن حكم الجاهل بالموضوع كمن لا يعلم ان اليوم يوم تروية و تخيل انه اليوم السابع او الجاهل بالحكم. إذ العالم بالحكم لا يسأل.

و عليه، فهما لا تدلان على مشروعية الصوم للملتفت ابتداء. و لا تنافيان ظهور ما دل على النهي و التحريم، بل تدلان على انه لو وقع الصوم جهلا صح و أجزأ. فالروايتان مضافا الى ضعف سندهما ضعيفتا الدلالة على المدعى. و عليه فما هما ظاهرتان فيه لم يأخذ به المشهور.

و بالجملة، ما هما ظاهرتان فيه لم ينجبر بعمل المشهور و ما

انجبر بعمل المشهور ليس ظاهرهما. فتدبر.

ثم إنه لو جاز الفصل بالعيد. فهل يجوز الفصل بيوم عرفة نظرا الى ما دلّ على النهي عن الصوم فيه لكونه يوم دعاء؟ الظاهر العدم لاختصاص الدليل- على تقدير تماميته- بالفصل بالعيد. فلا يشمل الفصل بيوم عرفة، فيندرج تحت عموم اعتبار الموالاة.

ثم إنه هل يسوغ الفصل للمرض بحيث لا يجب عليه الاستئناف بعد زواله، أو لا يسوغ؟ قد يدعى تسويغه تمسكا بعموم: «هذا مما غلب اللّه عليه و ليس على

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 53: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 375

و لو فاته يوم التروية، أخّره الى بعد النفر (382). و يجوز تقديمها من أول ذي الحجة، بعد أن تلبس بالمتعة (383).

ما غلب اللّه عز و جل عليه شي ء» الوارد فى ذيل الحكم بعدم الاستئناف لمن عليه شهران متتابعان فصام خمسة و عشرين يوما و مرض.

و لكن التمسك بعموم التعليل يستلزم تأسيس فقه جديد و لأجل ذلك لا بد من الاقتصار فيه على موارد تطبيقه لا غير، إذ يكون مما يرد علمه الى أهله. كما اشرنا الى ذلك في ما تقدم، فراجع.

______________________________

(382) ظاهر النصوص المتقدمة جواز الصوم يوم النفر و هو يوم الثالث عشر المعبّر عنه بيوم الحصبة. و يتعين الالتزام به. و الجمع بينه و بين ما دل على عدم جواز الصوم أيام التشريق هو ان النهي عن صومها مختص بمن كان في منى، فمن يخرج منها و لو في اثناء اليوم يمكن ان يكون الصوم في حقه مشروعا و هو مدلول هذه النصوص.

و عليه، فلا وجه لما حكي عن الشيخ رحمه اللّه «1» من أن ليلة الحصبة

هي ليلة الرابع عشر. إذ هو خلاف ظاهر النصوص، فانها ظاهرة في أنها ليلة الثالث عشر. فلاحظ.

(383) لرواية زرارة، عن أحدهما عليهما السّلام، أنه قال: «من لم يجد هديا و أحب أن

______________________________

(1)- الطوسى، الشيخ محمد بن الحسن: المبسوط، ج 1: صص 380- 370 الظاهر أن هذه النسبة لا تطابق الواقع و لم نجد لفظة (ليلة) فى العبارة.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 376

و يجوز صومها طول ذى الحجة (384).

يقدّم الثلاثة الايام في أول العشر فلا بأس «1»»، و لإطلاق الآية الكريمة بضميمة ما ورد من النصوص «2» في تفسيرها بذي الحجة.

و قد استشكل في الاتيان بها قبل التلبس بالحج باعتبار انها مبدل عن الهدي و هو لا يجب قبل الحج، فلا معنى للاتيان ببدله قبل سبب الوجوب.

أقول: الذي يظهر من الآية الكريمة بدوا لزوم وقوعها فى الحج و لكن فسرتها النصوص بإرادة ذي الحجة لا نفس الحج من قوله: «فى الحج». و مقتضى اطلاق النصوص جواز الاتيان بها قبل التلبس بالحج. نعم، لا يجوز الاتيان بها قبل التلبس بالمتعة لأن ظاهر الآية ان الهدي انما يجب بعد التلبس بالمتعة لتعليق وجوبه على التمتع.

و عليه، فلا معنى للاتيان بالبدل قبل تحقق سبب وجوب المبدل منه. و هذا المعنى لا يتنافى مع صريح النصوص، بل يقيد اطلاقها لو كان.

______________________________

(384) هذا قول علمائنا- كما فى «المدارك «3»». و يدلّ عليه الآية الكريمة بضميمة ما ورد في تفسيرها بذى الحجة، كما يدلّ عليه رواية زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انه قال: «من لم يجد ثمن الهدي فأحب ان يصوم الثلاثة الايام فى العشر الأواخر فلا بأس بذلك «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/

باب 46: من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 53، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 13.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 377

و لو صام يومين و أفطر الثالث لم يجزه (385) و استأنف، الا أن يكون ذلك هو العيد، فيأتي بالثالث بعد النفر و لا يصح صوم هذه الثلاثة الا فى ذى الحجة، بعد التلبس بالمتعة. و لو خرج ذو الحجة و لم يصمها، تعين الهدي (386).

______________________________

(385) لما دل على لزوم التتابع مما تقدم. و قد عرفت الكلام فيما اذا كان الثالث العيد، فلا نعيد.

(386) هذا قول علمائنا- كما فى «المدارك «1»».

و تحقيق الكلام فيه: ان مقتضى القاعدة هو سقوط كل من الصوم و الهدي بخروج ذى الحجة.

أما الصوم، فلأن زمانه ذو الحجة، فاذا فات، فات الصوم نظير كل موقت.

و أما الهدي، فلأن موضوعه الواجد فى الايام معينة و المفروض انه لم يكن واجدا.

و أما بحسب النصوص الخاصة، فقد ادعي دلالة بعض النصوص على ثبوت الهدى عليه و سقوط الصوم ك:

رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة و ليس له صوم و يذبحه بمنى «2»».

و رواية الحلبي، قال: «سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي ان يصوم الثلاثة الايام التي على المتمتع اذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله قال: يبعث بدم «3»».

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 55، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/

باب 47: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 378

..........

كما ادعي أن ظاهر بعض النصوص جواز الصوم بعد ذي الحجة، كرواية معاوية بن عمار، قال: حدثني العبد صالح عليه السّلام، قال: «سألته عن المتمتع ليس له اضحية وفاته الصوم حتى يخرج و ليس له مقام، قال: يصوم ثلاثة ايام فى الطريق إن شاء و ان شاء صام عشرة في أهله «1»»، بضميمة ان الغالب كون الوصول الى بلده بعد ذي الحجة. و بذلك حملت الروايات السابقة على إرادة الكفارة بلحاظ لزوم الفورية بنحو تعدد المطلوب.

و عليه، فيجب عليه الصوم و الكفارة. و بناء على ظهور السابق فى الهدي جمع بينهما بالتخيير و انه يلزمه أحد الأمرين من الهدي و الصوم، بإلغاء خصوصية التعيين من كل منهما.

و الحق: أن رواية منصور ظاهرة في إرادة الكفارة لتعارف التعبير بذلك في موارد الكفارات، و لأن الهدي لا يتعين بالشاة، فلا وجه لتخصيصه بالذكر. و أما الأمر بذبحه بمنى، فهو غير ظاهر في إرادة الهدي، إذ كفارة افعال الحج تذبح بمنى في قبال كفارة اعمال العمرة فانها تذبح بمكة.

كما أنها ظاهرة في عدم الصوم و سقوطه عنه.

و أما رواية معاوية و نحوها، فدلالتها على مشروعية الصوم بعد ذى الحجة تتوقف على مقدمتين:

احداهما: ان لا يكون في اطراف مكة و المدينة من يعمل برأي الامام عليه السّلام، و لو بنحو الموجبة الجزئية.

و الاخرى: ان يكون قطع المسافة بين مكة و العراق مركز الشيعة، أو غيره من مراكزهم يحتاج الى انتهاء ذي الحجة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 47: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2،

ص: 379

و لو صامها ثم وجد الهدي و لو قبل التلبس بالسبعة، لم يجب عليه الهدي، و كان له المضي على الصوم، و لو رجع الى الهدي، كان أفضل (387).

و لكن كلتا المقدمتين مخدوشتان لا يقبلان التسليم و بالأخص الاولى. و الذي نستظهره من هذه النصوص أنها في مقام الغاء خصوصية المكان من دون نظر الى ما يعتبر من الزمان، فالمرجع فيه القواعد.

و نتيجة ما ذكرناه: انه يسقط عنه الصوم لفوات وقته و لرواية منصور المتقدمة، و يلزمه شاة كفارة عما فوّته من الصوم.

و لا تظهر لنا فعلا ثمرة عملية على الفرق بين لزوم الشاة بنحو الكفارة، أو بنحو الهدي. فتأمل. بخلاف الحال على الرأي السابق الذي ناقشناه، فالتفت.

______________________________

(387) الكلام تارة: بحسب القاعدة الأولية. و أخرى: بحسب النص الخاص الوارد في خصوص المسألة.

أما بحسب القاعدة، فظاهر الآية الكريمة أن موضوع وجوب الصوم و سقوط الهدي هو عدم وجدان الهدي في أيام الذبح و وقته المعيّن، فوجوده في غير وقت الذبح سابقا أم لاحقا لا ينفع في نفي وجوب الصوم. و عليه ...

فإذا لم يكن واجدا للهدي في وقته ثم وجده بعد ذلك و لم يكن قد صام أصلا لم يكن عليه هدي بل يلزمه الصوم، و منه يظهر حكم من كان قد صام ثلاثة، أو أكثر.

و إن وجد الهدي في وقته وجب عليه و سقط الصوم و ان كان قد صام الثلاثة

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 380

..........

أيام قبل العيد.

فالمدار في وجوب الصوم و عدمه هو فقدان الهدي في أيام الذبح المعيّنة- التي مرّ الكلام فيها- و وجدانه. هذا ما تقتضيه القاعدة.

أما النصوص، فقد ذكر لعدم سقوط الصوم لو

كان قد صام ثلاثة أيام ثم وجد الهدي روايتان:

إحداهما: رواية ابي بصير، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح، أو يصوم؟ قال: بل يصوم فان أيام الذبح قد مضت «1»» بضميمة حملها على من تحقق منه صوم الثلاثة أيام.

و الاخرى: رواية حماد بن عثمان، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع صام ثلاثة أيام فى الحج ثم اصاب هديا يوم خرج من منى. قال: أجزأه صيامه «2»».

و هاتان الروايتان ضعيفتا السند و ادعى جبرهما بعمل المشهور.

و لكن انجبارهما بعمل المشهور كما انه مخدوش كبرويا، كذلك مخدوش صغرويا، إذ لم يعلم استناد المشهور إليهما مع كونه حكما على طبق القاعدة فلعلهم استندوا الى القاعدة.

مع ان الاولى لا دلالة لها على المدعى إلا بالحمل المزبور، و هو مما لا شاهد عليه خصوصا و قد رويت «3» بطريق آخر مقيدة بعدم صوم الثلاثة أيام.

و على كل، فلا ينفعنا اثبات سندهما بعد كونهما موافقتين للقاعدة إلا في مقام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 44: من ابواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 381

و صوم السبعة بعد وصوله إلى أهله، و لا يشترط فيها الموالاة على الأصح (388).

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 381

معارضة ما استدلّ به على لزوم الذبح و لو كان قد صام الثلاثة أيام و هو

رواية عقبة بن خالد، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع و ليس معه ما يشتري به هديا، فلما أن صام ثلاثة أيام فى الحج أيسر أ يشتري هديا فينحره، أو يدع ذلك و يصوم سبعة أيام اذا رجع الى أهله؟ قال: يشتري هديا فينحره و يكون صيامه الذي صامه نافلة له «1»»، و لكنها ضعيفة السند و ضعيفة الدلالة على المطلوب، إذ لم يظهر منها أنه أيسر بعد زمان الذبح. فمن الممكن أنه أيسر في وقته و قد كان صام الثلاثة أيام قبل العيد كما هو المستحب، فلا تكون مخالفة للقاعدة.

و لو سلمنا دلالتها و اعتبار سندها، فلا بد من طرحها لأنها مخالفة للكتاب، إذ ظاهر الكتاب ان عدم وجدان الهدي في وقت الذبح مسقط لوجوبه و موجب للصوم، فما يدل على ثبوته لو وجده بعد وقت الذبح و سقوط الصوم مناف له، بضميمة عدم احتمال خصوصية لتحقق صوم الثلاثة أيام منه في قبال من صام العشرة، أو لم يصم أصلا. فلا بد من طرحها بمقتضى ما دلّ على طرح الخبر المعارض للكتاب.

و من هنا ظهر ان الحكم بأفضلية الهدي لا وجه لها صحيح، إذ القاعدة تقضي بعدم اجزائه فضلا عن كونه أفضل.

______________________________

(388) الذي يدل على ان المراد من الرجوع هو الرجوع الى أهله مضافا الى

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 45: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 382

..........

ظهوره من اللفظ عرفا، النص، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تعالى: فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ، قال: اذا رجعت الى أهلك «1»».

و

أما اعتبار التوالي و عدمه، فالمشهور على عدمه. و يستدل عليه بإطلاق الآية الكريمة، و برواية اسحاق بن عمار، قال: «قلت لأبى الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام: اني قدمت الكوفة و لم أصم السبعة الأيام حتى فزعت في حاجة الى بغداد؛ قال: صمها ببغداد. قلت: أفرقها؟ قال: نعم، «2»» المنجبر ضعف سندها بعمل المشهور.

و لكن رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: «سألته عن صيام الثلاثة الايام فى الحج و السبعة أ يصومها متوالية، أو يفرق بينهما؟ قال:

يصوم الثلاثة (الأيام) لا يفرق بينها و السبعة لا يفرق بينها و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا «3»» تدل على لزوم التوالي، و لكن في سندها محمد بن أحمد العلوي و هو مجهول الحال.

و لكن قيل ان العلامة رحمه اللّه «4» يصحح الروايات الواقع في طريقها، فلا بد من ملاحظة ان ذلك كان اعتمادا على توثيق السند او اعتمادا على القرائن الموجبة للوثوق بصدور الرواية لا اكثر.

ثم إنه على تقدير ان ذلك يرجع الى توثيق رجال السند، فهل مثل توثيق

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 16.

(2)- المصدر/ باب 55: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 46: من ابواب الذبح، ح 17.

(4)- القائل السيد الخوئي قدّس سرّه في «معجم رجال الحديث» (ج 15: ص 62/ سلسلة 10175).

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 383

و لو [فان، خ ل] أقام بمكة، انتظر قدر وصوله إلى أهله، ما لم يزد على شهر (389).

العلامة رحمه اللّه يعتمد عليه، أو لا؟ و قبل الفحص عن ذلك يتعين الاحتياط بالمتابعة و عدم التفريق، لانها مقيدة للاطلاق

على تقدير تمامية السند، فتدبر.

______________________________

(389) البحث في جهات:

الأولى: في أن المعتبر مضي مقدار زمان وصول أهل بلده، أو مضي شهر، أو كلاهما، إذ يظهر من العبارات اختلاف الآراء.

الثانية: في مبدأ حساب الشهر، أو زمان سير القافلة، فهل هو بعد أيام التشريق، أو من دخوله الى مكة، أو من قصده الاقامة، أو غير ذلك.

الثالثة: في شمول الحكم لمن قصد الاقامة في غير مكة، كالمدينة و نحوها.

و تحقيق الجهات الثلاث يتوقف على بيان ما يستفاد من الآية الكريمة، فنقول: المستفاد منها هو لزوم الصوم عند الرجوع الى الأهل و البلد- إما بنحو الواجب المشروط أو المعلق-، فمن لم يرجع الى أهله لا تتكفل الآية بيان حكمه و ساكتة عنه سواء قصد الاقامة في مكة أو غيرها.

و قد يحتمل بعيدا فى الآية إرادة الرجوع الى مقره و مستقره لا إلى خصوص بلده. و عليه، فيشمل الحكم فيها كل بلد أقام فيه و لكن ذلك يتنافى مع الروايات الدالة على لزوم الانتظار شهرا أو مقدار مضي زمان تصل القافلة فيه البلد عادة فيما إذا قصد الاقامة بمكة، إذ مقتضى الآية على ذلك جواز الصوم بمجرد الاقامة و الاستقرار.

كما يحتمل بقرينة الروايات المزبورة أن لا يراد بالآية الرجوع الى أهله

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 384

و لو مات من وجب عليه الصوم و لم يصم، وجب أن يصوم عنه وليّه، الثلاثة دون السبعة، و قيل: بوجوب قضاء الجميع، و هو الأشبه (390).

حقيقة، بل حكما بأن يراد بها مضي زمان بمقدار الرجوع. و على هذا، أيضا لا يختص الحكم بمن أقام في مكة فقط.

و لكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر جدا لا ظهور للروايات فيه قطعي، إذ

لم ترد في مقام بيان المقصود بالآية و تفسيرها، فيكون حمل الآية على ذلك من التفسير بالرأي. و عليه، فظاهر الآية ما عرفت.

و أما الروايات، فهي مختصة بمن يقيم في مكة، فلا تشمل غيره إذ لا وجه لالغاء خصوصية الاقامة بمكة و حملها على التمثيل، و ذلك ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «و ان كان له مقام بمكة و اراد ان يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيرة الى أهله أو شهرا، ثم صام بعده «1»».

و رواية أبي بصير، قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام فلما قضى نسكه بدا له ان يقيم بمكة سنة، قال: فلينتظر منهل أهل بلده فاذا ظن أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الايام «2»».

و عليه، فالحكم المذكور يختص بمن أقام في مكة.

______________________________

(390) القول بوجوب قضاء الجميع حكاه فى «المدارك «3»» عن ابن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 50: من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 60، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 385

..........

إدريس «1» و اكثر المتأخرين «2».

و يدل عليه ما دل على وجوب قضاء الصيام عن الميت مع فواته الشامل بإطلاقه الصوم بدل الهدي، كما يدل عليه النص الوارد في خصوص المورد، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من مات و لم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليه «3»».

و حكي عن الشيخ رحمه اللّه «4» القول بلزوم قضاء الثلاثة دون السبعة استنادا الى رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«أنه سأله عن رجل تمتع بالعمرة و لم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة ثم مات بعد ما رجع الى أهله قبل ان يصوم السبعة الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال: ما أرى عليه قضاء «5»».

و يمكن الخدشة في دلالة الرواية بأن محل الكلام ما اذا تمكن من صيام السبعة، و من ذهب الى وجوب قضائها ذهب إليه في هذا الفرض لاختصاص دليل القضاء به، اما مع عدم التمكن من صيامها فلا يقول أحد بوجوب قضائها.

و عليه، فلم يعلم ان المقصود من الرواية هل هو فرض التمكن من الصيام أو عدم التمكن بل مات بمجرد الوصول الى أهله؟ و على الثاني لا تنفع فى التخصيص. و قوله: «قبل ان يصوم السبعة»، و إن كان بظهوره الأولي أجنبيا عن فرض عدم التمكن، لكن مثله يستعمل فى الكناية عن عدم ادراك زمان صوم السبعة.

______________________________

(1)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ص 139، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- كالعلامة فى «المنتهى» (ج 2: ص 746) و الشهيد فى «الدروس» (ص 128).

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 48: من ابواب الذبح، ح 1.

(4)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: التهذيب، ج 5: ص 40/ ح 118.

(5)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 48: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 386

و من وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة و لم يجد، كان عليه سبع شياه (391)، و لو تعيّن الهدي، فمات من وجب عليه، أخرج من أصل تركته (392).

و على كل، فالرواية مجملة من هذه الجهة، فلا تصلح لاثبات المدعى، فالالتزام بالقول الأول متعين.

______________________________

(391) المستند في ذلك، رواية داود الرقي،

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء، قال: «اذا لم يجد بدنة فسبع شياه فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله «1»». و هي ضعيفة السند مع اختصاصها بالفداء، فلا وجه للتعدي منها الى النذر، كما انه لا وجه للحكم باجزاء السبعة عن البقرة إذا وجبت باعتبار ان البدنة أهم فاذا اجزأت الشياه السبعة عنها فاجزاؤها عن البقرة من باب الأولى؛ لأنه قياس. فتدبر.

(392) هذا يبتني على كون الهدي من الحقوق المالية، و هو و ان كان غريبا اعتبارا، لكن لا طريق لدينا صناعي لاثباته من النصوص، و لو سلّم أنه كذلك فلو لم تف التركة به بسائر الديون و لم تكن حصته وافية بالهدي الكامل، فهل يشتري بها بعض الهدي لقاعدة الميسور أو يتصدق بها أو ترجع ميراثا؟

الأقوى هو الأخير، لان بعض الهدي لا يعد ميسورا من الهدي فان مقدارا من اللحم يباين الشاة. هذا مع منع الدليل على القاعدة، و لزوم التصدق به لا دليل عليه، فيعود ميراثا. فالتفت.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 56: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 387

[الرابع: في هدي القران]

الرابع: في هدي القران لا يخرج هدي القران عن ملك سابقه، و له ابداله و التصرف فيه، و ان أشعره أو قلده.

لكن متى ساقه، فلا بد من نحره بمنى، إن كان لإحرام الحج، و ان كان للعمرة فبفناء الكعبة بالحزورة (393).

______________________________

(393) وقع الكلام في عبارة المتن لوجود التدافع ظاهرا بين جواز ابدال هدي القران و تعيين ذبحه بمنى بعد السياق. و قد اختلفت عبارات الشرّاح و غيرهم في تفسير العبارة و توجيهها

بنحو يرتفع التنافي، و هذا لا يهمنا كثيرا.

إنما المهم بيان حكم هدي القران فان انطبق على العبارة، فهو و إلا فعلمها في صدر كاتبها، فنقول:

هدي القران ما دام لم يشعر او يقلد لا يخرج عن ملك صاحبه و له التصرف به كيفما شاء و ان عيّنه صاحبه للهدي و نادى عليه بذلك ليلا و نهارا حتى اذا كان منذورا لا بعينه، بل النذر تعلق بكلي الشاة- مثلا- فان تطبيقه المنذور على الشاة المعينة لا يعينها قبل الذبح، بل له أن يبدلها بغيرها. نعم لو نذرها بعينها تعينت.

أما اذا اشعره لم يكن له حينئذ تبديله الا في ظروف خاصة- كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى-، بل يتعين عليه ان ينحره بمكة او بمنى- على ما سيجي ء تحقيق ذلك-.

و يدل على ما ذكرناه رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها و يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 388

..........

و يجد هديه؟ قال: «ان لم يكن قد اشعرها فهي من ماله ان شاء نحرها و ان شاء باعها، و ان كان اشعرها نحرها «1»».

و قد استشكل صاحب المدارك «2» في دلالتها بانها تختص بموضوع خاص و هو الهدي الضال الذي وجد في منى دون مطلق الهدي المشعر.

و ردّه صاحب الجواهر «3» بانها مناقشة لا تستأهل ان تستطر، ضرورة ظهوره و صراحته في ان المدار على الاشعار و عدمه. و الحق مع صاحب الجواهر في استظهاره ما عرفت.

هذا بالنسبة الى تعين الذبح بعد الاشعار. و أما بقاؤه على ملكه و عدمه فظاهر رواية الحلبي المتقدمة خروجه عن ملكه

بالاشعار إما لمفهوم قوله: «ان لم يكن قد أشعرها فهي من ماله»، او لأجل انه و إن لم يكن له مفهوم باعتبار وروده فى السؤال فيكون مسوقا لبيان الموضوع.

لكن ظاهر المقابلة و ايجاب النحر عند الاشعار بعد عدم ايجابه قبله من باب انه باق على ملكه فله التصرف فيه كيفما يشاء، هو ان ايجاب النحر لانتفاء موضوع التخيير و هو الملكية الثابت قبل الاشعار، فالتفت.

و عليه، فالالتزام بخروج الهدي عن ملك سائقه بالاشعار متجه و لا محذور فيه.

و أما مكان الذبح أو النحر، فقد ذهب في المتن الى انه منى لهدي الحج و مكة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 32: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 63، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 193، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 389

..........

لهدي العمرة، و ظاهر بعض النصوص «1» انه منى للهدي الواجب و مكة ان شاء للهدي المندوب.

و لكن الأقوى أنه منى مطلقا إذا كان قد أشعره أو قلّده سواء كان هدي عمرة أم هدي حج، و سواء كان مندوبا أم واجبا ل:

رواية ابراهيم الكرخي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر، فقال: «ان كان هديا واجبا فلا ينحره الا بمنى، و ان كان ليس بواجب فلينحره بمكة ان شاء، و ان كان قد اشعره او قلده فلا ينحره الا يوم الأضحى «2»»، فان ذيلها ظاهر في كونها استدراكا عن جواز ذبح المندوب بمكة كما لا يخفى، و هي و ان لم يصرح فيها بالذبح بمنى لكن قوله:

«يوم الاضحى» ظاهر في ذلك. مضافا الى رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا دخل بهديه فى العشر فان كان اشعره و قلّده فلا ينحره إلا يوم النحر بمنى و إن كان لم يقلده و لم يشعره فلينحره بمكة اذا قدم فى العشر «3»».

و إن لم يشعره أو يقلّده، بل كان قد ساقه فقط، فمقتضى رواية ابراهيم المتقدمة التفصيل بين الواجب و المستحب، كما أن ظاهر رواية شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «سقت فى العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة ... «4»»

ان الهدي المسوق فى العمرة يذبح بمكة.

و على كل، فما يذبح بمكة لا يختص بمكان و ان كان ظاهر رواية معاوية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 4: من ابواب الذبح.

(2)- المصدر، ح 1.

(3)- المصدر، ح 5.

(4)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 390

و لو هلك لم يجب اقامة بدله، لانه ليس بمضمون. و لو كان مضمونا كالكفارات، وجب اقامة بدله (394).

اختصاصه بالجزورة و لكن يرفع اليد عنها بروايته الاخرى، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إن أهل مكة انكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكة فقال: إن مكة كلها منحر «1»».

______________________________

(394) ظاهر هذا الكلام جواز ان يكون هدي القران متعلقا لحكم آخر كالكفارة أو النذر فيكون وفاء للنذر أو الكفارة، و هو ظاهر النصوص أيضا، و على كل فيدل على التفصيل المذكور في المتن النصوص المتعددة، ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب؟ قال: ان كان تطوعا فليس عليه غيره و ان كان جزاء او نذرا

فعليه بدله «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل اهدي هديا فانكسرت، فقال: إن كانت مضمونة فعليه مكانها و المضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا و له أن يأكل منها فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء «3»» و غيرها.

و بما أن الظاهر من لفظ المضمون ما كان فى الذمة في قبال المعين الشخصي، لم يشمل الحكم المنذور المعيّن بل حكمه حكم التطوع في عدم وجوب اقامة بدله

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 4: من ابواب الذبح، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 25: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 391

و لو عجز هدي السياق عن الوصول، جاز أن ينحر أو يذبح، و يعلّم بما يدل على انه هدي. و لو أصابه كسر، جاز بيعه، و الافضل أن يتصدق بثمنه أو يقيم بدله (395).

لانه ليس بمضمون.

و بالجملة، لا يظهر من الروايات انها تتكفل حكما على خلاف القاعدة الأولية، فتدبر.

______________________________

(395) تكفل هذا الكلام الجمع بين أمرين:

أحدهما: انه لو عجز هدي السياق عن الوصول إلى محل النحر، أو الذبح جاز أن ينحر و يذبح و يعلم أنه هدي.

و الآخر: انه لو أصاب الهدي كسر جاز أن يبيعه، او يقيم بدله و الأفضل أن يتصدق بثمنه لو باعه.

و قد استشكل فى الجمع بين هذين الحكمين، إذ جواز البيع ينافي لزوم الذبح.

ثم إن الترديد بين البيع و اقامة البدل ليس له فى النصوص عين و لا أثر بل الموجود على ما ستعرف الجمع بينهما، و قد حاول بعض الشّراح «1» في توجيه العبارة و دفع التنافي بان الحكم الأوّل

لمطلق العطب و الحكم الثاني لخصوص الكسر.

و لكن هذا و ان كان ظاهر العبارة لكن لا شاهد له من النصوص، إذ ما

______________________________

(1)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 312، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 392

..........

تضمن الحكم الأوّل صرح فيه بالكسر، كما ان ما تضمن الحكم الثاني صرّح فيه بالعطب.

و على كل، فتحقيق الكلام ان يقال: إن هناك نصوصا تضمنت الحكم الأوّل، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الهدي اذا عطب قبل ان يبلغ المنحر أ يجزي عن صاحبه؟ فقال: ان كان تطوعا فينحره و ليأكل منه و قد أجزأ عنه بلغ المنحر او لم يبلغ فليس عليه فداء، و إن كان مضمونا فليس عليه أن يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ و عليه مكانه «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أي رجل ساق بدنة فانكسرت قبل ان تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك فلينحرها ان قدر على ذلك، ثم ليلطخ نعلها التي قلدت به بدم حتى يعلم من مرّ بها أنها قد ذكيت فيأكل من لحمها ان أراد و إن كان الهدي الذي انكسر و هلك مضمونا فان عليه ان يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك. و المضمون هو الشي ء الواجب عليك في نذر أو غيره، و ان لم يكن مضمونا و إنما هو شي ء تطوع به فليس عليه ان يبتاع مكانه إلا ان يشاء ان يتطوع «2»». و نحوهما في بيان لزوم النحر غيرهما «3»، فلاحظ.

كما أن من النصوص ما ظاهره جواز البيع و لزوم التصدق

بثمنه و اقامة بدله كرواية الحلبي، قال: سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه على هدي آخر؟ قال: يبيعه و يتصدق بثمنه و يهدي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 25: من ابواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 31: من ابواب الذبح، ح 4.

(3)- المصدر، ح 5 و 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 393

..........

هديا آخر «1»». و نحوها رواية محمد بن مسلم «2».

و طريق الجمع بين الطائفتين هو ان نقول: ان الطائفة الثانية تتكفل حكمين:

احدهما: جواز البيع و لزوم التصدق بثمنه. و الآخر: لزوم الهدي الآخر، و موضوعها هو الهدي الواجب.

و الطائفة الأولى تتكفل بيان لزوم النحر و إقامة البدل فى المضمون.

فان اريد من الواجب فى الطائفة الثانية ما يساوق المضمون يعني الواجب بالأصالة لا بالاشعار او التقليد.

فلا تنافي بين الطائفتين فى الحكم الآخر، إذ هما متوافقان على لزوم إقامة البدل. و أما بالنسبة الى الحكم الأول، فالجمع يكون بالحمل على التخيير بين الذبح و بين البيع و التصدق بثمنه. و أما التطوع، فيتعين ذبحه.

و إن اريد من الواجب الأعم من الواجب بالاصل أو بالعرض لأجل الاشعار او التقليد- كما هو الظاهر في قبال هدي التمتع- فيجمع أيضا بين الطائفتين بالحمل على التخيير بين الذبح و بين البيع و التصدق بثمنه و لا تنافي حينئذ، و لو كان الظاهر من الواجب هو الأول، فيمكن التعدي فى الحكم بجواز البيع و التصدق بثمنه الى التطوع بالاولوية. فانه اذا جاز بيع الواجب المتعين فجواز بيع المندوب أولى.

و ان كان يمكن الخدشة في ذلك بانه يمكن ان يكون لاعطاء اللحم خصوصية و بما انه حاصل

فى الواجب للزوم اقامة البدل جاز بيع المكسور فيه، أما المندوب فلا يجب إقامة البدل، فتجويز بيعه يلغي اعطاء اللحم. فالأولوية غير ظاهرة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 27: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 10: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 394

و لا يتعين هدي السابق للصدقة الا بالنذر (396).

و على كل حال، فالجمع بين الطائفتين يقتضي لزوم إقامة البدل في الواجب المندوب و التخيير مطلقا بين الذبح و بين البيع و التصدق بثمنه.

و من هنا يظهر: ان الحكم فى المتن بأفضلية التصدق عند البيع ليس كما ينبغي، بل هو لازم بمقتضى النص، كما أن الحكم بالتخيير بين البيع و إقامة البدل لا وجه له إلا حمل الواو فى النص على معنى «أو» و هو خلاف الظاهر و لا قرينة عليه.

كما أنه لا وجه للاستشكال في جواز البيع بعد تعينه بالاشعار، فانه اجتهاد في مقابل النص. فلاحظ.

ثم إنه قد استشكل فى الحكم بلزوم ذبحه من جهتين:

إحداهما: ان مصرف الهدي الصدقة و هو لا يعلم بتحقق ذلك، إذ قد تأكله الوحوش، فكان اللازم الأمر بالانتظار مع المكنة حتى تمر قافلة اخرى.

و فيه: ان النص حاكم على مثل هذه التوقفات.

الثانية: انه كيف تعلم القافلة المارة ان هذا اللحم مذكى؟. فلا يمكنها الانتفاع به، فذبحه في الطريق و تركه اتلاف له.

و فيه: انه ورد فى النص الاعلام بالتذكية بحيث يعرف المار بواسطة ما به الاعلام- من كتابة أو نحوها- أنه قد ذكي. و ذلك يكفي في الامارية على التذكية بحكم النص. فلا يعد اتلافا للمال مع الاطلاع على الامارية فتدبر.

______________________________

(396) الظاهر من العبارة انه لا يلزم التصدق بجميع

الهدي لما سيأتي منه من استحباب التثليث نعم لو نذر التصدق به جميعه أو كان هو منذورا للصدقة تعين

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 395

و لو سرق من غير تفريط لم يضمن (397)، و لو ضلّ فذبحه الواجد عن صاحبه أجزأ عنه (398).

لها. و قد حملت العبارة على معان اخر خلاف ظاهر العبارة جدا. و لا ثمرة في ذكرها و إن شئت الاطلاع، فراجع «الجواهر «1»».

______________________________

(397) هذا الحكم موافق للقاعدة سواء قلنا إنه بالاشعار يخرج عن ملكه أم يبقى فيه. نعم لو كان مضمونا بمعنى أنه كان مصداقا للواجب فى الذمة كالكفارة و النذر المطلق، لم يتحقق الامتثال بدون الذبح فيلزمه هدي آخر.

و قد ورد بما فى المتن بعض النصوص، كرواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى اضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها؟ قال:

«لا بأس، و إن أبدلها فهو أفضل، و إن لم يشتر فليس عليه شي ء «2»». و غيرها بناء على عموم الاضحية لما نحن فيه أو عدم الفرق بينهما.

و أما مع التفريط، فالضمان واضح مع الالتزام بخروجه عن ملكه و دخوله في ملك الفقراء.

و أما مع الالتزام ببقائه في ملكه و انما اللازم ذبحه، فالحكم بالضمان غير واضح لأنه تصرف في ملكه لا في ملك غيره و تفريط بما يملكه، فلا ضمان.

(398) لا يخفى أنه لا معنى للاجزاء بعد تعينه و عدم كونه فى الذمة، لعدم ضمانه بالتلف و ذبح الغير اتلاف له. و لكن قد ورد النص بذلك و هو رواية منصور بن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 204، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج

10/ باب 30: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 396

و لو ضاع فأقام بدله، ثم وجد الاول، ذبحه و لم يجب ذبح الاخير. و لو ذبح الاخير، ذبح الاول ندبا (399)، الا أن يكون منذورا.

و يجوز: ركوب الهدي ما لم يضرّ به (400)، و شرب لبنه ما لم يضر بولده (401).

حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام المتقدمة، و يمكن حملها على هدي التمتع أو على الهدي المضمون، فراجع.

______________________________

(399) ظاهر النص وجوب ذبح الأول مع ذبح الاخير لو كان قد أشعره و عدم وجوبه لو لم يكن أشعره و هو رواية الحلبي المتقدمة.

و عليه فالمدار على الاشعار و عدمه، فما أشعره منهما لزم ذبحه و لو كان كليهما و ما لم يشعره لم يجب ذبحه. فاطلاق المتن في كون ذبح الأول مندوبا مستدرك.

فتدبر.

(400) حتى لو قلنا بأنه يخرج عن ملكه بالاشعار و يدخل في ملك الفقراء لعدم منافاة الركوب لحقهم مع عدم الاضرار، نظير التصرف فى الوقف، كالمسجد فيما لا يزاحم ما وقف عليه من العبادة. هذا مع وجود النص الخاص فيه، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(401) بلا خلاف أجده فيه- كما فى «الجواهر «1»»- و يدل عليه النص ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن البدنة تنتج

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 209، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 397

و كل هدي واجب كالكفارات، لا يجوز ان يعطى الجزار منها شيئا، و لا أخذ شي ء من جلودها، و لا أكل شي ء منها (402)، فان أكل تصدق بثمن ما أكل.

أ يحلبها؟

قال: احلبها حلبا غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا. قلت: يشرب من لبنها؟ قال: نعم، و يسقي ان شاء «1»».

و رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان علي عليه السّلام يحلب البدنة و يحمل عليها غير مضر «2»». و غيرهما.

ثم ان الحكم موافق للقاعدة بناء على عدم خروجها عن ملكه و ليس موافقا لها بناء على خروجها، كالمختار.

و هل يجب ذبح ولدها، أو لا؟ المتجه انه إن كان مولودا قبل السياق فلا يجب الا ان يقصد سوقه مع أمه و يشعره، و ان كان بعد السياق وجب ذبحه للنص، كرواية ابن مسلم المتقدمة.

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل ساق بدنة فنتجت، قال: «ينحرها و ينحر ولدها، و ان كان الهدي مضمونا فهلك اشترى مكانها و مكان ولدها «3»». و غيرهما.

و لا يختلف بين القول بخروجها عن ملكه بالاشعار و عدمه للنص. فتدبر.

______________________________

(402) وفاقا للمشهور- كما فى «الجواهر «4»»- و يدل على عدم جواز اعطاء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 34: من ابواب الذبح، ح 7.

(2)- المصدر، ح 4.

(3)- المصدر، ح 1.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 212، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 398

..........

الجزار منها في قبال عمله ..

رواية جعفر بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يعطي الجزار من جلود الهدي و جلالها شيئا «1»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ينتفع بجلد الاضحية و يشتري به المتاع و ان تصدق به فهو أفضل و قال

نحر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بدنة و لم يعط الجزارين (من) جلودها و لا قلائدها و لا جلالها و لكن تصدق به. و لا تعط السلّاخ منها شيئا و لكن اعطه من غير ذلك «2»». و غيرهما.

لكن ظاهر رواية صفوان بن يحيى المروية فى «العلل» قال: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: الرجل يعطي الاضحية من يسلخها بجلدها، قال: لا بأس به إنما قال اللّه عز و جل: فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا* و الجلد لا يؤكل و لا يطعم «3»».

و نحوها مرسلة الصدوق قدّس سرّه.

جواز ذلك و لكن ضعف سندها يمنع من الأخذ بها.

و أما اخذ الجلد، فظاهر رواية معاوية بن عمار المتقدمة جوازه و ان التصدق به أفضل. و هكذا هو ظاهر روايته الاخرى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الاهاب فقال: «تصدق به او تجعله مصلا تنتفع به فى البيت و لا تعطه الجزارين ... «4»».

و أما أكل كل شي ء منها، فظاهر بعض النصوص النهي، ك:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 43: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- الصدوق، الشيخ محمد بن علي: علل الشرائع، ج 2: ص 146/ باب 182.

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 43: من ابواب الذبح، ح 5.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 399

..........

رواية عبد الرحمن، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الهدي ما يأكل منه أ شي ء يهديه في متعته أو غير ذلك؟ قال: كل هدي من نقصان الحج فلا يأكل منه و كل هدي من تمام الحج فكل «1»».

و رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فداء الصيد يأكل من لحمه؟

فقال:

«يأكل من اضحيته و يتصدق بالفداء «2»»، و غيرهما.

و لكن في قبالها نصوص دالة على الجواز، ك:

رواية الكاهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون «3»».

و رواية جعفر بن بشير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن البدن التي تكون جزاء الإيمان و النساء و لغيره يؤكل منها؟ قال: نعم، يؤكل من كل البدن «4»». و غيرها.

و مقتضاها حمل ما دل على التحريم على الكراهة جمعا بين النص و الظاهر.

و هذا من جهة الحكم التكليفي، و أما الحكم الوضعي أعني: ضمان ما يأكله، فهو مدلول.

رواية حريز- في حديث يقول في آخره-: «ان الهدي المضمون لا يؤكل منه اذا أعطب فان أكل منه غرم «5»».

و رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام، قال: «اذا أكل الرجل من الهدي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 4.

(2)- المصدر، ح 15.

(3)- المصدر، ح 6.

(4)- المصدر، ح 7.

(5)- المصدر، ح 26.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 400

و من نذر أن ينحر بدنة: فان عيّن موضعها وجب، و ان أطلق نحرها بمكة (403).

تطوعا فلا شي ء عليه و إن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل «1»». و لا مانع من الالتزام به.

و قد حملت روايات النهي عن الاكل على الاكل بقصد عدم الضمان. و هو غير واضح.

و ما ذكرناه من طرق الجمع أفضل و أوجه عرفا. فلاحظ.

______________________________

(403) هذا هو المشهور بين المتقدمين و ورد فيه خبر اسحاق الازرق الصائغ، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه بدنة ينحرها بالكوفة في شكر.

فقال لي: «عليه أن ينحرها حيث جعل

للّه عليه و إن لم يكن سمّى بلدا فانه ينحرها قبالة الكعبة منحر البدن «2»». كما استدل عليه بان البدنة اسم لما يذبح في مكة فيحمل مع عدم القرينة عليه.

و التحقيق: ان القاعدة في باب النذر تبعيته لقصد الناذر فاذا أطلق المكان و لم يعيّن كان له أن يذبحه في أي مكان شاء.

و أما الرواية، فضعيفة السند، و لا يعلم عمل المشهور بها، إذ لعل ذهابهم الى ذلك اعتمادا على ما صرح به بعض اللغويين «3» من ان البدنة اسم لما يذبح في مكة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 59: من ابواب الذبح، ح 1.

(3)- الشرتوني، سعيد الخوري: أقرب الموارد، ج 1: ص 34/ مادة «بدن».

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 401

و يستحب أن يأكل من هدي السياق، و أن يهدي ثلثه (404)، و يتصدق بثلثه، كهدي التمتع، و كذا الاضحية (405).

الخامس: في الأضحية (406)

و وقتها بمنى أربعة أيام، أولها يوم النحر.

لا عملا بالرواية.

و هذا التصريح غير ثابت عندنا و مقتضى الشك في تعين الخصوصية اجراء أصالة البراءة منها. و لعلّه لذلك ذهب مشهور المتأخرين الى عدم تعين النحر بمكة مع الاطلاق. فتدبر.

و إن نذر هديا فالظاهر انه ظاهر فيما يذبح بمكة أو منى، فيتعين ذلك.

و أما لو نذر دما، فلا اشكال في عدم تعين ذبحه بمكة، إذ لا وجه له أصلا.

______________________________

(404) لرواية شعيب العقرقوفي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «سقت فى العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة. قلت: أي شي ء أعطي منها؟ قال: كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدق بثلث «1»». و قد مرّ عدم مشروعية التثليث في

هدي التمتع، فراجع.

(405) لرواية الصدوق، عن أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة له: «و اذا ضحيتم فكلوا و اطعموا و اهدوا ... «2»».

(406) لا اشكال في استحباب الاضحية بل الاجماع بقسميه عليه- كما فى

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 40: من ابواب الذبح، ح 18.

(2)- المصدر، ح 23.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 402

و فى الأمصار ثلاثة (407).

«الجواهر «1»»- و ظاهر بعض النصوص «2» وجوبها. و لكن يرفع اليد عنه للسيرة القطعية على عدم الوجوب، مع أن وجوبها مما يعلم لو كان لكثرة الابتلاء بها.

______________________________

(407) الاجماع بقسميه عليه، كما فى «الجواهر «3»»، و يدل عليه رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟

فقال: أربعة أيام، و سألته عن الأضحى في غير منى؟ فقال: ثلاثة أيام. فقلت: فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين، أله أن يضحي فى اليوم الثالث؟

فقال: نعم «4»»، و نحوها رواية عمار الساباطي «5».

و لكن ورد في نصوص اخر أنه ثلاثة أيام في منى و يوم واحد في الأمصار ك:

رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «الاضحى يومان بعد يوم النحر و يوم واحد بالامصار «6»».

و رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول: النحر بمنى ثلاثة أيام فمن اراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة أيام، و النحر بالامصار يوم،

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 219، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 60: من ابواب الذبح، ح 5.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 223، الطبعة الاولى.

(4)- وسائل

الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الذبح، ح 1.

(5)- المصدر، ح 2.

(6)- المصدر، ح 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 403

..........

فمن اراد أن يصوم صام من الغد «1»».

و يمكن الجمع بينهما بحمل النصوص الأخيرة على بيان ما لا يشرع فيه الصوم، كما هو ظاهر رواية منصور. و حمل الأولى على بيان ما يشرع فيه التضحية. فكل من الطائفتين يتكفل بيان حكم من الحكمين، فلا منافاة بينهما.

و أما مشروعية صوم اليوم الرابع، فبلحاظ أنه يوم النفر الذي عرفت جواز الصوم فيه.

و بالجملة، للأضحى حكمان أحدهما مشروعية الذبح فيه. و الآخر عدم مشروعية الصوم فيه، فالطائفة الاولى لبيان الحكم الأول و الثانية لبيان الحكم الثاني.

و الشاهد على هذا الجمع ان الطائفة الاولى نص في كون الملحوظ فيها الحكم الأول كما لا يخفى على من لاحظ رواية علي بن جعفر. و الطائفة الثانية ظاهرة بالإطلاق فيه و المتيقن منها بيان حكم الصوم، فيحمل الظاهر على النص.

ثم إنه هل يتعين في يوم العيد وقت مخصوص أو لا؟. مقتضى اطلاق النصوص المتقدمة الثاني.

و لكن قد يظهر من رواية سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قلت له: «متى تذبح؟

قال: اذا انصرف الامام. قلت: فاذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة؟ فقال: اذا استعلت الشمس «2»»، اعتبار انصراف الإمام أو استعلاء الشمس.

و لكنها محمولة على الندب و الأفضلية لوضوح جواز التأخير قطعا بمقتضى

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من ابواب الذبح، ح 5.

(2)- المصدر، ج 5/ باب 29: من ابواب صلاة العيد، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 404

[و يستحب الأكل من الأضحية] و لا بأس

بادخار لحمها (408).

النصوص المتقدمة و السيرة، فالسؤال عن أفضل الاوقات.

هذا، و لكن يمكن ان يدعى ان السؤال بلحاظ مبدأ الذبح، و جواز التأخير لا ينافي وجوب الذبح بعد الصلاة- نظير مبدأ زكاة الفطرة- و لا سيرة على خلافها إذ وقت الذبح غالبا بعد استعلاء الشمس، فلا وجه لحملها على الندب.

______________________________

(408) ظاهر بعض النصوص النهي عن الادخار، كرواية علي بن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «لا يتزود الحاج من اضحيته و له أن يأكل منها بمنى أيامها «1»».

و لكن ظاهر نصوص اخر جواز ذلك بعد ثلاثة أيام و أنه كان منهيا عنه فى السابق ك:

رواية جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: «أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن لا نأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام ثم أذن لنا أن نأكل و نقدّد و نهدي الى أهلينا «2»».

و رواية أبي الصباح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن لحوم الاضاحي بعد ثلاثة أيام ثم أذن فيها، و قال: كلوا من لحوم الاضاحي بعد ذلك و ادّخروا «3»».

و بها يرفع اليد عن النهي الوارد في رواية علي بن أبي حمزة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 42: من ابواب الذبح، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 41: من ابواب الذبح، ح 2.

(3)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 405

و يكره أن يخرج به من منى (409)، و لا بأس باخراج ما يضحيه غيره (410).

و يجزي الهدي الواجب عن الاضحية (411)، و الجمع بينهما أفضل.

______________________________

(409) ظاهر كثير من النصوص جوازه و عدم الكراهة فيه، كرواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام، قال: «سألته عن اخراج لحوم الاضاحي من منى فقال: كنا نقول: لا يخرج منها بشي ء لحاجة الناس إليه. فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس باخراجه «1»» و غيرها.

و لعل الوجه فى الكراهة رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة الناهية عن التزود الظاهر في استلزامه الاخراج من منى و بها تقيد هذه الروايات النافية للبأس و تحمل على الاخراج للفقراء خارج منى.

(410) إذ ظاهر النهي التزود من اضحيته نفسه لا اضحية غيره.

(411) لرواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «يجزيه في الاضحية هديه «2»». و لا ظهور للفظ الاجزاء فى الوجوب لصحة التعبير به عن المستحب.

ثم إن ظاهر الاجزاء سقوط استحباب الاضحية و تحقق امتثاله. فلا وجه لما فى المتن من ان الجمع بينهما أفضل. و لعله لأجل فهم الرخصة من لفظ الاجزاء لا العزيمة و هو خلاف الظاهر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 42: من ابواب الذبح، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 60: من ابواب الذبح، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 406

و من [لو، خ ل] لم يجد الاضحية تصدق بثمنها (412). فان اختلفت اثمانها، جمع الأعلى و الاوسط و الادنى، و تصدق بثلث الجميع.

و يستحب: أن تكون التضحية بما يشتريه. و يكره بما يربّيه (413).

______________________________

(412) لرواية عبد اللّه بن عمر، قال: «كنا بمكة فأصابنا غلاء في الاضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم توجد بقليل و لا كثير فرفع هشام المكاري رقعة الى أبي الحسن عليه السّلام فأخبره بما اشترينا، ثم لم نجد بقليل و لا كثير فوقّع انظروا الى الثمن الأول و الثاني و الثالث، ثم تصدّقوا بمثل ثلثه «1»»،

و المقصود هو جمع الاثمان المتعددة و التصدق بقيمة تكون نسبتها الى المجموع نسبة الواحد الى عدد القيم، فالثلث من الثلاث و الربع من الاربع و هكذا.

و ما جاء فى المتن من ملاحظة الثلث إنما هو تبعا للرواية المختصة بالثلاث، و إلا فلا خصوصية لها. فالتفت.

(413) لرواية محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «قلت له: جعلت فداك كان عندي كبش سمين لاضحي به فلما أخذته و اضجعته نظر إليّ فرحمته و رققت عليه ثم اني ذبحته. قال: فقال لي: ما كنت احب لك ان تفعل، لا تربين شيئا من هذا ثم تذبحه «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 58: من ابواب الذبح، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 61: من ابواب الذبح، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 407

و يكره أن يأخذ شيئا من جلود الأضاحي، و أن يعطيها الجزار (414)، و الأفضل أن يتصدق بها.

[الثالث: فى الحلق و التقصير]

الثالث: فى الحلق و التقصير (415)

______________________________

(414) لرواية معاوية بن عمار المتقدمة، فراجع.

و لا يخفى أن النهي عن اعطاء الجلد للجزار ظاهر فى الحرمة كما فى الهدي.

فلاحظ.

(415) الكلام في جهتين:

إحداهما: في أصل وجوب أحدهما و هو مما لا اشكال فيه فتوى و سيرة و نصا.

الاخرى: في وقته و انه هل يلزم أن يكون في يوم النحر أو يجوز تأخيره عنه؟.

نسب الى المشهور الأول، و الى أبي الصلاح «1» جواز تأخيره الى آخر أيام التشريق. و هو الأقوى بناء على ما تقدم من جواز تأخير الذبح ثلاثة أيام، بضميمة لزوم تأخير الحلق عن الذبح- كما سيأتي-، فانه يدل بالملازمة على جواز تأخير الحلق ثلاثة أيام أيضا. و لو لا هذا لا دليل على أحد الطرفين.

فالأحوط

ايقاعه يوم النحر لأن مقتضى الشك في ذلك تكليفا و إن كان هو البراءة إلا ان الأصل بلحاظ التحلل بالحلق يقتضي عدم تحقق التحلل لو أوقع في

______________________________

(1)- الحلبي، ابو الصلاح: الكافي فى الفقه، ص 201.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 408

فاذا فرغ من الذبح، فهو مخيّر، إن شاء حلق، و ان شاء قصّر و الحلق أفضل. و يتأكد في حق الصرورة، و من لبّد شعره، و قيل: لا يجزيه إلا الحلق، و الأول أظهر (416).

غير يوم النحر، إذ التحلل يترتب على الحلق المشروع، فمع الشك في مشروعية الحلق في غير يوم النحر يشك في تحقق التحلل، و مقتضى الاستصحاب هو البقاء محرما.

______________________________

(416) الكلام في مقامين:

المقام الأول: في وظيفة غير الصرورة و من لبّد شعره و المعقوص شعره. و قد ادعي الاجماع على أن الوظيفة هي التخيير بين الحلق و التقصير.

و يدل عليه رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير و ان أنت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق فى الحج و ليس فى المتعة الا التقصير «1»».

و رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول: من لبّد شعره او عقصه فليس له أن يقصر و عليه الحلق و من لم يلبده تخير ان شاء قصّر و إن شاء حلق و الحلق أفضل «2»». و غيرهما.

المقام الثاني: في وظيفة الصرورة و من لبّد شعره و من عقصه. فقد ذهب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7 من أبواب الحلق و التقصير، ح 8.

(2)- المصدر، ح 15.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 409

..........

جمع، بل المشهور الى ان وظيفتهم التخيير، و ذهب آخرون «1» الى ان وظيفتهم الحلق.

و التحقيق: أما الصرورة فيدل على وجوب الحلق عليه روايات «2» ك:

رواية أبي سعيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «يجب الحلق على ثلاثة نفر، رجل لبّد، و رجل حج بدوا لم يحج قبلها، و رجل عقص رأسه «3»»، بناء على ظهور الوجوب في الاصطلاحي منه.

و رواية عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق؟ قال: إن كان قد حج قبلها فليجزّ شعره و ان كان لم يحج فلا بد له من الحلق «4»».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «على الصرورة ان يحلق رأسه و لا يقصر انما التقصير لمن قد حج حجة الاسلام «5»».

و رواية سليمان بن مهران- في حديث- انه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «كيف صار الحلق على الصرورة واجبا دون من قد حج؟ قال: ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين ألا تسمع قول اللّه عز و جل: ... لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لٰا تَخٰافُونَ- الآية «6» و مقصرين لا

______________________________

(1)- منهم الشيخ قدّس سرّه فى «النهاية» (ص 262) و العلامة قدّس سرّه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 293).

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من ابواب الحلق و التقصير.

(3)- المصدر/ باب 7: من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(4)- المصدر، ح 4.

(5)- المصدر، ح 5.

(6)- سورة الفتح، 48: 27.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 410

..........

تخافون «1»».

و هذه الروايات و إن كانت ضعيفة

السند لكنها تبلغ حد الاستفاضة و هو يكفي في اثبات المطلوب. و قد تناقش دلالتها:

بدعوى أن «عليه» لا ظهور له فى التعين لكثرة استعماله فى الندب.

أو بدعوى «أن لفظ ينبغي» الوارد في رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ينبغي للصرورة ان يحلق و إن كان قد حج فإن شاء قصر و إن شاء حلق فاذا لبّد شعره أو عقصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير «2»»،

ظاهر فى الاستحباب فيكون قرينة على التصرف في ظهور غيرها من الروايات فى الوجوب.

أو بدعوى ان التعبير بالوجوب في روايتي ابي سعيد و سليمان لا ظهور له فى المعنى الاصطلاحي له.

و تندفع الدعوى الاولى: بان حمل «عليه» على الندب خلاف الظاهر و ان استعملت فيه بقرينة.

و تندفع الثانية: بان «ينبغي» لو لم تكن ظاهرة فى اللزوم فهي ظاهرة في مطلق الرجحان لا في خصوص الندب، فلا تنافي روايات الوجوب.

و تندفع الثالثة: بأن الوجوب و ان كان بمعنى الثبوت و هو أعم من الوجوب و الندب اصطلاحا لكن الثبوت بقول مطلق ظاهر فى اللابدية.

و بالجملة، فهذه المناقشات غير تامة، فيتم ظهور النصوص المتقدمة فى الوجوب.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من أبواب الحلق و التقصير، ح 14.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 411

..........

لكن الانصاف: أنه يمكن المناقشة في دلالتها بما يمنع من بلوغها حد الاستفاضة.

أما رواية أبي بصير، فمن المحتمل قويا أن تكون عين روايته في مورد آخر قال: «سألته عن رجل جهل أن يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى قال: فليرجع الى منى حتى يحلق شعره أو يقصر و على الصرورة أن يحلق

«1»»، و هي ظاهرة في ثبوت التخيير للصرورة و استحباب اختيار الحلق، لأن موضوعها الجاهل بوجوب أحد الأمرين و هذا لا يتصور إلا فى الصرورة، إذ غيره لا بد و ان يسأل عن حكم حجه السابق. و قد قرر الإمام عليه السّلام صراحة مفروغية التخيير في ذهن السائل.

و لو كوبر و ادعي دلالتها على وجوب الحلق، فهي انما تدل عليه فى الموضوع الخاص و هو الجاهل الذي ارتحل من منى، فلا إطلاق لها يشمل كل شخص.

و مع احتمال وحدة الروايتين لا يمكن البناء على استقلال تلك الرواية و امتيازها عن هذه، للزوم احراز التعدد في تحقق الاستفاضة. إذ المفروض أن الاعتماد على تلك النصوص من طريق الاستفاضة لا من طريق سند كل منها.

فلاحظ.

و أما رواية سليمان، فظاهر السؤال فيها ان وجوب الحلق أمر واضح لا اشكال فيه و هو ممنوع كما لا يخفى.

ثم إن التعليل لا يتناسب مع الوجوب الاصطلاحي، كما أن الاستشهاد بالآية الكريمة لا يعرف له وجه ظاهر بعد الترديد فيها بين الحلق و التقصير، فهي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 5: من أبواب الحلق و التقصير، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 412

و ليس على النساء حلق، و يتعين في حقهن التقصير (417)، و يجززن منه و لو مثل الانملة.

مما يرد علمه الى أهله.

و أما رواية عمار، فدلالتها تامة، لكن لا يلتزم بمضمونها، إذ على تقدير وجوب الحلق هو ساقط عند الحرج، كغيره من أحكام الحج.

تبقى رواية أبي سعيد و هي ضعيفة السند.

هذا كله، مع ان ظاهر لفظة «ينبغي» في رواية معاوية بقرينة بيان حكم الملبّد فى الذيل بلفظ «عليه» إرادة الاستحباب، فتكون قرينة فى التصرف

فيما دل على الوجوب لو تم سنده و يحمل على تأكد الاستحباب.

و عليه، فلا دليل على لزوم الحلق على الصرورة. نعم، هو موافق للاحتياط.

و أما الملبّد و المعقوص، فيدل على لزوم الحلق عليهما رواية أبي سعيد و معاوية بن عمار و الحلبي المتقدمة و غيرها و لا معارض لها، فالالتزام بمدلولها متعين. فتدبر.

و أما أفضلية الحلق في مورد ثبوت التخيير، فيدل عليه رواية الحلبي المتقدمة و ما ورد «1» أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استغفر للمحلقين ثلاث مرات و للمقصرين مرة واحدة.

______________________________

(417) ادعي الاجماع عليه، و يدل عليه:

رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس على النساء حلق و يجزيهن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 7: من أبواب الحلق و التقصير، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 413

..........

التقصير «1»».

و رواية علي بن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السّلام- في حديث- قال: «و تقصر المرأة و يحلق الرجل و ان شاء قصر ان كان قد حج قبل ذلك «2»».

و رواية حماد بن عمرو و انس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السّلام- في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام- قال: «يا عليّ، ليس على النساء جمعة- الى ان قال:- و لا استلام الحجر و لا حلق «3»»، و المراد به الحلق في باب الحج بقرينة مقابلته لاستلام الحجر.

و بالجملة، الحكم المذكور من المسلّمات. و قد ادعي حرمة الحلق على النساء مطلقا و لو مع الاحلال، و عليه فلا يتحقق به الامتثال لحرمته، إذ الظاهر مشروعيته فى الحج مع التمكن و مع حرمته لا تمكن منه.

ثم إنه

يجري مسمى التقصير و لا يتحدد بحد لاطلاق دليله و عدم الدليل على التقييد، فتحديده بالقبضة أو بالأنملة لا وجه له إذا صدق بالأقل منه.

و لعل في رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال له: «اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم أقصر. قال: عليك بدنة. قال: قلت: اني لما اردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها باسنانها، فقال: رحمها اللّه كانت أفقه منك عليك بدنة و ليس عليها شي ء «4»».

دلالة على اجزاء الأقل، فان القرض بالاسنان عادة لا يأخذ مقدار الانملة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 8 من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 4.

(4)- المصدر، ج 9/ باب 3: من أبواب الحلق و التقصير، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 414

..........

فضلا عن القبضة، فتأمل.

ثم إن التقصير انما يصدق بأخذ الشعر دون مجرد قص الاظفار كما لا يلزم قص الظفر لاطلاق الأدلة و ظهور رواية الحلبي المتقدمة في عدم اعتباره.

كما ان الظاهر كون موضوع التقصير هو الرأس لظهور الأدلة في أن موضوع الحلق و التقصير واحد و هو الرأس.

و لو حلقت المرأة فهل يجزي عن التقصير، أو لا؟ قيل: بالاجزاء لأن أول جزء من الحلق تقصير.

و لانه لم يرد في نصوص من حلق في عمرة التمتع لزوم التقصير عليه مع بيان الكفارة عليه.

و فيه: ان التقصير يباين الحلق، فانه يتوقف على ابقاء شي ء من الشعر لانه جعل الشعر قصيرا. و عدم بيان لزوم التقصير لعله لأجل الاعتماد على دليله الأولي فلا حاجة الى بيانه ثانيا.

و أما الخنثى المشكل، فيلزمها التقصير على القول بالتخيير

للرجل الصرورة و غيره.

و أما على القول بتعين الحلق على الرجل الصرورة و الملبّد و المعقوص شعره، فان كانت حرمة الحلق على النساء تشريعية فعلتهما معا بنحو الاحتياط، لتحصيل العلم بالاحلال. و إن كانت ذاتية تخيرت بين الأمرين لدوران الأمر بين الوجوب و الحرمة في كل منهما.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 415

و يجب تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج و السعي (418). و لو قدم ذلك على التقصير عامدا، جبره بشاة، و لو كان ناسيا لم يكن عليه شي ء، و عليه اعادة الطوف على الأظهر.

______________________________

(418) بلا خلاف أجده فيه، كما فى «الجواهر «1»» و قد ادعي دلالة الاخبار الكثيرة عليه، و لكن توقف فيه فى «الرياض «2»» لوجود ما دل على عدم الوجوب و لأجل ذلك علّق الحكم لا على ثبوت الاجماع عليه.

و تحقيق الحال: أن ما يمكن ان يستدل به على لزوم الترتيب المزبور روايات بمضامين ثلاثة:

الاولى: رواية جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق قال: «لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا «3»».

الثانية: رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل زار البيت قبل أن يحلق. فقال: «إن كان زار البيت قبل أن يحلق رأسه و هو عالم ان ذلك لا ينبغي له فان عليه دم شاة «4»».

الثالثة: رواية عليّ بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصر حتى زارت البيت فطافت وسعت من الليل ما حالها و ما حال الرجل اذا فعل ذلك؟ قال: «لا بأس به يقصر و يطوف للحج ثم يطوف للزيارة

______________________________

(1)- النجفي،

الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 238، الطبعة الاولى.

(2)- الطباطبائي، السيد علي: رياض المسائل، ج 6: ص 506، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 39: من ابواب الذبح، ح 4.

(4)- المصدر/ باب 2: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 416

..........

ثم قد أحلّ من كل شي ء «1»».

أما رواية جميل، فتحتمل وجوها ثلاثة:

الأول: ان يراد به الحرمة التكليفية بلحاظ فقدان الشرط لا بلحاظ الحرمة الذاتية لبعده جدا.

الثاني: الحرمة الارشادية الى المانعية.

الثالث: الاستحباب.

أما الاحتمال الأول، فهو يلازم الصحة لانه لو كان العمل باطلا و يتمكن من تداركه لا معنى لتحقق الحرمة، بل يكون هو كالصلاة بلا طهارة، فالتحريم ملازم لصحة العمل و كونه غير قابل للعود لكن فاتت بعض مصلحته، نظير موارد الجهر في موضع الاخفات جهلا عن تقصير.

و أما الاحتمال الثاني، فهو الظاهر في باب المركبات لكن لا يتلاءم مع ثبوت الدم عليه إذ لم يفعل عملا محرما لتمكنه من التدارك بالاعادة، فاما ان يتصرف في ظهور «لا ينبغي» بحمله على الحرمة التكليفية و هو الاحتمال الأول. أو في ظهور ثبوت الدم بحمله على الاستحباب. و مع عدم الأظهر يكون الكلام مجملا من كلتا الجهتين.

و أما رواية ابن يقطين، فهي مطلقة من حيث العلم و النسيان و الجهل، فتقيد برواية جميل، فيثبت الحكم للعالم فقط. إلا ان يدعى ان القدر المتيقن منها هو الناسي فتحمل على الاستحباب حينئذ لصراحة رواية جميل في عدم لزوم الترتيب مع النسيان، فلا دليل على لزوم الترتيب مطلقا.

و أما اعادة الطواف مع تقديمه على الحلق في صورة العمد او النسيان فبناء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج

10/ باب 4: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 417

و يجب أن يحلق بمنى، فلو رحل، رجع فحلق بها. فان لم يتمكن حلق أو قصّر مكانه، و بعث بشعره ليدفن بها (419).

على ما قربناه من عدم الدليل على لزوم الترتيب، فلا وجه له.

و أما بناء على لزومه، فقد عرفت ان غاية ما يدل عليه الدليل هو اعتباره في صورة العلم فلا يشمل صورة النسيان، لصراحة رواية جميل في عدم اعتباره، و عليه فلا وجه للالتزام بلزوم الاعادة على الناسي، إلا إطلاق رواية علي بن يقطين المقيدة برواية جميل.

و منه ظهر الحال فى الجاهل لعدم الدليل على اعتبار الترتيب في حقه كي تلزمه الاعادة لو أخل، فلا وجه لاطالة الكلام في أنه هل يلحق بالناسي بإلغاء خصوصيته أو يلحق بالعالم.

هذا كله مع وجود النصوص الكثيرة «1» الواردة في نقل فعل المسلمين الذين حجوا مع الرسول صلّى اللّه عليه و آله و تقديمهم ما ينبغي تأخيره و حكم الرسول صلّى اللّه عليه و آله بعدم الحرج فانها ظاهرة في نفي الإعادة عليهم. و المتيقن من تلك الموارد صورة النسيان و الجهل. فلاحظ.

و أما لزوم الدم على العامد، فقد عرفت انه مدلول رواية محمد بن مسلم و عرفت الكلام في انه يعارض ظهور لا ينبغي فى المانعية. فلاحظ.

______________________________

(419) هذه العبارة تكفلت أحكاما متعددة:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 39: من ابواب الذبح، ح 4 و 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 418

..........

أحدها: لزوم الحلق بمنى

و لا دليل عليه من النصوص سوى ما دل على الأمر بالرجوع الى منى لمن نسي او جهل أن

يحلق بها حتى ارتحل، كرواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى؟ قال: «يرجع الى منى حتى يلقي شعره بها حلقا كان أو تقصيرا «1»» و غيرها.

و لكن الاستدلال بهذه النصوص مخدوش من وجهين:

الأول: ان ظاهر الأمر فيها كونه متفرعا على نحو مشروعية الحلق بمنى، فلا دلالة له على الوجوب بل هو تابع لأصله، فان كان واجبا أو مستحبا كان كذلك، فالسؤال عن فوات ما هو مشروع في حقه و الجواب بامكان تداركه بالرجوع، فلا ظهور له في وجوب الرجوع لو تركه ناسيا فضلا عن أصل وجوب الحلق بمنى.

الثاني: ما ورد من النصوص مما ظاهره عدم وجوب الرجوع، فيحمل ما دل على الوجوب في نفسه- لو سلم- على الاستحباب جمعا، و ذلك ك:

رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل نسي أن يحلق أو يقصر حتى نفر. قال: يحلق اذا ذكر فى الطريق أو أين كان «2»».

و رواية الكناني، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره و هو حاج حتى ارتحل من منى. قال: «ما يعجبني أن يلقي شعره إلا بمنى ... «3»» و ظهور «ما يعجبني» في عدم اللزوم مما لا ينكر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 5: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

(2)- المصدر، ح 6.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 419

..........

ثانيها: لزوم العود الى منى لو أخل بالحلق فيها

و الذي يدل عليه ما تقدم من النصوص و قد عرفت المناقشة فيه، فلا نعيد.

ثالثها: لو لم يتمكن من العود و حلق

مكانه يلزمه بعث شعره الى منى

و يستدل له بقاعدة الميسور، إذ الواجب الحلق و القاء الشعر بمنى فاذا تعذر أحد الأمرين بقي الآخر.

و ببعض النصوص ك:

رواية حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل يحلق رأسه بمكة قال: يرد الشعر الى منى «1»».

و رواية ابن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السّلام- في حديث- قال: «و ليحمل الشعر اذا حلق بمكة الى منى «2»».

و رواية أبي بصير «3»، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل زار البيت و لم يحلق رأسه قال: يحلق بمكة و يحمل شعره إلى مني و ليس عليه شي ء «4»».

و في كلا الوجهين نظر.

أما قاعدة الميسور: فهي ممنوعة صغرى- مضافا إلى منعها كبرى- لأن الالقاء ليس ميسورا عرفا. بل الحلق هو الواجب لا غير و أي ربط للالقاء به.

و أما النصوص: فهي معارضة برواية الكناني المتقدمة لظهور قوله عليه السّلام: «ما يعجبني» في عدم اللزوم، فتحمل نصوص الأمر به على الاستحباب جمعا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر، ح 7.

(4)- هذه تدل على عدم وجوب العود الى منى للحلق.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 420

و لو لم يمكنه لم يكن عليه شي ء. و من ليس على رأسه شعر، أجزأه امرار الموسي عليه (420).

هذا، مع ظهور نصوص الأمر بالرد انه تابع لحكم الأصل من الحلق بمنى، فلا دلالة على اللزوم لعدم العلم بما هو الحكم في الأصل.

رابعها: لزوم دفن الشعر بمنى

و لا دليل عليه سوى بعض النصوص الظاهرة في استحبابه بلا أي اشعار في لزومه، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام، قال: «كان علي بن الحسين عليهما السّلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى ... «1»». فتدبر. فالأحكام المذكورة فى المتن كلها احتياطية.

______________________________

(420) الاقوال بالنسبة الى الاجزاء و عدمه و بالنسبة الى التفصيل بين العمرة و الحج مختلفة و الروايات الواردة فى المقام ثلاثة:

الاولى: رواية زرارة: «إن رجلا من أهل خراسان قدم حاجا و كان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبي فاستفتى له أبو عبد اللّه عليه السّلام فأمر له أن يلبى عنه و ان يمر الموسى على رأسه فان ذلك يجزي عنه «2»».

الثانية: رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع اراد أن يقصر فحلق رأسه؟ قال: «عليه دم يهريقه فاذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق «3»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 6: من أبواب الحلق و التقصير، ح 5.

(2)- المصدر/ باب 11: من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(3)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 421

و ترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق (421).

الثالثة: رواية عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال:

«سألته عن رجل حلق قبل أن يذبح. قال: يذبح و يعيد الموسى، لان اللّه تعالى يقول: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ «1»».

أما رواية زرارة فدلالتها على الاجزاء واضحة تامة. و لا وجه لما فى «الجواهر «2»» من احتمال الاجزاء عن الحلق الحقيقي لا مطلق الفرض، فانه خلاف الظاهر. لكنها ضعيفة السند.

و أما رواية أبي بصير، فالأمر فيها لا دلالة له على الاجزاء بل ظهوره فى التعيين يقتضي كونه للاستحباب إذ الفرض هو التخيير بين

الحلق و التقصير.

و أما رواية عمار، فهي تتكفل حكما استحبابيا، إذ الحلق قبل الذبح مجز للنصوص الدالة عليه و سيجي ء الحديث فيه. فانتظر.

______________________________

(421) نسب وجوب الترتيب الى أكثر المتأخرين «3». و يدل عليه الآية الكريمة: وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ؛ و جملة من النصوص الواردة في افاضة النساء ليلا من المشعر. و بعض النصوص الاخرى ذكرها في «الجواهر «4»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 11: من أبواب الحلق و التقصير، ح 2.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج، ج 19: ص 245، الطبعة الاولى.

(3)- منهم البحراني رحمه اللّه فى «الحدائق الناظرة» (ج 17: ص 247) و النراقي رحمه اللّه في «مستند الشيعة» (ج 12: ص 385) و الشهيد الاول قدّس سرّه فى «اللمعة الدمشقية» (ج 2: ص 309).

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 248، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 422

فلو قدّم بعضها على بعض، أثم و لا إعادة (422).

و بالجملة، يستفاد من هذه المجموعة ان الترتيب لازم.

و لكن ذهب فى «الخلاف «1»» و «السرائر «2»» الى الاستحباب.

و لعل وجهه ما ورد «3» من نفي الحرج من قبل النبي صلّى اللّه عليه و آله لمن عكس الترتيب.

لكنها منصرفة عرفا الى الناسي و الجاهل فلا تشمل العالم، و لو لم تكن منصرفة فالقدر المتيقن منها ذلك، كما أن القدر المتيقن من أدلة الترتيب هو العالم، فلا تعارض بينهما عرفا.

و قد يستند في دعوى الاستحباب إلى اجماع الأصحاب على عدم العود مع مخالفة الترتيب فانه لا ينسجم مع الوجوب الشرطي.

و فيه: ان ذلك لا يتنافى مع شرطية الترتيب لو دل الدليل على كل منهما،

بل يكون في ذات الاعمال مع عدم الترتيب مصلحة ملزمة لا يمكن معها تدارك مصلحة الاعمال مع الترتيب، نظير تقريب شمول حديث: «لا تعاد» للعامد و عدم منافاته لأدلة الجزئية و الشرطية عقلا.

______________________________

(422) بلا خلاف محقق أجده فيه- كما فى «الجواهر «4»»- و يدل عليه نفي الحرج من قبل الرسول صلّى اللّه عليه و آله المتقدم ذكره.

______________________________

(1)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 412، الطبعة الاولى.

(2)- ابن ادريس، محمد بن منصور: السرائر، ج 1: ص 602، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 39: من أبواب الذبح، ح 4 و 6.

(4)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 250، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 423

[مسائل ثلاث]

اشارة

مسائل ثلاث

[الأولى: مواطن التحليل ثلاثة:]
اشارة

الأولى:

مواطن التحليل ثلاثة:

[الأول: عقيب الحلق أو التقصير]

الأول: عقيب الحلق أو التقصير، يحل من كل شي ء، الا الطيب و النساء و الصيد (423).

و قد وقع الكلام في أن وجوب الترتيب شرطي أم نفسي استقلالي. و قد ذهب صاحب الجواهر «1» الى الثاني لدعوى منافاة الشرطية مع عدم الاعادة عمدا.

و لكن عرفت عدم المنافاة، و تحقق الاثم بلحاظ تفويته المصلحة الملزمة فى الترتيب. فالالتزام بظهور الوجوب فى الوجوب الشرطي لا مانع منه كسائر الاوامر في باب المركبات.

______________________________

(423) فى النصوص ما يدل على أنه بالحلق، او التقصير يحل له كل شي ء إلا الطيب و النساء، كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلا النساء و الطيب ... «2»».

و فيها: ما يدل على أنه بالحلق و التقصير يحل له الطيب، ك:

رواية سعيد بن يسار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع، قال: «اذا حلق

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 250، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 424

..........

رأسه قبل ان يزور البيت يطليه بالحناء؟ قال: نعم، الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء إلا النساء رددها عليّ مرتين أو ثلاثا. قال: و سألت أبا الحسن عنها قال:

نعم، الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء الا النساء «1»».

و فيها: ما يدل على جواز الطيب لغير المتمتع و عدم حليته للمتمتع كرواية محمد بن حمران، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحل له؟ قال:

كل شي ء الا النساء. و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شي ء إلا النساء و الطيب «2»».

و رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سئل ابن عباس هل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يتطيب قبل أن يزور البيت؟ قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يضمد رأسه بالمسك قبل ان يزور «3»».

و قد وقع الكلام فى الجمع بين ما دل على حلية الطيب و ما دل على عدم حليته و قد ذكرت وجوه متعددة:

منها: حمل الدال على الحلية على غير المتمتع و الدال على عدم الحلية على المتمتع بقرينة رواية محمد بن حمران المفصلة بين الفردين.

و منها: حمل التحريم على الكراهة و هو الذي لم يستبعده صاحب المدارك «4».

و منها: حمل نصوص الجواز على التقية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 7.

(2)- المصدر/ باب 14: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 104، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 425

..........

و منها: تقييد نصوص الجواز بما اذا زار البيت فانها مطلقة من هذه الجهة فتقيد بما دل على اعتبار طواف الزيارة.

و في جميع هذه الوجوه نظر:

أما الأول: فهو لا بأس به لو لا كون موضوع بعض نصوص الحلية هو المتمتع بالصراحة، كرواية سعيد المتقدمة.

و رواية الخزاز، قال: «رأيت أبا الحسن عليه السّلام بعد ما ذبح حلق ثم ضمد رأسه بسك [بمسك خ ل] و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعا «1»».

و رواية عبد الرحمن بن الحجاج،

قال: «ولد لأبي الحسن عليه السّلام مولود بمنى فارسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران و كنا قد خلقنا. قال عبد الرحمن:

فأكلت أنا، و أبى الكاهلي و مرازم أن يأكلا منه و قالا: لم نزر البيت. فسمع أبو الحسن عليه السّلام كلامنا. فقال لمصادف و كان هو الرسول الذي جاءنا به في أي شي ء كانوا يتكلمون؟ فقال: أكل عبد الرحمن و أبى الآخران، فقالا: لم نزر بعد البيت. فقال: أصاب عبد الرحمن. ثم قال: أ ما تذكر حين اتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه و أبى عبد اللّه أخي أن يأكل منه فلما جاء أبي حرّشه عليّ. فقال: يا ابه، ان موسى أكل خبيصا فيه زعفران و لم يزر بعد. فقال أبي: هو أفقه منك أ ليس قد حلقتم رءوسكم «2»»، و هي و إن لم يصرّح فيها بكون الموضوع هو المتمتع، لكن من البعيد جدا أن يكون الإمام عليه السّلام في كلتا سفرتيه و اصحابه غير متمتعين مع الحث الاكيد منهم على التمتع.

و أما الثالث: فهو يبتني على استقرار المعارضة و الالتزام بالترجيح في مخالفة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 14: من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 426

..........

العامة و هو خلاف التحقيق.

و أما الرابع: فهو خلاف نص رواية سعيد و الخزاز و عبد الرحمن، فانها تتكفل جواز الطيب قبل الزيارة.

و أما الثاني: فتقريبه أن نصوص الجواز نص في الاباحة و نصوص الحرمة ظاهرة فيها، فتحمل على الكراهة جمعا بين النص و الظاهر.

لكن فيه: ان روايات النهي على طائفتين:

إحداهما: ما كان

بلسان النهي عن الطيب، كرواية منصور بن حازم قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل رمى و حلق أ يأكل شيئا فيه صفرة قال: لا حتى يطوف بالبيت و بين الصفا و المروة ... «1»».

و الاخرى: ما كان بلسان عدم حلية الطيب، كرواية معاوية بن عمار المتقدمة و نحوها.

و هذا الجمع انما يتأتى بلحاظ الطائفة الاولى دون الثانية لتحقق التعارض عرفا بين قوله: «يحل له الطيب» و قوله: «و لا يحل له الطيب» نظير «يعيد» و «لا يعيد».

و مع تحقق التعارض العرفي تصل النوبة الى اجراء القواعد في باب المعارضة، و المختار هو التخيير، و الأحوط هو اختيار نصوص التحريم لشهرتها بين الأصحاب- أعني شهرة الحكم بها-. و لمخالفتها للعامة و احتمال الترجيح بها، فاذا التزم بها الفقيه كان له الحكم بحرمة الطيب بعد الحلق و قبل الزيارة.

ثم إنه قد نسب إلى ابن بابويه «2» و ولده «3» كون التحلل الأول بالرمي و هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 2.

(2)- لم نعثر على رسالته، لكن حكاه العلامة قدّس سرّه عنه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 289).

(3)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 549، مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 427

..........

خلاف النصوص المتقدمة و لا دليل عليه سوى رواية «4» ضعيفة.

ثم إن ما ذكرناه من حرمة الطيب انما هو للمتمتع؛ و أما غيره، فهو جائز له للنص المتقدم.

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 427

و أما الصيد، فمقتضى اطلاق النص أو عمومه حليته بالحلق، و لكن فى المتن عدم حليته به.

و يستدل على عدم حليته بوجهين:

الأول: الأصل، فان استصحاب عدم حليته أو حرمته يقتضي ذلك.

الثاني: قوله تعالى: لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ و تحريم الطيب و النساء يوجب صدق المحرم على المكلف، فيشمله اطلاق الآية الكريمة.

و لكن في كلا الوجهين نظر:

أما الأصل: فلأنه لا مجال له مع العمومات المقتضية للجواز.

و أما الآية: فلعدم صدق الاحرام بحرمة الطيب و النساء و التحلل من كل شي ء كما لا يخفى.

نعم، يحرم الصيد عليه من جهة كونه فى الحرم، لكن الفرق بين الحرمة الحرمية و الحرمة الاحرامية يظهر في أكل لحم الصيد، و فيما لو خرج من الحرم لحاجة، و مضاعفة الكفارة.

و هذا- أعني التحريم من جهة الحرم لا الاحرام- هو المراد من رواية معاوية بن عمار «5» التي جاء فيها: «و اذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل

______________________________

(4)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 11.

(5)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 428

[الثاني: اذا طاف طواف الزيارة]

الثاني: اذا طاف طواف الزيارة، حلّ له الطيب (424).

شي ء أحرم منه إلا الصيد»، إذ إرادة الصيد الاحرامي تتنافى مع صدر الرواية حيث حكم فيها بحلية كل شي ء الا النساء و الطيب لمن حلق أو قصّر. مع كثرة العمومات بهذا اللسان و لم يتعرض احدها للتقييد و استثناء الصيد إلا هذه الرواية.

______________________________

(424) فى «الجواهر «1»» لا أجد فيه خلافا. و تدل عليه النصوص. كرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا ذبح الرجل و

حلق فقد أحل من كل شي ء أحرم منه الا النساء و الطيب، فاذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلا النساء ... «2»». و غيرها.

ثم إنه يقع البحث في جهات:

الاولى: انه اذا فرض توقف الحل من الطيب على الطواف، فهل يكتفى بمجرد الطواف أو يعتبر فيه الاتيان بصلاة الطواف؟ قولان يبتنيان على ان المنصرف من اطلاق الطواف إرادة صلاته أيضا بلحاظ أنها كجزء من أجزائه، نظير التعقيب بالنسبة الى الصلاة.

أو انه لا ينصرف منه ذلك بلحاظ أنها مستقلة عن الطواف فاطلاق الطواف لا يشملها. و لا طريق لدينا فعلا لتعيين أحد الاحتمالين، فالاحتياط متعين.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 257، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 429

..........

الثانية: في انه هل يعتبر في حل الطيب السعي بين الصفا و المروة، او لا؟

ظاهر اطلاق بعض النصوص عدم اعتباره، كرواية منصور بن حازم: «اذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت «1»».

و لكنها تقيد بمثل رواية معاوية بن عمار المتقدمة، فيعتبر السعي في حلية الطيب. و حينئذ فيلغو النزاع الأول لاعتبار كون السعي بعد صلاة الطواف.

الثالثة: في حكم من قدّم الطواف و السعي على الوقوف، فهل يحلّ له الطيب أو يتوقف على الحلق؟. حكي الأول عن بعض «2» و استوجهه فى «المسالك «3»».

و التحقيق: انه ليس لدينا اطلاق في ان الطواف بالبيت يكون سببا لحلية الطيب. كي يتمسك بإطلاقه فى الطواف المتقدم على الوقوف. بل الثابت فى الروايات كرواية عمار المتقدمة هو

فرض الطواف بعد الحلق موجبا للتحلل من الطيب لا مطلق الطواف.

و بما انه لا يمكن الأخذ بخصوصية البعدية و إلا لزمه طواف آخر بعد الحلق لحليّة الطّيب و هو مما لا يقول به أحد، بل هو خلاف الاجتزاء بالطواف المتقدم.

فيدور الأمر بين احتمالين:

أحدهما: ان يكون موضوع التحلل من الطيب هو المجموع المركب من الحلق و الطواف من دون لحاظ البعدية، فيكون للتحلل مراتب يحقق الحلق وحده إحداها و يحقق مع الطواف مرتبة اخرى.

و عليه، فلا يتحقق التحلل من الطيب بمجرد الطواف لعدم تحقق الجزء الآخر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 18: من أبواب الحلق و التقصير، ح 12.

(2)- الشهيد الاول، محمد بن مكى: الدروس الشرعية، ج 1: ص 456.

(3)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 326، ط مؤسسة المعارف.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 430

[الثالث: إذا طاف طواف النساء]

الثالث: إذا طاف طواف النساء، حلّ له النساء (425)،

ثانيها: ان يكون الموضوع هو ذات الطواف أين ما وقع فيتحقق التحلل به خاصة و لو كان متقدما. و لا طريق لنا الى الجزم بأحد الوجهين، و تعيين الأول يحتاج الى دليل ليس بأيدينا. فالاحتياط متعين.

______________________________

(425) فى «الجواهر «1»» الاجماع بقسميه عليه. و يدل عليه رواية معاوية بن عمار المتقدمة و غيرها.

و الكلام في اعتبار صلاته و عدمه هو الكلام في طواف الزيارة.

هذا، مع ان ظاهر رواية معاوية بن عمار اعتبار الصلاة فى التحلل في كلا الموردين و هي روايته عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «فاذا أتيت يوم النحر فقمت على باب المسجد- الى ان قال:- ثم طف بالبيت سبعة اشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة ثم صل عند مقام

ابراهيم ركعتين ... ثم اخرج الى الصفا فاصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة ثم ائت المروة فاصعد عليها و طف بينهما سبعة اشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه الا النساء، ثم ارجع الى البيت و طف به اسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام ثم قد أحللت من كل شي ء و فرغت من حجك كله و كل شي ء أحرمت منه «2»».

و يقع البحث في جهات متعددة:

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 258، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة/ باب 4: من أبواب زيارة البيت، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 431

..........

الأولى:

في انه هل يعتبر طواف النساء للنساء في حلّ الرجال لهن، أو لا؟ قد يتخيل عدم اعتباره لأجل تقييد الحل فى النصوص بحل النساء و هو يختص بالرجال بالنسبة الى النساء و لا يشمل العكس.

و فيه:

أولا: ان الملحوظ بالنساء هو الكناية عما حرّم بالاحرام من هذه الجهة و المحرّم هو الجماع على مطلق المحرم رجلا كان أو امرأة. فليس النساء بعنوانه موضوع الحكم، بل الجماع و نحوه و هو لا يختص بأحد الصنفين.

و ثانيا: وجود النص على توقف حل الرجل على المرأة على طواف النساء و هو رواية العلاء بن صبيح و عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب و عبد اللّه بن صالح، كلهم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «المرأة المتمتعة اذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية فان طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا و المروة، و ان لم تطهر الى يوم التروية

اغتسلت و احتشت ثم سعت بين الصفا و المروة، ثم خرجت الى منى فاذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت فاذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم الا فراش زوجها، فاذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها «1»».

الثانية:

في كفاية طواف الصبي المميز و غيره في حلية النساء له بعد البلوغ و عدم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 84: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 432

و يكره لبس المخيط، حتى يفرغ من طواف الزيارة (426).

كفايته لأجل عدم مشروعية عبادة الصبي، و عدم تحقق النية من غير المميز فيبطل طوافه فيصير الاحرام نظير الحدث الذي لا بد من رفعه بعد البلوغ لثبوته عند الصبا.

و التحقيق: انه لا وجه لهذه التعليلات العقلية بعد وجود النص على صحة الاحرام به و انه يتقي ما يتقي منه المحرم و أنه يطاف به و نحو ذلك من أحكام الحج، فانه دليل تعبدي على أن شأنه في احرامه و غيره كالبالغ. فيتحلل كما يتحلل البالغ، و كما ينعقد الاحرام بالاحرام به كذلك يتحلل بالطواف به فتدبر.

و إلا فلو فرض عدم صحة الطواف من غير المميز، فاحرامه غير صحيح أيضا فلا يلزم التحلل.

الثالثة:

فى المقصود من حرمة النساء قبل طوافه، فهل يراد به خصوص الاستمتاع أو الأعم منه و من العقد عليهن.

قد يوجّه العموم بان حذف المتعلق يفيد العموم من جهة كل محرم يرتبط بالنساء فيشمل الجماع و سائر الاستمتاعات و الزواج بهن و كل محرّم يرتبط بهن.

و فيه: أن حلية العقد حلية وضعية و حلية الاستمتاع حلية تكليفية فإرادة

[تعيين من لفظ واحد ممنوع].

______________________________

(426) لرواية ادريس القمي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ان مولى لنا تمتع فلما حلق لبس الثياب قبل أن يزور البيت. فقال: بئس ما صنع. قلت: أ عليه شي ء؟

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 433

..........

قال: لا، «1»»، و هي محمولة على الكراهة جمعا بينها و بين ما دل على الجواز بالخصوص، كرواية العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «تمتعت يوم ذبحت و حلقت أ فألطخ رأسي بالحناء؟ قال: نعم، من غير أن تمس شيئا من الطيب. قلت: أ فألبس القميص؟ قال: نعم، اذا شئت. قلت: أ فأغطي رأسي؟ قال: نعم «2»».

و كذلك يكره تغطية الرأس قبل زيارة البيت جمعا بين ما دل على الجواز كرواية العلاء و ما دل على النهي، كرواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انه قال: «في رجل كان متمتعا فوقف بعرفات و بالمشعر و ذبح و حلق قال: لا يغطي برأسه حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة فان ابي كان يكره ذلك و ينهى عنه. فقلنا فان كان فعل قال: ما أرى عليه شيئا و ان لم يفعل كان أحب إليّ «3»».

ثم إن هذا الحكم يختص بالمتمتع، لان موضوع روايات النهي يختص بالمتمتع فلا يشمل المفرد. مع ورود التفصيل فى النهي بين المتمتع و المفرد في رواية سعيد الاعرج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل رمى الجمار و ذبح و حلق رأسه أ يلبس قميصا و قلنسوة قبل ان يزور البيت؟ فقال: ان كان متمتعا فلا. و إن كان مفردا فنعم «4»».

فلا وجه لتسرية الحكم الى المفرد و الالتزام بكونه

أخف كراهة، فانه لا دليل عليه أصلا. نعم لو كان هناك اطلاق يشمل المفرد أمكن دعوى الكراهة بالنسبة إليه و حمل رواية الأعرج على بيان أخفية الكراهة، و إن أشكل ذلك بانه خلاف الظاهر، فلو كان هناك اطلاق لقيدته رواية الأعرج.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 18: من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 13: من أبواب الحلق و التقصير، ح 3.

(3)- المصدر/ باب 18: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

(4)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 434

و كذا يكره الطيب، حتى يفرغ من طواف النساء (427).

[الثانية: إذا قضى مناسكه يوم النحر]

الثانية:

إذا قضى مناسكه يوم النحر، فالافضل المضيّ الى مكة للطواف و السعي ليومه. فان أخّره، فمن غده. و يتأكد ذلك في حق المتمتع، فان أخّره أثم (428).

______________________________

(427) فانه مقتضى الجمع بين ما دل على حلية الطيب بمجرد طواف الزيارة و السعي مما تقدم، و ما دل على النهي عنه قبل طواف النساء، كرواية محمد بن اسماعيل، قال: «كتبت الى أبي الحسن الرضا عليه السّلام: هل يجوز للمحرم المتمتع أن يمس الطيب قبل ان يطوف طواف النساء؟ فقال: لا «1»،».

(428) الاحتمالات في وقت زيارة البيت الواجب ثلاثة:

الأول: انه يلزمه زيارة البيت يوم النحر و لا يجوز له التأخير لغير عارض و يستدل له، ب:

رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر «2»».

و رواية منصور بن حازم، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت «3»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 19: من أبواب الحلق و التقصير، ح 1.

(2)- المصدر/ باب

1: من أبواب زيارة البيت، ح 5.

(3)- المصدر، ح 6.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 435

..........

الثاني: ما فى المتن من أفضلية الزيارة في يوم النحر و لا يجوز التأخير عن الغد. و يستدل له برواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في زيارة البيت يوم النحر- قال: «زره، فان شغلت فلا يضرك ان تزور البيت من الغد و لا تؤخر ان تزور من يومك فانه يكره للمتمتع أن يؤخر و موسع للمفرد أن يؤخره «1»»، و نحوها روايته الاخرى «2».

الثالث: جواز تأخيره الى يوم النفر و يستدل له ب:

رواية عبيد اللّه بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح؟ قال: لا بأس أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقرب النساء و الطيب «3»».

و رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس ان اخرت زيارة البيت الى ان يذهب أيام التشريق الا انك لا تقرب النساء و لا الطيب «4»».

و رواية اسحاق بن عمار، قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن زيارة البيت تؤخر الى يوم الثالث، قال: «تعجيلها أحب إليّ و ليس به بأس إن أخرته «5»».

و هذه النصوص تكون موجبة للتصرف فى النصوص المتقدمة بحملها على الاستحباب و حمل النهي عن التأخير على الكراهة.

و قد ادعي حملها على بيان حكم المفرد بقرينة ما في بعض النصوص من التفصيل بين المتمتع و المفرد فى التأخير و عدمه، كرواية معاوية بن عمار، عن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 1: من أبواب زيارة البيت، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 2:

من أبواب زيارة البيت، ح 8.

(3)- المصدر/ باب 1: من أبواب زيارة البيت، ح 2.

(4)- المصدر، ح 3.

(5)- المصدر، ح 10.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 436

و يجزيه طوافه و سعيه (429).

أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد و لا يؤخر، و المفرد و القارن ليسا بسواء موسع عليهما «1»».

و قد ناقشها صاحب الجواهر «2» بوجهين:

الأول: ان بعض نصوص الجواز موضوعها المتمتع بقرينة استثناء الطيب الذي عرفت انه لا يحل للمتمتع خاصة.

الثاني: أن حملها على المفرد ليس بأولى من حمل نصوص المنع على الكراهة خصوصا بعد التصريح بها في رواية معاوية المتقدمة.

أقول: الوجه الأول متين لكن الثاني ممنوع، إذ الرواية المتكفلة للتفصيل بين المفرد و المتمتع تقيّد روايات الجواز بالمفرد و روايات المنع بالمتمتع، فيختلف موضوعاهما، فلا تصل النوبة الى الجمع بالحمل على الكراهة.

و على أي حال، فالعمل بهذه الطائفة من النصوص متعين، و الالتزام بالاحتمال الثالث متجه.

______________________________

(429) يعني لو أوقعه بعد الوقت المحدد له الذي عرفت ان اكثره يوم النفر.

و هذا الحكم مشكل لو استفيد من النصوص لزوم ايقاع الطواف في أيام التشريق، إذ لا دليل حينئذ على مشروعيته بعدها.

و أما لو كان المستفاد جواز التأخير الى آخر أيام التشريق مع السكوت عما بعد أيام التشريق- كما لعله الظاهر من النصوص اذ لا يظهر اكثر من ذلك- فمقتضى أصالة البراءة نفي اعتبار الوقت الخاص، فيشرع الاتيان به بعد أيام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 1: من أبواب زيارة البيت، ح 8.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 265، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الحج، ج 2، ص: 437

و يجوز للقارن و المفرد تأخير ذلك، طول ذي الحجة على كراهية (430).

[الثالثة: الأفضل لمن مضى الى مكة للطواف و السعي: الغسل، و تقليم الاظفار، و أخذ الشارب]

الثالثة:

الأفضل لمن مضى الى مكة للطواف و السعي: الغسل، و تقليم الاظفار، و أخذ الشارب (431).

التشريق و يترتب عليه آثاره من التحلل لاطلاق قوله: «فاذا طاف ...» الوارد في روايات التحلل بالطواف.

______________________________

(430) قد يستدل له برواية معاوية بن عمار المتقدمة لاطلاق قوله عليه السّلام: «موسع للمفرد ان يؤخره».

و لكن الانصاف ان الملحوظ التوسعة بلحاظ الحكم الذي أثبت للمتمتع و هو لزوم او استحباب المبادرة و كراهة التأخير عن الغد.

و بعبارة اخرى: أنها في مقام نفي الحكم الثابت للمتمتع عن المفرد، اما خصوصية حكمه فليست في مقام بيانه، فلا اطلاق للرواية.

و عليه، فيشكل تأخيره عن يوم النفر إلا أن يتمسك بأصالة البراءة، كما تقدم فى المتمتع. فتدبر.

(431) لرواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ثم احلق رأسك و اغتسل و قلّم اظفارك و خذ من شاربك وزر البيت ... «1»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 2: من أبواب زيارة البيت، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 438

و الدعاء إذا وقف على باب المسجد (432).

و اغتسل و قلّم اظفارك و خذ من شاربك وزر البيت ... «1»».

______________________________

(432) لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- في حديث- قال: «فاذا أتيت يوم النحر فقمت على باب المسجد قلت: اللهم أعنّي على نسكك ... «2»».

و الحمد للّه رب العالمين «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 10/ باب 2: من أبواب زيارة البيت، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 4: من أبواب زيارة البيت، ح 1.

(3)- انتهى هذا المبحث في الاثنين 28/ 12/ 1388 ه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى

- كتاب الحج، ج 2، ص: 439

[القول فى الطواف]

اشارة

القول فى الطواف «1» و فيه ثلاثة مقاصد

[المقصد الأول: فى المقدمات]

الأول: فى المقدمات و هي واجبة و مندوبة.

فالواجبات: الطهارة (433).

______________________________

(433) لا اشكال بحسب الفتوى في اعتبار الطهارة من الحدث الأصغر و الأكبر فى الطواف الواجب و فى «الجواهر «2»»: الاجماع بقسميه عليه.

و يدل عليه من النصوص رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت و الوضوء أفضل «3»».

و رواية محمد بن مسلم، قال: سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل طاف طواف

______________________________

(1)- كان الشروع في يوم 17/ 1/ 1389 ق.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 269، الطبعة الاولى.

(3)- وسائل الشيعة/ باب 38: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 440

..........

الفريضة و هو على غير طهور قال: «يتوضأ و يعيد طوافه، و إن كان تطوعا توضأ و صلى ركعتين «1»» و غيرهما.

و هذه النصوص و إن كانت واردة في خصوص الطهارة من الحدث الأصغر لكن يستفاد منها اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر باعتبار أنه ناقض للوضوء أيضا و بلحاظ الدليل الخاص يكتفى بغسل الجنابة عن الوضوء.

و قد يستدل على اعتبارها برواية علي بن جعفر، عن أخيه أبى الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو فى الطواف، قال:

يقطع الطواف و لا يعتد بشي ء مما طاف «2»».

و لكن يمكن المناقشة في دلالة هذه الرواية على المطلوب ببيان: أن الكون فى المسجد محرّم على الجنب و إذا حرم الكون بطل طواف الجنب و ذلك لامتناع اجتماع تحريم الكون فى المسجد و وجوب الطواف فى المسجد.

و عليه، فبطلان طواف

الجنب على القاعدة. نعم لا يبطل الطواف على القاعدة في صورة نسيان الجنابة لعدم تحريم الكون فى المسجد عليه في هذا الحال، فلا مانع من صحة طوافه.

و في هذه الصورة تظهر فائدة اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر، إذ في صورة العلم عرفت بطلان الطواف على القاعدة.

و عليه، نقول: الأمر بقطع الطواف عند تذكر الجنابة في أثناء الطواف الوارد في رواية علي بن جعفر عليه السّلام يمكن أن يكون بلحاظ عدم تمكنه شرعا من البقاء فى المسجد لأنه جنب و لزوم الخروج عليه، فيكون حكما على طبق القاعدة فلا يفيد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 38: من أبواب الطواف، ح 3.

(2)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 441

..........

اشتراط الطهارة فى الطواف. كما يمكن أن يكون بلحاظ أن الطهارة شرط و المفروض فقدانها، فيدل على اعتبارها و لا ظهور له فى الثاني.

و هكذا قوله عليه السّلام: «لا يعتد بشي ء مما طاف» يمكن أن يكون ناشئا من فقدانه للشرط و هو الطهارة من الحدث الاكبر، و يمكن أن يكون ناشئا من فوات الموالاة بالخروج من المسجد و الغسل و الرجوع للطواف، فيكون من أدلة اعتبار الموالاة بين أشواط الطواف.

و بالجملة، لا ظهور فى الرواية في إفادة شرطية الطهارة من الحدث الأكبر بعد امكان تطبيقها على القاعدة.

و أما الطواف المستحب، فلا يعتبر فيه الطهارة من الحدث الأصغر للنصوص المتعددة، كرواية محمد بن مسلم المتقدمة و بها تقيد اطلاقات ما دل على اعتبارها في الطواف بقول مطلق.

و أما الطهارة من الحدث الأكبر، فلا دليل على اعتبارها أيضا الا من جهة كونه على طبق القاعدة لحرمة الكون فى المسجد. و لكن عرفت ان مقتضى ذلك صحة

الطواف مع نسيان الجنابة.

نعم، لو التزمنا بدلالة رواية علي بن جعفر المتقدمة على شرطية الطهارة من الحدث الأكبر للطواف فهي دالة على شرطيته لمطلق «1» الطواف الواجب و المندوب، و لا مقيد لها لان النصوص المتقدمة المشار إليها إنما تتكفل نفي اعتبار الوضوء فى الطواف المستحب لا أكثر فلا تنافي اعتبار الطهارة من الحدث الأكبر فيه بمقتضى اطلاق رواية علي بن جعفر عليه السّلام.

______________________________

(1)- في عمومها للطواف المندوب اشكال يظهر من ملاحظة ذيل الرواية.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 442

..........

و من هنا يظهر الاشكال فى التزام صاحب الجواهر قدّس سرّه «1» بدلالة الرواية على الشرطية و التزامه بعدم اعتبار الطهارة من الحدث الاكبر فى الطواف المندوب للأصل، فانه لا مجال للاصل مع اطلاق رواية علي بن جعفر عليه السّلام.

فلاحظ.

هذا مع أن إجراء الأصل مع إنكار الاطلاق يبتني على الالتزام بجريان البراءة في المستحبات. و الذي حققناه عدم جريانها فيها.

و عليه فاللازم الاحتياط فى الطواف المستحب بالنسبة الى الطهارة من الحدث الأكبر.

ثم انه ذكر صاحب الجواهر «2» أن الوضوء أفضل فى الطواف المستحب و استدل عليه برواية معاوية المتقدمة و النبوي العامي: «الطواف بالبيت صلاة «3»».

و يشكل بأنه قوله عليه السّلام في رواية عمار: «و الوضوء أفضل» راجع الى المستثنى منه و هو مطلق المناسك غير الطواف، لاستثناء الطواف منها.

و أما النبوي، فانما يتم الاستدلال به لو فرض عدم اعتبار الطهارة في صلاة النافلة و انما هي مستحبة فيها، كي يكون التنزيل شاملا لهذا الأثر، و الامر ليس كذلك لأن الطهارة معتبرة في صلاة النافلة، فلا يكون التنزيل ناظرا الى الطهارة لما عرفت من عدم اعتبار الطهارة فى الطواف.

إذن، فلا دليل على

أفضلية الوضوء. فتدبر.

ثم إنه في موارد اعتبار الطهارة لو لم يتمكن من الطهارة المائية هل يصح

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 269، الطبعة الاولى.

(2)- المصدر، ص 270.

(3)- البيهقي، احمد بن الحسين: السنن الكبرى، ج 5: ص 87، ط بيروت.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 443

و ازالة النجاسة عن الثوب و البدن (434).

الطواف مع الطهارة الترابية، أو لا؟

و تحقيق الكلام في ذلك: أنه إن قلنا بان التيمم يفيد الطهارة و رافع للحدث.

و تيمم المكلف لغاية يشرع لها التيمم قطعا، كصلاة فريضة، أمكنه الطواف به لأنه متطهر فيكون طوافه مع الطهارة.

و أما لو قلنا بان التيمم غير رافع و انما هو مبيح، فلا ينفع التيمم لغاية معينة في صحة الطواف، إذ غاية ما ينفع التيمم في استباحة تلك الغاية المعينة لا الطواف إذ لا دليل على مشروعيته بالنسبة إليه، ثم أنه لو ثبت اطلاق لدليل مشروعية التيمم بحيث يشمل مثل الطواف فانما ينفع بالنسبة الى الحدث الأصغر لا الأكبر، و ذلك لأنه مع الحدث الأكبر يحرم عليه الكون فى المسجد الحرام.

و التيمم على تقدير كونه مبيحا انما يستباح به العمل الواجب المشروط بالطهارة، لا العمل المحرم بدون طهارة كمس القرآن و الدخول فى المسجد و غيرهما.

و عليه، فالتيمم يستباح به الطواف من جهة شرطية الطهارة له و لا يستباح به الطواف من جهة حرمة الكون في المسجد.

نعم، لو كان مطهرا و رافعا للحدث تم ذلك، لعدم كونه محدثا مع التيمم.

فتدبر.

______________________________

(434) العمدة في ذلك رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«رأيت في ثوبي شيئا من دم و أنا أطوف قال: فاعرف الموضع ثم أخرج فاغسله

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 444

و أن يكون مختونا، و لا يعتبر فى المرأة (435).

ثم عد فابن على طوافك «1»»، و هي ضعيفة السند لكن ادعي انجبارها بعمل الاصحاب و تسالمهم حتى ممن يبني على عدم العمل بأخبار الآحاد كابن ادريس، فان ذلك يوجب الاطمئنان بالصدور.

لكن التحقيق انه لم يثبت استناد الكل إليها، إذ علل بعضهم الحكم المذكور بحرمة إدخال النجاسة فى المسجد و قد علل ذلك بأن فيه هتكا للمسجد. و مع وجود هذا التعليل يحصل التشكيك فى الصغرى، هذا مع الاشكال في أصل الكبرى و هي جابرية عمل المشهور لضعف السند. و أما الاستدلال على الحكم المذكور بالنبوي العامي: «الطواف بالبيت صلاة» ففيه ما لا يخفى.

______________________________

(435) يدل على ذلك النص، ك:

رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الأغلف لا يطوف بالبيت و لا بأس أن تطوف المرأة «2»».

و رواية حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا بأس أن تطوف المرأة غير المخفوضة، فاما الرجل فلا يطوف إلا و هو مختتن «3»».

و هذا مما لا إشكال فيه. إنما الاشكال في جهات:

الاولى: فى الخنثى المشكل بناء على أنها جنس ثالث غير الرجل و المرأة، فهل يجب عليها الاختتان، أم لا؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 52: من أبواب الطواف، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 33: من أبواب الطواف، ح 1.

(3)- المصدر/ باب 52: من أبواب الطواف، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 445

..........

التحقيق: عدم الوجوب لعدم شمول النص لها بعد اختصاصه بالرجل و المرأة، فأصالة البراءة محكمة. إلا ان صاحب الجواهر «1» التزم بعدم جريان البراءة بناء على ان الفاظ العبادات أسماء

للصحيح منها، اذ مع الشك في اعتبار الاختتان يشك في صدق الطواف بدونه و هو مورد قاعدة الاشتغال.

و هذا الأمر تعرض له في الاصول و اجيب عنه بما لا مزيد عليه و اثبت ان البراءة يمكن جريانها حتى على القول بالصحيح.

و الغريب ان صاحب الجواهر لم يذكر هذا المطلب الا هنا و التزم بالأصل في غير مورد، كما تقدم منه فى الطواف المستحب، فراجع.

الثانية: فى الصبي، فهل يجب عليه الاختتان في طوافه، أم لا؟

قد يدعى عدم اعتباره إما لأجل اختصاص موضوع الحكم بالرجل و هو غير صادق على الصبي. و إما لأجل ان دليل الشرطية هو النهي عن الطواف بدون الاختتان و النهي لا يتوجه الى الصبي.

و في كلا الوجهين نظر:

أما الأول: فلأن ظاهر المقابلة بين الرجل و المرأة إرادة جنس الرجل من لفظ «الرجل» بمعنى الذكر في قبال الانثى.

و أما الثاني: فلما ذكر مكررا من أن الأوامر و النواهي الواردة في باب المركبات ظاهرة في الارشاد الى الشرطية و المانعية و ليست ظاهرة فى البعث و الزجر و التكليف.

و عليه، فهي كما تشمل البالغ تشمل غيره.

و نظير هذه الدعوى ما ادعي من سقوط الشرطية أو الجزئية مع عدم

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 274، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 446

..........

القدرة إذ كان دليلها بلسان الأمر لسقوط الأمر مع عدم القدرة.

و قد اجيب عنها بما عرفت من ان الأوامر هذه إرشادية، فلا تختص بصورة التمكن.

الثالثة: مع عدم التمكن من الاختتان لضيق الوقت هل يسقط لزوم الاختتان أم يسقط الحج؟

الحق هو الثاني، لان عدم التمكن من الاختتان و هو شرط يلازم عدم تحقق الاستطاعة، فلا

يجب الحج.

و لا وجه للأول إلا ما عرفت من سقوط الأمر مع عدم التمكن، فلا دليل على الشرطية و جوابه ما عرفته قبل قليل.

ثم إنه وقع الكلام في لزوم ستر العورة فى الطواف و قد استدل له بما ورد من الروايات الكثيرة من تبليغ أمير المؤمنين عليه السّلام عن النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله انه: «لا يطوف بالبيت عريان «1»».

و في هذا الاستدلال نظر، اذ بين العري و كشف العورة عموم من وجه فقد يصدق ستر العورة و يصدق العري، كما إذا كان متزرا فقط بدون رداء.

و قد يصدق عدم العري و يصدق كشف العورة، كما إذا كان ساترا لجميع بدنه و كاشفا لعورته فقط.

و عليه، فهذه الروايات تفيد اشتراط ستر البدن و عدم العري، و هو مما لا بأس بالالتزام به، بل يوافق الاعتبار لما فيه من الاحترام و المحافظة على كرامة الطواف و المسجد، فيكون هذا الشرط أشبه باشتراط ستر المرأة جسمها فى الصلاة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 53: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 447

و المندوبات ثمانية: الغسل لدخول مكة (436).

______________________________

(436) وقع الكلام في أن المستحب غسلان: أحدهما لدخول الحرم، و الآخر لدخول مكة. أو انه غسل واحد يتخير في ايقاعه بين أول الحرم و أول مكة و منزله في مكة.

الذي اختاره فى «الجواهر «1»» هو الأول، فاستشهد على استحباب الغسل لدخول مكة برواية الحلبي، قال: «أمرنا أبو عبد اللّه عليه السّلام أن نغتسل من فخ قبل ان ندخل مكة «2»».

و مثلها فى الدلالة رواية عجلان ابي صالح، قال: قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا انتهيت الى بئر ميمون او بئر عبد

الصمد فاغتسل و اخلع نعليك و امش حافيا و عليك السكينة و الوقار «3»».

و استشهد على استحباب الغسل لدخول الحرم برواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا انتهيت الى الحرم ان شاء اللّه فاغتسل حين تدخله و إن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو من منزلك بمكة «4»».

و برواية أبان بن تغلب «5» الحاكية فعل الإمام عليه السّلام حين اراد دخول الحرم.

و ذهب فى «المدارك «6»» الى الثاني، لرواية ذريح المحاربي، قال: «سألته عن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 279، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة/ باب 5: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(3)- المصدر، ح 2.

(4)- المصدر/ باب 2: من أبواب مقدمات الطواف، ح 2.

(5)- المصدر/ باب 1: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(6)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 121، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 448

..........

الغسل فى الحرم قبل دخوله، أو بعد دخوله؟ قال: لا يضرك أي ذلك فعلت. و إن اغتسلت بمكة فلا بأس، و إن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس «1»»، فقد ذهب الى أن المستفاد من مجموع هذه النصوص هو استحباب غسل واحد يتخير في ايقاعه بين المواضع المذكورة فيها. نعم، يستفاد منها ان ايقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل.

و ناقشه صاحب الجواهر «2»: بان ظاهر النصوص استحباب غسلين احدهما لدخول الحرم و الآخر لدخول مكة و التخيير لا ينافي ذلك، بل ما يظهر من اجزاء غسل واحد عنهما بعد دخول مكة لا ينافى التعدد فانه من باب التداخل.

أقول: الذي يظهر من رواية ذريح

ان الغسل المشروع نفسه لا بأس بايقاعه بعد دخول الحرم و في مكة و فى المنزل بمكة، لا أنه من باب التداخل. و عليه، فلا يبقى ظهور للنصوص في تعدد الغسل المستحب، بل تكون ظاهرة في استحباب غسل يتخير في ايقاعه بين مواضع أولاها قبل دخول الحرم.

و لا صراحة لرواية الحلبي و لا لرواية عجلان في استحباب الغسل لدخول مكة بهذا العنوان كما لا يخفى.

و يتأكد ما ذكرناه بملاحظة رواية معاوية، و ان له ايقاع الغسل المشروع لدخول الحرم في بئر ميمون أو فخ أو المنزل. مع انه لا معنى لذلك لو كان الغسل لأصل الدخول لتحقق الدخول منه.

فالمستفاد من مجموع النصوص استحباب غسل واحد لدخول الحرم لا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 2: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 280، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 449

فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله (437). و الأفضل ان يغتسل من بئر ميمون، أو من فخّ (438)؛ و الا ففي منزله، و مضغ الإذخر (439) و أن يدخل مكة من أعلاها (440).

بمعنى الشروع فى الدخول، بل بمعنى الكون فى الحرم، فلا ينافي ذلك تأخيره الى منزله بمكة قبلا. نعم يستحب ايقاعه قبل الدخول لرواية أبان و غيرها و لا بأس بتعدد الغسل رجاء و لكن لا يترتب عليه ما يترتب على الغسل المستحب من الطهارة و الاكتفاء به عن الوضوء لو قيل به.

______________________________

(437) لعله لاستفادته من رواية معاوية بن عمار المتقدمة و لكن لا ظهور لها في حصول العذر بل مطلق التأخير و لو كان لا عن عذر، فلاحظها.

(438) لعله لروايتي الحلبي و عجلان

المتقدمتين.

(439) لرواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «اذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه «1»». و نحوها رواية ابي بصير «2».

(440) لرواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أين أدخل مكة و قد جئت من المدينة؟ قال: ادخل من أعلى مكة و اذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة «3»»، و رواية معاوية «4» الحاكية لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة/ باب 3: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(2)- المصدر، ح 2.

(3)- المصدر/ باب 4: من أبواب مقدمات الطواف، ح 2.

(4)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 450

و أن يكون حافيا، على سكينة، و وقار (441)، و يغتسل لدخول المسجد الحرام (442) و يدخل من باب بني شيبة (443)، بعد أن يقف عندها، و يسلم على النبي عليه السّلام، و يدعو بالمأثور (444).

______________________________

(441) لرواية عجلان المتقدمة «1»، و غيرها فراجع «2».

(442) قال فى «الجواهر «3»»: «لم نعثر فى النصوص على ما يدل عليه لكن يكفي فيه ما عن «الخلاف «4»» و «الغنية «5»» من الاجماع عليه».

أقول: هذا المقدار يكفي في اثباته بعنوان الاحتياط، فلا يترتب عليه آثار الغسل المستحب.

(443) لخبر سليمان بن مهران، عن الصادق عليه السّلام- في حديث المأزمين-: «...

فصار الدخول الى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك «6»».

(444) يدل على جميع ذلك روايتا معاوية «7» و ابي بصير «8» فلاحظهما.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 5: من أبواب مقدمات الطواف، ح 2.

(2)- المصدر/ باب 8 و 7: من أبواب مقدمات الطواف.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 280،

الطبعة الاولى.

(4)- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1: ص 388، الطبعة الاولى.

(5)- الحلبي، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 169.

(6)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 9: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(7)- المصدر/ باب 8: من أبواب مقدمات الطواف، ح 1.

(8)- المصدر، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 451

[المقصد الثاني: في كيفية الطواف]

اشارة

المقصد الثاني: في كيفية الطواف و هو يشتمل على واجب و ندب

فالواجب سبعة: النّية (445)، و البدأة بالحجر و الختم به (446).

______________________________

(445) لا اشكال في وجوب النية و الحديث في ان المعتبر الاخطار أم الداعي هو الحديث في غيره. و الذي يقرب فى الذهن هو اعتبار الاخطار، كما حققناه في باب الصوم.

و قد يدعى ان المعتبر و إن كان هو الاخطار لكنه يكفي تحققه في أول الاحرام نظير الاكتفاء بالداعي بالنسبة الى اجزاء الصلاة عند من يعتبر الاخطار في نيتها أول العمل.

و يندفع ذلك: بان الاكتفاء بالداعي المعبّر عنه بالاستدامة الحكمية في باب الصلاة و نحوها من جهة الدليل الخاص و لا يمكن تسرية الحكم الى مثل افعال الحج مما كانت أفعالا مستقلة في أنفسها مفصولة عما بينها باعمال خارجة عن حقيقة الحج. و قد مرّ منا أنه لم يعلم ان أفعال الحج نظير اجزاء سائر المركبات الارتباطية. فراجع ابحاث الوقوف في عرفات و المشعر.

(446) هذان هما الواجب الثاني و الثالث. و يدل عليهما الاجماع، و من النص رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من اختصر فى الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود الى الحجر الأسود «1»».

و الكلام يقع في جهات:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 31: من أبواب الطواف، ح 3.

المرتقى إلى

الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 452

..........

الاولى: في أنه هل يعتبر قصد الابتداء من الحجر الأسود أو لا يعتبر؟.

التحقيق عدم اعتباره، إذ هو شرط لا جزء. و قد حقق في محله عدم لزوم قصد القربة فى الشروط و لذا لو تحقق منه الشرط غفلة بل مع علمه بعدمه و تخيل عدم شرطيته صح العمل، فلو صلى باعتقاد انه عار جهلا بلزوم الستر و تبين أنه مستور صح عمله.

الثانية: انه هل يعتبر عنوان الابتداء من الحجر و هو الحدوث بعد العدم أو لا يلزم سوى تحقق الطواف بهذا المقدار أعني من الحجر الى الحجر و لو كان مسبوقا بمقدار من الطواف؟ لا وجه لتخيل اعتبار عنوان البدأة بحيث يخلّ به قصد الطواف سهوا مما قبل الحجر الا التعبير «بمن» فى النص و لكنه لا ينفع في اثبات ذلك إذ لا ظهور ل «من» و «الى» في ذلك بل هي ظاهرة في بيان حد الشي ء الملازم للابتداء و الانتهاء في بعض الاحيان. و يشهد لما ذكرنا استعمالهما في موارد لا يطلب فيها عنوان الابتداء بلا مسامحة و لا عناية، كما إذا قال له: «يحسن لك أن تمشي من الكوفة الى النجف»؛ فانه لا يفهم منه انه لا بد ان يكون ابتداء المشي هو الكوفة بل يصح أن يبدأ مما قبلها، بل قد لا يستفيد أن يكون اتجاه الحركة هو النجف بل أعم من ان يكون اتجاهها النجف او الكوفة، فيفهم ان المطلوب ليس إلا المشي بهذا المقدار كان الابتداء من النجف أو بالعكس.

و عليه، فلا دليل على اعتبار عنوان البدأة من الحجر الأسود، فلا يضر الابتداء مما قبله.

الثالثة: انه هل يكفي الابتداء من أول الحجر

و الانتهاء بآخره بحيث لا يتحقق الدوران بالحجر أو لا يكفي ذلك؟. ذهب صاحب المدارك «1» الى الأول

______________________________

(1)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام 8/ 127، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 453

..........

لصدق الطواف من الحجر الى الحجر.

و الحق الثاني، لأن المطلوب الطواف بالبيت و هو اسم المجموع و كونه من الحجر الى الحجر شرط. و مع عدم الدوران بالحجر، يبقى جزء من البيت لم يطف به، فلا يصدق الطواف بالبيت. فتدبر.

ثم إن كيفية الابتداء من الحجر حيث إنها تشكل جدا خصوصا في زماننا الذي يكثر فيه الزحام، فالأولى أن يتأخر عن الحجر ثم يبدأ بالطواف و ينوي عند ابتدائه تحقق الطواف منه عند محاذاته الواقعية للحجر من باب المقدمة العلمية، نظير غسل مقدار زائد على الوجه فى الوضوء و تستمر النية الى ان يجوز الحجر حتى يتحقق الاخطار في أول جزء من اجزاء العمل.

و عليه، فلا يلزم أن يقف محاذيا للحجر بتمام بدنه بحيث يكون كل جزء من اجزاء بدنه أو أول أجزاء بدنه محاذيا للحجر، بل قد قال صاحب الجواهر «1»:

«ربما كان اعتباره مثارا للوسواس كما أنه من المستهجنات القبيحة نحو ما يصفه بعض الناس عند إرادة النية للصلاة بناء على أنه الاخطار من الاحوال التي تشبه احوال المجانين».

فرع:

لو ابتدأ الطائف سهوا بغير الحجر الأسود، ففى «القواعد «2»» لم يعتد بذلك الشوط الى أن ينتهي الى أول الحجر فمنه يبتدئ الاحتساب ان جدد النية للاتمام مع احتمال البطلان.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 290، الطبعة الاولى.

(2)- الحلّي، الحسن بن يوسف: قواعد الاحكام، ج 1: ص 425، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

المرتقى

إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 454

و أن يطوف على يساره (447).

و قد أطال في «كشف اللثام «1»» في تحقيق هذا الفرع ببيان شقوق متعددة و علّل احتمال البطلان، و قد قال صاحب الجواهر «2» بعد ذكر كلامه الطويل: «لا يخفى عليك ان ذلك كله متعبة لا فائدة فيها». ثم ذكر ان صحة الطواف فى الفرع المذكور لأجل اتيانه بأركانه و شروطه من دون اخلال، اذ الزيادة المخلة هي الزيادة بعد اتمام الطواف لا قبله- كما يأتي تحقيقه ان شاء تعالى.

و أما احتمال البطلان، فلعله لأجل وجوب قصد البدأة بالحجر، و لم يتحقق منه. و ذكر أن الأقوى عدم اعتباره، لصدق الواجب بدونه.

أقول: الوجه في عدم وجوب قصد البدأة ما عرفته ما عرفته من أن البدأة على تقدير اعتبارها من الشروط و هي غير متوقفة على قصد القربة، كما تقدم.

______________________________

(447) هذا هو الواجب الرابع، و يدل عليه الاجماع بقسميه و ليس فى النصوص تصريح بذلك. نعم، يستفاد من بعضها ان نحو الطواف و جهته ذلك بمعنى ان الدوران على اليسار لا على اليمين.

ثم إن الدليل على هذا الحكم حيث كان هو الاجماع، فلا دلالة له على أكثر من تعيين جهة الطواف في قبال الطواف من جانب اليمين او مستدبرا أو مستقبلا البيت، و لا يدل على لزوم كون المنكب الأيسر، أو الشق الايسر مقابلا للبيت دائما كما يفعله كثير من المتشرعة في زماننا مما يؤدي الى الحرج بل إلفات النظر إليه.

______________________________

(1)- الفاضل الهندي، بهاء الدين: كشف اللثام، ج 5: ص 414، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 288، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب

الحج، ج 2، ص: 455

و أن يدخل الحجر فى الطواف (448)، و ان يكمله سبعا (449).

______________________________

(448) هذا هو الواجب الخامس، و يدل عليه الاجماع بقسميه و النصوص، كرواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا فى الحجر، قال: يعيد ذلك الشوط «1»»، و غيرها.

ثم إنه لا يهم البحث في ان الحجر من البيت، أم من خارجه فانه لا يرتبط بالبحث المزبور الذي نحن فيه، فايقاعه بلا طائل.

ثم إنه لو طاف بينه و بين الحجر فهل يعيد طوافه بأجمعه أم يعيد الشوط نفسه؟ ظاهر النصوص الثاني، كرواية الحلبي المتقدمة.

و لكن في خبر ابراهيم بن سفيان «2» الأمر بالإعادة مطلقا، و يحمل بضميمة تلك النصوص على إرادة إعادة الشوط. فتدبر.

(449) هذا هو الواجب السادس. و يدل عليه الاجماع بقسميه و النصوص الكثيرة المستفادة منها ذلك، كرواية الحسن بن عطية، قال: «سأله سليمان بن خالد و أنا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط؟ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و كيف طاف ستة اشواط؟ قال: استقبل الحجر، و قال: اللّه أكبر، و عقد واحدا. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يطوف شوطا، فقال سليمان: فانه فاته ذلك حتى أتى أهله قال:

يأمر من يطوف عنه «3»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 31: من أبواب الطواف، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 9: من أبواب الطواف، ح 4.

(3)- المصدر/ باب 32: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 456

و ان يكون بين البيت و المقام (450).

______________________________

(450) هذا هو الواجب السابع، و قد قال فى «الجواهر «1»»: «لا خلاف معتد به أجده في وجوب كون الطواف بينه و

بين البيت، بل عن «الغنية «2»» الاجماع عليه».

و ليس فى النصوص ما يدل عليه سوى رواية محمد بن مسلم، قال: «سألته عن حد الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت؟ قال: كان الناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت فكان الحد موضع المقام اليوم فمن جازه فليس بطائف. و الحد قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلها فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد لانه طاف في غير حدّ و لا طواف له «3»». و هذه الرواية ضعيفة السند و لكن ادعي انجبارها بعمل الاصحاب.

و في قبالها رواية صحيحة السند تدل على جواز الطواف خلف المقام و هي رواية الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطواف خلف المقام؟ قال: «ما أحب ذلك و ما أرى به بأسا فلا تفعله؛ إلا ان لا تجد منه بدا «4»».

و نسب الى ظاهر الصدوق «5» الفتوى بمضمونه، و لكن ادعي انه مطروح من قبل الاصحاب و هو مضعف للخبر.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 295، الطبعة الاولى.

(2)- الحلبي، حمزة بن علي: غنية النزوع، ص 172، ط مؤسسة النشر الاسلامي.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 28: من أبواب الطواف، ح 1.

(4)- المصدر، ح 2.

(5)- الصدوق، محمد بن على: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 399/ ح 2809.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 457

لو مشى على أساس البيت او حائط

الحجر لم يجزه (451).

و لكن لم يثبت عمل الأصحاب بالأول و اعراضهم عن الثاني صغرى، إذ لم يكن في كلمات بعضهم تعليل الحكم به فلعله من جهة الاحتياط. كما انه لم تثبت جابرية العمل و مضعفية الاعراض كبرى.

و بالجملة، فالصناعة تدعو الى العمل برواية الحلبي، نعم الاحتياط يدعو الى العمل برواية محمد بن مسلم و ان كان فيه مخالفة للاحتياط من جهة كثرة الزحام فى الحد المزبور بحيث لا تكون حركته في بعض الاوقات إرادية، فليحتط بطوافين احدهما داخل الحد و الآخر خارجه.

و نسب الى أبي علي «1» إجزاء الطواف خارج المقام للضرورة، و لا دليل عليه ظاهر إذ رواية الحلبي ظاهرة في الاجزاء مطلقا على كراهة في حال الاختيار. فلاحظ.

ثم إن المراد بالمقام محله هذا اليوم، كما هو ظاهر رواية ابن مسلم، فلا يهمنا التعرض الى ما تعرض إليه الاعلام من ان كون المقام في هذا المحل هل هو في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله أو بعده؟. فان شئت الاطلاع، فراجع «الجواهر «2»».

______________________________

(451) للزوم ان يطوف بالبيت فان مشى على اساس البيت لم يصدق الطواف بالبيت بمجموعه.

و للزوم ان يكون يدخل الحجر في طوافه فلو مشى على حائطه لم يصدق ادخاله بمجموعه أيضا.

______________________________

(1)- لم نعثر على كتابه، لكن حكاه عنه في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 183).

(2)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 296، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 458

و من لوازمه ركعتا الطواف و هما واجبتان فى الطواف الواجب (452).

______________________________

(452) على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة، و استدل له من النصوص بما دل على الأمر بهما بعد الطواف، ك:

رواية

معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم عليه السّلام فصل ركعتين ... «1»».

و بما دل من النصوص الكثيرة «2» على الأمر بقضائهما لو نسيهما أو لزوم العود للاتيان بهما، و هو ظاهر في وجوبهما.

و في كلا الدليلين نظر:

أما الأول: فلعدم ظهور فى النص في الأمر بهما، بل ظاهرهما الأمر بايقاعهما فى المقام، و هذا لا يلازم وجوبهما و لا ظهور له فيه، نظير الأمر بالطهارة فى الصلاة المستحبة.

و أما الثاني: فلأن الأمر بالقضاء أو العود لا ظهور له فى الوجوب في نفسه، بل هو يتبع فى الظهور فى الوجوب و الاستحباب الأصل. فان كان الأصل مستحبا كان هو مستحبا، اذ ظاهر الأمر بالعود هو الارشاد الى إمكان تحصيل ما فاته إن واجبا أو مستحبا.

و عليه، فلا دليل لدينا على وجوب الصلاة.

هذا و لكن الحق وجود الدليل على وجوبها و هو ذيل رواية معاوية بن عمار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 71: من أبواب الطواف، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 459

و لو نسيهما وجب عليه الرجوع، و لو شق قضاهما حيث ذكر (453).

المتقدمة فقد جاء فيها: «و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك ان تصليهما في أي الساعات [أي ساعة، خ ل] شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها». و يدل عليه أيضا ما ورد من عد صلاة الطواف من فروض الحج و من عدّها مما على المتمتع من الاعمال، فراجع.

هذا، و الذي يظهر من نصوص الصلاة انها واجب مستقل عن الطواف و ليس من توابعه بحيث لا يتحقق الاحلال

المترتب عليها إلا بها. فلاحظ و تدبر.

______________________________

(453) الاحتمالات متعددة في هذه المسألة:

فاحتمال التفصيل بين صورة المشقة و عدمها فيجب عليه الرجوع فى المقام الثاني دون الاول.

و احتمال التفصيل بين صورة التعذر و عدمه، فيجب عليه الرجوع فى الثاني دون الأول.

و احتمال التفصيل بين الكون فى البلد و بين الارتحال، فيجب عليه الرجوع فى الأول دون الثاني.

و احتمال الرجوع الى المقام، فان تعذر فحيث شاء من الحرم فان تعذر فحيث أمكن من البقاع.

و احتمال لجواز الاستنابة ان خرج و شق عليه الرجوع الى المقام.

و أما الاحتمال الثاني و الرابع، فلا شاهد عليه من النصوص أصلا.

و أما الأول، فليس فى النصوص ما يمكن أن يستدل له به سوى رواية

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 460

..........

أبو بصير (يعني المرادي)، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال اللّه تعالى: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى «1» حتى ارتحل، قال: «ان كان ارتحل فاني لا اشق عليه و لا آمره ان يرجع و لكن يصلي حيث يذكر «2»».

و يمكن الخدشة في الاستدلال بها انه لا ظهور لها في عدم الأمر بالرجوع عند حصول المشقة، بل هي ظاهرة في عدم تحقق الأمر بالمرة لأجل ما فيه من الكلفة و المشقة، فالمراد بالمشقة هاهنا المشقة الحاصلة عادة من التكليف لا المشقة الزائدة الرافعة للتكليف، فالرواية نظير ما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «لو لا ان اشق على امتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة «3»».

أما الاحتمال الثالث، فالنصوص ظاهرة فيه، ك:

رواية عمر بن البراء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن

نسي ركعتي طواف الفريضة حتى اتى منى انه رخص له أن يصليهما بمنى «4»».

و رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه سأله عن رجل نسي أن يصلي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام ابراهيم حتى أتى منى؟ قال: يصليهما بمنى «5»».

و رواية أبي الصباح الكناني، قال: سالت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام في طواف الحج و العمرة؟ فقال: «ان كان

______________________________

(1)- سورة البقرة، 2: 120.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 10.

(3)- وسائل الشيعة، ج 1/ باب 3: من ابواب السواك، ح 4.

(4)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 2.

(5)- المصدر، ح 8.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 461

..........

بالبلد صلى ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السّلام فان اللّه عز و جل يقول: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى و إن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع «1»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي الركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام فلم يذكر حتى ارتحل من مكة؟ قال: «فليصلهما حيث ذكر، و ان ذكرهما و هو فى البلد فلا يبرح حتى يقضيهما «2»» و غيرها.

و أما رواية احمد بن عمر الحلال، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى أتى منى؟ قال: «يرجع الى مقام ابراهيم فيصليهما «3»»، فهي محمولة على الاستحباب بقرينة تلك النصوص.

و أما ما دل على الرجوع لو ذكر بالأبطح، كرواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سئل عن

رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء و لم يصل لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح؟ قال: يرجع الى المقام فيصلي ركعتين «4»».

فلا ينافي ما ذكرنا، إذ الأبطح من توابع مكة فيصدق أنه بالبلد، و لو سلم أنه غير مكة فهي بالنسبة الى النصوص السابقة خاص فتخصصها بغير الأبطح.

و بالجملة، ففتوى المتن و تبعه عليه فى «الجواهر «5»» لا دليل عليها.

و أما الاستنابة، فهي جائزة مع الخروج و لو بدون مشقة، ل:

رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن نسي ركعتي الطواف حتى

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 16.

(2)- المصدر، ح 18.

(3)- المصدر، ح 12.

(4)- المصدر، ح 5.

(5)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 303، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 462

و لو مات قضاهما الولي (454).

ارتحل من مكة، قال: إن كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما، أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه «1»».

و رواية ابن مسكان قال: «حدثني من سأله عن الرجل ينسى ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج فقال: يوكل».

و الرواية الثانية ضعيفة السند و في الاولى الكفاية.

______________________________

(454) الكلام: تارة: في مشروعية القضاء عن الميت و اخرى في لزومه على الولي.

أما الأول: فقد يستدل له بالأولوية لجواز القضاء عن الميت فيما لا تجوز الاستنابة فيه و هو حي، فجوازه فيما تجوز فيه الاستنابة في حال حياته أولى.

و فيه: انه قياس لا شاهد عليه. فالأولى التمسك له بعموم ما دل على قضاء الصلاة الفائتة عنه- لو كان- و برواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام،

قال:

«سألته عن رجل نسي أن يصلي الركعتين؟ قال: يصلى عنه «2»»، فانها ظاهرة في كون موضوعها الميت للبناء على المجهول و عدم توجيه الخطاب إليه و لقصر المأمور به بالصلاة عنه مع انه لو كان حيّا كان مخيّرا، كما عرفت.

و برواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «من نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه ان يقضي، أو يقضى عنه وليه، أو رجل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 1.

(2)- المصدر، ح 4.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 463

..........

من المسلمين «1»»، و هذه الرواية ظاهرة في مشروعية التبرع.

و لكن هل يشرع مع وجود الولي كما قد يستظهر من الترديد بأو فى النص، أو لا يشرع إلا مع فقد الولي؟. قد يقرب الثاني بملاحظة أن «يقضى عنه وليه» معطوف على «يقضي» مع انهما ليسا في مرتبة واحدة، بل يراد انه لو لم يكن موجودا فيقضي عنه وليه، و بهذه الملاحظة لا يبقى ظهور ل «أو رجل من المسلمين» في كونه في عرض قضاء الولي بل يكون احتمال أنه في طوله قويا فيكون الكلام مجملا من هذه الجهة، و القدر المتيقن هو مشروعية التبرع مع فقد الولي.

و أما الثاني: فيتمسك له بما دل على لزوم القضاء على الولي فليراجع في محله، و اما رواية عمر بن يزيد فلا ظهور لها في لزومه على الولي لعطف قضاء رجل من المسلمين عليه و هو غير واجب قطعا.

ثم إن هذا الكلام كله فى الناسي.

أما الجاهل، فهو كالناسي، لرواية جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السّلام: «ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابراهيم

بمنزلة الناسي «2»».

و أما العامد، فقد ذكر فى «المسالك «3»» ان الذي يقتضيه الأصل هو لزوم العود مع الامكان، و مع التعذر يصليهما حيث أمكن.

و استشكل فى «المدارك «4»» في الاكتفاء بالصلاة في غير محلها مع تعذر الرجوع، إذ لا دليل عليه. كما أضاف الى ذلك الاشكال في صحة ما يقع بعدها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 74: من أبواب الطواف، ح 13.

(2)- المصدر، ح 3.

(3)- الشهيد الثاني، زين الدين: مسالك الافهام، ج 2: ص 335، ط مؤسسة المعارف.

(4)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 136، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 464

..........

من أعمال.

و دفع صاحب الجواهر «1» كلا الاشكالين:

أما الأول: فلقيام الدليل على ان حكم الجاهل حكم الناسي، و هو يشمل الجاهل المقصر و هو كالعامد، فيثبت حكم الجاهل للعامد.

و أما الثاني: فلأن ظاهر الأدلة وجوب الصلاة بعد الطواف لا اكثر من دون دخل لها في صحة الطواف أو غيره و لذا لم يؤمر باعادة السعي و غيره مع ترك الصلاة نسيانا أو جهلا.

و في كلا وجهيه نظر:

أما الأول: فلأن الدليل- و هو الاجماع- انما قام على ان الجاهل المقصر بحكم العامد من حيث استحقاق العقاب و نحوه و هو لا يقتضي كون العامد بحكم الجاهل في مطلق الاحكام الشرعية، إذ لم يقيم الاجماع على الملازمة بينهما في جميع الآثار و الأحكام كيف؟ و لا يلتزم بصحة الاخفات في موضع الجهر عن عمد مع التزامهم بالصحة عن جهل و لو كان عن تقصير.

و أما الثاني: فلأن مقتضى لزوم الترتيب بين الصلاة و السعي انه مع الاخلال به يبطل السعي لفقدان شرطه. و

ما ورد من عدم الأمر بالاعادة في صورة النسيان لا ينهض على المدعى، إذ لعله حكم خاص بصورة النسيان و الجهل بان يكون شرطا ذكريا، نظير الترتيب بين اجزاء الصلاة.

نعم، قد يدعى ان المستفاد من موارد الحج المختلفة ان الاخلال بالترتيب لا يضر في أصل العمل، فيكون للحج حكم خاص به و قاعدة ثانوية غير القاعدة في باب المركبات. و اعتبار الترتيب بين أجزائها. فلاحظ و تدبر.

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 307، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 465

[مسائل ست]
اشارة

مسائل ست

[الأولى: الزيادة على سبع فى الطواف الواجب، محظورة]

الأولى:

الزيادة على سبع فى الطواف الواجب، محظورة (455) على الأظهر.

______________________________

(455) الزيادة تارة: تتكون ببعض الشوط و لو كانت خطوة. و اخرى: تكون شوطا واحدا بأن يأتي بثمانية أشواط. و الكلام فى الزيادة العمدية.

أما الزيادة بالنحو الأول، فالكلام فيها تارة: بحسب القواعد الأولية من دليل أو أصل. و اخرى بحسب الدليل الخاص.

أما بحسب القاعدة الأولية، فما يتوهم الدلالة على كونها مخلة في تحقق الواجب ما ورد فى النص من لزوم الطواف من الحجر الأسود الى الحجر الأسود باعتبار ظهوره فى التحديد بذلك، فلا يجوز الزيادة لعدم صدق المأمور به.

و لكن نقول: انه قد ثبت في محله في مفهوم العدد ان التحديد بالعدد و نحوه لا يفيد اكثر من التحديد بلحاظ ما هو أقل منه لا ما هو أكثر منه، فهو يعتبر بمعنى انه لا يجزي ما دونه أما ما فوقه فلا دلالة لا على نفيه.

و عليه، فمع الشك في جواز الزائد يرجع الى الأصل العملي، و مقتضاه جواز الزائد. بيان ذلك: ان الجامع يعلم تعلق الطلب به و انما يشك في اعتبار خصوصية معينة و حد خاص لا أكثر منه، فينفى بأصالة البراءة من اعتبار الخصوصية.

و نتيجة ذلك ان يكون الواجب لا بشرط من جهة الزيادة، فيجوز الاتيان بالزائد بداعي الأمر لصدق المأمور به- و هو الجامع- على مجموع العمل مع

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 466

..........

الزيادة.

و لو فرض الشك في مانعية الزيادة بمعنى انها تكون مانعة عن تحقق العمل، فالأصل أيضا ينفي المانعية إذ مرجع المانعية الى أخذ عدمها شرطا فى الواجب و مع الشك فيه تجري أصالة البراءة من الشرطية.

و نتيجة ما ذكرنا: ان الزيادة فى الطواف

غير مخلة فى العمل بل يمكن قصد الأمر بها. فلاحظ. هذا بحسب القاعدة الأولية.

و أما بحسب القاعدة الثانوية، فقد يستدل على اخلال الزيادة فى الطواف ...

بالنبوي: «الطواف بالبيت صلاة»، فكما تضر الزيادة فى الصلاة تضر فى الطواف لأنه بمنزلتها في الآثار و الأحكام.

و برواية عبد اللّه بن محمد، عن أبي الحسن عليه السّلام، قال: «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة اذا زدت عليها فعليك الاعادة و كذلك السعي «1»».

و فيه: أن الاولى لا تصلح للاستدلال للشك في صدق الزيادة فى الطواف بعد جريان أصالة البراءة من الخصوصية و احتمال انطباق المأمور به على الجامع بين ما فيه الزيادة على السبعة اشواط، و خصوص السبعة.

و بذلك يخدش في دلالة الثانية مع ضعف سندها و انجبارها بعمل الأصحاب غير ثابت صغرويا، كما ستعرف ان شاء تعالى، مع أنه محل الاشكال كبرويا.

و النتيجة: انه لم يثبت ما ينفي مقتضى القاعدة الأولية، فالالتزام بها وجيه.

و أما الزيادة بالنحو الثاني، فالكلام فيها أيضا تارة بلحاظ القاعدة الأولية و اخرى بحسب القاعدة الثانوية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 34: من أبواب الطواف، ح 11.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 467

..........

أما بحسب القاعدة الأولية، فالحديث فيها هو الحديث في الزيادة بالنحو الأول بلا افتراق فلا نعيد.

و أما بحسب القاعدة الثانوية، فقد يدعى اخلال هذه الزيادة للنبوي المتقدم و رواية عبد اللّه بن محمد.

و لكن قد عرفت الخدشة في دلالتهما على ذلك. نعم وردت طائفة من النصوص فيمن طاف ثمانية أشواط بأنه يضيف إليها ستة فتصير طوافين، و بما أن الأمر في مثل ذلك ظاهر فى الشرطية لا في الأمر الاستقلالي النفسي، كانت هذه النصوص ظاهرة في

بطلان الطواف بالزيادة المذكورة لو اقتصر عليها.

و قد ورد الأمر بالاعادة في بعض هذه النصوص، ك:

رواية أبي بصير- في حديث- قال: قلت له: «فان طاف و هو متطوع ثماني مرات و هو ناس قال: فليتمه طوافين ثم يصلي اربع ركعات، فأما الفريضة فليعد حتى يتم سبعة أشواط «1»».

و روايته الاخرى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض، قال: «يعيد حتى يثبته «2»» و لكنها مروية بنحو آخر و هي «حتى يستتمه» و هي غير ظاهرة في الاعادة من رأس بل في اكمال الطواف الثاني. و عليه، فتكون مجملة من هذه الجهة.

ثم إن الأمر بالاعادة و إن كان ظاهرا فى التعيين لكنه يرفع اليد عن ذلك بالطائفة الاولى الموجبة لاكمال طوافين، فيكون المستفاد من مجموعهما ان الاقتصار على الثمانية غير مجد بل لا بد في أداء الوظيفة العملية إما من الاعادة أو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 34: من أبواب الطواف، ح 2.

(2)- المصدر، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 468

و فى النافلة مكروهة (456).

إضافة ستة أشواط الى الشوط الزائد، فيصير المجموع طوافين.

و بالجملة، مجموع هذه النصوص يدل على اخلال الشوط الثامن فى الطواف في حدّ نفسه و لكن موضوعها الناسي، فالتعدي منها الى العامد انما يكون بالأولوية القطعية.

لكن الثابت بالأولوية هو اخلال الشوط الثامن أما علاجه بإضافة ستة أشواط فلا أولوية، فلا يثبت هذا الحكم للعامد. فلاحظ.

و قد يدعى عموم بعض النصوص الآمرة باضافة ستة للعامد في نفسها لعدم أخذ النسيان في موضوعها، و لكن لا يمكن الالتزام به لما سيجي ء من مانعية القران في طواف الفريضة و القدر المتيقن منه حال

العمد، فلا بد أن تحمل هذه النصوص على الناسي جمعا. فلاحظ و تدبر جيدا.

______________________________

(456) يعني الزيادة، و استشكل فيه فى «الجواهر «1»» بناء على مسلكه في حرمة الزيادة فى الفريضة من كونه تشريعا، فانه وجه سار فى النافلة- أيضا-، فتكون الزيادة فيها محرمة، و لكن عرفت تقريب حرمة الزيادة لا من باب التشريع.

و الوجوه المتقدمة لا تشمل النافلة، فيكون الحكم فيها بالكراهة من باب قاعدة التسامح في أدلة السنن بلحاظ ثبوت الفتوى بكراهتها فى النافلة.

ثم إنّه وقع الكلام في جواز القران بين طوافين بمعنى عدم الفصل بينهما بصلاة

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 310، الطبعة الاولى.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 469

..........

الطواف.

و قد نسب الى أكثر علمائنا عدم جوازه في طواف الفريضة و بطلان الطواف به. و قد استشكل في ذلك:

تارة: بان القران يصدق بالطواف الثاني، فاذا حرم القران حرم الطواف الثاني فيبطل لا الأول، فلا وجه لبطلان الثاني.

و اخرى: بان الطواف الثاني حيث انه موجب لفوات الموالاة المعتبرة في صلاة الطواف فيكون منهيا عنه لان الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده، فيبطل الطواف الثاني. و في كلا الوجهين نظر:

أما الثاني، فلما ثبت في محله من انكار استلزام الأمر بالشي ء للنهي عن ضده.

و أما الأول، فلأن النهي عن القران نهي ارشادي الى مانعيته للطواف، فيكون مانعا عن الطواف الأول فيبطله و ليس هو نهيا نفسيا متعلقا بخصوص الطواف الثاني، إذ الأصل الثانوي في الأوامر الواردة في باب المركبات هو ظهورها في الارشاد.

و على كل، فظاهر النصوص مانعية القران في طواف الفريضة دون النافلة، لرواية محمد بن ادريس عن كتاب حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه

السّلام- في حديث- قال: «و لا قران بين اسبوعين في فريضة و نافلة «1»».

و هي و ان كانت ظاهرة في النهي عن القران مطلقا لكن يرفع اليد عنه و يحمل على الكراهة ببركة ما ورد من التفصيل في بعض النصوص بين النافلة و الفريضة، كرواية زرارة، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «انما يكره ان يجمع الرجل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 36: من أبواب الطواف، ح 14.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 470

[الثانية: الطهارة شرط فى الواجب دون الندب]

الثانية:

الطهارة شرط فى الواجب دون الندب (457)، حتى أنه يجوز ابتداء المندوب مع عدم الطهارة، و ان كانت الطهارة أفضل.

[الثالثة: يجب أن يصلي ركعتي الطواف فى المقام، حيث هو الآن]

الثالثة:

يجب أن يصلي ركعتي الطواف فى المقام، حيث هو الآن، و لا يجوز في غيره، فان منعه زحام، صلى وراءه، أو الى أحد جانبيه (458).

بين الاسبوعين و الطوافين فى الفريضة و اما فى النافلة فلا بأس «1»» و المراد من الكراهة هاهنا هو الحرمة لا الكراهة بالمعنى المصطلح او الجامع، للاجماع على كراهة القرآن فى النافلة و لبعض النصوص الظاهرة في ذلك كالرواية المتقدمة، فلا يمكن ان يراد بالكراهة إلا الحرمة كي يصح التفكيك. فتدبر.

و قد وردت بعض النصوص في ان الامام عليه السّلام كان يقرن بين اسبوعين لكن تحمل على التقية لما ورد صريحا في بعض النصوص الاخرى من انه يفعل ذلك تقية، فالتفت.

______________________________

(457) تقدم تحقيق الكلام في ذلك في مقدمات الطواف.

(458) الكلام في مقامين:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 36: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 471

..........

الأول: في مكان صلاة الطواف في حال الاختيار.

الثاني: في مكانها مع الاضطرار كوجود الزحام.

أما المقام الأول:

فالأقوال ثلاثة:

الأول: انها عند مقام ابراهيم عليه السّلام.

الثاني: أنها لا تجب ان تكون عنده، بل تجوز في غيره و هو المحكي عن «الخلاف «1»».

الثالث: التفصيل بين طواف النساء و غيره، فيجوز إتيانهما في أي موضع من المسجد في الأول دون غيره. و هو المحكي عن الصدوقين «2».

أما القول الأول: و هو المشهور و به وردت النصوص الكثيرة. إلا أن ظاهر بعض النصوص لزوم أن تكون الصلاة خلف المقام و استشهد فيها بالآية الكريمة، ك:

رواية صفوان بن يحيى- عمن حدثه- عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام- في حديث طويل- قال: «ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام لقول اللّه عز و جل: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقٰامِ إِبْرٰاهِيمَ مُصَلًّى فان صليتها في غيره فعليك إعادة الصلاة «3»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا فرغت من طوافك

______________________________

(1)- الطوسى، الشيخ محمد بن الحسن: الخلاف، ج 1:/ ص 404، الطبعة الاولى.

(2)- الصدوق، محمد بن علي: من لا يحضره الفقيه، ج 2: ص 552. و حكاه عن والده في «مختلف الشيعة» (ج 4: ص 210).

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 72: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 472

..........

فائت مقام ابراهيم عليه السّلام، فصل ركعتين و اجعله إماما «1»».

و بهذه النصوص يقيد إطلاق ما ورد من ان الصلاة عند مقام ابراهيم، إذ العندية أعم من الخلف و غيره، كرواية زرارة، عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «لا ينبغي أن تصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام ابراهيم عليه السّلام ... «2»».

و عليه، فيلزم ان تكون الصلاة خلف المقام بالنحو الذي يصدق أنه عنده، جمعا بين كلا القيدين، فلا تصح الصلاة وراء المقام مع بعده عنه بنحو لا يصدق أنه عنده.

و أما القول الثالث: فذكر فى «الجواهر «3»» انه لا دليل عليه غير رواية مروية في «فقه الرضا «4»»، و هي غير حجة لعدم صحة نسبته الى الرضا عليه السّلام.

و أما القول الثاني: فقد استدل له بأصالة البراءة عن شرطية المكان الخاص و الآية لا دلالة لها على الاشتراط إذ ظاهرها كون نفس الصخرة مصلى و هو ممتنع، فلا بد ان يراد من المقام المسجد.

و هذا الوجه باطل بعد وجود

النصوص الآمرة بالصلاة خلف المقام و المفسرة للآية بذلك، فسواء كانت الآية ظاهرة أو مجملة، لا يهم ذلك بعد وجود النصوص.

و أما المقام الثاني:

فمقتضى القواعد الأولية سقوط الصلاة مع الاضطرار لتركها خلف المقام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 71: من أبواب الطواف، ح 3.

(2)- المصدر/ باب 73: من أبواب الطواف، ح 1.

(3)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 316، الطبعة الاولى.

(4)- فقه الرضا عليه السّلام (سلسلة ينابيع الفقهية)، ص 7.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 473

..........

لفقدان الشرط، إلا انه يقطع للضرورة و الاجماع بعدم سقوطها، فيقع الكلام في مكانها.

فقد ادعي انه يصلي الى أحد الجانبين و لكنه مما لا دليل عليه سوى ما يتوهم من رواية الحسين بن عثمان، قال: «رأيت أبا الحسن عليه السّلام يصلي ركعتي الطواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد «1»».

و لكن حيال المقام في ما نحن فيه لا يصدق إذا كانت الصلاة الى أحد جانبيه قريبا من الظلال للزوم انحرافه الى الكعبة، فلا بد أن يراد به أنه وراء المقام بعيدا عنه و في قباله.

فالمتعين لزوم أن يكون خلف المقام و إن بعد عنه تحفظا على قيد الخلفية المعتبر و ان انتفى قيد العندية للضرورة. و لا يخفى ان الانتقال الى هذه المرحلة إنما يصح إذا كان يفوت وقت الصلاة لو اراد الانتظار الى خفة الزحام و ارتفاع الاضطرار.

و اذا عرفت تحقيق المقام تعرف ما في عبارة المتن من لزوم كون الصلاة فى المقام، فلو منعه زحام صلى وراءه أو الى أحد جانبيه، إذ عرفت ان ظاهر النصوص لزوم كون الصلاة خلف المقام اختيارا لا أنه قيد في حال الضرورة.

________________________________________

قمّى، سيد

محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج؛ ج 2، ص: 473

فالتفت و لا تغفل.

أما أن المراد بالمقام حيث هو الآن، فيدل عليه رواية ابراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا عليه السّلام: «أ صلى ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: حيث هو الساعة «2»».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 75: من أبواب الطواف، ح 1.

(2)- المصدر/ باب 71: من أبواب الطواف، ح 1.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 474

[الرابعة: من طاف في ثوب نجس مع العلم، لم يصح طوافه]

الرابعة:

من طاف في ثوب نجس مع العلم، لم يصح طوافه، و ان لم يعلم ثم علم في اثناء الطواف، أزاله و تمّم. و لو لم يعلم حتى فرغ، كان طوافه ماضيا (459).

______________________________

(459) قد تقدم منّا التشكيك في اعتبار الطهارة الخبثية فى الطواف باعتبار عدم مساعدة دليل قوي عليه، اذ غاية دليله النبوي العامي: «الطواف بالبيت صلاة» و رواية يونس بن يعقوب المتقدمة، و هما ضعيفتان و لم يثبت عمل المشهور بهما.

و على أي حال، فنتكلم الآن في فروع المسألة بناء على الالتزام بشرطية الطهارة الخبثية. فنقول: لو طاف فى النجس عن علم بها و بالحكم، بطل طوافه لاجل فقدان الشرط، أو وجود المانع، و قد علله فى «الجواهر «1»» و «المدارك «2»» باستلزام النهي الفساد.

و لا يخفى ما فيه. أما أولا، فلعدم اشتمال رواية يونس على النهي. و أما ثانيا فلأن النهي في مثل هذه المقامات ارشادي الى مانعية النجاسة لا مولوي ينشأ

عن المبغوضية الواقعية كي يستلزم الفساد لمنافاته القربة.

نعم، لو كان دليل مانعية النجاسة ما دل على حرمة ادخال النجس الى المسجد ببيان أنه يكون من قبيل اجتماع الأمر و النهي، إذ الأمر بالطواف فى الثوب النجس مع النهي عن ادخاله الى المسجد لا يجتمعان فهو منهي عنه، كان

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 320، الطبعة الاولى.

(2)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 144، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 475

..........

لما ذكراه وجه، لكن ذلك مما لا يلتزمان به و لا دليل عليه معتبر، إذ لا دليل على حرمة ادخال النجاسة غير المتعدية، فتدبر.

و لو طاف فى النجس عن جهل به و التفت بعد الطواف، فمقتضى الشرطية و إن كان بطلان طوافه لكن ذلك لو كان دليل الشرطية له إطلاق يشمل حال الجهل، و الأمر ليس كذلك، إذ النبوي يفيد تنزيل الطواف منزلة الصلاة. و من الواضح ان الطهارة شرط ذكري فى الصلاة، فلا دلالة له على أكثر من اشتراط الطهارة فى الطواف في حال العلم.

و أما رواية يونس، فهي ظاهرة في عدم مخلية النجاسة مع الجهل بها، هذا مع رواية ابن أبي نصر، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال: قلت له: رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه. فقال: أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلي في ثوب طاهر «1»» و هي و إن كانت مطلقة بالنسبة الى جميع الحالات حتى حال العمد، و لكن لم يعمل بها فيه، فالقدر المتيقن منها غير حاله فتشمل حال الجهل.

و عليه، فلا

وجه لبطلان الطواف حال الجهل لأجل قصور دليل الشرطية أولا و وجود النص على الصحة ثانيا.

هذا لو طاف مع الجهل بالنجاسة، و لو طاف عن نسيان لها فالحال كذلك لقصور دليل الشرطية مع شمول رواية البزنطي لحالة النسيان.

نعم، قد يتخيل أن مقتضى النبوي مانعية النجاسة مع النسيان إذ الحال كذلك فى الصلاة.

و لكن عرفت أن النبوي لا يصلح للاعتماد إلا بلحاظ استناد المشهور إليه،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 52: من أبواب الطواف، ح 3.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 476

..........

و لم يثبت عمل المشهور به، بل الثابت خلافه للفتوى بعدم بطلان الطواف فى النجاسة مع النسيان مما يكشف انه لم يعمل به. فهذه هي عمدة المناقشة.

و أما المناقشة في انها لا اطلاق لها إلا من حيث اثبات أصل الشرطية لا خصوصيات الشرط، فهي كما ترى.

نعم، الظاهر أن رواية يونس بن يعقوب تشمل بإطلاقها حال النسيان فانها تثبت الشرطية لمن علم بالنجاسة مطلقا و لو نسي بعد ذلك. و عليه فمقتضاها بطلان الطواف مع النجاسة ناسيا، فاذا بنى على عمل المشهور بها تعين التمسك بإطلاقها.

و أما لو علم بالنجاسة في الأثناء، فظاهر رواية يونس بن يعقوب المتقدمة أنه يقطع الطواف ثم يخرج لغسل النجاسة و يعود فيبني على طوافه و مقتضاها صحة الطواف مع الجهل فى النجاسة و الالتفات فى الاثناء. و النبوي قاصر كما عرفت عن اثبات اعتبار الطهارة مع الجهل فيكون الطواف صحيحا من جهة اعتبار الطهارة فيه.

نعم، لو كان الوجه في اعتبار الطهارة الالتزام بحرمة ادخال النجاسة الى المسجد و لزوم اخراجها و قلنا بان ارتفاعها ظاهرا بالجهل لا يجدي في تصحيح العمل بل المبغوضية الواقعية مؤثرة في

الفساد، كان اللّازم البناء على بطلان الطواف في هذه الصورة، و لكن عرفت انه لا دليل على حرمة ادخال النجاسة الى المسجد.

و عليه، فيصح الطواف في صورة الجهل و الالتفات في الاثناء من جهة شرطية الطهارة. و لكن هناك اشكال من جهة اخرى و هي جواز قطع الطواف و عدمه.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 477

..........

و قد ادعي انه لا يجوز قبل تجاوز النصف، لما ورد فى الحديث من لزوم اعادة الطواف لو كان بعد النصف.

و فيه: انه قياس، إذ قيام الدليل على مبطلية الحدث للطواف قبل النصف لا يستلزم بطلانه بالخبث.

و هناك اشكال من جهة ثالثة، و هي فقدان الموالاة المعتبرة فى الطواف بالخروج للتطهير او التبديل. و قد يدعى أن مقتضى رواية يونس جواز الفصل الكثير. لكن الحق أنها لا إطلاق لها من هذه الجهة، فانها ناظرة الى بيان عدم مانعية النجاسة أما سائر الشروط المعتبرة فى الطواف فلا نظر لها الى نفيها، فالقدر المتيقن دلالتها على جواز الخروج اذا لم تفت به الموالاة.

فلذلك لا معارضة بينها و بين ما دل على اعتبار الموالاة و عدم جواز الفصل الكثير.

و أما رواية حبيب بن مظاهر، قال: «ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا فاذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلته ثم جئت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: بئس ما صنعت، كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت ... «1»».

فهي- أيضا- غير ناظرة الى جواز الفصل الكثير، مع انها ضعيفة السند.

و نتيجة ما ذكرنا: ان الجهل بالنجاسة مع الالتفات إليها في الاثناء لا يضر من حيث شرطية الطهارة لكنه يضر من حيث اعتبار الموالاة

فى الطواف. نعم لو استطاع التطهير او التبديل بلا فوات الموالاة صح عمله.

و لا يخفى أن هذه الجهة من الاشكال لا تتأتى لو علم بالنجاسة بعد العمل. فلاحظ.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 41: من أبواب الطواف، ح 2.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 478

[الخامسة: يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة]

الخامسة:

يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة، و لو في الاوقات التي تكره، لابتداء النوافل (460).

و لو طاف فى النجاسة عن جهل بالحكم، فهو كجاهل الموضوع لقصور الدليل مع شمول مرسلة البزنطي له، فتدبر.

______________________________

(460) بلا خلاف و لا اشكال كما فى «الجواهر «1»» و استدل له بإطلاق أدلة صلاة الطواف و خصوص ما دل على الجواز في هذه المسألة، ك:

رواية رفاعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر أ يصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ فقال: «نعم، أ ما بلغك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا بني عبد المطلب، لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف «2»».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «اذا فرغت من طوافك فائت مقام ابراهيم فصل ركعتين- الى ان قال:- و هاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصليهما في أي الساعات [أي ساعة، خ ل] شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخرها ساعة تطوف و تفرغ فصلّهما «3»» و غيرهما.

و رواية معاوية تتكفل بصراحة نفي الكراهة، فتعارضها رواية محمد بن

______________________________

(1)- النجفي، الشيخ محمد حسن: جواهر الكلام، ج 19: ص 324، الطبعة الاولى.

(2)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 76: من أبواب الطواف، ح 2.

(3)- المصدر، ح 3.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 479

..........

مسلم، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن ركعتي طواف الفريضة؟ فقال: وقتهما اذا فرغت من طوافك، و أكرهه عند اصفرار الشمس و عند طلوعها «1»».

و أما روايته الاخرى، قال: «سئل عن أحدهما عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر قال: يطوف و يصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها «2»»، فلا تعارض رواية معاوية لأن موضوعها مطلق الطواف أعم من الفريضة و النافلة، فيمكن تقييدها برواية معاوية.

و قد حملت روايته الاولى على التقية. و فيه أن ظاهر بعض النصوص ان العامة تبني على عدم الكراهة و انها لم تأخذ عن الحسنين عليهما أفضل الصلاة و السلام سوى ذلك فكيف يحمل ما دل على الكراهة على التقية؟!

فالمتعين الجمع بينهما بما فى «المدارك «3»» من ان رواية معاوية تنفي المرتبة الشديدة من الكراهة و رواية محمد بن مسلم تثبت مرتبة اخرى من الكراهة.

و الاختلاف بين النصوص نفيا و اثباتا بلحاظ تعدد المراتب فى الحكم التنزيهي غير عزيز.

هذا بالنسبة الى صلاة طواف الفريضة.

و أما صلاة طواف النافلة، فمقتضى الجمع بين مثل رواية معاوية و رواية محمد بن مسلم الثانية كراهة ايقاعها عند طلوع الشمس و عند احمرارها، و قد ورد النهي عنها بالخصوص في رواية ابن بزيع، قال: سألت الرضا عليه السّلام عن صلاة طواف التطوع بعد العصر فقال: «لا، فذكرت قول آبائه ان الناس لم يأخذوا عن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 76: من أبواب الطواف، ح 7.

(2)- المصدر، ح 8.

(3)- العاملي، السيد محمد: مدارك الاحكام، ج 8: ص 147، ط مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج،

ج 2، ص: 480

..........

الحسن و الحسين عليهما السّلام الا الصلاة بعد العصر بمكة، فقال: نعم، و لكن إذا رأيت الناس يقبلون على شي ء فاجتنبه، فقلت: إن هؤلاء يفعلون، فقال: لستم مثلهم «1»». و عدم وضوح المقصود «2» من قوله: «فقلت: إن هؤلاء ...» لا يضر بدلالتها على المدعى بلحاظ صدرها.

ثم إنه قد يتخيل منافاة رواية علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الذي يطوف بعد الغداة و بعد العصر و هو في وقت الصلاة أ يصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ «قال: لا «3»،» لمثل رواية معاوية بن عمار.

و لكن الظاهر ان موضوعها يختلف عما نحن فيه، فان السؤال فيها عن مشروعية صلاة الطواف مع وجوب فريضة الوقت. و لا نظر لها الى كون الوقت مما تكره فيه النافلة.

ثم إنه لو التزمنا بظاهر رواية ابن يقطين تعين الحكم بعدم جواز صلاة الطواف مع عدم اتيان فريضة الوقت، و على أي حال فهو حكم آخر و لعله يأتي الكلام فيه في مجال آخر، و لا وجه لحمل النص على صورة تضيق وقت الحاضرة لعدم القرينة عليه. فتدبر.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 76: من أبواب الطواف، ح 10.

(2)- اذ لا معنى للاخبار عن فعل هؤلاء بعد فرض فعلهم قبله، ثم ما هو المراد من الجواب اعني قوله: «لست مثلهم؟!» و أي جواب هو؟ هذا مع ما في قوله: «و لكن اذا رأيت ...» من الخفاء مما لا يخفى إذ لا يمكن الالتزام بهذه الكلية مع فرض ان استنادهم فى العمل الى من يصح الاستناد إليه و هو المعصوم. فالتفت.

(3)- وسائل الشيعة، ج 9/ باب 76: من أبواب الطواف، ح 11.

المرتقى إلى الفقه

الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 481

فهرس الموضوعات

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 483

المقدمة الرابعة فى المواقيت 7

العقيق ميقات اهل العراق 7

مسجد الشجرة ميقات اهل المدينة 9

حكم احرام الجنب الّذي لا يتمكن من الغسل 10

الجحفة ميقات اختيارى لاهل المدينة أم لا؟ 12

الجحفة ميقات اهل الشام 16

ميقات من منزله أقرب من الميقات 17

اهل مكة من حيث احرامهم 18

محاذاة اقرب المواقيت: ميقات من لم يمر على المواقيت 22

من لم يمر على الميقات و لا على محاذيه يحرم من محل بينه و بين مكة 24

حكم من حج عن طريق الجوّ 26

حكم احرام الصبيان من فخ 28

عدم انعقاد الاحرام قبل هذه المواقيت 29

نذر الاحرام قبل الميقات 30

حكم احرام من اراد درك عمرة رجب خاف فوت الشهر 31

حكم من اخر احرامه عن الميقات لمانع ثم زال العذر 32

لزوم العود الى الميقات فى الفرض المذكور 35

حكم المغمى عليه عند الميقات 37

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 484

حكم ترك الاحرام من الميقات ناسيا 38

حكم من تجدد له إرادة النسك 39

حكم من اراد النسك و لم يحرم من الميقات عمدا 40

حكم من نسبى الاحرام حتى اكمل مناسكه 42

تفضيل عن المحقق الثاني رحمه اللّه بين كون المنسى هو نية الاحرام أو التلبية 44

الركن الثانى: فى افعال الحج القول فى الاحرام 48

مستحبات الاحرام 49

الغسل للاحرام واجب أم مستحب؟ 50

بدلية التيمم عن الغسل مع عدم التمكن من الماء 51

لزوم الغسل لو اتى بما لا يجوز على المحرم او عدمه 52

تقديم الغسل على الميقات 52

عدم لزوم اعادة الغسل لو نام بعد الغسل 53

لزوم اعادة الاحرام لو اتى به من غير غسل ثم ذكر 54

لزوم الاحرام عقيب الفريضة 55

عدم مشروعية صلاة الاحرام في وقت الفريضة 56

حقيقة الاحرام 60

واجبات الاحرام: النية 63

اعتبار قصد النوع من حج او عمرة 64

حكم ما لو نوى نوعا و نطق بغيره 67

حكم الاخلال بالنية عمدا أو سهوا 67

ما لو علق نية احرامه على احرام الغير مع الجهل بالنوع 69

مناقشة صاحب الجواهر الشيخ فى العدول عن الافراد 70

ما لو نسى بما ذا احرم 71

وجوب التلبية 73

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 485

عدم انعقاد الاحرام إلا بالتلبية 74

صورة التلبية 76

اعتبار خصوصية الصيغة المعروفة 77

لزوم تأخير التلبية عن الميقات 79

لزوم التلبية بعد الاشعار أو التقليد للقارن 80

وجوب لبس ثوبي الاحرام 82

حكم الاحرام فيما لا يجوز لبسه فى الصلاة 83

حكم الاحرام فى الحرير للنساء 86

لبس اكثر من ثوبين 89

لبس القباء للمحرم 90

كيفية لبس القباء 92

الاحرام بالحج قبل التقصير 93

انعقاد الافراد بالتلبية 96

احرام الصبي 97

هدي الصبي على الولي 98

اشتراط الاحلال عند الحصر 101

وجوه استدل بها على التحلل بمجرد الاحصار و المناقشة فيها 102

كلام صاحب الجواهر في فائدة الاشتراط و المناقشة فيه 105

وجوب الحج من القابل على المحصور 107

مندوبات الاحرام 107

تروك الاحرام: 1- صيد البر 110

حكم ذبيحة المحرم على المحل 111

حكم لحم الصيد لو اشار المحرم الى الصيد 113

حرمة فرخ الصيد و بيضه 114

جراد صيد برّى

115

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 486

تأسيس الاصل عند الشك في كون المصيد بريا بحريا 116

2- النساء وطئا و لمسا بشهوة 118

حرمة العقد على المحرم له و لغيره 119

حكم الشهادة على العقد للمحرم 121

حكم التقبيل بالشهوة 124

النظر بالشهوة 126

حرمة الاستمناء على المحرم 129

لو اختلف الزوجان فى العقد و مقتضى الاصل فيه 130

قول بتنصيف المهر عند إنكار المرأة وقوع العقد فى الاحرام 133

الوكالة فى العقد 135

حكم شراء الامة فى حال الاحرام 137

3- الطيب 138

استثناء خلوق الكعبة من الحرمة 143

حكم ثبات الطيب 143

مناقشة فيما استدل به على حرمة شم مطلق الرائحة الطيبة 144

حكم الامساك عن الرائحة المنتنة 146

كيفية الجمع بين النهي عن مس الطيب و جواز غسله بيده 147

حكم دوران الامر بين صرف الماء فى الطهارة، أو غسل الطيب 148

4- لبس المخيط للرجال 150

استثناء القفازين من عموم الجواز للمرأة 153

جواز لبس الغلالة للحائض 155

5- الاكتحال بالسواد 157

6- النظر فى المرآة 160

7- لبس الخفين 163

8- الفسوق 165

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 487

9- الجلال 169

10- قتل هوام الجسد 176

نصوص تدل على حرمة إلقاء الهوام 178

جواز القاء القراد و الحلم 179

11- لبس الخاتم للزينة 180

حكم لبس لامرأة الحلي للزينة 181

12- استعمال دهن فيه طيب 185

13- ازالة الشعر 187

ثبوت الفدية 189

حكم قطع المحرم شعر غيره 192

14- تغطية الرأس 194

ما المراد من الرأس 195

حرمة التغطية تشمل التغطية بكل شي ء أم لا 196

الحاق الارتماس بالتغطية

198

ستر الرأس باليد 199

حكم تغطية الوجه 200

جواز التغطية للمرأة 203

تغطية المرأة المحرمة وجهها 204

15- التظليل 209

المناقشة فى النصوص الدالة على التحريم 211

المناقشة فى الاستدلال على التحريم بما دل على الاضحاء 215

عدم حرمة التظليل في حال النزول و الاستقراء 216

التظليل الجانبي 217

التظليل فى الليل 218

عدم جواز تظليل زميل العليل 218

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 488

اخراج الدم 220

17- قص الاظفار 223

18- قطع الشجر و الحشيش 225

ما استثنى من حرمة القطع 228

19- تغسيل المحرم بعد الموت بالكافور 230

20- لبس السلاح 231

مكروهات الاحرام: 1- الاحرام فى الثياب المصبوغة بالسواد 232

2- النوم مع الثياب المصبوغة بالسواد 234

3- الاحرام فى الثياب الوسخة 234

4- لبس الثياب المعلمة 235

5- استعمال الحناء للزينة 236

6- النقاب للمرأة 238

7- دخول الحرم 238

8- تدليك الجسد فى الحمام 239

9- تلبية من يناديه 239

10- استعمال الرياحين 240

وجوب الاحرام لدخول مكة 242

وجوب الاحرام لدخول الحرم 242

محل الاحرام لمن لم يمر على الميقات 244

لزوم نية الحج او العمرة لدخول مكة 245

حكم القضاء عند ترك الاحرام لدخول مكة 246

جواز دخول المملوك الحرم بغير احرام 247

جواز ترك الاحرام لدخول مكة اذا نوى الرجوع 248

حكم الحطاب و الحشاش 252

المرأة تحرم عند الميقات و لو كانت حائضا 254

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 489

الوقوف بعرفات 256

استحباب الخروج يوم التروية 257

استحباب الخروج بعد صلاة الظهرين 258

استحباب المبيت بمنى 261

مشروعية الاحرام في يوم التروية و الذهاب الى

عرفات 263

استحباب الاقامة فى منى الى طلوع الشمس للامام 264

واجبات الوقوف: النية 265

الكون بها الى الغروب 266

تحديد العرفات 267

الافاضة قبل الغروب ناسيا او جاهلا 271

مبدأ اختياري عرفة و منتهى اضطرارية 277

حكم الذهاب الى عرفات ما لو شك فوات المشعر قبل طلوع الشمس 279

من ادرك اختياري عرفة خاصة و لم يدرك المشعر اصلا 282

تعدية الحكم من الجاهل الى الناسي و المضطر 283

صحة جمع من ادرك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر 287

روايات تدل على عدم صحة الجمع بادراك اضطراري المشعر خاصة و المناقشة فيها 290

ما لو ادرك خصوص اضطراري المشعر 294

مندوبات الوقوف: الوقوف في ميسرة الجبل فى الفسح 295

الدعاء 296

كراهة الوقوف في اعلى الجبل 299

وقوف بالمشعر 300

مستحبات اخرى للوقوف 300

واجبات الوقوف: النية 302

حد المشعر 304

ما لو جن او نام او اعنى عليه و نية الوقوف 305

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 490

تحديد وقت الركن من الوقوف بالمشعر 306

افاضة قبل الفجر 306

المبيت ليلا فى المشعر 309

استحباب الوقوف بعد صلاة الفجر 310

وقت الوقوف بالمشعر للمختار و المضطر 311

حكم من لم يقف بالمشعر اصلا 312

من فاته الحج تحلل بالعمرة المفردة 313

استحباب الاقامة لمن فاته الحج 316

استحباب التقاط الحصى بالمشعر 318

شروط ثلاثة للحصى 320

مستحباته و مكروهاته 321

استحباب الافاضة قبل طلوع الشمس لمن عد الامام 323

القول في نزول منى 325

مناسك منى: الاول الرمى 325

واجباته 327

مستحباته ستة 329

الثاني: الذبح 333

الواجب على المتمتع هو الهدى 333

وجوب الهدي على المكي المتمتع 336

تخيير المولى بين الهدي عن المملوك أو أمره بالصوم 337

النية شرط فى الذبح 338

وجوب الذبح بمنى 339

عدم اجزاء هدي واحد فى الواجب الا عن واحد 340

عدم وجوب بيع ثياب التجمل فى الهدي 343

عدم اجزاء ذبح هدي الضال عن صاحبه 345

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 491

حكم اخراج شي ء مما يذبحه عن منى 348

وقت الذبح 350

صفات الهدي 354

صفات لم تجز الهدي معها 357

مستحبات الهدي 361

تقسيمه اثلاثا 364

الثالث: فى البدل 367

حكم من فقد الهدي و ثمنه 370

لزوم توالي صوم الثلاثة 371

لزوم جعل الثالث بعد النظر لو لم يتفق التوالي 373

جواز تقديم صوم الثلاثة 375

لزوم وقوع الثلاثة في ذى الحجة 377

وجه ان الهدي بعد صوم ثلاثة ايام 379

صوم سبعة ايام و لا يشترط فيها الموالاة 381

قضاء الجميع أم خصوص الثلاثة عمن مات و لم يصم 384

الهدي من الحقوق المالية 386

الرابع: في هدي القران 387

مكان ذبح أو نحر الهدي 388

صحة جعل الهدي كفارة أو نذر 390

ما لو عجز هدى السياق عن الوصول إلى محل النحر 391

التصدق بالهدي 394

اجزاء ذبح واجد الهدي عن صاحبه 395

ركوب الهدي و شرب لبنه 396

الهدي كالكفارات 397

الخامس: فى الاضحية 401

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 492

وقتها فى الامصار ثلاثة ايام 402

جواز ادخار لحم الاضحية 404

اجزاء الهدي الواجب عن الاضحية 405

الثالث: فى الحلق و التقصير 407

الكلام في وجوبه و وقته 407

حكم الصرورة 408

تعيين التقصير على المرأة 412

وقت التقصير 415

مكان

الحلق 417

حكم من ليس على رأسه شعر 420

لزوم الترتيب بين اعمال منى 421

مواطن التحليل 423

تحليل الطيب بعد طواف الزيارة 428

تحليل النساء بعد طواف النساء 430

كراهة لبس الخيط قبل طواف الزيارة 432

وقت زيارة البيت 434

وقت زيارة البيت للقارن و المفرد 437

القول فى الطواف 437

واجباته: الطهارة 439

الطهارة واجب لطواف المستحب أم لا 441

لزوم ازالة النجاسة عن الثوب و البدن 443

عدم اعتبار الختنان فى المرأة 444

في حكم اختنان الصبي للطواف 445

لو دار الامر بين لزوم الاختتان و سقوط الحج 446

مندوبات الطواف: الغسل 447

المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، ج 2، ص: 493

افضلية الغسل من بئر ميمون او من فخ 449

مستحبات لدخول مكة 450

واجباته: الاوّل: النية 451

الثاني: البداءة بالحجر 452

الثالث: الختم به 452

الرابع: ان يطوف على يساره 454

الخامس: ادخال الحجر فى الطواف 455

السادس: اكمال السبع 455

السابع: ان يكون بين البيت و المقام 456

وجوب صلاة الطواف فى الطواف الواجب 458

وجوب القضاء عند النسيان 459

لزوم القضاء على الولي 462

حكم الجاهل و العامد بالصلاة 463

الزيارة فى الطواف 465

حكم الزيارة فى الطواف النافلة 468

محل صلاة الطواف في حال الاختيار 470

محل صلاة الطواف مع الاضطرار 472

الطواف في ثوب النجس 474

جواز اتيان صلاة الطواف في ايّ وقت شاء 478

الفهرس 481

________________________________________

قمّى، سيد محمد حسينى روحانى، المرتقى إلى الفقه الأرقى - كتاب الحج، دو جلد، مؤسسة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الجلي)، طهران - إيران، اول، 1419 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.